نبي ثمود
وهم قبيلة مشهورة ، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عائر بن إرم بن سام بن نوح .
وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك . وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين .
وكانوا بعد قوم عاد ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك .
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله : صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً . فآمنت به طائفة منهم ، وكفر جمهورهم ، ونالوا منه بالمقال والفعال ، وهموا بقتله ، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .
كما قال تعالى في سورة الأعراف : " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين * قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " .
وقال تعالى في سورة هود : " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب * قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير * ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب * فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب * فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز * وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " .
وقال سبحانه في سورة الحجر : " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " .
وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان : " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " .
وقال تعالى في سورة الشعراء : " كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين * قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .
وقال تعالى في سورة النمل : " ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون * قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون * قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون * وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون * ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " .
وقال تعالى في سورة حم السجدة : " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " .
وقال تعالى في سورة اقتربت : " كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر * أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر * إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .
وقال تعالى : " كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها " .
وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة ، وإبراهيم والفرقان ، سورة ص ، وسورة ق ، والنجم ، والفجر .
ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب ، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ، ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما ، كما قال تعالى في سورة إبراهيم : " وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات " الآية . الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه ، ولكن كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيداً ، ولا اعتنوا بحفظه ، وإن كان خبرهما كان مشهوراً في زمان موسى عليه السلام . وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصى . . ولله الحمد والمنة .
* * *
والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم ، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام ومن آمن به ، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم ، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام .
وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً ، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم . ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام : " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعلموا بخلاف عملهم . وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ، " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " ، والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته ، فإن عاقبة ذلك وخيمة .
ولهذا وعظهم بقوله : " أتتركون في ما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم