منتـــــــــدى الرشــــــــــــــــاد
فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه Ouuoo510

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتـــــــــدى الرشــــــــــــــــاد
فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه Ouuoo510
منتـــــــــدى الرشــــــــــــــــاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتـــــــــدى الرشــــــــــــــــاد

منتـــــــــدى الرشــــــــــــــــاد


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه

2 مشترك

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه Empty فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه الثلاثاء أغسطس 30, 2011 1:04 pm

عمور الصديق

عمور الصديق
الادارة
الادارة

فلينظــــر الإنســـان إلي طــعامه
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار








هذه الآية الكريمة جاءت في مطلع النصف الثاني من سورة عبس‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏42‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لإعراض رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عن ابن أم مكتوم‏,‏ وعبوسه في وجهه‏(‏ وكان رجلا أعمي‏)‏ حين جاء يلتمس العلم الشرعي‏,‏ ورسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مشغول مع جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلي الإسلام‏,‏ فنزلت هذه السورة المباركة معاتبة أفضل خلق الله قاطبة علي هذا الموقف لتؤكد قيمة إسلامية عليا مؤداها المساواة بين الناس علي الرغم من تباين مستوياتهم الاجتماعية‏,‏ وإمكاناتهم المادية من مال وجاه وسلطان‏,‏ والمفاضلة بينهم فقط علي أساس من تقوي الله‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في سورة الحجرات‏:‏

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي‏*‏ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير‏*‏
‏(‏الحجرات‏:13)‏

والمحور الرئيسي للسورة الكريمة يدور حول قضية العقيدة‏,‏ والوحي بها‏,‏ والآخرة وأهوالها‏,‏ وتستدل علي صدق ما جاء بها بخلق الإنسان من نطفة‏,‏ وتقدير صفاته وجنسه‏,‏ وأجله ورزقه‏,‏ وشقي أم سعيد‏,‏ وتيسير سبل الحياة له‏,‏ وسبل الهداية فيها‏,‏ وقد قدر الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه بعد ذلك الموت والبعث والنشور والحساب‏,‏ والخلود في حياة مقبلة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ وكثير من الكافرين تمضي بهم الحياة دون أن يحقق الواحد منهم شيئا من واجباته فيها أو أن يعرف الغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا‏,‏ فينتهي أجله ليلقي الله‏(‏ تعالي‏)‏ صفر اليدين‏,‏ مثقل الكاهل بالذنوب‏.‏ وتستدل السورة الكريمة كذلك بما خلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ من أنواع الطعام لكل من الإنسان والحيوان‏,‏ وتختتم بالحديث عن القيامة وأهوالها‏,‏ وعن تمايز الناس فيها بين مؤمن صادق‏,‏ وكافر فاجر فيقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في ختامها
وجوه يومئذ مسفرة‏*‏ ضاحكة مستبشرة‏*‏ ووجوه يومئذ عليها غبرة‏*‏ ترهقها قترة‏.‏ أولئك هم الكفرة الفجرة‏*‏
‏(‏عبس‏:38‏ ـ‏42).‏

من ركائز العقيدة في سورة عبس
من الركائز التي ألمحت إليها هذه السورة المباركة ما يلي‏:‏
‏(1)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا‏,‏ وبالإسلام دينا‏,‏ وبسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ نبيا ورسولا‏.‏
‏(2)‏ الإيمان بوحدة الجنس البشري‏,‏ وبالأخوة الإنسانية‏,‏ ومن ثم فإن أساس المفاضلة بين الناس يجب أن يكون هو تقوي الله‏(‏ تعالي‏),‏ وخشيته‏,‏ وحسن عبادته‏,‏ وليست المستويات الاجتماعية‏,‏ ولا الإمكانات المادية الزائلة من مال‏,‏ وجاه‏,‏ وسلطان‏.‏

‏(3)‏ الإيمان بأن وحي السماء إلي العباد حق‏,‏ تنقله الملائكة الكرام البررة إلي رسل الله المختارين في الأرض ليبلغوه إلي الناس‏,‏ كل إلي أمته‏.‏
‏(4)‏ الإيمان بأن القرآن الكريم هو آخر صور الوحي المنزلة من الله‏(‏ تعالي‏)‏ هداية للإنسان‏,‏ وتذكرة له‏,‏ فمن شاء منهم اهتدي بهديه‏,‏ ومن لم يشأ فإثمه فوق رأسه‏,‏ وبما أن القرآن الكريم هو الرسالة الخاتمة فهو محفوظ في الأرض وفي السماء‏:‏ في صحف مكرمة‏.‏ مرفوعة مطهرة‏.‏ بأيدي سفرة‏.‏ كرام بررة‏.‏ وقد حفظه الله‏(‏ تعالي‏)‏ منزها عن عبث العابثين من شياطين الإنس والجن‏,‏ وعن أي خلل أو نقص يمكن أن يطوله كما طال الصحف من قبله‏.‏

‏(5)‏ الإيمان الكامل بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الإنسان من نطفة فقدره‏,‏ أي حدد له صفاته‏,‏ وجنسه‏,‏ وأجله ورزقه‏,‏ وشقي أم سعيد‏,‏ ويسر له سبل الخروج إلي الحياة‏,‏ وأساليب الهداية والنجاح فيها‏.‏
‏(6)‏ الإيمان بأن الموت حق علي العباد‏,‏ وأن البعث والنشور حتمي عليهم كذلك‏.‏

‏(7)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ هو الذي أوجد طعام كل من الإنسان وأنعامه‏,‏ وأنبته لهم من الأرض بمختلف أشكاله وألوانه وطعومه بقدرة فائقة تشهد له‏(‏ سبحانه‏)‏ بالألوهية والربوبية‏.‏
‏(Cool‏ الإيمان بالآخرة وأهوالها التي تجعل المرء يفر من أقرب الناس إليه‏,‏ وبحتمية وقوعها‏,‏ وبانقسام الناس فيها بين مؤمن مستبشر سعيد‏,‏ وكافر شقي تعيس‏,‏ وشتان بين المصيرين‏.‏

من الآيات الكونية في سورة عبس




‏(1)‏ خلق الإنسان من نطفة‏,‏ والنطفة في اللغة هي القليل من الماء الذي يعدل قطرة‏,‏ وفي القرآن الكريم يقصد بالنطفة كل من الحيوان المنوي والبييضة‏,‏ فإذا اتحدا سميت اللقيحة الناتجة عن اتحادهما باسم النطفة الأمشاج‏,‏ أي المختلطة‏,‏ ويبدأ مصطلح النطفة من الحيوان المنوي والبييضة وينتهي بطور الحرث‏(‏ الانغراس‏).‏
‏(2)‏ تقدير النطفة‏,‏ ويأتي لفظ التقدير بمعني التروية والتفكير في تسوية أمر من الأمور وتهيئته‏,‏ وتقديره بعلامات تطبع عليه‏,‏ ويقصد بالتقدير هنا ما يعرف اليوم باسم البرمجة الجينية أو تحديد الصفات التي سوف تظهر علي الجنين في المستقبل والتي تعرف باسم الصفات السائدة‏,‏ وكذلك الصفات المتنحية لتظهر في الأجيال المقبلة من نسله‏,‏ وبذلك يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها لذاته ولنسله من بعده إلي يوم الدين‏.‏

ويتضمن التقدير الذي يحدث في النطفة الأمشاج تحديد جنس الجنين ذكرا كان أو أنثي‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثي‏*‏ من نطفة إذا تمني‏*(‏ النجم‏:46,45).‏

‏(3)(‏ ثم السبيل يسره‏):‏ وهي إشارة إلي مرحلة انتهاء الحضانة الرحمية بولادة الجنين‏,‏ وفيها قدر الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ تيسير طريق الجنين لتيسير ولادته‏,‏ وذلك بإفراز العديد من الهرمونات‏,‏ والسوائل المخاطية والأغشيةالتي تعين الجنين علي الخروج بيسر إلي الحياة الصاخبة خارج بطن أمه‏.‏
‏(4)‏ تنبيه الإنسان الغافل‏,‏ والجاحد لنعم الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه‏,‏ كي ينظر إلي طعامه‏,‏ ويتفكر في الذي أعده له بالعديد من العمليات الدقيقة والمرتبة والمسخرة لإنزال المطر ولجعل الأرض قادرة علي الإنبات‏,‏ وخلق مختلف النباتات فيها من ذوات المحاصيل‏(‏ كالحبوب‏,‏ والأعناب‏,‏ والبقول‏,‏ والخضراوات‏,‏ والزيتون‏,‏ والنخيل‏,‏ ومختلف أنواع الفواكه والثمار‏)‏ ومن غير ذوات المحاصيل‏(‏ كالكلأ والعشب‏)‏ مما يحتاجه كل من الإنسان والأنعام في طعامه‏,‏ والطعام ضرورة من ضرورات نمو كل منهما‏,‏ كما أنه لازم لتعويض ما يموت من خلاياه‏,‏ ولازم لبقائه علي قيد الحياة إلي أن يتوفاه الله‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ لكني سوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الأخيرة المتعلقة بدعوة القرآن الكريم للإنسان الجاحد أن ينظر إلي طعامه ليدرك مدي نعم الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه في هذه القضية وحدها التي لخصتها سورة عبس في تسع آيات‏(24:31),‏ وقبل الشروع في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح هذه الآيات التسع المباركات‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
فلينظر الإنسان إلي طعامه‏*‏ أنا صببنا الماء صبا‏.‏ ثم شققنا الأرض شقا‏.‏ فأنبتنا فيها حبا‏.‏ وعنبا وقضبا‏*‏ وزيتونا ونخلا‏*‏ وحدائق غلبا‏*‏ وفاكهة وأبا‏*‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏*‏
‏(‏عبس‏:24‏ ـ‏31)‏

‏*‏ ذكر الطبري‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما نصه‏Sad‏ فلينظر الإنسان‏)‏ يعني‏:‏ الكافر‏(‏ إلي طعامه‏)‏ كيف دبره الله؟ وقيل إلي مدخله فيه ومخرجه‏.(‏ أنا صببنا الماء‏)‏ الغيث‏(‏ صبا‏),(‏ ثم شققنا الأرض‏)‏ بالنبات‏(‏ شقا‏.‏ فأنبتنا فيها حبا‏):‏ حب الزرع‏(‏ وعنبا‏):‏ كروما‏(‏ وقضبا‏)‏ يعني بها‏:‏ الرطبة‏,‏ وأهل مكة يسمون القت‏:‏ القضب‏,(‏ وحدائق غلبا‏)‏ بساتين محوطا عليها‏(‏ غلبا‏):‏ غلاظا يستظل بها‏(‏ وفاكهة‏)‏ من ثمار الأشجار‏(‏ وأبا‏):‏ ما تأكله البهائم من العشب والنبات‏(‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏)‏ تتمتعون بها وتنتفعون‏.‏

‏*‏ وذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ وقوله تعالي‏Sad‏ فلينظر الإنسان إلي طعامه‏)‏ فيه امتنان‏,‏ وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة‏,‏ علي إحياء الأجسام بعدما كانت عظاما بالية وترابا متمزقا‏,(‏ أنا صببنا الماء صبا‏)‏ أي أنزلناه من السماء علي الأرض‏,(‏ ثم شققنا الأرض شقا‏)‏ أي أسكناه فيها فيدخل في تخومها‏,‏ فنبت وارتفع وظهر علي وجه الأرض‏,(‏ فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا‏),‏ فالحب كل ما يذكر من الحبوب‏,‏ والعنب معروف‏,‏ والقضب هو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة‏,‏ ويقال لها القت أيضا‏.‏ قال ذلك ابن عباس وقتادة‏,‏ وقال الحسن البصري‏:‏ القضب العلف‏(‏ وزيتونا‏)‏ وهو معروف‏,‏ وهو أدم وعصيره أدم‏,‏ ويستصبح به ويدهن به‏(‏ ونخلا‏)‏ يؤكل بلحا وبسرا‏,‏ ورطبا وتمرا‏,‏ ونيئا ومطبوخا‏,‏ ويعتصر منه رب وخل‏.(‏ وحدائق غلبا‏)‏ أي بساتين‏,‏ قال الحسن وقتادة‏:‏ غلبا نخل غلاظ كرام‏,‏ وقال ابن عباس ومجاهد‏:‏ كل ما التف واجتمع‏,‏ وقال ابن عباس أيضا‏(‏ غلبا‏)‏ الشجر الذي يستظل به‏,‏ وقال عكرمة‏(‏ غلبا‏)‏ أي غلاظ الأوساط‏,‏ وقوله تعالي‏(‏ وفاكهة وأبا‏)‏ أما الفاكهة فكل ما يتفكه به من الثمار‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ الفاكهة كل ما أكل رطبا‏,‏ والأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس‏,‏ وفي رواية عنه‏:‏ هو الحشيش للبهائم‏,‏ وقال مجاهد‏:‏ الأب الكلأ‏,‏ وعن مجاهد والحسن‏:‏ الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم‏,‏ وعن عطاء كل شيء نبت علي وجه الأرض فهو أب‏,‏ وقال الضحاك‏:‏ كل شيء أنبتته الأرض سوي الفاكهة فهو الأب‏.‏ وقال العوفي‏,‏ عن ابن عباس‏:‏ الأب‏:‏ الكلأ والمرعي‏....‏

‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما نصه‏Sad‏ فلينظر الإنسان‏)‏ نظر اعتبار‏(‏ إلي طعامه‏)‏ كيف قدر ودبر له‏.(‏ أنا صببنا الماء‏)‏ من السحاب علي الأرض‏(‏ صبا‏)‏ أي بغزارة‏.(‏ ثم شققنا الأرض‏)‏ بالنبات‏(‏ شقا‏).(‏ فأنبتنا فيها حبا‏)‏ كالحنطة والشعير‏.(‏ وعنبا وقضبا‏)‏ هو‏:‏ القت الرطب علفا للدواب‏.(‏ وزيتونا ونخلا‏)‏ أي‏:‏ شجرتا الزيتون والنخيل‏.(‏ وحدائق غلبا‏)‏ بساتين كثيرة الأشجار‏.(‏ وفاكهة وأبا‏)‏ ما ترعاه البهائم‏,‏ وقيل التبن‏.(‏ متاعا‏)‏ متعة أو تمتيعا‏...(‏ لكم ولأنعامكم‏)‏ جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم‏.‏
‏*‏ وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ ما نصه‏:‏ وينتقل السياق إلي لمسة أخري في مقطع جديد‏...‏ فتلك هي نشأة هذا الإنسان‏..‏ فهلا نظر إلي طعامه وطعام أنعامه في هذه الرحلة؟ وهي شيء واحد من أشياء يسرها له خالقه؟

هذه قصة طعامه مفصلة مرحلة مرحلة‏,‏ هذه هي فلينظر إليها‏,‏ فهل له من يد فيها؟ هل له من تدبير في أمرها؟ إن اليد التي أخرجته إلي الحياة وأبدعت قصته‏,‏ هي ذاتها اليد التي أخرجت طعامه‏,‏ وأبدعت قصته‏...(‏ فلينظر الإنسان إلي طعامه‏),‏ ألصق شيء به‏,‏ وأقرب شيء إليه‏,‏ وألزم شيء له‏..‏ لينظر إلي هذا الأمر الميسر الضروري الحاضر المكرر‏.‏ لينظر إلي قصته العجيبة اليسيرة‏,‏ فإن يسرها ينسيه ما فيها من العجب‏,‏ وهي معجزة كمعجزة خلقه ونشأته‏,‏ وكل خطوة من خطواتها بين القدرة التي أبدعته‏Sad‏ أنا صببنا الماء صبا‏)..‏ وصب الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة‏,‏ في أية درجة كان من درجات المعرفة والتجربة‏.‏ فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان‏,‏ فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدي وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم ويراه كل أحد‏.‏
واستعار صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله‏)‏ فرضا عن أصل ماء الأرض نقله عن كتاب الإنسان لا يقوم وحده‏(‏ تأليف أ‏.‏ كريس موريسون وترجمه محمود صالح الفلكي بعنوان‏Sad‏ العلم يدعو للإيمان‏)‏ ثم أضاف‏:‏ ذلك كان أول قصة الطعام‏Sad‏ أنا صببنا الماء صبا‏)..‏ ولا يزعم أحد أنه أنشأ هذا الماء في أي صورة من صوره‏,‏ وفي أي تاريخ لحدوثه‏,‏ ولا أنه صبه علي الأرض صبا لتسير قصة الطعام في هذا الطريق‏!.‏

‏(‏ثم شققنا الأرض شقا‏)..‏ وهذه هي المرحلة التالية لصب الماء‏.‏ وهي صالحة لأن يخاطب بها الإنسان البدائي الذي يري الماء ينصب من السماء بقدرة غير قدرته‏,‏ وتدبير غير تدبيره‏.‏ ثم يراه يشق الأرض ويتخلل تربتها‏.‏ أو يري النبت يشق تربة الأرض شقا بقدرة الخالق‏(‏ سبحانه‏)‏ وينمو علي وجهها‏,‏ ويمتد في الهواء فوقها‏..‏ وهو نحيل نحيل‏,‏ والأرض فوقه ثقيلة ثقيلة‏.‏ ولكن اليد المدبرة تشق له الأرض شقا‏,‏ وتعينه علي النفاذ فيها وهو ناحل لين لطيف‏.‏ وهي معجزة يراها كل من يتأمل انبثاق النبتة من التربة‏,‏ ويحس من ورائه انطلاق القوة الخفية الكامنة في النبتة الرخية‏.‏
فأما حين تتقدم معارف الإنسان فقد يعن له مدي آخر من التصور في هذا النص‏,‏ وقد يكون شق الأرض لتصبح صالحة للنبات أقدم بكثير مما نتصور‏.‏ إنه قد يكون ذلك التفتت في صخور القشرة الأرضية بسبب الفيضانات الهائلة‏...,‏ وبسبب العوامل الجوية الكثيرة التي يفترض علماء اليوم أنها تعاونت لتفتيت الصخور الصلبة التي كانت تكسو وجه الأرض وتكون قشرتها‏,‏ حتي وجدت طبقة الطمي الصالحة للزرع‏.‏ وكان هذا أثرا من آثار الماء تاليا في تاريخه لصب الماء صبا‏,‏ مما يتسق أكثر من هذا التتابع الذي تشير إليه النصوص‏.‏

وسواء كان هذا أم ذاك أم سواهما هو الذي حدث‏,‏ وهو الذي تشير إليه الآيتان السابقتان فقد كانت المرحلة الثالثة في القصة هي النبات بكل صنوفه وأنواعه التي يذكر منها هنا أقربها للمخاطبين‏,‏ وأعمها في طعام الناس والحيوان‏Sad‏ فأنبتنا فيها حبا‏)..‏ وهو يشمل جميع ما يأكله الناس في أية صورة من صوره‏,‏ وما يتغذي به الحيوان في كل حالة من حالاته‏.(‏ وعنبا وقضبا‏)..‏ والعنب معروف‏,‏ والقضب هو كل ما يؤكل رطبا غضا من الخضر التي تقطع مرة بعد أخري‏(‏ وزيتونا ونخلا‏.‏ وحدائق غلبا وفاكهة وأبا‏)...‏ والزيتون والنخل معروفان لكل عربي‏,‏ والحدائق جمع حديقة‏,‏ وهي البساتين ذات الأشجار المثمرة المسورة بحوائط تحميها‏.‏ و‏(‏غلبا‏)‏ جمع غلباء أي ضخمة عظيمة ملتفة الأشجار‏.‏ والفاكهة من ثمار الحدائق و‏(‏الأب‏)‏ أغلب الظن أنه الذي ترعاه الأنعام‏....‏

‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏Sad‏ فلينظر الإنسان إلي طعامه‏)‏ كيف دبر‏Sad‏ أنا صببنا الماء صبا‏)‏ أنزلنا له الغيث من السماء إنزالا‏.(‏ ثم شققنا الأرض شقا‏)‏ شققناها بالنبات شقا بديعا‏,‏ لائقا بما يشقها منه صغرا وكبرا‏,‏ وشكلا وهيئة‏.(‏ حبا‏)‏ ما يقتات به الإنسان ويدخره‏,‏ من نحو الحنطة والشعير والذرة‏.(‏ وعنبا‏)‏ يتفكه به‏.(‏ وقضبا‏)‏ علفا رطبا للدواب ويسمي الفصفصة‏,‏ وإذا يبس يسمي القت‏,‏ وسمي قضبا لأنه يقضب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد أخري كالكلأ والبرسيم‏.‏ وقيل‏:‏ القضب ما يقضب من النبات ليأكله الإنسان غضا طريا‏,‏ كالبقول التي تقطع فينبت أصلها‏.(‏ وحدائق‏)‏ بساتين محوطة‏,‏ جمع حديقة‏,‏ وهي ما أحيط من النخل والشجر‏,‏ فإذا لم يحط فليس بحديقة‏,‏ بل هو بستان‏,‏ ومنه أحدقوا به أي أحاطوا به‏.(‏ غلبا‏)‏ عظاما‏,‏ جمع أغلب وغلباء‏.‏ والغلباء هي الحديقة الغليظة الأشجار الملتفة‏.‏ وأصلها من الغلب ـبفتحتينـ بمعني الغلظ‏,‏ يقال‏:‏ غلب ـكفرحـ أي غلظ عنقه‏,‏ ومنه‏:‏ الأغلب للغليظ الرقبة‏,‏ وهضبة غلباء‏:‏ أي عظيمة مشرفة‏.(‏ وأبا‏)‏ الأب‏:‏ الكلأ والمرعي‏,‏ وهو ما تأكله الب
هائم من العشب‏,‏ من أبه‏:‏ إذا أمه وقصده‏,‏ لأنه يؤم ويقصد‏.‏ أو من أب لكذا‏:‏ إذا تهيأ له‏,‏ لأنه متهيء للرعي‏.‏ أو ما تأكله البهائم من العشب والنبات‏,‏ رطبا كان أو يابسا‏.‏ فهو أعم من القضب‏,‏ أو هو التبن خاصة‏.‏
‏*‏ وذكر كل من أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم وصفوة التفاسير كلاهما مشابها لا أري داعيا لتكراره هنا‏.‏

أولا‏:‏ فلينظر الإنسان إلي طعامه‏:‏
من الدلالات العلمية للآيات الكريمة
‏(‏الطعام‏)‏ و‏(‏الطعم‏)‏ هو كل ما يؤكل‏,‏ و‏(‏الطعم‏)‏ تناول الغذاء‏,‏ و‏(‏الطعمة‏)‏ المأكلة‏,‏ ويقال‏Sad‏ طعم‏)(‏ طعما‏)‏ إذا أكل أو ذاق فهو‏(‏ طاعم‏),‏ و‏(‏استطعمه‏)‏ أي سأله أن يطعمه فأطعمه‏.‏
وقد يستعمل الفعل‏(‏ طعم‏)‏ في الشراب أيضا لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي لسان طالوت لجنوده‏:...‏ إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني‏*‏
‏(‏البقرة‏:249).‏

وقول رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصفه لماء زمزم إنه طعام طعم وشفاء سقم‏.‏
ولذلك بدأت هذه المجموعة من الآيات التي تتحدث عن الطعام في سورة عبس بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أنا صببنا الماء صبا‏.‏

ومن الثابت علميا أن الماء سابق في وجوده علي خلق الحياة لأن الحياة الأرضية التي نعرفها لا تقوم بغير الماء الذي أخرجه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ أصلا من داخل الأرض‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يقول‏:‏
والأرض بعد ذلك دحاها‏*‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏*‏
‏(‏النازعات‏30‏ و‏31)‏
وعلي الماء قامت حياة كل من النبات والحيوان والإنسان وأعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ للإنسان كل صنوف الطعام التي يحتاجها في حياته‏,‏ ومن هنا كانت الإشارة إليه لينظر إلي طعامه نظر تدبر وتفكر واعتبار‏.‏

ثانيا‏:‏ أنا صببنا الماء صبا‏:‏
تعتبر دورة الماء حول الأرض من دلالات طلاقة القدرة الإلهية‏,‏ فقبل إخراج ماء الأرض من داخلها عبر فوهات البراكين‏,‏ كان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد هيأها سقفا باردا تتكثف عنده وهو الحد العلوي لنطاق الرجع‏(‏ نطاق التغيرات المناخية‏)‏ الذي تصل عنده درجة الحرارة فوق خط الاستواء إلي‏(60)‏ درجة تحت الصفر‏,‏ ولولا هذه الحقيقة لارتفع بخار الماء المتصاعد من الأرض إلي طبقات الجو العليا وانفلت من نطاق جاذبية الأرض إلي فسحة الكون‏,‏ ولو حدث ذلك ما كنا ولا كانت الحياة من حولنا علي الإطلاق‏.‏
وعند وصول بخار الماء المتصاعد من الأرض إلي الحد الأعلي لنطاق الرجع تكثف وعاد إلي الأرض مطرا‏,‏ وساعد تكرر نزول المطر علي تبرد الغلاف الصخري للأرض‏,‏ كما ساعد علي سيلان الماء علي سطح الأرض شاقا أودية له علي هيئة أعداد من الأنهار والجداول‏,‏ وعلي تحركه إلي منخفضات الأرض ليملأها بالماء مكونا البحار والمحيطات والبحيرات وغير ذلك من تجمعات الماء علي سطح الأرض‏,‏ وبمجرد تكون ذلك بدأت أشعة الشمس في تبخير هذا الماء ليرتفع علي هيئة بخار يعلق بأجزاء من الغلاف الغازي للأرض مكونا السحب التي يتكثف منها الماء ليعود إلي الأرض مطرا‏,‏ وبردا‏,‏ وثلجا‏.‏

وقد استمرت دورة الماء حول الأرض منذ أن أخرج الله‏(‏ تعالي‏)‏ منها ماءها وسوف تستمر إلي أن يرث الأرض ومن عليها‏.‏
وبهذه الدورة المعجزة التي يتحرك بها الماء من غلاف الأرض المائي إلي غلافها الهوائي ليتطهر مما يتجمع فيه من ملوثات‏,‏ ومواد يذيبها من الغلاف الصخري للأرض‏,‏ أو تعلق به في أثناء جريانه علي سطحها‏,‏ أو من بقايا بلايين الكائنات الحية التي تحيا وتموت في الأوساط المائية‏.‏ وتمتد دورة الماء من نحو الكيلو متر الواحد تحت سطح الأرض إلي ارتفاع يقدر بنحو خمسة عشر كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ فتعمل علي تطهير الماء‏,‏ وتلطيف الجو‏,‏ وتوفير نسبة معينة من الرطوبة في كل من الغلاف الغازي للأرض وتربتها تحتاج إليه غالبية صور الحياة إن لم تكن جميعها خاصة في المناطق الصحراوية‏.‏

وبواسطة هذه الدورة المائية التي استمرت علي مدار عمر الأرض المقدر بنحو خمسة بلايين من السنين تمت تسوية سطح الأرض‏,‏ وشق الفجاج والسبل فيها‏,‏ كما تم تفتيت الصخور‏,‏ وتكوين كل من التربة والصخور الرسوبية‏,‏ وخزن قدر من هذا الماء فيها وفي غيرها من صخور قشرة الأرض‏,‏ وتكوين أعداد من الصخور الاقتصادية والركازات المعدنية المهمة‏.‏
ولولا هذا الإعداد الرباني الدقيق ما أنبتت الأرض‏,‏ ولا كانت صالحة للعمران‏,‏ ولذلك يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ـوهو صاحب الفضل والمنةـ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ أنا صببنا الماء صبا أي أنزلنا الغيث من السماء إنزالا‏,‏ لأن صب الماء هو إراقته من أعلي‏,‏ والصبيب هو المصبوب من المطر وإن استعمل لغيره من السوائل‏,‏ فإذا علمنا أن كمية الماء الأرضي تقدر بنحو‏1.4‏ بليون كيلو متر مكعب‏,‏ وأن من هذه الكمية الهائلة التي أخرجها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لنا من داخل الأرض‏,‏ يتبخر سنويا‏380‏ ألف كيلو متر مكعب‏,‏ ثم تعود كلها إلي الأرض مرة أخري مطرا طهورا‏,‏ يوزعه الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعلمه‏,‏ وحكمته‏,‏ وقدرته‏,‏ إذا علمنا ذلك لأدركنا قيمة هذه النعمة الإلهية الكبري التي وصفها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بقوله‏:‏ أنا صببنا الماء صبا‏,‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا‏*‏ لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا‏(‏ الفرقان‏:49,48).‏

ثالثا‏:‏ ثم شققنا الأرض شقا
ترد كلمة الأرض في القرآن الكريم بثلاثة معان محددة لتعني كوكب الأرض في مجمله‏,‏ أو الغلاف الصخري المكون لليابسة التي نحيا عليها‏,‏ أو قطاع التربة الذي يغطي ذلك الغلاف الصخري في بعض أجزائه‏,‏ كما هو واضح من الآية الكريمة التي نحن بصددها لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ثم شققنا الأرض شقا‏.‏ فأنبتنا فيها حبا
وذلك لأن الحب لا ينبت إلا في التربة‏,‏ وكذلك الغالبية الساحقة من النباتات‏.‏

وتتكون تربة الأرض بالتفاعل المعقد بين أغلفتها الصخرية‏,‏ والمائية‏,‏ والهوائية‏,‏ والحيوية‏,‏ مما يؤدي إلي التفكك الفيزيائي والتحلل الكيميائي والحيوي لصخور الأرض بواسطة عوامل التعرية المختلفة‏,‏ وتلعب الكائنات الحية من مثل البكتيريا‏,‏ والفطريات‏,‏ والطحالب‏,‏ وجميع النباتات‏,‏ وبعض الحيوانات دورا رئيسيا في تكون التربة التي تعتبر مصدر الغذاء والماء لحياة كل النباتات الأرضية‏,‏ بل لحياة كل من الإنسان والحيوان‏.‏
وتتكون التربة الأرضية في قطاعها العلوي أساسا من معادن الصلصال‏,‏ وحبات الرمل‏,‏ وأكاسيد الحديد‏,‏ وكربونات كل من الكالسيوم والمغنيسيوم‏,‏ وإن كانت أنواع التربة تتعدد تعددا هائلا بتعدد أنواع الصخور التي تنشأ عنها‏,‏ والظروف الطبيعية والكيميائية التي تتعرض لها‏,‏ وأنواع الكائنات الحية التي تزخر بها‏,‏ والتي تلعب أدوارا رئيسية في إعدادها‏.‏

وعلي الرغم من ذلك تبقي المعادن الصلصالية قاسما مشتركا في معظم أنواع تربة الأرض‏,‏ والمعادن الصلصالية لها شراهة شديدة للماء‏,‏ فإذا وصلها امتصته بسرعة فتميأت مما يؤدي إلي زيادة حجمها فتهتز وتربو إلي أعلي حتي ترق رقة شديدة‏,‏ فتنشق لتفسح طريقا آمنا لسويقة‏(‏ ريشة‏)‏ النبتة المنبثقة من داخل البذرة النابتة المدفونة في التربة‏,‏ ومن هنا كانت تلك الإشارة القرآنية المعجزة في هذه السورة المباركة التي جمعت بين صب الماء‏,‏ وشق الأرض‏,‏ والإنبات في تسلسل دقيق معجز يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أنا صببنا الماء صبا‏*‏ ثم شققنا الأرض شقا‏*‏ فأنبتنا فيها حبا‏*(‏ عبس‏:25‏ ـ‏27).‏

ومن أسباب اهتزاز التربة وارتفاعها حتي تنشق دقة حجم حبيبات المعادن الصلصالية‏(‏ أقل من‏0.004‏ من الملليمتر‏)‏ التي تتحول إلي الحالة الغروية بمجرد اختلاط الماء بها بكمية كافية‏,‏ وهي حالة تتدافع فيها جسيمات المادة بقوة وأقدار غير متساوية في جميع الاتجاهات‏,‏ وعلي كل المستويات في حركة دائبة تؤدي إلي اهتزاز التربة وانتفاخها وانتفاضها بشدة حتي تنشق‏,‏ وكلما زادت كمية الماء المختلط بالتربة زاد اهتزازها وارتفاعها وسارع ذلك في تشققها بإذن الله‏(‏ تعالي‏).‏
رابعا‏:‏ فأنبتنا فيها حبا‏*‏ وعنبا وقضبا‏*‏ وزيتونا ونخلا‏*‏ وحدائق غلبا‏*‏ وفاكهة وأبا‏*‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏*:‏

هذا التسلسل المعجز في ست آيات قصار يكاد يشمل جميع النباتات التي تصلح طعاما ومتاعا لكل من الإنسان وأنعامه‏..‏
‏(1)‏ فالكلمة‏Sad‏ حبا‏)‏ تشمل جميع أنواع الحبوب‏(‏ من ذوات الفلقة الواحدة‏)‏ من مثل القمح‏,‏ والشعير‏,‏ والشوفان‏,‏ والذرة‏,‏ والأرز‏,‏ وغيرها‏,‏ وتنطوي هذه النباتات في عائلة واحدة تعتبر من أكثر النباتات نجاحا لأنها تسود مساحات من اليابسة أكثر من أية نباتات أخري‏,‏ وتعرف هذه العائلة باسم عائلة النجيليات‏(‏ العائلة النجيلية‏)‏ وتشمل نحو سبعة آلاف نوع من أنواع النباتات‏,‏ وهي أهم عائلة نباتية بالنسبة لكل من الإنسان والحيوانات آكلة الأعشاب كالأنعام‏,‏ لأن جميع أنواع الحبوب اللازمة لحياة كل منهما تنطوي في هذه العائلة‏,‏ وقد أنبتها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قبل خلق الإنسان بملايين السنين‏,‏ وأخذ الإنسان في زراعتها منذ أيام ما قبل التاريخ‏.‏

وبالإضافة إلي هذه المحاصيل المهمة من الحبوب تضم عائلة النجيليات محاصيل أخري مهمة من مثل قصب السكر‏,‏ وأعشاب المراعي‏,‏ ومنها الحولية والمعمرة‏,‏ كما تضم بعض النباتات الخشبية من مثل نبات الخيزران‏.‏
‏(2)‏ والتعبير القرآني‏:‏ وعنبا وقضبا أيضا تعبير معجز لأن‏(‏ العنب‏)‏ يشير إلي رتبة كاملة من نباتات الثمار المهمة هي رتبة العنابيات‏,‏ وتشمل عائلتين مهمتين هما‏:‏ عائلة العناب وتشمل‏(45)‏ جنسا‏,‏ و‏(550)‏ نوعا من أنواع النباتات واسعة الانتشار من مثل العناب‏,‏ والنبق‏,‏ وعائلة الأعناب‏,‏ وتشمل‏(11)‏ جنسا‏,‏ و‏(600)‏ نوع من أنواع العنب وهو واحد من أهم المحاصيل النباتية‏.‏

أما‏(‏ القضب‏)‏ و‏(‏القضبة‏)‏ فهو الرطب من ثمار النبات‏,‏ و‏(‏القضب‏)‏ أصلا هو القطع‏,‏ و‏(‏اقتضبه‏)‏ أي اقتطعه‏,‏ ولذا استعير‏(‏ القضب‏)‏ لما يقضب من النبات ليأكله الإنسان غضا طريا كالبقول التي تقطف ثمارها فينبت مكانها‏,‏ أو تقطف النبتة فينبت أصلها‏,‏ وفي ذلك إشارة إلي العائلة البقولية‏,‏ وهي ثاني أكبر عائلة نباتية بذرية يعتمد عليها كل من الإنسان وأنعامه في طعامه‏,‏ بعد العائلة النجيلية‏,‏ وهي عائلة نباتاتها منتشرة في جميع أنحاء العالم‏,‏ وتشمل نحو‏(600)‏ جنس‏,‏ و‏(12.000)‏ نوع من أنواع النباتات ذات الفلقتين وتشمل فيما تشمل‏:‏ الفول‏,‏ العدس‏,‏ الحمص‏,‏ الفاصوليا‏,‏ اللوبيا‏,‏ البازلاء‏,‏ فول الصويا‏,‏ الفول السوداني‏,‏ الترمس‏,‏ الحلبة‏,‏ الخروب‏,‏ التمر هندي‏,‏ وغيرها‏,‏ وكلها من ذات الثمار القرنية‏,‏ ولذلك تعرف أحيانا باسم العائلة القرنية‏.‏
كذلك تشمل هذه العائلة نبات البرسيم الحجازي الذي يعتبر علفا رئيسيا للحيوانات آكلة الأعشاب كالأنعام‏,‏ وغيرها من أعشاب المراعي والأعلاف‏,‏ ونباتات الزهور‏,‏ والنباتات الطبية‏.‏

‏(3)‏ والتعبير القرآني‏:‏ وزيتونا ونخلا‏:‏ يشير إلي عائلتين من أهم العائلات النباتية هما العائلة الزيتونية‏,‏ والعائلة النخيلية‏,‏ والأولي تشمل‏(22)‏ جنسا‏,‏ و‏(500)‏ نوع من أنواع الأشجار الزيتونية وهي أشجار معمرة‏,‏ فأشجار الزيتون تعيش لأكثر من ألفي سنة‏,‏ وهي شجرة مباركة كما وصفها القرآن الكريم ونعتتها أحاديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏ أما العائلة النخيلية فتشمل‏(200)‏ جنس‏,‏ وأكثر من أربعة آلاف نوع من أنواع النخيل‏,‏ والنخيل من أكثر النباتات احتمالا للجفاف والملوحة‏,‏ وتنمو في المناطق الحارة الجافة والمعتدلة‏,‏ وثمارها ومنتجاتها تعتبر من أهم المصادر النباتية التي اعتمد عليها الإنسان في حياته منذ وطئت قدماه هذه الأرض‏.‏
‏(4)‏ والتعبير القرآني‏Sad‏ حدائق غلبا‏)‏ أي حدائق عظاما‏,‏ غليظة الأشجار ملتفة الأغصان‏,‏ لتشمل الغالبية الباقية من أنواع النباتات‏,‏ خاصة نباتات الظل‏,‏ والزينة‏,‏ والأخشاب‏,‏ كما تشمل الكثير من نباتات الثمار المختلفة التي لا تنضوي في المجموعات السابقة‏.‏

‏(5)‏ أما التعبير القرآني‏:‏ وفاكهة وأبا فيركز علي نباتات الفاكهة المختلفة التي لا تحتويها المجموعات السابقة من مثل العائلات التوتية‏(‏ وتشمل التين‏,‏ والجميز‏,‏ والتوت‏,‏ وغيرها‏),‏ والوردية‏(‏ وتشمل المشمش‏,‏ والخوخ‏,‏ والبرقوق‏,‏ والكريز‏,‏ واللوز في تحت العائلة المشمشية‏,‏ والتفاح‏,‏ والكمثري‏,‏ والبشملة‏,‏ والسفرجل في تحت العائلة التفاحية‏)‏ والسذبية‏(‏ عائلة الموالح‏)‏ وغيرها‏.‏
أما‏(‏ الأب‏)‏ فهو الكلأ والمرعي‏,‏ وما تأكله البهائم كالأنعام من العشب‏,‏ وغيره من أنواع النبات رطبا كان أو يابسا‏(‏ مثل التبن‏).‏

وهكذا نري في هذا التسلسل المعجز لخمس آيات قصار لا تشغل أكثر من سطرين استعراضا لأهم النباتات التي تشكل الطعام الرئيسي لكل من الإنسان وأنعامه‏,‏ ولذا ختمت بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)Sad‏ متاعا لكم ولأنعامكم‏).‏
وعلوم تقسيم الحياة بصفة عامة‏,‏ وعلم تقسيم النبات بصفة خاصة هي علوم مستحدثة في تاريخ الإنسان‏,‏ بدأت مع منتصف القرن الثامن عشر الميلادي‏,‏ ولم تتبلور إلا في أواخر القرن العشرين‏.‏ واستعراض الآيات التي نحن بصددها لأهم مجموعات النبات في طعام كل من الإنسان وأنعامه بهذه البساطة‏,‏ والدقة‏,‏ والشمول‏,‏ والإحاطة‏,‏ لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد بالنبوة والرسالة للرسول الخاتم الذي تلقاه‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏..‏ والحمد لله رب العالمين‏..‏


















http://amoralsdek.blogspot.com

رشادعوض الله السيد

رشادعوض الله السيد
المدير العام
المدير العام

شكرا
لك
موضوع
جميل
والكاتب
اجمل

واصل واستمر

https://alrashad.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى