مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هاتان الآيتان الكريمتان وردتا في آخر الربع الأول من سورة الرحمن, وهي سورة مدنية, وآياتها ثمان وسبعون, وقد سميت بهذا الإسم الكريم لاستهلالها به, وهو من أسماء الله الحسني, وتضمنت عددا من لمسات رحمة الله الرحمن, وعظيم آلائه ونعمه علي عباده, ومنها تعليم القرآن لخاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم ـ وللصالحين من الإنس والجن في زمانه ومن بعده, وخلق الانسان, وتعليمه البيان.
وتدعو سورة الرحمن إلي عدد من القيم الدينية العليا, ومنها الإيمان بالله وحده, وبما أخبرنا به من خلقه الغيبي من الملائكة والجن, وبالبعث والحساب, وبالجنة ونعيمها, وبالنار وعذابها, وتوصي بحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, وإقامة عدل الله فيها فتقول:
والسماء رفعها ووضع الميزان* ألا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان*( الرحمن:7 ـ9)
وتؤكد السورة الكريمة علي حتمية فناء كل شيء, وعلي حقيقة بقاء الله الخالق( سبحانه وتعالي) فيقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
كل من عليها فان* ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام*( الرحمن:27,26)
كما تؤكد سورة الرحمن التباين الواضح في الآخرة بين كل من أهل النار وأهل الجنة, فأهل النار يعرفون بسيماهم( أي بعلامات في وجوههم من السواد والزرقة), وأنهم سوف يلقون من صور الإذلال والمهانة ما لخصت السورة الكريمة جانبا منه, وعلي النقيض من ذلك أفسحت السورة في آخرها أكثر من40% من عدد آياتها لتصوير شيء من مقامات التكريم في جنات النعيم التي يلقاها كل من خاف مقام ربه في الحياة الدنيا, وتصف جانبا مما في هذه الجنات من نعيم.
وتشير سورة الرحمن إلي أن من طلاقة القدرة الإلهية أن الله( تعالي)... كل يوم هو في شأن, وتستعرض عددا من آيات الله الكونية الدالة علي عظيم آلائه, ونعمه, وعميم فضله وكرمه علي كافة خلقه, وإن كان كثير من عباده المكلفين من الإنس والجن غافلين عن تلك الآلاء والنعم, أو مكذبين بها أو منكرين لها من قبيل الجهل أو الانحراف والتطاول والصلف..!!
ولذلك تختتم السورة الكريمة بقول الحق( سبحانه وتعالي):
تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة الكريمة علي صدق ما جاءت به من الحق ما يلي:
(1) أن الله( تعالي) هو الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه, وعلمه خاتم أنبيائه ورسله كما علمه عددا من خلقه.
(2) وأنه( سبحانه) هو الذي خلق الانسان, وعلمه البيان, وقضية نشأة اللغات شغلت بال العلماء والمفكرين لقرون طويلة دون جواب سليم.
(3) وهو( تبارك اسمه) الذي أجري ولا يزال يجري كلا من الشمس والقمر بحسبان دقيق( وهذا ينطبق علي كل أجرام السماء, وعلي كل لبنات بنائها الأولية).
(4) وأن كل ما في الوجود من الجمادات والأحياء غير المكلفة, وقليل من المكلفين يسجد لله( تعالي) ويسبح بحمده.
(5) وأن الله( سبحانه وتعالي) هو الذي رفع السماء بغير عمد مرئية, ووضع ميزان التعامل بين الخلائق, وأمر بعدم الطغيان فيه.
(6) وأنه( تعالي) هو الذي وضع الأرض للأنام, وهيأها لاستقبال الحياة, وجعل فيها من النباتات وثمارها ومحاصيلها ما يشهد علي ذلك.
(7) وأنه( تعالي): خلق الإنسان من صلصال كالفخار* وخلق الجان من مارج من نار*.
( وأنه( سبحانه): رب المشرقين ورب المغربين* وهي إشارة ضمنية رقيقة لكروية الأرض, ولدورانها حول محورها أمام الشمس.
(9) وأن الله( تعالي) هو الذي مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*.... يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* وهي إشارة قرآنية دقيقة إلي حقيقة علمية مؤكدة لم يدركها العلماء المتخصصون إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في أثناء رحلة الباخرة البريطانية(Challenger) أو التحدي(1872 ـ1876) مؤداها أن الماء في البحار المتجاورة, وحتي في البحر الواحد يتمايز إلي العديد من البيئات المتباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية, والتي تلتقي مع بعضها البعض دون امتزاج كامل, فتبقي مفصولة علي الرغم من اختلاطها وتلاقي حدودها, وذلك لما للماء من خصائص ميزه بها الخالق( سبحانه وتعالي).
(10) وأن من هذه الخصائص المميزة للماء ما جعله قادرا علي حمل السفن العملاقة علي ظهره, وجريها في عبابه, وطفوها فيه كأنها الجبال الشامخات.
(11) وأن الفناء من صفات كل المخلوقات, وأن البقاء المطلق هو للخالق وحده.
(12) وأن الأرض في مركز الكون لتوحد أقطارها وأقطار السماوات, وأن الكون شاسع الاتساع بصورة لا يستطيع العقل البشري استيعابها, وأن أيا من الجن والإنس لا يستطيع النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله( تعالي).
(13) وأن السماء الدنيا مليئة بالنيران وفلز النحاس( علي هيئة نوي ذراته).
(14) وأن السماء سوف تنشق في الآخرة علي هيئة وردة حمراء مدهنة, وهي حالة تنشق عليها النجوم في زماننا كما صورها مقراب هابل الفضائي.
وعقب كل آية من هذه الآيات الكونية يأتي قول الحق( تبارك وتعالي): فبأي آلاء ربكما تكذبان وقد ترددت هذه الآية إحدي وثلاثين مرة بين آيات هذه السورة الكريمة.( أي بنسبة40% تقريبا من عدد آياتها الثماني والسبعين), وفيها من التقريع العنيف, والتبكيت الشديد ما يستحقه المكذبون بآلاء الله من الجن والإنس, الجاحدون لنعمه وأفضاله, وعلي رأسها دينه الخاتم الذي بعث به رسوله الخاتم( صلي الله عليه وسلم) والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه, بعد أن أتمه, وأكمله, وحفظه بنفس لغة الوحي كلمة كلمة, وحرفا حرفا علي مدي أربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها...!!
وكل آية من الآيات الكونية الواردة في سورة الرحمن تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولما كان ذلك يحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقام, فسوف أقصر الحديث هنا علي الآيتين(20,19), من السورة الكريمة, واللتين أشير إليهما في النقطة التاسعة من القائمة السابقة, وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية للغريب من ألفاظ هاتين الآيتين, ولأقوال عدد من المفسرين السابقين في شرحهما.
الدلالات اللفظية لبعض كلمات الآيتين الكريمتين
يتوزع الماء افقيا على سطح البحار والمحيطات بتوزع المناطق المناخية كما يتوزع رأسيا بحسب كل من درجات الحرارة ونسبة تركيز الاملاح وتبقى هذه الكتل المائية منفصلة عن بعضها على الرغم من عنف التيارات البحرية والأمواج
(1)( مرج): الميم والراء والجيم أصل يدل علي المجيء والذهاب, والقلق والاضطراب, ولذلك قيل مرج) الخاتم في الإصبع إذا اتسع, و( مرجت) أمانات القوم وعهودهم أي اضطربت واختلطت, و( مرج) الأمر اذا اختلط ومنه( الهرج والمرج), وأمر( مريج) أي مختلط.
و(المرج) في اللغة هو مرعي الدواب, أي: الأرض التي يكثر فيها النبات( فتمرج) الدواب فيه وتختلط, ولذلك قيل مرج) الدابة و(أمرجها) فـ( مرجت) أي: أرسلها ترعي وتختلط بغيرها من الحيوانات في المرعي لأن أصل( المرج) هو الخلط, و( المروج) هو الاختلاط, وقوله( تعالي): مرج البحرين أي أفاض أحدهما بالآخر, وجعلهما يختلطان دون امتزاج كامل, أي دون أن يلتبس أحدهما بالآخر التباسا كاملا, كما تختلط الدواب في المرعي, ويبقي لكل منها وجوده, و(مارج) من نار أي: لهب من نيران مختلطة لا دخان لها.
(2)( برزخ): هو حاجز أوجد بين شيئين ماديين, أو معنويين من مثل الفاصل بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلي البعث, فمن مات فقد دخل البرزخ, وفي تفسير قوله( تعالي): بينهما برزخ لا يبغيان قال عدد من المفسرين هو حاجز من الأرض, وقال البعض الآخر هو حاجز أو حائل أو مانع أوجدته القدرة الإلهية المبدعة, لا يراه أحد من الناس.
(3)( البغي): هو التعدي ومجاوزة الحد بإفراط واستطالة.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*( الرحمن:20,19)
ذكر ابن كثير يرحمه الله ـ ما نصه.. وقوله تعالي مرج البحرين) قال ابن عباس: أي أرسلهما, وقوله( يلتقيان) قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله( البحرين): الملح والحلو....( بينهما برزخ لا يبغيان) أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا علي هذا وهذا علي هذا, فيفسد كل واحد منهما الآخر....
وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه رحمة واسعة) ما نصه مرج) أرسل( البحرين) العذب والملح( يلتقيان) في رأي العين,( بينهما برزخ) حاجز من قدرته تعالي( لا يبغيان) لا يبغي واحد منهما علي الآخر فيختلط به.
وجاء في تفسير الظلال( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:.. والبحران المشار إليهما هما البحر المالح والبحر العذب, ويشمل الأول البحار والمحيطات, ويشمل الثاني الأنهار, ومرج البحرين أرسلهما وتركهما يلتقيان, ولكنهما لا يبغيان, ولا يتجاوز كل منهما حده المقدر, ووظيفته المقسومة, وبينهما برزخ من طبيعتهما من صنع الله....
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:...( مرج البحرين يلتقيان...) أرسل الله المياه العذبة والملحة في مجاريها أنهارا وبحارا علي سطح الأرض, متجاورة متصلة الأطراف, ومع ذلك لم تختلط, لاقتضاء حكمته تعالي إقامة حواجز بينها من أجرام الأرض تمنعها من الاختلاط, ولولاها لبغي أحد النوعين علي الآخر, فبقي العذب علي عذوبته, والملح علي ملوحته, لينتفع بكل منهما فيما خلق لأجله..., و(مرج) أرسل...( يلتقيان) يتجاوران أو تلتقي أطرافهما.( برزخ) حاجز من أجرام الأرض, وذلك بقدرته تعالي.( لا يبغيان) لا يطغي أحدهما علي الآخر بالممازجة. أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه: أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما, بينهما حاجز من قدرة الله, لا يطغي أحدهما علي الآخر فيمتزجان.
وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خير الجزاء) ما نصه:...( مرج البحرين يلتقيان) أي أرسل البحر الملح والبحر العذب يتجاوران ويلتقيان ولا يمتزجان( بينهما برزخ لا يبغيان) أي بينهما حاجز من قدرة الله تعالي لا يطغي أحدهما علي الآخر بالممازجة....
الدلالة العلمية للآيتين الكريمتين
أولا: طبيعة البحرين:
يقول ربنا( تبارك وتعالي):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*( الرحمن:20,19)
ثم يتبع ذلك مباشرة بقوله( عز من قائل):
فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*
(الرحمن:21 ـ23)
ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أنه خرج علي أصحابه, فقرأ عليهم سور الرحمن من أولها إلي آخرها, فسكتوا فقال( صلي الله عليه وسلم): لقد قرأتها علي الجن ليلة الجن, فكانوا أحسن مردودا منكم, كنت كلما أتيت علي قوله تعالي فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد( أخرجه الترمذي)
والنعم في دلالة هذه الآيات الكريمة تستوجب شكر الخالق العظيم عليها؟ وهي عديدة عديدة, ولكنولا يمكن إدراك ذلك إلا بفهم دلالتها العلمية.
ونحن نعلم أن لفظة البحر في اللغة العربية يمكن أن تطلق علي كل من البحر الملح والبحر العذب( أي النهر), ولكنها إذا أطلقت بغير تقييد فإنها تدل علي البحر الملح فقط, وإذ قيدت دلت علي ما قيدت به.
وفي ذلك قال ربنا( تبارك وتعالي):
مرج البحرين يلتقيان* وإطلاق لفظة البحرين هنا دون تقييد يدل علي أنهما البحران المالحان, وليس النهر والبحر كما ذهب إاليه غالبية المفسرين ـ قدامي ومعاصرين ـ, ويؤكد ذلك ما جاء في الآية(22) من نفس السورة بقول الحق( عز من قائل): يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان*
واللؤلؤ عبارة عن كريات صلبة ناعمة من كربونات الكالسيوم, لها بريق وتقوز لوني مبهج, تنمو بداخل أصداف طائفة خاصة من قبيلة الرخويات تعرف باسم مزدوجات المصراع, وهي حيوانات مائية تعيش في كل من الماء الملح والماء العذب, ويستخدم اللؤلؤ كأحدي الجواهر النفيسة, ولكن المرجان هو حيوان بحري لا يحيا إلا في الماء الملح, ويتبع طائفة الزهريات, وهي من طوائف قبيلة جوفيات المعي التي غالبا ما تعيش في مستعمرات كبيرة الا أن منها ما يحيا حياة فردية, ويفرز الفرد منها هيكلا كلسيا( من كربونات الكالسيوم), وتكون هياكل المستعمرات الكبيرة شعابا ضخمة تعرف باسم الشعاب المرجانية, وتكثر في البحار الضحلة الدافئة, ومنها المرجحان الأحمر الذي يتخذ ضمن المعادن شبه النفيسة. وعلي ذلك فإن سياق الآيات في سورة الرحمن يؤكد أن البحرين كلاهما مالح, كما أكده إطلاق لفظة البحرين.
والقرآن الكريم استخدم كلمة البحر بالإطلاق والتقييد كما جاء في قوله( تعالي):
1 ـ.... وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار*( إبراهيم:32)
2 ـ... وجعل بين البحرين حاجزا...*
(النمل:61)
3 ـ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج...*( الفرقان:53)
4 ـ وما يستوي البحران هذا عذاب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج...*( فاطر:12)
ثانيا: توزيع الكتل المائية في البحار والمحيطات
بقياس كل من درجات الحرارة ونسبة الملوحة في كتل الماء التي تملأ البحار والمحيطات المختلفة, والتي تغطي حوالي71% من مساحة سطح الأرض المقدرة بخمسمائة وعشرة ملايين من الكيلومترات المربعة, اتضح تباينها تباينا ملحوظا من بحر إلي آخر, وحتي في البحر الواحد( أفقيا ورأسيا) علي الرغم من وجود كتل مائية هائلة متجانسة في صفاتها الطبيعية والكيميائية, وكل منها يمثل بيئة حيوية خاصة لها تجمعاتها الحياتية المميزة, وأنواع الرسوبيات التي تترسب منها.
والتباين في كل من درجات الحرارة ونسبة تركيز الأملاح في ماء البحار والمحيطات يؤدي إلي تباين في كثافتها, مما يعين علي تحديد تلك الكتل المائية المتباينة علي الرغم من محاولة الأمواج والتيارات البحرية خلطهما مع بعضها البعض. وتتحرك كتل الماء السطحية بين مساحات كبيرة من خطوط العرض فتتغير صفاتها الطبيعية والكيميائية بتغير الظروف البيئية التي تنتقل إليها من مثل درجات الحرارة, ومعدلات التبخير وسقوط الأمطار وغيرها, وعندما تتغير كثافة الكتلة المائية السطحية فإنها تغوص في وسط ماء أقل كثافة حاملة معها بعض صفات ماء المنطقة السطحية التي كانت فيها إلي أعماق المحيط إن لم تحمل تلك الصفات كلها فتؤدي إلي تغيير كبير في صفات الماء بتلك الأعماق, كما تعين علي تحديد المصادر التي جاءت منها مهما تباعدت مسافات تلك المصادر إلي آلاف الكيلومترات, ومع اختلاط الماء من مصادر مختلفة تتغير صفات الكتل المائية في المحيط الواحد وفي البحر الواحد باستمرار, وبين البحار والمحيطات المختلفة بطريقة مستمرة, وعلي الرغم من ذلك تبقي كتل متمايزة من الماء في تلك البحار والمحيطات ما بقيت, وتسمي كتل الماءـ المميزة علي أسطح تلك المساحات المائية العملاقة في البحار والمحيطات باسم الموقع الجغرافي الذي توجد فيه, فتوجد كتل الماء المتوسط بين التيارات المائية الرئيسية في محيطات الأرض, وتوجد كتل الماء حول القطبين, وكتل غيرها بين هاتين المجموعتين من كتل الماء المتميزة وتعرف باسم كتل الماء شبه القطبي
(أ) كتل الماء السطحي في البحار والمحيطات
ينقسم الماء السطحي في بحار ومحيطات الأرض علي أساس من التباين في درجات الحرارة ونسبة الملوحة إلي الكتل التالية:
(1) كتلة الماء السطحي المتوسط:
وتتراوح درجة حرارتها بين6 و19 مئوية, ونسبة ملوحتها بين3,4% و3,65%, وتمتد في بحار ومحيطات المناطق شبه الاستوائية, وبين خطوط العرض30 و35 شمالا وجنوبا, وهذه الكتلة المائية الكبيرة تنقسم إلي كتل أصغر لها نفس الكثافة تقريبا ولكنها تختلف في بقية صفاتها الطبيعية باختلاف مواقعها الجغرافية, فعلي سبيل المثال فإن الماء السطحي في الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي يعتبر أكثر أجزاء المحيطات ملوحة, بينما يعتبر الماء السطحي في شمال المحيط الهادي أقلها ملوحة, ويستمر تواجد كتل الماء المتوسط رأسيا في عمق البحر أو المحيط حتي مستوي ثبات المنحدر الحراري.
(2) كتل الماء السطحي في خطوط العرض العليا:
وهذه تتميز بدرجات حرارة منخفضة ونسب ملوحة أقل مما في كتل الماء المتوسط وذلك لوجودها في مناطق باردة وغزيرة الأمطار, وتمتد بصفة عامة في المناطق المناخية المعتدلة شمالا وجنوبا.
(3) كتل الماء السطحي في المناطق حول القطبية:
أضخمها المنطقة حول القطب الجنوبي, ويتحرك فيها الماء من الغرب إلي الشرق في اتجاه دوران الأرض, ويمتد إلي أعماق تصل إلي3500 متر, في درجات حرارة تكاد تكون منتظمة بين درجتين مئويتين والصفر المئوي, ونسبة أملاح تتراوح بين3,46%, و3,47%.
( ب): كتل الماء متوسط العمق في البحار والمحيطات:
يمتد هذا الماء إلي عمق يصل إلي1500 متر تحت مستوي سطح البحر, وهو يتباين في درجات حرارته, ونسب الملوحة فيه, وذلك لتحركه من مصادر مختلفة, وعلي ذلك يمكن تقسيمه إلي العديد من الكتل بناء علي صفاته الطبيعية ومصادره التي جاء منها. ويبلغ هذا الماء المتوسط العمق أقصي انتشار له في المنطقة حول القطب الجنوبي, وذلك لأنه ينشأ أساسا من الماء السطحي في المنطقة المعتدلة الجنوبية وهي منطقة شاسعة الاتساع عندما يبدأ الماء في الهبوط من السطح إلي أعماق البحر لازدياد كثافته بزيادة برودته أو لزيادة نسبة الأملاح المذابة فيه, وبهبوط هذا الماء يختلط بنسب مختلفة مع كتل مائية ذات صفات متباينة ليكون ما يسمي باسم ماء القطب الجنوبي المتوسط العمق والذي ينتشر في كل أحواض المحيطات, ويتدفق هذا الماء البارد في اتجاه الشمال حتي يصل الي خط عرض20 شمالا في المحيط الأطلسي, ويتحرك جنوبا حتي خط عرض10 جنوب خط الاستواء في كل من المحيطين الهندي والهادي.
ويمتد ماء القطب الشمالي المتوسط العمق إلي شمال كل من المحيطين الأطلسي والهادي, ويتركز في أجزائهما الغربية, وهذا الماء تزداد ملوحته نسبيا في شمال غرب محيط الأطلسي وذلك بسبب تركيز الأملاح الناتج عن تجمد الماء في القطب الشمالي وتحرك الركازة الملحية إلي تلك المنطقة التي تشتد معدلات البخر فيها., كذلك يتحرك الماء من البحر الأبيض المتوسط إلي المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق في درجة حرارة حوالي13 م, ونسبة ملوحة تصل إلي3,81% لينزل تحت الماء السطحي للمحيط وتحت كتل الماء المتوسط فيه, ويمكن تتبعه إلي مسافات بعيدة فوق قاع المحيط الأطلسي رغم تغير صفاته الطبيعية بالاختلاط مع غيره من كتل الماء, كذلك يندفع ماء البحر الأحمر إليبحر العرب عبر باب المندب ليختلط بكتل الماء فيه, ويندفع ماء الخليج العربي إلي المحيط الهندي عبر مضيق هرمز.
(جـ): كتل الماء العميق في البحار والمحيطات
إن أوضح نموذج لكتل الماء العميق في البحار والمحيطات يقع في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلسي, وينتج هذا الماء من اختلاط الماء شديد الملوحة المندفع بواسطة تيار الخليج الذي يضرب شواطيء فلوريدا والماء السطحي القادم من المنطقة شبه المتجمدة الشمالية, وفي فصل الشتاء يبرد هذا الخليط من الماء فيهبط إلي قاع البحر حتي يصل إلي ما دون كتل الماء المتوسطة العمق, وعندما يتحرك هذا الخليط من الماء جنوبا فإنه يرتفع فوق ماء القطب الجنوبي العميق لقلة كثافته عن كثافة الماء القطبي, وعلي ذلك فإن كتلة ماء شمال الأطلسي العميقة تغطي قاع ذلك المحيط إلي خط عرض30 شمالا, ولكنها تتطابق بين كتل الماء العميق والمتوسط العمق كلما اتجهنا إلي الجنوب من هذا الخط من خطوط العرض, وتبقي كل كتلة منها محتفظة بصفاتها الطبيعية والكيميائية وسط حواف من الماء المختلط وتبلغ درجة حرارة كتل الماء العميق في البحار والمحيطات حوالي3 درجات مئوية, ويصل متوسط نسبة الأملاح فيها إلي34.9% ولا توجد كتل عميقة من الماء في كل من المحيطين الهندي والهادي باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.
(د) كتل الماء شديد العمق في البحار والمحيطات
يحوي المحيط القطبي الجنوبي فوق قاعه كتلة من الماء تعتبر أعلي ماء الأرض كثافة, ويتكون هذا الماء حول القارة القطبية الجنوبية في فصل الشتاء ثم يتحرك شمالا إلي قيعان المحيطات الرئيسية الثلاثة: الهادي والأطلسي والهندي حتي تصل الي خط العرض30 شمالا. وكتل ماء قاع القطب الجنوبي تتكون أساسا من تجمد الماء بكميات كبيرة فوق الرصف القاري تاركا وراءه كمية هائلة من الركازة الملحية, التي تندفع عبر منحدرات الجرف القاري لتختلط مع قدر مساو تقريبا من كتل الماء السطحي حول القطبين, فينشأ هذا الماء الذي يتميز بدرجة برودة شديدة( ناقص0.4 درجة مئوية) ونسبة ملوحة عالية نسبيا في حدود3,47%).
وعلي ذلك فقد ثبت أن الماء في محيطات العالم يترتب أفقيا ورأسيا في كتل متمايزة عن بعضها بعضا, تبدأ عند مستوي سطح البحر في المناطق ذات خطوط العرض العليا. وتمتد إلي أعماق البحار والمحيطات حتي تصل الي قاع المحيط في المناطق الاستوائية. والترتيب الأفقي لكتل الماء المختلفة في البحار والمحيطات حسب مناطقها المناخية يعكس الترتيب الرأسي في النقطة الواحدة حسب العمق.
وهذه الكتل المائية المتجاورة مفصولة عن بعضها البعض بواسطة الصفات الطبيعية والكيميائية الخاصة للماء, وبتباين صفات تلك الكتل ذاتها, علي الرغم من تحركها عبر بعضها بعضا باستمرار أفقيا ورأسيا( أي مرجها), وذلك بفضل تكون حواجز ذات طبيعة وسطية باستمرار بين الكتل المائية المتفاوتة في صفاتها الطبيعية والكيميائية.
ونظرا لأن دورة الماء في المحيط دورة مستمرة فإن الماء يتحرك أفقيا ورأسيا باستمرار فيختلط, ولا يمتزج امتزاجا كاملا أبدا, فالماء علي السطح تدفعه الرياح والتيارات البحرية, والأمواج المختلفة في محاولة لخلط تلك الكتل المائية المتجاورة ولكن ذلك لا يتم بالكامل لضخامة كمياتها, وكذلك فإن هذا الماء السطحي يتعرض للتبخير فتزداد ملوحته وبالتالي تزداد كثافته أو للتبريد فتزداد كثافته مما يؤدي إلي نزوله الي أعماق البحر, وهناك قد يتعرض لشيء من الحرارة عبر النشاطات البركانية فوق قيعان بعض البحار والمحيطات, أو لشيء من إنقاص نسبة الملوحة بترسيب جزء من الملح المذاب, أو تقليل نسبته بالاختلاط بتيار من الماء العذب, فتقل كثافة الماء في الأعماق, ويرتفع إلي أعلي لمعاودة الكرة مرات ومرات ومرات إلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها.
وقد ثبت بدراسة النظائر المشعة أن اختلاط ماء أعماق البحار والمحيطات يحتاج بين الألف والألف وستمائة سنة لكي يتم وذلك في حوض المحيط الهادي, وإلي نصف هذا الزمن في كل من المحيطين الهندي والأطلسي, ولذلك فهو يمثل دائما أقدم الماء في المحيط علي الإطلاق, بينما يمثل الماء السطحي أحدث الماء عمرا لأنه لا يكاد يبقي في مكانه لأكثر من10 إلي20 سنة, والماء يتحرك من المحيط المتجمد الجنوبي في اتجاه الشمال بمعدل نصف ملليمتر تقريبا في كل ثانية.
من ذلك يتضح أنه علي الرغم من عوامل الخلط الأفقية والرأسية المستمرة في البحار والمحيطات بفعل كل من الأمواج والتيارات البحرية وبفعل تغير درجات الحرارة ومتوسط الكثافة الا أن العديد من الكتل المائية تبقي محتفظة بصفاتها الطبيعية والكيميائية الخاصة لتوفر البيئات اللازمة لكل مجموعات الحياة في البحار والمحيطات.
ثالثا: من الصفات المميزة للماء
تحمل الأرض علي سطحها, وفي كل من قشرتها, وتربتها وغلافها الغازي كما هائلا من الماءيقدر بحوالي1.4 بليون كيلومتر مكعب, وأغلب هذا الماء(97.22%) في البحار والمحيطات, ويتوزع الباقي(2.78%) علي هيئة الجليد فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال(2.15%), أو يخزن في صخور القشرة الأرضية وتربتها(0.613%), أو يحجز علي هيئة بحار داخلية وبحيرات مالحة(0.0077%), أو بحيرات عذبة(0.0092%), أو رطوبة في التربة(0.0049%), أو علي هيئة أنهار وجداول جارية(00092, ـ%).
والماء في الحالة السائلة بهذه الكميات الكبيرة يكاد يكون مقصورا علي أرضنا, لندرته علي ما نعرفه من الكواكب الأخري.
ويغطي الماء حوالي71% من مساحة سطح الأرض من تلك المساحة وتكون اليابسة حوالي29% فقط, ولولا هذا التوزيع المعجز لكانت درجة حرارة الأرض حارقة بالنهار, ومجمدة بالليل ويتحرك الماء بين كل من الغلاف الصخري, والمائي, والغازي للأرض في دورة معجزة تعرف باسم دورة الماء حول الأرض. ونظرا لتركيبه الجزيئي الفريد فإن الماء يتميز بعدد من الصفات الطبيعية والكيميائية الخاصة والتي منها ما يلي:
(1) البناء الجزيئي ذو القطبية المزدوجة:
حيث يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحمل كل منهما شحنة كهربية موجبة, ويرتبط كل منهما بذرة أوكسيجين( تحمل شحنة كهربية سالبة وذلك بواسطة رابطتين تساهميتين قويتين تشكلان زاوية مقدارها105 درجات.
وهذا البناء الجزيئي الفريد جعل للماء من الصفات ما يميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية, ويتضح ذلك بجلاء في قطبيته الكهربية الواضحة التي جعلت من الماء أقوي مذيب علي سطح الأرض, وجعلت لجزيئاته قوة تلاصق وتماسك عالية للغاية فيما بينها, وذلك لترابط جزيئات الماء فيما بينها برابطة تعرف باسم الرابطة الهيدروجينية.
(2) درجات التجمد والغليان:
ينكمش الماء بالتبريد كما هو الحال في أي سائل آخر, وبالتالي تزداد كثافته ولكن اذا وصل الماء الي درجة4 مئوية, فإن عملية الانكماش تتوقف, وإذا انخفضت درجة حرارته عن ذلك فإن حجمه يبدأ في التمدد, وتأخذ كثافته في الانخفاض حتي يصل الي درجة الصفر المئوي فيتجمد الماء, وتنخفض كثافته بمقدار10% تقريبا عن كثافته عند درجة4 مئوية لازدياد حجمه بنفس النسبة.
ولولا هذه الخاصية الفريدة لغاص الماء المتجمد علي هيئة جليد الي قيعان البحار والمحيطات في المناطق الباردة, وجمدها بالكامل وقضي علي الحياة فيها, ولكان لتجمد البحار والمحيطات أثره السيء علي مناخ الأرض.
ولذلك كان من بديع صنع الخالق( سبحانه وتعالي) ورائع حكمته أن عكس القانون للماء, فجعله أقل كثافة إذا تجمد ليطفو الي السطح في البحار والمحيطات والبحيرات وغيرها من الأسطح المائية في المناطق الباردة, ويعمل حاجزا عازلا للحرارة, يحمي الماء تحته من التجمد, وبالتالي يحمي الحياة فيها من الهلاك.
وبالإضافة الي ذلك فإن الله( تعالي) قد جعل للماء طاقة هائلة علي اختزان الحرارة, تعطيه استقرارا حراريا مثاليا يجعله يغلي عند درجة حرارة100 مئوية تحت الضغط الجوي العادي, بينما كل المركبات الهيدروجينية المشابهة تغلي عند درجات أقل بكثير, ولولا ذلك لما أمكن وجود الماء في الحالة السائلة علي سطح الأرض.
ومن مظاهر الاستقرار الحراري للماء ارتفاع معامل حرارته النوعية بمعني أنه يحتاج الي كميات كبيرة جدا من الحرارة حتي يسخن, ويحتاج إلي وقت طويل لكي يفقد حرارته, وكذلك ارتفاع معاملي الحرارة الكامنة للتبخر وللانصهار.
وعلي ذلك فإن من رحمة الله البالغة بعباده أن غطي حوالي71% من مساحة سطح الأرض بالماء, والا لما كانت صالحة للعمران لأنه لو كان سطح الأرض كله يابسة لكانت حارقة بالنهار, ومتجمدة بالليل مما يقضي علي الحياة قضاء تاما, فمن صفات اليابسة أنها تمتص الحرارة بسرعة وتفقدها بسرعة بينما الماء يمتصها ببطء ويفقدها ببطء.
(3) شدة تماسك وتلاصق جزييات الماء:
ترتبط جزيئات الماء مع بعضها بعضا بتجاذب الشحنات الكهربية المختلفة علي جزيئاته القطبية مع بعضها بعضا برابطة تسمي الرابطة الهيدروجينية, ولو أن هذه الرابطة سهلة التفكك( الانقضام) إلا أنها سريعة التكون, ولذلك تبدو كتلة الماء وكأنها مكونة من سلاسل حلقاتها ممغنطة ومرتبطة بأقطابها المختلفة اذا انفكت إحدها من مكانها فسرعان ما تلتئم تلك الحلقات, وتعرف هذه الخاصية باسم اللزوجة الجزيئية للماء, وهي من أهم الصفات المؤثرة في ماء البحار والمحيطات التي تجعله يختلط ولا يمتزج امتزاجا كاملا أبدا.
وشدة تماسك وتلاصق جزيئات الماء هي التي أعطته ـ بتدبير من الله( تعالي) ـ العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل شدة توتره السطحي, وميله إلي التكور علي ذاته علي هيئة قطرات بدلا من الانتشار الأفقي علي السطح الذي يسكب عليه, وفي تكوين ذلك الحاجز غير المرئي بين كل ماءين مختلفين في صفاتهما الطبيعية والكيميائية من مثل الماء العذب والملح, والماءين الملحين المتباينين, والذي سماه ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه باسم البرزخ. ولما كان ماء البحر يتكون من أكثر من95% ماء فإن صفات الماء العذب تبقي سائدة فيه, بل تزيدها الأملاح المذابة قدرة علي ذلك, والتي يغلب عليها كلوريد الصوديوم( أو ملح الطعام) ويليه في الكثرة عناصر المغنسيوم, والكالسيوم, والبوتاسيوم, والكبريت, والبرومين, والاسترونشيوم, والبورون, بالاضافة إلي آثار طفيفة لثمانين عنصرا آخر, تنتشر أيوناتها المشحونة بالكهرباء الموجبة والسالبة بتركيز متفاوت في كتل الماء المتجاورة في البحر الواحد أو المحيط الواحد فتعطي كلا منها صفاته الخاصة, وتبقيه معزولا عزلا كاملا رغم فعل التيارات البحرية والأمواج.
وتظهر صورة هذا العزل للكتل المائية المتجاورة بشكل أوضح بين البحار شبه المغلقة كالبحرين الأبيض المتوسط والأحمر, حينما يتحرك الماء من أحدهما إلي المحيط المجاور فيتكون بينهما ماء له صفات وسطية يفصل كلا من الكتلتين المائيتين فصلا كاملا.
فسبحان الذي أنزل هذه الحقيقة العلمية في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة فقال( عز من قائل):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان
وهي حقيقة لم يصل إليها العلم المكتسب إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي, ولم تدون في كتاب قبل منتصف الأربعينيات من القرن العشرين, فسبحان الذي أنزل القرآن بعلمه, وعلمه خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بلغة وحيه إلي يوم الدين وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الإلهي العظيم وبلغه بأمانة وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه إلي يوم الدين.
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هاتان الآيتان الكريمتان وردتا في آخر الربع الأول من سورة الرحمن, وهي سورة مدنية, وآياتها ثمان وسبعون, وقد سميت بهذا الإسم الكريم لاستهلالها به, وهو من أسماء الله الحسني, وتضمنت عددا من لمسات رحمة الله الرحمن, وعظيم آلائه ونعمه علي عباده, ومنها تعليم القرآن لخاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم ـ وللصالحين من الإنس والجن في زمانه ومن بعده, وخلق الانسان, وتعليمه البيان.
وتدعو سورة الرحمن إلي عدد من القيم الدينية العليا, ومنها الإيمان بالله وحده, وبما أخبرنا به من خلقه الغيبي من الملائكة والجن, وبالبعث والحساب, وبالجنة ونعيمها, وبالنار وعذابها, وتوصي بحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, وإقامة عدل الله فيها فتقول:
والسماء رفعها ووضع الميزان* ألا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان*( الرحمن:7 ـ9)
وتؤكد السورة الكريمة علي حتمية فناء كل شيء, وعلي حقيقة بقاء الله الخالق( سبحانه وتعالي) فيقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
كل من عليها فان* ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام*( الرحمن:27,26)
كما تؤكد سورة الرحمن التباين الواضح في الآخرة بين كل من أهل النار وأهل الجنة, فأهل النار يعرفون بسيماهم( أي بعلامات في وجوههم من السواد والزرقة), وأنهم سوف يلقون من صور الإذلال والمهانة ما لخصت السورة الكريمة جانبا منه, وعلي النقيض من ذلك أفسحت السورة في آخرها أكثر من40% من عدد آياتها لتصوير شيء من مقامات التكريم في جنات النعيم التي يلقاها كل من خاف مقام ربه في الحياة الدنيا, وتصف جانبا مما في هذه الجنات من نعيم.
وتشير سورة الرحمن إلي أن من طلاقة القدرة الإلهية أن الله( تعالي)... كل يوم هو في شأن, وتستعرض عددا من آيات الله الكونية الدالة علي عظيم آلائه, ونعمه, وعميم فضله وكرمه علي كافة خلقه, وإن كان كثير من عباده المكلفين من الإنس والجن غافلين عن تلك الآلاء والنعم, أو مكذبين بها أو منكرين لها من قبيل الجهل أو الانحراف والتطاول والصلف..!!
ولذلك تختتم السورة الكريمة بقول الحق( سبحانه وتعالي):
تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة الكريمة علي صدق ما جاءت به من الحق ما يلي:
(1) أن الله( تعالي) هو الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه, وعلمه خاتم أنبيائه ورسله كما علمه عددا من خلقه.
(2) وأنه( سبحانه) هو الذي خلق الانسان, وعلمه البيان, وقضية نشأة اللغات شغلت بال العلماء والمفكرين لقرون طويلة دون جواب سليم.
(3) وهو( تبارك اسمه) الذي أجري ولا يزال يجري كلا من الشمس والقمر بحسبان دقيق( وهذا ينطبق علي كل أجرام السماء, وعلي كل لبنات بنائها الأولية).
(4) وأن كل ما في الوجود من الجمادات والأحياء غير المكلفة, وقليل من المكلفين يسجد لله( تعالي) ويسبح بحمده.
(5) وأن الله( سبحانه وتعالي) هو الذي رفع السماء بغير عمد مرئية, ووضع ميزان التعامل بين الخلائق, وأمر بعدم الطغيان فيه.
(6) وأنه( تعالي) هو الذي وضع الأرض للأنام, وهيأها لاستقبال الحياة, وجعل فيها من النباتات وثمارها ومحاصيلها ما يشهد علي ذلك.
(7) وأنه( تعالي): خلق الإنسان من صلصال كالفخار* وخلق الجان من مارج من نار*.
( وأنه( سبحانه): رب المشرقين ورب المغربين* وهي إشارة ضمنية رقيقة لكروية الأرض, ولدورانها حول محورها أمام الشمس.
(9) وأن الله( تعالي) هو الذي مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*.... يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* وهي إشارة قرآنية دقيقة إلي حقيقة علمية مؤكدة لم يدركها العلماء المتخصصون إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في أثناء رحلة الباخرة البريطانية(Challenger) أو التحدي(1872 ـ1876) مؤداها أن الماء في البحار المتجاورة, وحتي في البحر الواحد يتمايز إلي العديد من البيئات المتباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية, والتي تلتقي مع بعضها البعض دون امتزاج كامل, فتبقي مفصولة علي الرغم من اختلاطها وتلاقي حدودها, وذلك لما للماء من خصائص ميزه بها الخالق( سبحانه وتعالي).
(10) وأن من هذه الخصائص المميزة للماء ما جعله قادرا علي حمل السفن العملاقة علي ظهره, وجريها في عبابه, وطفوها فيه كأنها الجبال الشامخات.
(11) وأن الفناء من صفات كل المخلوقات, وأن البقاء المطلق هو للخالق وحده.
(12) وأن الأرض في مركز الكون لتوحد أقطارها وأقطار السماوات, وأن الكون شاسع الاتساع بصورة لا يستطيع العقل البشري استيعابها, وأن أيا من الجن والإنس لا يستطيع النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله( تعالي).
(13) وأن السماء الدنيا مليئة بالنيران وفلز النحاس( علي هيئة نوي ذراته).
(14) وأن السماء سوف تنشق في الآخرة علي هيئة وردة حمراء مدهنة, وهي حالة تنشق عليها النجوم في زماننا كما صورها مقراب هابل الفضائي.
وعقب كل آية من هذه الآيات الكونية يأتي قول الحق( تبارك وتعالي): فبأي آلاء ربكما تكذبان وقد ترددت هذه الآية إحدي وثلاثين مرة بين آيات هذه السورة الكريمة.( أي بنسبة40% تقريبا من عدد آياتها الثماني والسبعين), وفيها من التقريع العنيف, والتبكيت الشديد ما يستحقه المكذبون بآلاء الله من الجن والإنس, الجاحدون لنعمه وأفضاله, وعلي رأسها دينه الخاتم الذي بعث به رسوله الخاتم( صلي الله عليه وسلم) والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه, بعد أن أتمه, وأكمله, وحفظه بنفس لغة الوحي كلمة كلمة, وحرفا حرفا علي مدي أربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها...!!
وكل آية من الآيات الكونية الواردة في سورة الرحمن تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولما كان ذلك يحتاج إلي تفصيل لا يتسع له المقام, فسوف أقصر الحديث هنا علي الآيتين(20,19), من السورة الكريمة, واللتين أشير إليهما في النقطة التاسعة من القائمة السابقة, وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية للغريب من ألفاظ هاتين الآيتين, ولأقوال عدد من المفسرين السابقين في شرحهما.
الدلالات اللفظية لبعض كلمات الآيتين الكريمتين
يتوزع الماء افقيا على سطح البحار والمحيطات بتوزع المناطق المناخية كما يتوزع رأسيا بحسب كل من درجات الحرارة ونسبة تركيز الاملاح وتبقى هذه الكتل المائية منفصلة عن بعضها على الرغم من عنف التيارات البحرية والأمواج
(1)( مرج): الميم والراء والجيم أصل يدل علي المجيء والذهاب, والقلق والاضطراب, ولذلك قيل مرج) الخاتم في الإصبع إذا اتسع, و( مرجت) أمانات القوم وعهودهم أي اضطربت واختلطت, و( مرج) الأمر اذا اختلط ومنه( الهرج والمرج), وأمر( مريج) أي مختلط.
و(المرج) في اللغة هو مرعي الدواب, أي: الأرض التي يكثر فيها النبات( فتمرج) الدواب فيه وتختلط, ولذلك قيل مرج) الدابة و(أمرجها) فـ( مرجت) أي: أرسلها ترعي وتختلط بغيرها من الحيوانات في المرعي لأن أصل( المرج) هو الخلط, و( المروج) هو الاختلاط, وقوله( تعالي): مرج البحرين أي أفاض أحدهما بالآخر, وجعلهما يختلطان دون امتزاج كامل, أي دون أن يلتبس أحدهما بالآخر التباسا كاملا, كما تختلط الدواب في المرعي, ويبقي لكل منها وجوده, و(مارج) من نار أي: لهب من نيران مختلطة لا دخان لها.
(2)( برزخ): هو حاجز أوجد بين شيئين ماديين, أو معنويين من مثل الفاصل بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلي البعث, فمن مات فقد دخل البرزخ, وفي تفسير قوله( تعالي): بينهما برزخ لا يبغيان قال عدد من المفسرين هو حاجز من الأرض, وقال البعض الآخر هو حاجز أو حائل أو مانع أوجدته القدرة الإلهية المبدعة, لا يراه أحد من الناس.
(3)( البغي): هو التعدي ومجاوزة الحد بإفراط واستطالة.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*( الرحمن:20,19)
ذكر ابن كثير يرحمه الله ـ ما نصه.. وقوله تعالي مرج البحرين) قال ابن عباس: أي أرسلهما, وقوله( يلتقيان) قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله( البحرين): الملح والحلو....( بينهما برزخ لا يبغيان) أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا علي هذا وهذا علي هذا, فيفسد كل واحد منهما الآخر....
وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه رحمة واسعة) ما نصه مرج) أرسل( البحرين) العذب والملح( يلتقيان) في رأي العين,( بينهما برزخ) حاجز من قدرته تعالي( لا يبغيان) لا يبغي واحد منهما علي الآخر فيختلط به.
وجاء في تفسير الظلال( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:.. والبحران المشار إليهما هما البحر المالح والبحر العذب, ويشمل الأول البحار والمحيطات, ويشمل الثاني الأنهار, ومرج البحرين أرسلهما وتركهما يلتقيان, ولكنهما لا يبغيان, ولا يتجاوز كل منهما حده المقدر, ووظيفته المقسومة, وبينهما برزخ من طبيعتهما من صنع الله....
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه:...( مرج البحرين يلتقيان...) أرسل الله المياه العذبة والملحة في مجاريها أنهارا وبحارا علي سطح الأرض, متجاورة متصلة الأطراف, ومع ذلك لم تختلط, لاقتضاء حكمته تعالي إقامة حواجز بينها من أجرام الأرض تمنعها من الاختلاط, ولولاها لبغي أحد النوعين علي الآخر, فبقي العذب علي عذوبته, والملح علي ملوحته, لينتفع بكل منهما فيما خلق لأجله..., و(مرج) أرسل...( يلتقيان) يتجاوران أو تلتقي أطرافهما.( برزخ) حاجز من أجرام الأرض, وذلك بقدرته تعالي.( لا يبغيان) لا يطغي أحدهما علي الآخر بالممازجة. أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه: أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما, بينهما حاجز من قدرة الله, لا يطغي أحدهما علي الآخر فيمتزجان.
وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبه خير الجزاء) ما نصه:...( مرج البحرين يلتقيان) أي أرسل البحر الملح والبحر العذب يتجاوران ويلتقيان ولا يمتزجان( بينهما برزخ لا يبغيان) أي بينهما حاجز من قدرة الله تعالي لا يطغي أحدهما علي الآخر بالممازجة....
الدلالة العلمية للآيتين الكريمتين
أولا: طبيعة البحرين:
يقول ربنا( تبارك وتعالي):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان*( الرحمن:20,19)
ثم يتبع ذلك مباشرة بقوله( عز من قائل):
فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*
(الرحمن:21 ـ23)
ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أنه خرج علي أصحابه, فقرأ عليهم سور الرحمن من أولها إلي آخرها, فسكتوا فقال( صلي الله عليه وسلم): لقد قرأتها علي الجن ليلة الجن, فكانوا أحسن مردودا منكم, كنت كلما أتيت علي قوله تعالي فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد( أخرجه الترمذي)
والنعم في دلالة هذه الآيات الكريمة تستوجب شكر الخالق العظيم عليها؟ وهي عديدة عديدة, ولكنولا يمكن إدراك ذلك إلا بفهم دلالتها العلمية.
ونحن نعلم أن لفظة البحر في اللغة العربية يمكن أن تطلق علي كل من البحر الملح والبحر العذب( أي النهر), ولكنها إذا أطلقت بغير تقييد فإنها تدل علي البحر الملح فقط, وإذ قيدت دلت علي ما قيدت به.
وفي ذلك قال ربنا( تبارك وتعالي):
مرج البحرين يلتقيان* وإطلاق لفظة البحرين هنا دون تقييد يدل علي أنهما البحران المالحان, وليس النهر والبحر كما ذهب إاليه غالبية المفسرين ـ قدامي ومعاصرين ـ, ويؤكد ذلك ما جاء في الآية(22) من نفس السورة بقول الحق( عز من قائل): يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان*
واللؤلؤ عبارة عن كريات صلبة ناعمة من كربونات الكالسيوم, لها بريق وتقوز لوني مبهج, تنمو بداخل أصداف طائفة خاصة من قبيلة الرخويات تعرف باسم مزدوجات المصراع, وهي حيوانات مائية تعيش في كل من الماء الملح والماء العذب, ويستخدم اللؤلؤ كأحدي الجواهر النفيسة, ولكن المرجان هو حيوان بحري لا يحيا إلا في الماء الملح, ويتبع طائفة الزهريات, وهي من طوائف قبيلة جوفيات المعي التي غالبا ما تعيش في مستعمرات كبيرة الا أن منها ما يحيا حياة فردية, ويفرز الفرد منها هيكلا كلسيا( من كربونات الكالسيوم), وتكون هياكل المستعمرات الكبيرة شعابا ضخمة تعرف باسم الشعاب المرجانية, وتكثر في البحار الضحلة الدافئة, ومنها المرجحان الأحمر الذي يتخذ ضمن المعادن شبه النفيسة. وعلي ذلك فإن سياق الآيات في سورة الرحمن يؤكد أن البحرين كلاهما مالح, كما أكده إطلاق لفظة البحرين.
والقرآن الكريم استخدم كلمة البحر بالإطلاق والتقييد كما جاء في قوله( تعالي):
1 ـ.... وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار*( إبراهيم:32)
2 ـ... وجعل بين البحرين حاجزا...*
(النمل:61)
3 ـ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج...*( الفرقان:53)
4 ـ وما يستوي البحران هذا عذاب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج...*( فاطر:12)
ثانيا: توزيع الكتل المائية في البحار والمحيطات
بقياس كل من درجات الحرارة ونسبة الملوحة في كتل الماء التي تملأ البحار والمحيطات المختلفة, والتي تغطي حوالي71% من مساحة سطح الأرض المقدرة بخمسمائة وعشرة ملايين من الكيلومترات المربعة, اتضح تباينها تباينا ملحوظا من بحر إلي آخر, وحتي في البحر الواحد( أفقيا ورأسيا) علي الرغم من وجود كتل مائية هائلة متجانسة في صفاتها الطبيعية والكيميائية, وكل منها يمثل بيئة حيوية خاصة لها تجمعاتها الحياتية المميزة, وأنواع الرسوبيات التي تترسب منها.
والتباين في كل من درجات الحرارة ونسبة تركيز الأملاح في ماء البحار والمحيطات يؤدي إلي تباين في كثافتها, مما يعين علي تحديد تلك الكتل المائية المتباينة علي الرغم من محاولة الأمواج والتيارات البحرية خلطهما مع بعضها البعض. وتتحرك كتل الماء السطحية بين مساحات كبيرة من خطوط العرض فتتغير صفاتها الطبيعية والكيميائية بتغير الظروف البيئية التي تنتقل إليها من مثل درجات الحرارة, ومعدلات التبخير وسقوط الأمطار وغيرها, وعندما تتغير كثافة الكتلة المائية السطحية فإنها تغوص في وسط ماء أقل كثافة حاملة معها بعض صفات ماء المنطقة السطحية التي كانت فيها إلي أعماق المحيط إن لم تحمل تلك الصفات كلها فتؤدي إلي تغيير كبير في صفات الماء بتلك الأعماق, كما تعين علي تحديد المصادر التي جاءت منها مهما تباعدت مسافات تلك المصادر إلي آلاف الكيلومترات, ومع اختلاط الماء من مصادر مختلفة تتغير صفات الكتل المائية في المحيط الواحد وفي البحر الواحد باستمرار, وبين البحار والمحيطات المختلفة بطريقة مستمرة, وعلي الرغم من ذلك تبقي كتل متمايزة من الماء في تلك البحار والمحيطات ما بقيت, وتسمي كتل الماءـ المميزة علي أسطح تلك المساحات المائية العملاقة في البحار والمحيطات باسم الموقع الجغرافي الذي توجد فيه, فتوجد كتل الماء المتوسط بين التيارات المائية الرئيسية في محيطات الأرض, وتوجد كتل الماء حول القطبين, وكتل غيرها بين هاتين المجموعتين من كتل الماء المتميزة وتعرف باسم كتل الماء شبه القطبي
(أ) كتل الماء السطحي في البحار والمحيطات
ينقسم الماء السطحي في بحار ومحيطات الأرض علي أساس من التباين في درجات الحرارة ونسبة الملوحة إلي الكتل التالية:
(1) كتلة الماء السطحي المتوسط:
وتتراوح درجة حرارتها بين6 و19 مئوية, ونسبة ملوحتها بين3,4% و3,65%, وتمتد في بحار ومحيطات المناطق شبه الاستوائية, وبين خطوط العرض30 و35 شمالا وجنوبا, وهذه الكتلة المائية الكبيرة تنقسم إلي كتل أصغر لها نفس الكثافة تقريبا ولكنها تختلف في بقية صفاتها الطبيعية باختلاف مواقعها الجغرافية, فعلي سبيل المثال فإن الماء السطحي في الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي يعتبر أكثر أجزاء المحيطات ملوحة, بينما يعتبر الماء السطحي في شمال المحيط الهادي أقلها ملوحة, ويستمر تواجد كتل الماء المتوسط رأسيا في عمق البحر أو المحيط حتي مستوي ثبات المنحدر الحراري.
(2) كتل الماء السطحي في خطوط العرض العليا:
وهذه تتميز بدرجات حرارة منخفضة ونسب ملوحة أقل مما في كتل الماء المتوسط وذلك لوجودها في مناطق باردة وغزيرة الأمطار, وتمتد بصفة عامة في المناطق المناخية المعتدلة شمالا وجنوبا.
(3) كتل الماء السطحي في المناطق حول القطبية:
أضخمها المنطقة حول القطب الجنوبي, ويتحرك فيها الماء من الغرب إلي الشرق في اتجاه دوران الأرض, ويمتد إلي أعماق تصل إلي3500 متر, في درجات حرارة تكاد تكون منتظمة بين درجتين مئويتين والصفر المئوي, ونسبة أملاح تتراوح بين3,46%, و3,47%.
( ب): كتل الماء متوسط العمق في البحار والمحيطات:
يمتد هذا الماء إلي عمق يصل إلي1500 متر تحت مستوي سطح البحر, وهو يتباين في درجات حرارته, ونسب الملوحة فيه, وذلك لتحركه من مصادر مختلفة, وعلي ذلك يمكن تقسيمه إلي العديد من الكتل بناء علي صفاته الطبيعية ومصادره التي جاء منها. ويبلغ هذا الماء المتوسط العمق أقصي انتشار له في المنطقة حول القطب الجنوبي, وذلك لأنه ينشأ أساسا من الماء السطحي في المنطقة المعتدلة الجنوبية وهي منطقة شاسعة الاتساع عندما يبدأ الماء في الهبوط من السطح إلي أعماق البحر لازدياد كثافته بزيادة برودته أو لزيادة نسبة الأملاح المذابة فيه, وبهبوط هذا الماء يختلط بنسب مختلفة مع كتل مائية ذات صفات متباينة ليكون ما يسمي باسم ماء القطب الجنوبي المتوسط العمق والذي ينتشر في كل أحواض المحيطات, ويتدفق هذا الماء البارد في اتجاه الشمال حتي يصل الي خط عرض20 شمالا في المحيط الأطلسي, ويتحرك جنوبا حتي خط عرض10 جنوب خط الاستواء في كل من المحيطين الهندي والهادي.
ويمتد ماء القطب الشمالي المتوسط العمق إلي شمال كل من المحيطين الأطلسي والهادي, ويتركز في أجزائهما الغربية, وهذا الماء تزداد ملوحته نسبيا في شمال غرب محيط الأطلسي وذلك بسبب تركيز الأملاح الناتج عن تجمد الماء في القطب الشمالي وتحرك الركازة الملحية إلي تلك المنطقة التي تشتد معدلات البخر فيها., كذلك يتحرك الماء من البحر الأبيض المتوسط إلي المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق في درجة حرارة حوالي13 م, ونسبة ملوحة تصل إلي3,81% لينزل تحت الماء السطحي للمحيط وتحت كتل الماء المتوسط فيه, ويمكن تتبعه إلي مسافات بعيدة فوق قاع المحيط الأطلسي رغم تغير صفاته الطبيعية بالاختلاط مع غيره من كتل الماء, كذلك يندفع ماء البحر الأحمر إليبحر العرب عبر باب المندب ليختلط بكتل الماء فيه, ويندفع ماء الخليج العربي إلي المحيط الهندي عبر مضيق هرمز.
(جـ): كتل الماء العميق في البحار والمحيطات
إن أوضح نموذج لكتل الماء العميق في البحار والمحيطات يقع في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلسي, وينتج هذا الماء من اختلاط الماء شديد الملوحة المندفع بواسطة تيار الخليج الذي يضرب شواطيء فلوريدا والماء السطحي القادم من المنطقة شبه المتجمدة الشمالية, وفي فصل الشتاء يبرد هذا الخليط من الماء فيهبط إلي قاع البحر حتي يصل إلي ما دون كتل الماء المتوسطة العمق, وعندما يتحرك هذا الخليط من الماء جنوبا فإنه يرتفع فوق ماء القطب الجنوبي العميق لقلة كثافته عن كثافة الماء القطبي, وعلي ذلك فإن كتلة ماء شمال الأطلسي العميقة تغطي قاع ذلك المحيط إلي خط عرض30 شمالا, ولكنها تتطابق بين كتل الماء العميق والمتوسط العمق كلما اتجهنا إلي الجنوب من هذا الخط من خطوط العرض, وتبقي كل كتلة منها محتفظة بصفاتها الطبيعية والكيميائية وسط حواف من الماء المختلط وتبلغ درجة حرارة كتل الماء العميق في البحار والمحيطات حوالي3 درجات مئوية, ويصل متوسط نسبة الأملاح فيها إلي34.9% ولا توجد كتل عميقة من الماء في كل من المحيطين الهندي والهادي باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.
(د) كتل الماء شديد العمق في البحار والمحيطات
يحوي المحيط القطبي الجنوبي فوق قاعه كتلة من الماء تعتبر أعلي ماء الأرض كثافة, ويتكون هذا الماء حول القارة القطبية الجنوبية في فصل الشتاء ثم يتحرك شمالا إلي قيعان المحيطات الرئيسية الثلاثة: الهادي والأطلسي والهندي حتي تصل الي خط العرض30 شمالا. وكتل ماء قاع القطب الجنوبي تتكون أساسا من تجمد الماء بكميات كبيرة فوق الرصف القاري تاركا وراءه كمية هائلة من الركازة الملحية, التي تندفع عبر منحدرات الجرف القاري لتختلط مع قدر مساو تقريبا من كتل الماء السطحي حول القطبين, فينشأ هذا الماء الذي يتميز بدرجة برودة شديدة( ناقص0.4 درجة مئوية) ونسبة ملوحة عالية نسبيا في حدود3,47%).
وعلي ذلك فقد ثبت أن الماء في محيطات العالم يترتب أفقيا ورأسيا في كتل متمايزة عن بعضها بعضا, تبدأ عند مستوي سطح البحر في المناطق ذات خطوط العرض العليا. وتمتد إلي أعماق البحار والمحيطات حتي تصل الي قاع المحيط في المناطق الاستوائية. والترتيب الأفقي لكتل الماء المختلفة في البحار والمحيطات حسب مناطقها المناخية يعكس الترتيب الرأسي في النقطة الواحدة حسب العمق.
وهذه الكتل المائية المتجاورة مفصولة عن بعضها البعض بواسطة الصفات الطبيعية والكيميائية الخاصة للماء, وبتباين صفات تلك الكتل ذاتها, علي الرغم من تحركها عبر بعضها بعضا باستمرار أفقيا ورأسيا( أي مرجها), وذلك بفضل تكون حواجز ذات طبيعة وسطية باستمرار بين الكتل المائية المتفاوتة في صفاتها الطبيعية والكيميائية.
ونظرا لأن دورة الماء في المحيط دورة مستمرة فإن الماء يتحرك أفقيا ورأسيا باستمرار فيختلط, ولا يمتزج امتزاجا كاملا أبدا, فالماء علي السطح تدفعه الرياح والتيارات البحرية, والأمواج المختلفة في محاولة لخلط تلك الكتل المائية المتجاورة ولكن ذلك لا يتم بالكامل لضخامة كمياتها, وكذلك فإن هذا الماء السطحي يتعرض للتبخير فتزداد ملوحته وبالتالي تزداد كثافته أو للتبريد فتزداد كثافته مما يؤدي إلي نزوله الي أعماق البحر, وهناك قد يتعرض لشيء من الحرارة عبر النشاطات البركانية فوق قيعان بعض البحار والمحيطات, أو لشيء من إنقاص نسبة الملوحة بترسيب جزء من الملح المذاب, أو تقليل نسبته بالاختلاط بتيار من الماء العذب, فتقل كثافة الماء في الأعماق, ويرتفع إلي أعلي لمعاودة الكرة مرات ومرات ومرات إلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها.
وقد ثبت بدراسة النظائر المشعة أن اختلاط ماء أعماق البحار والمحيطات يحتاج بين الألف والألف وستمائة سنة لكي يتم وذلك في حوض المحيط الهادي, وإلي نصف هذا الزمن في كل من المحيطين الهندي والأطلسي, ولذلك فهو يمثل دائما أقدم الماء في المحيط علي الإطلاق, بينما يمثل الماء السطحي أحدث الماء عمرا لأنه لا يكاد يبقي في مكانه لأكثر من10 إلي20 سنة, والماء يتحرك من المحيط المتجمد الجنوبي في اتجاه الشمال بمعدل نصف ملليمتر تقريبا في كل ثانية.
من ذلك يتضح أنه علي الرغم من عوامل الخلط الأفقية والرأسية المستمرة في البحار والمحيطات بفعل كل من الأمواج والتيارات البحرية وبفعل تغير درجات الحرارة ومتوسط الكثافة الا أن العديد من الكتل المائية تبقي محتفظة بصفاتها الطبيعية والكيميائية الخاصة لتوفر البيئات اللازمة لكل مجموعات الحياة في البحار والمحيطات.
ثالثا: من الصفات المميزة للماء
تحمل الأرض علي سطحها, وفي كل من قشرتها, وتربتها وغلافها الغازي كما هائلا من الماءيقدر بحوالي1.4 بليون كيلومتر مكعب, وأغلب هذا الماء(97.22%) في البحار والمحيطات, ويتوزع الباقي(2.78%) علي هيئة الجليد فوق قطبي الأرض وعلي قمم الجبال(2.15%), أو يخزن في صخور القشرة الأرضية وتربتها(0.613%), أو يحجز علي هيئة بحار داخلية وبحيرات مالحة(0.0077%), أو بحيرات عذبة(0.0092%), أو رطوبة في التربة(0.0049%), أو علي هيئة أنهار وجداول جارية(00092, ـ%).
والماء في الحالة السائلة بهذه الكميات الكبيرة يكاد يكون مقصورا علي أرضنا, لندرته علي ما نعرفه من الكواكب الأخري.
ويغطي الماء حوالي71% من مساحة سطح الأرض من تلك المساحة وتكون اليابسة حوالي29% فقط, ولولا هذا التوزيع المعجز لكانت درجة حرارة الأرض حارقة بالنهار, ومجمدة بالليل ويتحرك الماء بين كل من الغلاف الصخري, والمائي, والغازي للأرض في دورة معجزة تعرف باسم دورة الماء حول الأرض. ونظرا لتركيبه الجزيئي الفريد فإن الماء يتميز بعدد من الصفات الطبيعية والكيميائية الخاصة والتي منها ما يلي:
(1) البناء الجزيئي ذو القطبية المزدوجة:
حيث يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحمل كل منهما شحنة كهربية موجبة, ويرتبط كل منهما بذرة أوكسيجين( تحمل شحنة كهربية سالبة وذلك بواسطة رابطتين تساهميتين قويتين تشكلان زاوية مقدارها105 درجات.
وهذا البناء الجزيئي الفريد جعل للماء من الصفات ما يميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية, ويتضح ذلك بجلاء في قطبيته الكهربية الواضحة التي جعلت من الماء أقوي مذيب علي سطح الأرض, وجعلت لجزيئاته قوة تلاصق وتماسك عالية للغاية فيما بينها, وذلك لترابط جزيئات الماء فيما بينها برابطة تعرف باسم الرابطة الهيدروجينية.
(2) درجات التجمد والغليان:
ينكمش الماء بالتبريد كما هو الحال في أي سائل آخر, وبالتالي تزداد كثافته ولكن اذا وصل الماء الي درجة4 مئوية, فإن عملية الانكماش تتوقف, وإذا انخفضت درجة حرارته عن ذلك فإن حجمه يبدأ في التمدد, وتأخذ كثافته في الانخفاض حتي يصل الي درجة الصفر المئوي فيتجمد الماء, وتنخفض كثافته بمقدار10% تقريبا عن كثافته عند درجة4 مئوية لازدياد حجمه بنفس النسبة.
ولولا هذه الخاصية الفريدة لغاص الماء المتجمد علي هيئة جليد الي قيعان البحار والمحيطات في المناطق الباردة, وجمدها بالكامل وقضي علي الحياة فيها, ولكان لتجمد البحار والمحيطات أثره السيء علي مناخ الأرض.
ولذلك كان من بديع صنع الخالق( سبحانه وتعالي) ورائع حكمته أن عكس القانون للماء, فجعله أقل كثافة إذا تجمد ليطفو الي السطح في البحار والمحيطات والبحيرات وغيرها من الأسطح المائية في المناطق الباردة, ويعمل حاجزا عازلا للحرارة, يحمي الماء تحته من التجمد, وبالتالي يحمي الحياة فيها من الهلاك.
وبالإضافة الي ذلك فإن الله( تعالي) قد جعل للماء طاقة هائلة علي اختزان الحرارة, تعطيه استقرارا حراريا مثاليا يجعله يغلي عند درجة حرارة100 مئوية تحت الضغط الجوي العادي, بينما كل المركبات الهيدروجينية المشابهة تغلي عند درجات أقل بكثير, ولولا ذلك لما أمكن وجود الماء في الحالة السائلة علي سطح الأرض.
ومن مظاهر الاستقرار الحراري للماء ارتفاع معامل حرارته النوعية بمعني أنه يحتاج الي كميات كبيرة جدا من الحرارة حتي يسخن, ويحتاج إلي وقت طويل لكي يفقد حرارته, وكذلك ارتفاع معاملي الحرارة الكامنة للتبخر وللانصهار.
وعلي ذلك فإن من رحمة الله البالغة بعباده أن غطي حوالي71% من مساحة سطح الأرض بالماء, والا لما كانت صالحة للعمران لأنه لو كان سطح الأرض كله يابسة لكانت حارقة بالنهار, ومتجمدة بالليل مما يقضي علي الحياة قضاء تاما, فمن صفات اليابسة أنها تمتص الحرارة بسرعة وتفقدها بسرعة بينما الماء يمتصها ببطء ويفقدها ببطء.
(3) شدة تماسك وتلاصق جزييات الماء:
ترتبط جزيئات الماء مع بعضها بعضا بتجاذب الشحنات الكهربية المختلفة علي جزيئاته القطبية مع بعضها بعضا برابطة تسمي الرابطة الهيدروجينية, ولو أن هذه الرابطة سهلة التفكك( الانقضام) إلا أنها سريعة التكون, ولذلك تبدو كتلة الماء وكأنها مكونة من سلاسل حلقاتها ممغنطة ومرتبطة بأقطابها المختلفة اذا انفكت إحدها من مكانها فسرعان ما تلتئم تلك الحلقات, وتعرف هذه الخاصية باسم اللزوجة الجزيئية للماء, وهي من أهم الصفات المؤثرة في ماء البحار والمحيطات التي تجعله يختلط ولا يمتزج امتزاجا كاملا أبدا.
وشدة تماسك وتلاصق جزيئات الماء هي التي أعطته ـ بتدبير من الله( تعالي) ـ العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل شدة توتره السطحي, وميله إلي التكور علي ذاته علي هيئة قطرات بدلا من الانتشار الأفقي علي السطح الذي يسكب عليه, وفي تكوين ذلك الحاجز غير المرئي بين كل ماءين مختلفين في صفاتهما الطبيعية والكيميائية من مثل الماء العذب والملح, والماءين الملحين المتباينين, والذي سماه ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه باسم البرزخ. ولما كان ماء البحر يتكون من أكثر من95% ماء فإن صفات الماء العذب تبقي سائدة فيه, بل تزيدها الأملاح المذابة قدرة علي ذلك, والتي يغلب عليها كلوريد الصوديوم( أو ملح الطعام) ويليه في الكثرة عناصر المغنسيوم, والكالسيوم, والبوتاسيوم, والكبريت, والبرومين, والاسترونشيوم, والبورون, بالاضافة إلي آثار طفيفة لثمانين عنصرا آخر, تنتشر أيوناتها المشحونة بالكهرباء الموجبة والسالبة بتركيز متفاوت في كتل الماء المتجاورة في البحر الواحد أو المحيط الواحد فتعطي كلا منها صفاته الخاصة, وتبقيه معزولا عزلا كاملا رغم فعل التيارات البحرية والأمواج.
وتظهر صورة هذا العزل للكتل المائية المتجاورة بشكل أوضح بين البحار شبه المغلقة كالبحرين الأبيض المتوسط والأحمر, حينما يتحرك الماء من أحدهما إلي المحيط المجاور فيتكون بينهما ماء له صفات وسطية يفصل كلا من الكتلتين المائيتين فصلا كاملا.
فسبحان الذي أنزل هذه الحقيقة العلمية في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة فقال( عز من قائل):
مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* فبأي آلاء ربكما تكذبان
وهي حقيقة لم يصل إليها العلم المكتسب إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي, ولم تدون في كتاب قبل منتصف الأربعينيات من القرن العشرين, فسبحان الذي أنزل القرآن بعلمه, وعلمه خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بلغة وحيه إلي يوم الدين وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا الوحي الإلهي العظيم وبلغه بأمانة وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه إلي يوم الدين.