ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون*
بقلم: د. زغـلول النجـار
هذه الآية الكريمة جاءت في الخمس الأخير من سورة الذاريات, وهي سورة مكية, وآياتها ستون آية بعد البسملة, ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الاسلامية ومن ركائزها التي جاءت بها هذه السورة المباركة مايلي:
(1) الايمان بالله( تعالي) رب السماء والأرض, إلها واحدا أحدا ـ بغير شريك ولاشبيه ولامنازع.
(2) الايمان بالبعث بعد الموت, وبالجزاء في الآخرة, علي الرغم من اختلاف الناس بشأنهما, لأنه لايصرف عن الايمان بحتميتهما إلا صاحب هوي أو جنون.
(3) الإيمان بالنار وعذابها, وبأنها مآل الكافرين والمشركين, والضالين المكذبين بالله وملائكته, وكتبه ورسله, المنكرين ليوم الدين, والقائلين فيه بالظن والتخمين, أو اللاهين عنه والمتشككين في وقوعه, حتي يسألوا عنه سؤال المستهزئ به والمستبعد لامكانية تحقيقه...!! وهؤلاء تؤكد السورة الكريمة حتمية هلاكهم وورودهم إلي النار التي كانوا بها يستعجلون.
(4) الايمان بالجنة ونعيمها, وبأنها مآل المتقين, الذين يحسنون العمل في الدنيا, ومن مظاهر هذا العمل الحسن: قلة النوم بالليل, وكثرة الاستغفار بالأسحار, وإخراج المال للسائل والمحروم.
(5) الايمان بملائكة الله المقسمات الأمور المقدرة بين الخلق علي ما أمرت به.
(6) الايمان برسل الله وأنبيائه أجمعين, الذين أرسلوا لانذار الناس من أخطار الشرك بالله ومن عذاب يوم عظيم, وطولبوا بمداومة التذكير والوعظ بذلك.
(7) الايمان بكل ما جاء بالقرآن الكريم عن عقاب العاصين من أبناء الأمم السابقة, الذين أنكروا رسالات ربهم, واستهزأوا برسله, متهمين إياهم بالسحر أو الجنون.
( الايمان العميق بأن الله( تعالي) لم يخلق كلا من الجن والإنس إلا لعبادته بما أمر.
(9) الايمان بأن الله( تعالي) هو الرزاق ذو القوة المتين.
(10) الايمان بأن لكل ظالم حظه من عذاب الله, وأن هذا العذاب واقع به حتما في الدنيا قبل الآخرة, كما نزل بالظالمين والكفار والمشركين من أبناء الأمم السابقة.
وتدعو سورة الذاريات إلي التأمل في آيات الله المبثوثة في الارض وفي الأنفس. وفي الآفاق, وإلي استخلاص ما فيها من دلائل علي الايمان بالله, واليقين بوحدانيته, كما تدعو إلي استخلاص الدروس والعبر من قصص عدد من أنبياء الله ورسله السابقين علي بعثة خاتمهم( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) منهم: أبو الأنبياء إبراهيم, وكليم الله موسي, وأول أولي العزم من الرسل نوح( علي نبينا وعليهم من الله السلام), وعرضت السورة الكريمة لعدد من الأمم البائدة, وإلي ما أصاب تلك الأمم من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة, وما لحق بها من هلاك ودمار وخراب, بسبب انحرافها عن فطرة الله ومنهجه, وتكذيبها لأنبيائه ورسله, ومن هذه الأمم التي أبيدت أقوام لوط, وفرعون, وعاد, وثمود, وقوم نوح.
ثم عاودت سورة الذاريات استعراض عدد آخر من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الكون, وعقبت بالدعوة إلي رجوع الخلق إلي الله( تعالي), وإلي التحذير من الشرك به( سبحانه وتعالي) في مواضع عديدة منها, وكررت وصف الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) بأنه نذير مبين من الله( جل ثناؤه) إلي الناس كافة, وأن عبادة الله( تعالي) وحده هي الغاية من خلق كل من الجن والانس, وأنذرت السورة كل من يجرؤ علي التكذيب ببعثة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمثل ما أصاب الأمم السابقة من عذاب.
الزوجية من اللبنات الاولية للمادة الى الصدغيات فى جسم الانسان
والسورة في مجملها دعوة إلي الناس جميعا كي يخلصوا العبادة لله وحده, ويطهروا القلوب من درن الشرك, ومن كل وصف لايليق بجلال الله.. كما يطهروها ومن كل معوقات الحياة.. وأن يصلوها بخالقها الذي هو رب هذا الكون ومليكه, ولذلك أوردت في خواتيمها هذه الدعوة المباركة:
ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين
(الذاريات:50 ـ51).
ثم خلصت سورة الذاريات إلي استنكار موقف الكافرين والمشركين من تكذيب رسل الله, وأمرت خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بأن يشيح بوجهه الشريف عنهم, وألا ينشغل بهم عن تذكير الناس.. فإن الذكري تنفع المؤمنين. وأكدت ان كلا من الجن والإنس ماخلق إلا لعبادة الله( تعالي), فالله( سبحانه وتعالي) لايريد من أحد منهم رزقا ولا إطعاما لأنه هو( سبحانه) الرزاق ذو القوة المتين.
وختمت هذه السورة المباركة بالتأكيد علي أن للذين ظلموا في هذه الدنيا نصيبا وحظا من العقاب نازلا بهم لامحالة, مثل نصيب من سبقوهم من الكفار والمشركين, وتتهددهم بعذاب أشد وأنكي في الآخرة, يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
الآيات الكونية في سورة الذاريات
استعرضت سورة الذاريات عددا من الآيات الكونية في مقام الاستدلال علي طلاقة القدرة الالهية في إبداع الخلق, والشهادة علي ان الذي أبدع هذا الخلق قادر علي إفنائه وعلي إعادة خلقه من جديد( أي بعثه), وكانت قضية البعث هي حجة الكفار المكذبين بيوم الدين عبر التاريخ, ومن هذه الآيات الكونية التي أوردتها هذه السورة المباركة ما يلي:
(1) قسم بالرياح التي سخرها ربنا( تبارك وتعالي) لتذرية التراب ذروا, ودور ذلك في بري الصخور, وتسوية سطح الأرض, وتكوين التربة وتلقيح السحاب, وما تحمل الرياح أيضا من حبوب اللقاح, ودور ذلك في إخصاب النبات.
(2) وقسم آخر بالسحب التي يحملها ربنا( تبارك وتعالي) ثقلا عظيما من بخار الماء لينزله بتقديره وعلمه حيث يشاء, وبالقدر الذي يشاء, وفي الوقت الذي يشاء رحمة منه أو عقابا وعذابا.
(3) وقسم ثالث بالسفن الجاريات في يسر علي سطح الماء, ولولا أن الله( تعالي) قد وهب الماء قدرا من الصفات المميزة له, لما جرت السفن علي سطحه أبدا بهذا اليسر, وتلك السهولة.
(4) وقسم رابع بالملائكة التي تقسم الأمور المقدرة في الكون حسب أوامر الله ومشيئته, فتحمل الأوامر الالهية, وتوزعها وفق تلك المشيئة بين الخلق, وبين مختلف قوي الكون بدقة وانضباط بالغين, ولو أن الملائكة من الأمور الغيبية إلا أن أثرها في الكون لايمكن إغفاله.
(5) وقسم خامس بالسماء ذات الحبك أي ذات الاحكام في الخلق, والترابط المحكم الشديد, والكثافات المتباينة بين مختلف أجزائها.
(6) التأكيد علي حقيقة ما في الأرض من آيات دالة علي طلاقة قدرة الله انطلاقا من قوله( تعالي) وفي الأرض آيات للموقنين
( الذاريات:20)
(7) التأكيد علي آيات الأنفس بقول الحق( تبارك وتعالي):
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
( الذاريات:21).
( التأكيد علي حقيقة أن ما يوعد الناس, وما يرزقون يقرر في السماء وينزل منها انطلاقا من قوله( تعالي): وفي السماء رزقكم وماتوعدون( الذاريات:22).
(9) الاشارة إلي حقيقة توسع الكون, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون
( الذاريات:47)
(10) الإشارة إلي كل عمليات تمهيد وتسوية سطح الأرض, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي): والأرض فرشناها فنعم الماهدون
( الذاريات:48).
(11) التوكيد علي الزوجية المطلقة في كل الخلق انطلاقا من قول الحق( تبارك وتعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( الذاريات:49).
وكل آية من هذه الآيات تحتاج لفهمها فهما صحيحا ـ الي معالجة خاصة, ولما كان المقام لايتسع لذلك, أجدني مضطرا الي قصر الحديث هنا علي النقطة الأخيرة من قائمة الآيات الكونية السابقة ألا وهي التوكيد علي الزوجية المطلقة في كل الخلق انطلاقا من قوله( تعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة..!
من أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي):
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون
( الذاريات:49)
* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه:...( ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض, وليل ونهار, وشمس وقمر, وبر وبحر, وضياء( نور) وظلام, وإيمان وكفر, وموت وحياة, وشقاء وسعادة, وجنة ونار, حتي الحيوانات والنباتات ولهذا قال تعالي لعلكم تذكرون) أي لتعلموا أن الخالق واحد لاشريك له..
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) مانصه...( ومن كل شيء) يتعلق بقوله خلقنا( خلقنا زوجين) صنفين كالذكر والأنثي, والسماء والأرض, والشمس والقمر, والسهل والجبل, والصيف والشتاء, والحلو والحامض, والنور والظلمة( لعلكم تذكرون) بحذف احدي التاءين من الأصل( تتذكرون) فتعلمون ان خالق الأزواج فرد فتعبدونه.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:.... وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض ـ وربما في هذا الكون, إذ ان التعبير لايخصص الأرض ـ قاعدة الزوجية في الخلق, وهي ظاهرة في الأحياء, ولكن كلمة( شيء) تشمل غير الأحياء أيضا, والتعبير يقرر ان الأشياء كالأحياء مخلوقة علي أساس الزوجية.
وحين نتذكر ان هذا النص عرفه البشر منذ أربعة عشر قرنا, وأن فكرة عموم الزوجية ـ حتي في الأحياء ـ لم تكن معروفة حينذاك, فضلا عن عموم الزوجية في كل شئ.. حيث نتذكر هذا نجدنا أمام امر عجيب عظيم.. وهو يطلعنا علي الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكرة كل التبكير!.
كما ان هذا النص يجعلنا نرجح ان البحوث العلمية الحديثة سائرة في طريق الوصول الي الحقيقة, وهي تكاد تقرر ان بناء الكون كله يرجع الي الذرة, وأن الذرة مؤلفة من زو ج من الكهرباء: موجب وسالب! فقد تكون تلك البحوث إذن علي طريق الحقيقة في ضوء هذا النص العجيب.
وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهائلة المدي: في أجواء السماء, وفي آماد الأرض, وفي اعماق الخلائق, يهتف بالبشر ليفروا الي خالق السماء والأرض والخلائق, متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها.. موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك.
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه) مانصه:
...( زوجين) نوعين متقابلين كالليل والنهار, والسماء والأرض, والهدي والضلال, الي غير ذلك.
* وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزي الله كاتبيه خيرا) مانصه... ومن كل شيء خلقنا صنفين, مزدوجين, لعلكم تتذكرون فتؤمنوا بقدرتنا.
* وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبها خيرا) مانصه:
....( ومن كل شئ خلقنا زوجين) أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكرا وأنثي, وحلوا وحامضا ونحو ذلك( لعلكم تذكرون) أي كي تتذكروا عظمة الله فتؤمنوا به, وتعلموا ان خالق الأزواج واحد أحد.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
في قوله( تعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( الذاريات:49)
تأكيد علي قاعدة الزوجية المطلقة في خلق كل شيء من الأحياء والجمادات, بمعني ان الله تعالي خلق كل شيء في زوجية حقيقية, وأن هذه الزوجية ظاهرة عامة في كل المخلوقات, وعلي جميع المستويات: من اللبنات الأولية للمادة الي الانسان والي مافوق ذلك من وحدات الكون, وانها سمة من سمات التناسق والتناغم والتوافق في الخلق, وشهادة ناطقة بالوحدانية المطلقة للخالق( سبحانه وتعالي) تلك الوحدانية المطلقة التي تؤكد أن الخالق( سبحانه وتعالي) فوق جميع خلقه, وهو الذي وصف ذاته العلية بقولة الحق:
... ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
( الشوري:11)
كما وصف هذه الذات العلية بأمره الواضح الصريح إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), ومن ثم الي كل مؤمن بالله ان يردد في كل وقت وفي كل حين:
قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد
(الاخلاص:1 ـ4)
وهذه الزوجية في الخلق, الناطقة بوحدانية الخالق( سبحانه وتعالي) تتجلي لنا في المراحل التالية:
1 ـ الزوجية في الكائنات الحية من الانسان الي الحيوان والنبات.
2 ـ الزوجية في الخلايا التناسلية الذكرية والأنثوية.
3 ـ الزوجية في النطفة الذكرية التي قد تحمل صبغي التذكير او صبغي التأنيث.
4 ـ الزوجية في الصبغيات الموجودة في نواة الخلية الحية.
5 ـ الزوجية في حاملات الوراثة( المورثات أو الجينات) الموجودة علي كل صبغي من الصبغيات.
6 ـ الزوجية في بناء الحمض النووي
7 ـ الزوجية في ترابط القواعد النيتروجينية الأربعة البانية لسلميات الحمض ا لنووي
(DNA).
8 ـ الزوجية في ترابط جزيء سكر الريبوز( وهو جزيء عضوي) مع جزيء الفوسفات( وهو جزئ غير عضوي) لتكوين جدار جزئ الحمض النووي.(DNA)
9 ـ الزوجية في بناء الأحماض الأمينية في صورها اليمينية واليسارية.
10 ـ الزوجية في بناء البروتينات وأضادها.
11 ـ الزوجية في الجزيء بشقيه: الموجب
Cation
والسالب
(Anion).
12 ـ الزوجية في الذرة بنواتها التي تحمل شحنة موجبة والكتروناتها التي تحمل شحنة سالبة.
13 ـ الزوجية في الجسيمات الأولية للمادة وأضادها, أي في الوجود والعدم.
14 ـ الزوجية في اللبنات الأولية للمادة وأضادها أي في الوجود والعدم.
15 ـ الزوجية في المادة ونقيض المادة, أي في الوجود والعدم.
16 ـ الزوجية في شحنات الطاقة الموجبة والسالبة.
17 ـ الزوجية في كل من المادة والطاقة وهما وجهان لعملة واحدة ولجوهر واحد يشير الي وحدانية الخالق العظيم.
ويستطيع المتأمل في الكون ان يستمر في هذا السياق الي مالانهاية, ليؤكد علي حقيقة الزوجية في كل امر من امور هذا الكون: دق أم عظم, وليكون في ذلك شهادة بأن الوحدانية المطلقة هي لله الخالق وحده, لايشاركه فيها شريك, ولا ينازعه عليها منازع, فهي من صفات الواحد الأحد, الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد.
وكل صورة من صور الزوجية تلك تحتاج الي مقال مستقل, ولذلك فسوف اختار هنا بعض النماذج منها فقط في السطور التالية:
أولا: الزوجية في الكائنات الحية:
تتكاثر الكائنات الحية من الإنسان والحيوان بالتزاوج بين ذكر وأنثي ويعرف ذلك باسم التكاثر الجنسي, وفي معظم الحالات تكون الذكور والإناث منفصلة عن بعضها البعض, وفي بعض الحيوانات البسيطة توجد الخلايا الذكرية والأنثوية في جسد الفرد الواحد الذي يقايض خلاياه الذكرية مع فرد آخر.
وفي التكاثر الجنسي قد يتم الإخصاب في داخل الجسم أو في خارجه. أما الكائنات الحيوانية الأكثر بساطة فتتكاثر بالانشطار, أو بالتبرعم, أو التجزؤ, أو بالتجدد( التراكم) أو بالتوالد العذري( أي بدون إخصاب) ويعرف كل ذلك بالتكاثر اللاجنسي, وقد يتبادل الحيوان الواحد كلا النوعين من التكاثر في دورة حياته.
ومن معرفتنا بالزوجية في كل من اللبنات والجسيمات الأولية للمادة. نستطيع أن نجزم بأن صورة من صور الزوجية تتم في حالات التكاثر اللاجنسي.
وفي النبات تتضح الزوجية في الأنواع المنتجة للأزهار( النباتات المزهرة) والتي يزيد عددها علي الربع مليون نوع بشكل واضح, وأزهارها التي تنتج عن تفتح براعمها تحمل أعضاء التكاثر من الخلايا الذكرية والأنثوية التي قد توجد في زهرة واحدة, أو في زهرتين مختلفتين علي نبات واحد, وقد يكون من النبات الواحد الذكر والأنثي.
وتؤدي عملية الإخصاب في النباتات المزهرة إلي إنتاج البذور, وتحتوي كل بذرة علي جنين النبتة الجديدة, ومخزون من الطعام قدره الخالق المبدع لها, وتحفظ البذور عادة في الثمرة أو قد تكون هي الثمرة.
أما النباتات غير المزهرة فتتكاثر بالنوعين الجنسي واللاجنسي علي مرحلتين في دورة واحدة تعرف باسم دورة تبادل الأجيال, في المرحلة الأولي منها ينتج النبات كلا من الخلايا الجنسية الذكرية والأنثوية, وتنفصل الخلايا الذكرية وتتحرك في الأوساط المائية للوصول إلي خلية أنثوية والقيام بتقليحها وإخصابها بالاتحاد معها, وفي الدورة الثانية ينتج النبات خلايا تناسلية اسمها الأبواغ, تتناثر عن النبات الحامل لها عند نضجها, وتنمو في الأوساط المناسبة لها نباتا جديدا.
ثانيا: الزوجية في الخلايا التناسلية الذكرية والأنثوية:
أعطي الخالق( سبحانه وتعالي) لجسم الذكر البالغ القدرة علي انتاج خلايا جنسية ذكرية تعرف باسم الحيوان المنوي, كما أعطي لجسم الأنثي القدرة علي إنتاج خلايا جنسية أنثوية تعرف باسم البييضة( تصغير بيضة), وهذان الزوجان من الخلايا التناسلية إذا اتحدا فإنهما يكونان معا نطفة مختلطة( نطفة أمشاج) إذا انغرست في جدار الرحم فإنها تبدأ في الانقسام المطرد بإذن الله لتخليق مولود جديد.
ثالثا: الزوجية في النطفة الذكرية ذاتها:
يوجد في كل حيوان منوي صبغي جنسي واحد إماX ويعني الأنوثة أوY ويعني الذكورة, وتحتوي البييضة علي الصبغي الأنثويX, بينما الحيوانات المنوية إما أن تحمل الصبغي المذكر أو المؤنث, فإذا كان الحيوان المنوي الذي أخصب البييضة مما يحمل صبغي التذكير جاء الجنين ذكرا بإذن الله, وإذا كان مما يحمل صبغي التأنيث جاء المولود أنثي بإذن الله.
فالزوجية
بقلم: د. زغـلول النجـار
هذه الآية الكريمة جاءت في الخمس الأخير من سورة الذاريات, وهي سورة مكية, وآياتها ستون آية بعد البسملة, ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الاسلامية ومن ركائزها التي جاءت بها هذه السورة المباركة مايلي:
(1) الايمان بالله( تعالي) رب السماء والأرض, إلها واحدا أحدا ـ بغير شريك ولاشبيه ولامنازع.
(2) الايمان بالبعث بعد الموت, وبالجزاء في الآخرة, علي الرغم من اختلاف الناس بشأنهما, لأنه لايصرف عن الايمان بحتميتهما إلا صاحب هوي أو جنون.
(3) الإيمان بالنار وعذابها, وبأنها مآل الكافرين والمشركين, والضالين المكذبين بالله وملائكته, وكتبه ورسله, المنكرين ليوم الدين, والقائلين فيه بالظن والتخمين, أو اللاهين عنه والمتشككين في وقوعه, حتي يسألوا عنه سؤال المستهزئ به والمستبعد لامكانية تحقيقه...!! وهؤلاء تؤكد السورة الكريمة حتمية هلاكهم وورودهم إلي النار التي كانوا بها يستعجلون.
(4) الايمان بالجنة ونعيمها, وبأنها مآل المتقين, الذين يحسنون العمل في الدنيا, ومن مظاهر هذا العمل الحسن: قلة النوم بالليل, وكثرة الاستغفار بالأسحار, وإخراج المال للسائل والمحروم.
(5) الايمان بملائكة الله المقسمات الأمور المقدرة بين الخلق علي ما أمرت به.
(6) الايمان برسل الله وأنبيائه أجمعين, الذين أرسلوا لانذار الناس من أخطار الشرك بالله ومن عذاب يوم عظيم, وطولبوا بمداومة التذكير والوعظ بذلك.
(7) الايمان بكل ما جاء بالقرآن الكريم عن عقاب العاصين من أبناء الأمم السابقة, الذين أنكروا رسالات ربهم, واستهزأوا برسله, متهمين إياهم بالسحر أو الجنون.
( الايمان العميق بأن الله( تعالي) لم يخلق كلا من الجن والإنس إلا لعبادته بما أمر.
(9) الايمان بأن الله( تعالي) هو الرزاق ذو القوة المتين.
(10) الايمان بأن لكل ظالم حظه من عذاب الله, وأن هذا العذاب واقع به حتما في الدنيا قبل الآخرة, كما نزل بالظالمين والكفار والمشركين من أبناء الأمم السابقة.
وتدعو سورة الذاريات إلي التأمل في آيات الله المبثوثة في الارض وفي الأنفس. وفي الآفاق, وإلي استخلاص ما فيها من دلائل علي الايمان بالله, واليقين بوحدانيته, كما تدعو إلي استخلاص الدروس والعبر من قصص عدد من أنبياء الله ورسله السابقين علي بعثة خاتمهم( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) منهم: أبو الأنبياء إبراهيم, وكليم الله موسي, وأول أولي العزم من الرسل نوح( علي نبينا وعليهم من الله السلام), وعرضت السورة الكريمة لعدد من الأمم البائدة, وإلي ما أصاب تلك الأمم من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة, وما لحق بها من هلاك ودمار وخراب, بسبب انحرافها عن فطرة الله ومنهجه, وتكذيبها لأنبيائه ورسله, ومن هذه الأمم التي أبيدت أقوام لوط, وفرعون, وعاد, وثمود, وقوم نوح.
ثم عاودت سورة الذاريات استعراض عدد آخر من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الكون, وعقبت بالدعوة إلي رجوع الخلق إلي الله( تعالي), وإلي التحذير من الشرك به( سبحانه وتعالي) في مواضع عديدة منها, وكررت وصف الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) بأنه نذير مبين من الله( جل ثناؤه) إلي الناس كافة, وأن عبادة الله( تعالي) وحده هي الغاية من خلق كل من الجن والانس, وأنذرت السورة كل من يجرؤ علي التكذيب ببعثة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمثل ما أصاب الأمم السابقة من عذاب.
الزوجية من اللبنات الاولية للمادة الى الصدغيات فى جسم الانسان
والسورة في مجملها دعوة إلي الناس جميعا كي يخلصوا العبادة لله وحده, ويطهروا القلوب من درن الشرك, ومن كل وصف لايليق بجلال الله.. كما يطهروها ومن كل معوقات الحياة.. وأن يصلوها بخالقها الذي هو رب هذا الكون ومليكه, ولذلك أوردت في خواتيمها هذه الدعوة المباركة:
ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين
(الذاريات:50 ـ51).
ثم خلصت سورة الذاريات إلي استنكار موقف الكافرين والمشركين من تكذيب رسل الله, وأمرت خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بأن يشيح بوجهه الشريف عنهم, وألا ينشغل بهم عن تذكير الناس.. فإن الذكري تنفع المؤمنين. وأكدت ان كلا من الجن والإنس ماخلق إلا لعبادة الله( تعالي), فالله( سبحانه وتعالي) لايريد من أحد منهم رزقا ولا إطعاما لأنه هو( سبحانه) الرزاق ذو القوة المتين.
وختمت هذه السورة المباركة بالتأكيد علي أن للذين ظلموا في هذه الدنيا نصيبا وحظا من العقاب نازلا بهم لامحالة, مثل نصيب من سبقوهم من الكفار والمشركين, وتتهددهم بعذاب أشد وأنكي في الآخرة, يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
الآيات الكونية في سورة الذاريات
استعرضت سورة الذاريات عددا من الآيات الكونية في مقام الاستدلال علي طلاقة القدرة الالهية في إبداع الخلق, والشهادة علي ان الذي أبدع هذا الخلق قادر علي إفنائه وعلي إعادة خلقه من جديد( أي بعثه), وكانت قضية البعث هي حجة الكفار المكذبين بيوم الدين عبر التاريخ, ومن هذه الآيات الكونية التي أوردتها هذه السورة المباركة ما يلي:
(1) قسم بالرياح التي سخرها ربنا( تبارك وتعالي) لتذرية التراب ذروا, ودور ذلك في بري الصخور, وتسوية سطح الأرض, وتكوين التربة وتلقيح السحاب, وما تحمل الرياح أيضا من حبوب اللقاح, ودور ذلك في إخصاب النبات.
(2) وقسم آخر بالسحب التي يحملها ربنا( تبارك وتعالي) ثقلا عظيما من بخار الماء لينزله بتقديره وعلمه حيث يشاء, وبالقدر الذي يشاء, وفي الوقت الذي يشاء رحمة منه أو عقابا وعذابا.
(3) وقسم ثالث بالسفن الجاريات في يسر علي سطح الماء, ولولا أن الله( تعالي) قد وهب الماء قدرا من الصفات المميزة له, لما جرت السفن علي سطحه أبدا بهذا اليسر, وتلك السهولة.
(4) وقسم رابع بالملائكة التي تقسم الأمور المقدرة في الكون حسب أوامر الله ومشيئته, فتحمل الأوامر الالهية, وتوزعها وفق تلك المشيئة بين الخلق, وبين مختلف قوي الكون بدقة وانضباط بالغين, ولو أن الملائكة من الأمور الغيبية إلا أن أثرها في الكون لايمكن إغفاله.
(5) وقسم خامس بالسماء ذات الحبك أي ذات الاحكام في الخلق, والترابط المحكم الشديد, والكثافات المتباينة بين مختلف أجزائها.
(6) التأكيد علي حقيقة ما في الأرض من آيات دالة علي طلاقة قدرة الله انطلاقا من قوله( تعالي) وفي الأرض آيات للموقنين
( الذاريات:20)
(7) التأكيد علي آيات الأنفس بقول الحق( تبارك وتعالي):
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
( الذاريات:21).
( التأكيد علي حقيقة أن ما يوعد الناس, وما يرزقون يقرر في السماء وينزل منها انطلاقا من قوله( تعالي): وفي السماء رزقكم وماتوعدون( الذاريات:22).
(9) الاشارة إلي حقيقة توسع الكون, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون
( الذاريات:47)
(10) الإشارة إلي كل عمليات تمهيد وتسوية سطح الأرض, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي): والأرض فرشناها فنعم الماهدون
( الذاريات:48).
(11) التوكيد علي الزوجية المطلقة في كل الخلق انطلاقا من قول الحق( تبارك وتعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( الذاريات:49).
وكل آية من هذه الآيات تحتاج لفهمها فهما صحيحا ـ الي معالجة خاصة, ولما كان المقام لايتسع لذلك, أجدني مضطرا الي قصر الحديث هنا علي النقطة الأخيرة من قائمة الآيات الكونية السابقة ألا وهي التوكيد علي الزوجية المطلقة في كل الخلق انطلاقا من قوله( تعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة..!
من أقوال المفسرين في تفسير قوله( تعالي):
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون
( الذاريات:49)
* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه:...( ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض, وليل ونهار, وشمس وقمر, وبر وبحر, وضياء( نور) وظلام, وإيمان وكفر, وموت وحياة, وشقاء وسعادة, وجنة ونار, حتي الحيوانات والنباتات ولهذا قال تعالي لعلكم تذكرون) أي لتعلموا أن الخالق واحد لاشريك له..
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) مانصه...( ومن كل شيء) يتعلق بقوله خلقنا( خلقنا زوجين) صنفين كالذكر والأنثي, والسماء والأرض, والشمس والقمر, والسهل والجبل, والصيف والشتاء, والحلو والحامض, والنور والظلمة( لعلكم تذكرون) بحذف احدي التاءين من الأصل( تتذكرون) فتعلمون ان خالق الأزواج فرد فتعبدونه.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) مانصه:.... وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض ـ وربما في هذا الكون, إذ ان التعبير لايخصص الأرض ـ قاعدة الزوجية في الخلق, وهي ظاهرة في الأحياء, ولكن كلمة( شيء) تشمل غير الأحياء أيضا, والتعبير يقرر ان الأشياء كالأحياء مخلوقة علي أساس الزوجية.
وحين نتذكر ان هذا النص عرفه البشر منذ أربعة عشر قرنا, وأن فكرة عموم الزوجية ـ حتي في الأحياء ـ لم تكن معروفة حينذاك, فضلا عن عموم الزوجية في كل شئ.. حيث نتذكر هذا نجدنا أمام امر عجيب عظيم.. وهو يطلعنا علي الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكرة كل التبكير!.
كما ان هذا النص يجعلنا نرجح ان البحوث العلمية الحديثة سائرة في طريق الوصول الي الحقيقة, وهي تكاد تقرر ان بناء الكون كله يرجع الي الذرة, وأن الذرة مؤلفة من زو ج من الكهرباء: موجب وسالب! فقد تكون تلك البحوث إذن علي طريق الحقيقة في ضوء هذا النص العجيب.
وفي ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهائلة المدي: في أجواء السماء, وفي آماد الأرض, وفي اعماق الخلائق, يهتف بالبشر ليفروا الي خالق السماء والأرض والخلائق, متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها.. موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك.
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه) مانصه:
...( زوجين) نوعين متقابلين كالليل والنهار, والسماء والأرض, والهدي والضلال, الي غير ذلك.
* وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزي الله كاتبيه خيرا) مانصه... ومن كل شيء خلقنا صنفين, مزدوجين, لعلكم تتذكرون فتؤمنوا بقدرتنا.
* وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبها خيرا) مانصه:
....( ومن كل شئ خلقنا زوجين) أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكرا وأنثي, وحلوا وحامضا ونحو ذلك( لعلكم تذكرون) أي كي تتذكروا عظمة الله فتؤمنوا به, وتعلموا ان خالق الأزواج واحد أحد.
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
في قوله( تعالي): ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( الذاريات:49)
تأكيد علي قاعدة الزوجية المطلقة في خلق كل شيء من الأحياء والجمادات, بمعني ان الله تعالي خلق كل شيء في زوجية حقيقية, وأن هذه الزوجية ظاهرة عامة في كل المخلوقات, وعلي جميع المستويات: من اللبنات الأولية للمادة الي الانسان والي مافوق ذلك من وحدات الكون, وانها سمة من سمات التناسق والتناغم والتوافق في الخلق, وشهادة ناطقة بالوحدانية المطلقة للخالق( سبحانه وتعالي) تلك الوحدانية المطلقة التي تؤكد أن الخالق( سبحانه وتعالي) فوق جميع خلقه, وهو الذي وصف ذاته العلية بقولة الحق:
... ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
( الشوري:11)
كما وصف هذه الذات العلية بأمره الواضح الصريح إلي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم), ومن ثم الي كل مؤمن بالله ان يردد في كل وقت وفي كل حين:
قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد
(الاخلاص:1 ـ4)
وهذه الزوجية في الخلق, الناطقة بوحدانية الخالق( سبحانه وتعالي) تتجلي لنا في المراحل التالية:
1 ـ الزوجية في الكائنات الحية من الانسان الي الحيوان والنبات.
2 ـ الزوجية في الخلايا التناسلية الذكرية والأنثوية.
3 ـ الزوجية في النطفة الذكرية التي قد تحمل صبغي التذكير او صبغي التأنيث.
4 ـ الزوجية في الصبغيات الموجودة في نواة الخلية الحية.
5 ـ الزوجية في حاملات الوراثة( المورثات أو الجينات) الموجودة علي كل صبغي من الصبغيات.
6 ـ الزوجية في بناء الحمض النووي
7 ـ الزوجية في ترابط القواعد النيتروجينية الأربعة البانية لسلميات الحمض ا لنووي
(DNA).
8 ـ الزوجية في ترابط جزيء سكر الريبوز( وهو جزيء عضوي) مع جزيء الفوسفات( وهو جزئ غير عضوي) لتكوين جدار جزئ الحمض النووي.(DNA)
9 ـ الزوجية في بناء الأحماض الأمينية في صورها اليمينية واليسارية.
10 ـ الزوجية في بناء البروتينات وأضادها.
11 ـ الزوجية في الجزيء بشقيه: الموجب
Cation
والسالب
(Anion).
12 ـ الزوجية في الذرة بنواتها التي تحمل شحنة موجبة والكتروناتها التي تحمل شحنة سالبة.
13 ـ الزوجية في الجسيمات الأولية للمادة وأضادها, أي في الوجود والعدم.
14 ـ الزوجية في اللبنات الأولية للمادة وأضادها أي في الوجود والعدم.
15 ـ الزوجية في المادة ونقيض المادة, أي في الوجود والعدم.
16 ـ الزوجية في شحنات الطاقة الموجبة والسالبة.
17 ـ الزوجية في كل من المادة والطاقة وهما وجهان لعملة واحدة ولجوهر واحد يشير الي وحدانية الخالق العظيم.
ويستطيع المتأمل في الكون ان يستمر في هذا السياق الي مالانهاية, ليؤكد علي حقيقة الزوجية في كل امر من امور هذا الكون: دق أم عظم, وليكون في ذلك شهادة بأن الوحدانية المطلقة هي لله الخالق وحده, لايشاركه فيها شريك, ولا ينازعه عليها منازع, فهي من صفات الواحد الأحد, الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد.
وكل صورة من صور الزوجية تلك تحتاج الي مقال مستقل, ولذلك فسوف اختار هنا بعض النماذج منها فقط في السطور التالية:
أولا: الزوجية في الكائنات الحية:
تتكاثر الكائنات الحية من الإنسان والحيوان بالتزاوج بين ذكر وأنثي ويعرف ذلك باسم التكاثر الجنسي, وفي معظم الحالات تكون الذكور والإناث منفصلة عن بعضها البعض, وفي بعض الحيوانات البسيطة توجد الخلايا الذكرية والأنثوية في جسد الفرد الواحد الذي يقايض خلاياه الذكرية مع فرد آخر.
وفي التكاثر الجنسي قد يتم الإخصاب في داخل الجسم أو في خارجه. أما الكائنات الحيوانية الأكثر بساطة فتتكاثر بالانشطار, أو بالتبرعم, أو التجزؤ, أو بالتجدد( التراكم) أو بالتوالد العذري( أي بدون إخصاب) ويعرف كل ذلك بالتكاثر اللاجنسي, وقد يتبادل الحيوان الواحد كلا النوعين من التكاثر في دورة حياته.
ومن معرفتنا بالزوجية في كل من اللبنات والجسيمات الأولية للمادة. نستطيع أن نجزم بأن صورة من صور الزوجية تتم في حالات التكاثر اللاجنسي.
وفي النبات تتضح الزوجية في الأنواع المنتجة للأزهار( النباتات المزهرة) والتي يزيد عددها علي الربع مليون نوع بشكل واضح, وأزهارها التي تنتج عن تفتح براعمها تحمل أعضاء التكاثر من الخلايا الذكرية والأنثوية التي قد توجد في زهرة واحدة, أو في زهرتين مختلفتين علي نبات واحد, وقد يكون من النبات الواحد الذكر والأنثي.
وتؤدي عملية الإخصاب في النباتات المزهرة إلي إنتاج البذور, وتحتوي كل بذرة علي جنين النبتة الجديدة, ومخزون من الطعام قدره الخالق المبدع لها, وتحفظ البذور عادة في الثمرة أو قد تكون هي الثمرة.
أما النباتات غير المزهرة فتتكاثر بالنوعين الجنسي واللاجنسي علي مرحلتين في دورة واحدة تعرف باسم دورة تبادل الأجيال, في المرحلة الأولي منها ينتج النبات كلا من الخلايا الجنسية الذكرية والأنثوية, وتنفصل الخلايا الذكرية وتتحرك في الأوساط المائية للوصول إلي خلية أنثوية والقيام بتقليحها وإخصابها بالاتحاد معها, وفي الدورة الثانية ينتج النبات خلايا تناسلية اسمها الأبواغ, تتناثر عن النبات الحامل لها عند نضجها, وتنمو في الأوساط المناسبة لها نباتا جديدا.
ثانيا: الزوجية في الخلايا التناسلية الذكرية والأنثوية:
أعطي الخالق( سبحانه وتعالي) لجسم الذكر البالغ القدرة علي انتاج خلايا جنسية ذكرية تعرف باسم الحيوان المنوي, كما أعطي لجسم الأنثي القدرة علي إنتاج خلايا جنسية أنثوية تعرف باسم البييضة( تصغير بيضة), وهذان الزوجان من الخلايا التناسلية إذا اتحدا فإنهما يكونان معا نطفة مختلطة( نطفة أمشاج) إذا انغرست في جدار الرحم فإنها تبدأ في الانقسام المطرد بإذن الله لتخليق مولود جديد.
ثالثا: الزوجية في النطفة الذكرية ذاتها:
يوجد في كل حيوان منوي صبغي جنسي واحد إماX ويعني الأنوثة أوY ويعني الذكورة, وتحتوي البييضة علي الصبغي الأنثويX, بينما الحيوانات المنوية إما أن تحمل الصبغي المذكر أو المؤنث, فإذا كان الحيوان المنوي الذي أخصب البييضة مما يحمل صبغي التذكير جاء الجنين ذكرا بإذن الله, وإذا كان مما يحمل صبغي التأنيث جاء المولود أنثي بإذن الله.
فالزوجية