ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه
ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله..*
بقلم: د. زغـلول النجـار
هذاالنص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النور, وهي سورة مدنية, وعدد آياتها أربع وستون, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في الآية الخامسة والثلاثين منها إلي حقيقة كونية عليا مؤداها أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض..
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإلهية التي تحكم سلوك المسلم وأخلاقه ومعاملاته, والآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها في حياته الخاصة والعامة, وضوابط العلاقات في داخل الأسرة المسلمة, والبيت المسلم, صيانة للحرمات, وحفاظا علي المجتمعات المسلمة من كل أسباب التفكك والانهيار....!!
ومن الآداب السلوكية التي فرضتها السورة الكريمة علي أصحاب رسول الله( صلي الله عليه وسلم) في زمن الوحي( والتي تنسحب علي المسلمين في كل زمان ومكان) أنهم إذا كانوا في معية رسول الله وهم قائمون علي أمر مهم من أمور المسلمين, لايجوز لهم أن يتركوه حتي يستأذنوا فيأذن لهم.
وأوردت السورة الكريمة عددا من الحدود الشرعية التي فرضها الله( تعالي) صونا للمجتمعات الإنسانية من الفساد,والإباحية, والفوضي, من مثل حدود الزنا, والقذف, واللعان, وعالجت قضايا الأسرة, والآداب التي تحكم سلوك كل فرد من أفرادها, والحلول للمشكلات التي يمكن أن تعترض سبيلها...!!
وتبدأ سورة النور بالتأكيد علي أنها من جوامع سور القرآن الكريم, أنزلها الله( تعالي) كما أنزل بقية سور هذا الكتاب العزيز علي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) وفرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم باتباعها, كما أنزل عددا من آياته البينات كي تكون تذكرة للناس إلي قيام الساعة...!!
وتحذر سورة النور من اتباع خطوات الشيطان, وتأمر بالإنفاق في سبيل الله, وتنهي عن الخوض في أعراض الناس, وعن قذف المحصنات الغافلات الممؤمنات, وتؤكد أن الخبيثات من الزوجات للخبيثين من الأزواج والخبيثين من الأزواج للخبيثات منهن, وأن الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات, وتنهي عن دخول البيوت دون الاستئذان والسلام علي أهلها, وتأمر بغض البصر, وحفظ الفرج, وبالاحتشام وستر العورات, وعدم التبرج بزينة, وتضع ضوابط للزواج, وتحرم البغاء, وتؤكد أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض, وتضرب مثلا لهذا النور(ولله المثل الأعلي), وتدعو إلي بناء المساجد بيوتا لله( تعالي) في الأرض, وتأمر بالقيام علي تطهيرها, وتعظيمها, وعمارتها, ورفع شأنها كي تكون دوما منارات للهدي, ومراكز للدعوة إلي دين الله, ومساجد يعبد فيها الله( تعالي) وحده( بغير شريك, ولاشبيه ولامنازع), ويسبح المؤمنون بحمده صباح مساء, لايشغلهم عن ذلك شاغل من شواغل الدنيا بزخارفها وزينتها, فلايجوز للمؤمن بالله أن ينشغل عن إقام الصلاة في المساجد علي أوقاتها, وإيتاء الزكاة عند استحقاقها, بأقدارها, وحدودها, وفي مصارفها الشرعية, وذلك كله طمعا في مرضاة الله( تعالي), وفي كرمه, وفضله, ورحمته, وتجنبا لغضبه وسخطه, وخوفا من أهوال يوم القيامة التي تضطرب لها القلوب, وتزيغ الأبصار.. فالله( تعالي) يعطي مايشاء لمن يشاء من عباده, ولاحدود لعطائه, وذلك انطلاقا من تمام ربوبيته, وكمال قدرته, وطلاقة مشيئته, وفيض جوده, وعظيم إحسانه.....!!
وفي مقابل هذا الموقف من المؤمنين فإن الكفار سوف يفاجأون في الآخرة برؤية أعمالهم التي اقترفوها في الدنيا(وهم يظنون أنها أعمال نافعة) وكأنها سراب خادع, يخدع الظمآن في هجير الصحراء فيراه ماء يجري في القيعان علي سطح الأرض حتي إذا جاءه لم يجده شيئا, ووجد الله عنده فوفاه حسابه, والله سريع الحساب*.
وتشبه السورة الكريمة تخبط الكفار في ظلمات الضلال بالواقف في قاع البحر العميق, وسط ظلمات متراكمة, متكاثفة, بعضها فوق بعض, تحجبه عن رؤية يده إذا أخرجها ورفعها أمامه, وأضافت السورة أن من لم يهده الله للإيمان فلن يهتدي أبدا. وتؤكد أن جميع من في السماوات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شيء وإليه المصير....!!
وتحدثت الآيات عن تكون السحب الركامية, وعما ينزل الله( تعالي) منها من ماء وبرد, وعما يصاحب ذلك من ظواهر كالبرق, كما تحدثت عن تقلب الليل والنهار, وعن خلق كل دابة من ماء, وعن إنزال الآيات المبينات للحق, وعن هداية الله( تعالي) لمن يشاء من خلقه إلي دينه الحق الذي هو الإسلام كما أنزله علي فترة من الرسل وأتمه وحفظه في بعثة الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم).
وتحذر الآيات في هذه السورة المباركة من النفاق والمنافقين, وتصفهم بأحط الصفات, وتقارن بين مواقفهم ومواقف المؤمنين, وتفضح دخائل نفوس المنافقين وما جبلوا عليه من الكذب, والمكر, والاحتيال, والحنث في الأيمان, ونقض العهود والمواثيق, وتؤكد الآيات أن الله( تعالي) خبير بما يعملون..., وعلي الرغم من ذلك كله فإن الآيات توصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن يأمر هؤلاء المنافقين ــ في زمرة من يأمر من عباد الله ــ بطاعة الله ورسوله, فإن جوبه ذلك بالإعراض فإن ما علي الرسول إلا البلاغ, وما عليهم إلا السمع والطاعة...!!
وتؤكد الآيات في سورة النور أن وعد الله( تعالي) قائم للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده في كل زمان ومكان أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم, وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم, وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا ماداموا يعبدون الله( تعالي) علي التوحيد الخالص لايشركون به شيئا, وأن.. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون.
وتأمر الآيات مجددا بإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وطاعة الرسول( صلي الله عليه وسلم) في كل أوامره خاصة في الأمر بالجهاد في سبيل الله, وذلك طلبا لرحمة الله( تعالي), وتؤكد أن الذين كفروا ليسوا بمعجزين في الأرض, وأن مأواهم النار وبئس المصير, كما تؤكد أنه ليس علي أهل الأعذار من حرج أو إثم في القعود عن الجهاد في سبيل الله...!!
وتختتم سورة النور بوصف الذين آمنوا والتزموا بأوامر الله ورسوله, وتأمر بتوقير هذا الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ ودعائه بأفضل مايمكن أن يدعي به.. وتحذر من مخالفة أمره أو الخروج عن منهجه وسنته, لأن ذلك قد يكون سببا في تعرضهم لفتنة في الدنيا ولعذاب أليم في الآخرة,
وتؤكد الآيات في ختام السورة مرة أخري أن لله مافي السماوات والأرض, وأنه( سبحانه) عليم بما في قلوب خلقه من الإيمان والكفر, وأنهم جميعا سوف يرجعون إليه فينبئهم بما فعلوا في الدنيا ويحاسبهم عليه, ويجازي كلا بعمله, وهو( تعالي) لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النور علي صدق ما جاء بها من حقائق وأحكام آيات عديدة منها مايلي:
(1) أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض.
(2) ضرب المثل لهذا النور الإلهي بمشكاة.. فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور...
(3) تشبيه أعمال الكافرين بالتشبيه العلمي الرائع.. كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا...
(4) التشبيه بالظلمة المركبة فوق قيعان البحار العميقة التي تغشاها الأمواج الداخلية ومن فوقها الأمواج السطحية ومن فوقها السحب, وكل منها يحجب جزءا من أشعة الشمس فيؤدي إلي تلك الظلمة المتراكبة الحالكة, والأمواج الداخلية في كل من البحار العميقة والمحيطات لم تعرف إلا في القرن العشرين.
(5) التأكيد علي حقيقة أن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور, وفي ذلك إشارة ضمنية إلي حقيقة لم يكتشفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين مؤداها أن صور الحياة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات قد زودها الخالق( سبحانه وتعالي) بوسائل إنارة ذاتية, ولولا ذلك ماكان لها من نور.
(6) التأكيد علي حقيقة أن كل ما في السماوات والأرض يسبح بحمد الله( تعالي) ويقدسه ويمجده في عبادة تسخيرية لايدركها كثير من الناس.
(7) التأكيد علي أن الله( تعالي) هو الذي يسوق السحاب بقدرته وإرادته إلي حيث يشاء( أي يزجيه), وتتم هذه العملية ببطء يسمح لقطع السحاب المختلفة من الاقتراب والالتحام مع بعضها البعض( ثم يؤلف بينه), والتراكم وتكاثف بعضها فوق بعض( ثم يجعله ركاما) حتي يزداد سمكها وترتفع الي أعلي فيزداد تكثف بخار الماء فيها, ونمو قطيرات الماء الناتجة من هذا التكثف بالتدريج حتي تنزل مطرا من خلال تراكمات السحاب بإذن الله( تعالي) والي حيث يشاء
(فتري الودق يخرج من خلاله), كما قد تتجمد بعض قطيرات الماء نظرا للارتفاع الهائل الذي تصل إليه فينزلها الله( تعالي) بردا من هذه السحب المتراكمة كالجبال وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء, وأن نور برق البرد في هذه السحب الركامية يكاد يذهب بأبصار الناظرين إليه من شدته.
( التأكيد علي قدرة الله البالغة في تقليب الليل والنهار.
(9) خلق كل دابة من ماء.
(10) الإشارة إلي إمكانية تصنيف الدواب علي أساس من طريقة مشيها( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع يخلق الله مايشاء إن الله علي كل شيءقدير*.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة مستقلة ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة السابعة والتي تشير فيها الآية الثالثة والأربعون من سورة النور إلي تكون المزن الركامية, وإلي إنزال كل من المطر والبرد منها بإرادة الله( تعالي), وإلي ماقد يصاحب ذلك من برق ورعد, وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار*( النور:43)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يذكر تعالي أنه يسوق السحاب بقدرته أول ماينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء,( ثم يؤلف بينه) أي يجمعه بعد تفرقه,( ثم يجعله ركاما) أي متراكما أي يركب بعضه بعضا,( فتري الودق) أي المطر,( يخرج من خلاله) أي من خلله, وقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد) قال بعض النحاة من) الأولي لابتداء الغاية, والثانية للتبعيض, والثالثة لبيان الجنس, ومعناه: أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد, وأما من جعل الجبال ههنا كناية عن السحاب فإن( من) الثانية عنده لابتداء الغاية لكنها بدل من الأولي والله أعلم, وقوله تعاليفيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء) يحتمل أن يكون المراد بقولهفيصيب به): أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد, فيكون قوله فيصيب به من يشاء) رحمة لهم( ويصرفه عن من يشاء) أي يؤخر عنهم الغيث, ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
(فيصيب به) أي بالبرد نقمة علي من يشاء لما فيه من إتلاف زروعهم وأشجارهم,(ويصرفه عن من يشاء) رحمة بهم, وقولهيكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته....
وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه برحمته الواسعة) مانصهألم تر أن الله يزجي سحابا) يسوقه برفق( ثم يؤلف بينه) بضم بعضه إلي بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة( ثم يجعله ركاما) بعضه فوق بعض( فتري الودق) المطر(يخرج من خلاله) مخارجه,( وينزل من السماء)( من) زائدة( جبال فيها) في السماء بدل بإعادة الجار( من برد) أي بعضه( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء)( يكاد) يقرب( سنا برقه) لمعانه( يذهب بالأبصار) الناظرة له:أي يخطفها.
وجاء في الظلال( رحم الله كاتبها برحمته الواسعة) مانصه:
ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين, وفيها متعة للنظر, وعبرة للقلب, ومجال للتأمل في صنع الله وآياته, وفي دلائل النور والهدي والإيمان....., والمشهد يعرض علي مهل وفي إطالة, وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع. كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه, وبعثه إلي التأمل والعبرة, وتدبر ما وراءها من صنع الله. إذ يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلي مكان, ثم تؤلف بينه وتجمعه, فإذا هو ركام بعضه فوق بعض, فإذا ثقل خرج منه الماء, والوبل الهاطل, وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة, فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة.. ومشهد السحب كالجبال ليبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها, فإذا المشهد مشهد الجبال حقا, بضخامتها, ومساقطها, وارتفاعاتها وانخفاضاتها, وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس, إلا بعد ماركبوا الطائرات.
وهذه الجبال مسخرة بأمر الله, وفق ناموسه الذي يحكم الكون, ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء, ويصرفه عمن يشاء.. وتكملة المشهد الضخم يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض, علي طريق التناسق في التصوير.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه ألم تر أن الله): دليل من الآثار العلوية علي كمال قدرته تعالي وانفراده بالخلق والتدبير.( يزجي سحابا) يسوقه سوقا رفيقا إلي حيث يريد. يقال: زجي الشيء يزجيه تزجية, دفعه برفق, كزجاه وأزجاه.( ثم يجعله ركاما) متراكما بعضه فوق بعض. يقال: ركم الشيء يركمه ركما, إذا جمعه وألقي بعضه علي بعض. وتراكم وارتكم الشيء: اجتمع, والركام: الرمل المتراكم.( الودق) أي المطر. وهو في الأصل مصدر ودق السحاب يدق ودقا, إذا نزل منه المطر.( خلاله) أي فتوقه ومخارجه. جمع خلل, كجبال وجبل..( سنا برقه) أي شدة ضوء برق السحاب ولمعانه. يقال: سنا يسنو سنا, أي أضاء.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزي الله كاتبيه خير الجزاء) ما نصه: ألم تر أيها النبي أن الله يسوق بالريح سحابا, ثم يضم بعضه إلي بعض ويجعله متراكما, فتري المطر يخرج من خلال السحاب, والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التي تشبه الجبال في عظمتها بردا, كالحصي ينزل علي قوم فينفعهم أو يضرهم تبعا لقوانينه وإرادته ولا ينزل علي آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار.
ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته, وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان.
وجاء في الهامش الملاحظتان التاليتان:
1 ـ لا يعرف التشابه بين السحب والجبال إلا من يركب طائرة تعلو به فوق السحاب فيراها من فوق كأنها الجبال والآكام, وإذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي( صلي الله عليه وسلم) فإنه يكون ذلك دليلا علي أن هذا الكلام من عند الله الذي يعلم ما علا, وما انخفض.
2 ـ تسبق هذه الآية الكريمة ركب العلم. فإنها تتناول مراحل تكون السحب الركامية وخصائصها. وما عرف علميا في العهد الأخير من أن السحب الممطرة تبدأ علي هيئة وحدات يتآلف عدد منها في مجموعات هي السحب الركامية: أي السحب التي تنمو في الاتجاه الرأسي, وترتفع قممها إلي علو15 أو20 كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخة.
كما أن هذه السحب هي ـ وحدها ـ التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء, وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة(40 تفريغا في الدقيقة الواحدة) فيذهب ببصر الراصد من شدة الضياء. وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد في المناطق الحارة. وينجم عن فقد البصر هذا أضرار بليغة تشكل خطرا حقيقيا علي أعمال الطيران وسط العواصف الرعدية.
السحب الركامية في منظور العلوم المكتسبة
اولا: تكون السحب:
تتكون السحب نتيجة لتكثف بخار الماء في الهواء الرطب علي هيئة قطيرات دقيقة من الماء, ويتم مثل هذا التكثف بتبريد الهواء الدافئ الرطب إما بالتقائه مع جبهة باردة, أو بارتفاعه إلي أعلي بطفوه فوق الجبهة الباردة أو بارتطامه بالسلاسل الجبلية, وفي كل الأحوال يكون تصريف الرياح وإرسالها بمشيئة الله( تعالي) هو الوسيلة الفاعلة في حركة الهواء الرطب أفقيا ورأسيا.
وتساعد حركة الرياح حرارة الشمس التي تصل الأرض بكميات متفاوتة نظرا لميل محور دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس علي دائرة البروج بزاوية قدرها ست وستون درجة ونصف. والأرض تجري كذلك في مدارها حول الشمس وهي مائلة بهذا القدر, وعلي ذلك فإن أشعة الشمس تتعامد علي خط الاستواء, وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين, وميلا متوسطا بينهما, مما يؤدي إلي تباين كبير في توزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض, وعند هذا التباين تنتج حركة صاعدة للهواء الساخن, وحركة هابطة للهواء البارد, كذلك فإن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يعين علي دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب, وإلي تكون عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل من قطبي الأرض علي هيئة دورة عامة للرياح شديدة الانتظام حول الأرض, منها الدوائر الحارة, والمعتدلة والباردة والجبهات الهوائية الفاصلة بينها. وبالاضافة إلي ذلك فإن الظروف الجغرافية المحلية تزيد من تعقيد الصورة العامة لحركات الرياح التي تكون دافئة ورطبة فوق المحيطات المدارية, وحارة/ جافة فوق الصحاري, وباردة/ جافة فوق المناطق المكسوة بالجليد.
وتتدخل تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية, والتلال, والهضاب, والسهول والمنخفضات و الكتل المائية المختلفة في زيادة تعقيد الصورة, ففي الصيف تسخن اليابسة أكثر من الكتل المائية, وفي الشتاء تحتفظ الكتل المائية بالحرارة لمدة أطول فتكون أدفأ من اليابسة, فينشأ عن تلك الفروق في درجة الحرارة حركة للرياح تعرف باسم نسيم البر والبحر, كما تنشأ دورة للرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات المحيطة بها.
وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية من مناطق الضغط المرتفع إلي مناطق الضغط المنخفض تصاحبها حركات رأسية إلي أعلي, فإذا سخنت كتلة من الهواء إلي درجة تمايزها عن الكتل الهوائية المجاورة لها فإنها ترتفع إلي أعلي حيث يتناقص ضغطها, وتنخفض درجة حرارتها, ويبدأ ما فيها من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة فيها إلي نقطة التشبع( نقطة تكون الندي), فتتحول الكتلة الهوائية الرطبة إلي سحابة من أنواع السحب المتعددة.
وبتصريف الرياح أفقيا ورأسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالأرض إلي أعداد من الكتل الهوائية المتجاورة والمتمايزة في صفاتها الطبيعية وتركيبها الكيميائي, وكل كتلة من هذه الكتل الهوائية تمثل بكمية هائلة من الهواء المتجانس فيما بينه خاصة في درجتي الحرارة والرطوبة النسبية, وتمتد كل كتلة منها لعدة كيلو مترات أفقيا ولمئات حتي آلاف الأمتار رأسيا, ويفصل بينها حدود واضحة تعرف باسم الجبهات الهوائية.
والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات, وتقدر كتلته بأكثر قليلا من ستة تريليونات من الأطنان(6.120*1510 طن), والغالبية العظمي من هذه الكتلة(99%) يقع دون ارتفاع50 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وعلي ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض.
ويتناقص ضغط الهواء بالارتفاع في الغلاف الغازي للأرض من حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع(1.0336 كيلو جرام/ سم2) عند مستوي سطح البحر إلي حوالي الجرام علي السنتيمتر المربع(1.0336 جرام/ سم2) عند ارتفاع48 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وإلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر.
والغلاف المائي للأرض تقدر كميته بحوالي1.36 مليار كيلو متر مكعب, ويغمر ماء الأرض أكثر قليلا من71% من مساحة سطحها, وأغلب هذا الماء(97.2%) مخزون في البحار والمحيطات, وأغلب الباقي( حوالي2.15% من مجموع ماء الأرض) موجود علي هيئة جليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال العالية, والباقي(0.65%) موجود في البحيرات العذبة, وفي خزانات الماء تحت سطح الأرض, وفي المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها.
وتقوم حرارة الشمس بتبخير380.000 كيلو متر مكعب من ماء الأرض سنويا, أغلبها(320.000 كيلو متر مكعب) من أسطح البحار والمحيطات, والباقي(60.000 كيلو متر مكعب) يصعد من اليابسه بالبخر ومن تنفس الانسان والحيوان ونتج النبات, وهذا البخار تدفعه حركة الرياح جانبيا ورأسيا علي هيئة هواء رطب إلي مناطق أبرد أو أقل ضغطا فتبدأ فيه عمليات التكثف علي هيئة قطيرات متناهية الدقة من الماء فتتكون السحب, ثم تدفع تيارات الرياح بهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثف إلي داخل السحب فتعين علي المزيد من تكثف بخار الماء ونمو قطيراته إلي الحجم الذي يسمح بنزولها مطرا أو بردا أو ثلجا, وتحرك الرياح تلك السحب المثقلة بالماء( المزن) إلي حيث يشاء الله( تعالي) لها أن تنزل فينزلها( سبحانه) بقدر معلوم.
وحينما يصل ماء المطر إلي المنطقة المقسوم لها أن ينزل عليها هذا القدر من الماء بتقدير من الله( تعالي) فإنه يجري علي سطح اليابسة يشرب منه كل حي بالقدر المقسوم, كما يقوم بدور مهم في تفتيت صخور الأرض وتكوين التربة, وشق الفجاج والسبل, ويخزن جزء معلوم منه في صخور الأرض المنفذة وينتهي المطاف بالباقي إلي البحار والمحيطات ليعاود الكرة من جديد.
والماء المختزن تحت سطح الأرض قد يشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تتفجر عنه الصخور فيخرج علي هيئة عدد من الينابيع الفوارة أو العيون, كما قد يحفر عليه عدد من الآبار.
وتسقط الأمطار علي البحاروالمحيطات بمعدل284.000 كيلو مترا مكعبا في السنة, وعلي اليابسة بمعدل96.000 كيلو مترا مكعبا, وذلك في دورة معجزة تعرف باسم دورة الماء حول الأرض وفي ذلك يقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه.
ثانيا: تكون السحب الركامية:
بتصريف الرياح ـ حسب علم الله ومشيئتة ينقل بخارالماء من مناطق البخر علي هيئة الكتل الهوائية الدافئة الرطبة إلي مناطق التكثيف الباردة مكونا السحب التي تلقح بنوي التكثف بفعل الرياح التي يصرفها الله( تعالي) أيضا بعلمه وحكمته وإرادته فتتحول هذه السحب إلي سحب قادرة علي إنزال الماء تعرف باسم السحب الممطرة( أو المزن) يسوقها الله( تعالي) إلي حيث يشاء.
وعلي ذلك فإن من العوامل الفاعلة في تكثف بخار الماء في داخل الكتل الهوائية الرطبة وتكون السحب هو تبردها بدرجة كافية حتي تصل إلي نقطة الندي فيبدأ البخار المتجمع في تلك الكتل الهوائية الرطبة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية, وتتبرد الكتل الهوائية الرطبة إما بالتقائها مع كتل هوائية باردة, وإما برفعها إلي مستويات أعلي من مستوي سطح البحر بعدة مئات بل آلاف من الأمتار, مما يتسبب في فقدانها الكثير من حرارتها بوجودها في وسط أقل حرارة, وبتمددها لوجدوها في وسط أقل ضغطا فتتبرد إشعاعيا, ومع التبرد ترتفع درجة الرطوبة النسبية فيها, ويبدأ ما تحمله كتلة الهواء الرطب من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات الماء فتتكون السحب, وتتحدد قاعدة السحابة الواحدة بناء علي كل من درجة الحرارة والرطوبة في كتلة الهواء الصاعدة وشدة الرياح التي تدفعها, بينما تتحدد قمة السحابة وحجمها علي هذه العوامل ذاتها بالاضافة إلي قوة حركة الدفع إلي أعلي وطبيعته.
ومن العناصر الفاعلة والمؤدية إلي مزيد من تكثف بخار الماء في داخل السحب المثقلة به هي نوي التكثف التي يسوقها الله( تعالي) مع الرياح المصرفة, وهي عبارة عن هباءات دقيقة من الغبار والهباب, والمركبات الكيميائية التي لها جاذبية خاصة لبخار الماء( مثل كبريتات النوشادر) وبعض الأملاح الناتجة عن تبخر ماء البحار والمحطيات, وغير ذلك مما يمكن أن يعلق بالهواء.
فعندما يرسل الله( تعالي) الرياح فتدفع بكتلة من الهواء الرطب الدافئ فوق كتلة من الهواء البارد فإنها تتبرد, ويبدأ ما بها من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات مائية فتتكون سحب منخفضة نسببا لها هيئة طباقية ولذا تعرف بالسحب الطباقية
(Stratiformor Layered Clouds)
وهي تتكون من طبقات أفقية تقريبا تمتد لمئات من الكيلو مترات المربعة, بسمك عدة مئات من الأمتار, وتدفعها رياح عمودية علي اتجاه جبهتها تزودها ببخار الماء, ولذلك فهي عادة ما تكون من أغزر أنواع السحب إمطارا وأوسعها انتشارا بإذن الله( تعالي).
وعلي العكس من ذلك فإنه عندما يرسل الله( تعالي) الرياح فتدفع بكتلة من الهواء البارد في أتجاه كتلة من الهواء الدافيء الرطب, فإن كتلة الهواء البارد تقطع كتلة الهواء الدافيء بمقدمتها( الجبهة الهوائية الباردة) وبتكرار عملية سوق السحب في اتجاه بعضها بعضا( الإزجاء), والتأليف بينها فإنها تداوم إلي نصفين ترفع احدهما إلي أعلي, وتحتوي النصف الآخر في الأرتفاع إلي أعلي علي هيئة متراكمة مكدسة متراكبة فوق بعضها بعضا, ومع مداومة الارتفاع يبدأ بخار الماء في كتلة الهواء المرتفعة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية دقيقة مكونة تجمعات من السحب العالية المتراكبة تعرف باسم السحب الركامية(
Cumuliformor Heap Clouds)
وهي عبارة عن أكوام من السحب المكدسة فوق بعضها بعضا بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بعدد من الأخاديد والأودية العميقة التي قد يصل ارتفاعها إلي أكثر من15 كيلو مترا, مما يعكس الأرتفاع المتكرر والمتعدد للهواء المشبع ببخار الماء علي مدي طويل من الزمن, ومع الارتفاع إلي مستويات تتعدي مستوي الركود المناخي يحدث الانخفاض الشديد في درجة الحرارة مما يسمح بتكون بللورات من الثلج في قمة جبال السحب الركامية يليه إلي أسفل حبيبات البرد وقطرات من الماء الشديد البرودة, ثم قطرات الماء البارد, والسحب الركامية, هي النوع الوحيد من السحب المعروفة لنا والمصاحبة بظواهر الرعد والبرق و بنزول كل من البرد والثلج.
وعلي ذلك فإن تكون السحب الركامية يتطلب أن تسوق الرياح بإذن الله( تعالي) قطعا من السحاب المتناثر بطريقة مستمرة ولفترة محددة حتي تتلاقي وتتحد وتتآلف في مناطق تعرف باسم مناطق التجمع(
ConvergenceZones
وهو ما سماه القرآن الكريم بتعبير الإزجاء, وهذا الإزجاء أو السوق البطيء لقطع السحاب يزيد من تركيز بخار الماء في مثل هذا التجمع من السحب, وذلك لأن سرعة تحرك هذه السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المثيرة لها, خاصة إذا كان حجم السحابة كبيرا, وذلك بسبب تأثير قوة الإعاقة(DragForce) وهذا ما يسبب التحام وتآلف تلك السحب.
كذلك فإن سرعة الرياح تتباطأ بصفة عامة كلما اتجهنا إلي مناطق التجمع حتي تتلاحم السحب مع بعضها البعض بإرادة الله( تعالي), ولعل هذا هو المقصود من قول الحق( تبارك وتعالي): ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه.. وعندما تلتحم سحابتان أو أكثر(Cloud-merging) فإن تيار الهواء الصاعد داخل تجمعهما يزداد شدة, وعنفا, وسرعة مما يعين علي جلب المزيد من بخار الماء إلي قمة هذا التجمع التراكمي للسحب, ويزيد من معدلات التكثف فيه, وبازدياد سرعة تيار الهواء الصاعد فإنه يدفع بالتجمع المتراكم إلي مزيد من الارتفاع إلي أعلي, وتكون سرعة التيارات الهوائية الصاعدة أعلي ما تكون في وسط هذا التجمع للسحب الركامية, مما يؤدي إلي المزيد من ركم مكوناتها والدفع بها إلي أعلي بهيئة النافورة المتدفقة أو البركان الثائر الذي تتراكم طفوحه علي جانبيه.
وكلما زاد إزجاء السحب إلي بعضها البعض أي تجميعها, زاد ركمها أي تراكمها وتكدسها, وزاد سمك تجمعها وبالتالي زادت قدرة هذا السحاب المركوم علي إنزال المطر والبرد بإذن الله وزادت ظواهر الرعد والبرق فيه, وسمي بالمزن الركامية( أو السحاب الركامي الممطر), والأنواع الشاهقة الارتفاع من المزن الركامية تتكون من بلورات الثلج في قمتها, ومن خليط من حبات البرد وقطرات ماء شديد البرودة في وسطها, وقطرات ماء بارد فقط في قاعدتها.
وتتحرك السحب الركامية إلي حيث شاء الله تعالي لها أن تصل, وتظل عملية الركم مستمرة فيها مادامت تيارات الهواء الصاعدة قادرة علي رفع مزيد من بخار الماء, وعندما تثقل حمولة هذا السحاب المركوم ينزله ربنا( تبارك وتعالي) حيث يشاء بقدر معلوم علي هيئة مطر, أو برد, أو ثلج, أو علي هيئة خليط منها جميعا وذلك حسب مكونات التجمعات المزنية المركومة وتوزيع درجات الحرارة والرطوبة فيها وأسفل منها, ويتكون البرد بين درجات تتراوح بين ما دون الصفر المئوي وأربعين درجة تحت الصفر, وقد تنمو حبات البرد إلي حجم البرتقالة, وهي مدمرة للزراعة, وينزل المطر من قاعدة المزن الركامية علي هيئة زخات متفرقة في باديء الأمر, ثم لا تلبث أن تشمل معظم قاعدتها حيث تسود التيارات الهابطة في نهاية عمر المزن الركامية.
إن معرفة السحب الركامية لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة السماء بواسطة الطائرات, وهذا الفهم لطبيعة وتكون السحب الركامية لم تصل إليه العلوم المكتسبة إلا في أواخر القرن العشرين, ومن هنا يأتي وصف القرآن الكريم لها بهذه الدقة والإحاطة والشمول شهادة صدق علي أن القرآن العظيم هو كلام الله الخالق, وأن الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه, وأنزل فيه قوله الحق:
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله, وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.( النور:43)
وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا القرآن العظيم وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.
ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله..*
بقلم: د. زغـلول النجـار
هذاالنص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة النور, وهي سورة مدنية, وعدد آياتها أربع وستون, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في الآية الخامسة والثلاثين منها إلي حقيقة كونية عليا مؤداها أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض..
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإلهية التي تحكم سلوك المسلم وأخلاقه ومعاملاته, والآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها في حياته الخاصة والعامة, وضوابط العلاقات في داخل الأسرة المسلمة, والبيت المسلم, صيانة للحرمات, وحفاظا علي المجتمعات المسلمة من كل أسباب التفكك والانهيار....!!
ومن الآداب السلوكية التي فرضتها السورة الكريمة علي أصحاب رسول الله( صلي الله عليه وسلم) في زمن الوحي( والتي تنسحب علي المسلمين في كل زمان ومكان) أنهم إذا كانوا في معية رسول الله وهم قائمون علي أمر مهم من أمور المسلمين, لايجوز لهم أن يتركوه حتي يستأذنوا فيأذن لهم.
وأوردت السورة الكريمة عددا من الحدود الشرعية التي فرضها الله( تعالي) صونا للمجتمعات الإنسانية من الفساد,والإباحية, والفوضي, من مثل حدود الزنا, والقذف, واللعان, وعالجت قضايا الأسرة, والآداب التي تحكم سلوك كل فرد من أفرادها, والحلول للمشكلات التي يمكن أن تعترض سبيلها...!!
وتبدأ سورة النور بالتأكيد علي أنها من جوامع سور القرآن الكريم, أنزلها الله( تعالي) كما أنزل بقية سور هذا الكتاب العزيز علي خاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) وفرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم باتباعها, كما أنزل عددا من آياته البينات كي تكون تذكرة للناس إلي قيام الساعة...!!
وتحذر سورة النور من اتباع خطوات الشيطان, وتأمر بالإنفاق في سبيل الله, وتنهي عن الخوض في أعراض الناس, وعن قذف المحصنات الغافلات الممؤمنات, وتؤكد أن الخبيثات من الزوجات للخبيثين من الأزواج والخبيثين من الأزواج للخبيثات منهن, وأن الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات, وتنهي عن دخول البيوت دون الاستئذان والسلام علي أهلها, وتأمر بغض البصر, وحفظ الفرج, وبالاحتشام وستر العورات, وعدم التبرج بزينة, وتضع ضوابط للزواج, وتحرم البغاء, وتؤكد أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض, وتضرب مثلا لهذا النور(ولله المثل الأعلي), وتدعو إلي بناء المساجد بيوتا لله( تعالي) في الأرض, وتأمر بالقيام علي تطهيرها, وتعظيمها, وعمارتها, ورفع شأنها كي تكون دوما منارات للهدي, ومراكز للدعوة إلي دين الله, ومساجد يعبد فيها الله( تعالي) وحده( بغير شريك, ولاشبيه ولامنازع), ويسبح المؤمنون بحمده صباح مساء, لايشغلهم عن ذلك شاغل من شواغل الدنيا بزخارفها وزينتها, فلايجوز للمؤمن بالله أن ينشغل عن إقام الصلاة في المساجد علي أوقاتها, وإيتاء الزكاة عند استحقاقها, بأقدارها, وحدودها, وفي مصارفها الشرعية, وذلك كله طمعا في مرضاة الله( تعالي), وفي كرمه, وفضله, ورحمته, وتجنبا لغضبه وسخطه, وخوفا من أهوال يوم القيامة التي تضطرب لها القلوب, وتزيغ الأبصار.. فالله( تعالي) يعطي مايشاء لمن يشاء من عباده, ولاحدود لعطائه, وذلك انطلاقا من تمام ربوبيته, وكمال قدرته, وطلاقة مشيئته, وفيض جوده, وعظيم إحسانه.....!!
وفي مقابل هذا الموقف من المؤمنين فإن الكفار سوف يفاجأون في الآخرة برؤية أعمالهم التي اقترفوها في الدنيا(وهم يظنون أنها أعمال نافعة) وكأنها سراب خادع, يخدع الظمآن في هجير الصحراء فيراه ماء يجري في القيعان علي سطح الأرض حتي إذا جاءه لم يجده شيئا, ووجد الله عنده فوفاه حسابه, والله سريع الحساب*.
وتشبه السورة الكريمة تخبط الكفار في ظلمات الضلال بالواقف في قاع البحر العميق, وسط ظلمات متراكمة, متكاثفة, بعضها فوق بعض, تحجبه عن رؤية يده إذا أخرجها ورفعها أمامه, وأضافت السورة أن من لم يهده الله للإيمان فلن يهتدي أبدا. وتؤكد أن جميع من في السماوات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شيء وإليه المصير....!!
وتحدثت الآيات عن تكون السحب الركامية, وعما ينزل الله( تعالي) منها من ماء وبرد, وعما يصاحب ذلك من ظواهر كالبرق, كما تحدثت عن تقلب الليل والنهار, وعن خلق كل دابة من ماء, وعن إنزال الآيات المبينات للحق, وعن هداية الله( تعالي) لمن يشاء من خلقه إلي دينه الحق الذي هو الإسلام كما أنزله علي فترة من الرسل وأتمه وحفظه في بعثة الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم).
وتحذر الآيات في هذه السورة المباركة من النفاق والمنافقين, وتصفهم بأحط الصفات, وتقارن بين مواقفهم ومواقف المؤمنين, وتفضح دخائل نفوس المنافقين وما جبلوا عليه من الكذب, والمكر, والاحتيال, والحنث في الأيمان, ونقض العهود والمواثيق, وتؤكد الآيات أن الله( تعالي) خبير بما يعملون..., وعلي الرغم من ذلك كله فإن الآيات توصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن يأمر هؤلاء المنافقين ــ في زمرة من يأمر من عباد الله ــ بطاعة الله ورسوله, فإن جوبه ذلك بالإعراض فإن ما علي الرسول إلا البلاغ, وما عليهم إلا السمع والطاعة...!!
وتؤكد الآيات في سورة النور أن وعد الله( تعالي) قائم للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده في كل زمان ومكان أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم, وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم, وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا ماداموا يعبدون الله( تعالي) علي التوحيد الخالص لايشركون به شيئا, وأن.. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون.
وتأمر الآيات مجددا بإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وطاعة الرسول( صلي الله عليه وسلم) في كل أوامره خاصة في الأمر بالجهاد في سبيل الله, وذلك طلبا لرحمة الله( تعالي), وتؤكد أن الذين كفروا ليسوا بمعجزين في الأرض, وأن مأواهم النار وبئس المصير, كما تؤكد أنه ليس علي أهل الأعذار من حرج أو إثم في القعود عن الجهاد في سبيل الله...!!
وتختتم سورة النور بوصف الذين آمنوا والتزموا بأوامر الله ورسوله, وتأمر بتوقير هذا الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ ودعائه بأفضل مايمكن أن يدعي به.. وتحذر من مخالفة أمره أو الخروج عن منهجه وسنته, لأن ذلك قد يكون سببا في تعرضهم لفتنة في الدنيا ولعذاب أليم في الآخرة,
وتؤكد الآيات في ختام السورة مرة أخري أن لله مافي السماوات والأرض, وأنه( سبحانه) عليم بما في قلوب خلقه من الإيمان والكفر, وأنهم جميعا سوف يرجعون إليه فينبئهم بما فعلوا في الدنيا ويحاسبهم عليه, ويجازي كلا بعمله, وهو( تعالي) لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة النور علي صدق ما جاء بها من حقائق وأحكام آيات عديدة منها مايلي:
(1) أن الله( تعالي) هو نور السماوات والأرض.
(2) ضرب المثل لهذا النور الإلهي بمشكاة.. فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور...
(3) تشبيه أعمال الكافرين بالتشبيه العلمي الرائع.. كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي إذا جاءه لم يجده شيئا...
(4) التشبيه بالظلمة المركبة فوق قيعان البحار العميقة التي تغشاها الأمواج الداخلية ومن فوقها الأمواج السطحية ومن فوقها السحب, وكل منها يحجب جزءا من أشعة الشمس فيؤدي إلي تلك الظلمة المتراكبة الحالكة, والأمواج الداخلية في كل من البحار العميقة والمحيطات لم تعرف إلا في القرن العشرين.
(5) التأكيد علي حقيقة أن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور, وفي ذلك إشارة ضمنية إلي حقيقة لم يكتشفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين مؤداها أن صور الحياة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات قد زودها الخالق( سبحانه وتعالي) بوسائل إنارة ذاتية, ولولا ذلك ماكان لها من نور.
(6) التأكيد علي حقيقة أن كل ما في السماوات والأرض يسبح بحمد الله( تعالي) ويقدسه ويمجده في عبادة تسخيرية لايدركها كثير من الناس.
(7) التأكيد علي أن الله( تعالي) هو الذي يسوق السحاب بقدرته وإرادته إلي حيث يشاء( أي يزجيه), وتتم هذه العملية ببطء يسمح لقطع السحاب المختلفة من الاقتراب والالتحام مع بعضها البعض( ثم يؤلف بينه), والتراكم وتكاثف بعضها فوق بعض( ثم يجعله ركاما) حتي يزداد سمكها وترتفع الي أعلي فيزداد تكثف بخار الماء فيها, ونمو قطيرات الماء الناتجة من هذا التكثف بالتدريج حتي تنزل مطرا من خلال تراكمات السحاب بإذن الله( تعالي) والي حيث يشاء
(فتري الودق يخرج من خلاله), كما قد تتجمد بعض قطيرات الماء نظرا للارتفاع الهائل الذي تصل إليه فينزلها الله( تعالي) بردا من هذه السحب المتراكمة كالجبال وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء, وأن نور برق البرد في هذه السحب الركامية يكاد يذهب بأبصار الناظرين إليه من شدته.
( التأكيد علي قدرة الله البالغة في تقليب الليل والنهار.
(9) خلق كل دابة من ماء.
(10) الإشارة إلي إمكانية تصنيف الدواب علي أساس من طريقة مشيها( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع يخلق الله مايشاء إن الله علي كل شيءقدير*.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة مستقلة ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة السابعة والتي تشير فيها الآية الثالثة والأربعون من سورة النور إلي تكون المزن الركامية, وإلي إنزال كل من المطر والبرد منها بإرادة الله( تعالي), وإلي ماقد يصاحب ذلك من برق ورعد, وقبل التعرض لذلك لابد من استعراض لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار*( النور:43)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يذكر تعالي أنه يسوق السحاب بقدرته أول ماينشئها وهي ضعيفة وهو الإزجاء,( ثم يؤلف بينه) أي يجمعه بعد تفرقه,( ثم يجعله ركاما) أي متراكما أي يركب بعضه بعضا,( فتري الودق) أي المطر,( يخرج من خلاله) أي من خلله, وقوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد) قال بعض النحاة من) الأولي لابتداء الغاية, والثانية للتبعيض, والثالثة لبيان الجنس, ومعناه: أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد, وأما من جعل الجبال ههنا كناية عن السحاب فإن( من) الثانية عنده لابتداء الغاية لكنها بدل من الأولي والله أعلم, وقوله تعاليفيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء) يحتمل أن يكون المراد بقولهفيصيب به): أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد, فيكون قوله فيصيب به من يشاء) رحمة لهم( ويصرفه عن من يشاء) أي يؤخر عنهم الغيث, ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
(فيصيب به) أي بالبرد نقمة علي من يشاء لما فيه من إتلاف زروعهم وأشجارهم,(ويصرفه عن من يشاء) رحمة بهم, وقولهيكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته....
وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه برحمته الواسعة) مانصهألم تر أن الله يزجي سحابا) يسوقه برفق( ثم يؤلف بينه) بضم بعضه إلي بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة( ثم يجعله ركاما) بعضه فوق بعض( فتري الودق) المطر(يخرج من خلاله) مخارجه,( وينزل من السماء)( من) زائدة( جبال فيها) في السماء بدل بإعادة الجار( من برد) أي بعضه( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء)( يكاد) يقرب( سنا برقه) لمعانه( يذهب بالأبصار) الناظرة له:أي يخطفها.
وجاء في الظلال( رحم الله كاتبها برحمته الواسعة) مانصه:
ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين, وفيها متعة للنظر, وعبرة للقلب, ومجال للتأمل في صنع الله وآياته, وفي دلائل النور والهدي والإيمان....., والمشهد يعرض علي مهل وفي إطالة, وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع. كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه, وبعثه إلي التأمل والعبرة, وتدبر ما وراءها من صنع الله. إذ يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلي مكان, ثم تؤلف بينه وتجمعه, فإذا هو ركام بعضه فوق بعض, فإذا ثقل خرج منه الماء, والوبل الهاطل, وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة, فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة.. ومشهد السحب كالجبال ليبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها, فإذا المشهد مشهد الجبال حقا, بضخامتها, ومساقطها, وارتفاعاتها وانخفاضاتها, وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس, إلا بعد ماركبوا الطائرات.
وهذه الجبال مسخرة بأمر الله, وفق ناموسه الذي يحكم الكون, ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء, ويصرفه عمن يشاء.. وتكملة المشهد الضخم يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض, علي طريق التناسق في التصوير.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه ألم تر أن الله): دليل من الآثار العلوية علي كمال قدرته تعالي وانفراده بالخلق والتدبير.( يزجي سحابا) يسوقه سوقا رفيقا إلي حيث يريد. يقال: زجي الشيء يزجيه تزجية, دفعه برفق, كزجاه وأزجاه.( ثم يجعله ركاما) متراكما بعضه فوق بعض. يقال: ركم الشيء يركمه ركما, إذا جمعه وألقي بعضه علي بعض. وتراكم وارتكم الشيء: اجتمع, والركام: الرمل المتراكم.( الودق) أي المطر. وهو في الأصل مصدر ودق السحاب يدق ودقا, إذا نزل منه المطر.( خلاله) أي فتوقه ومخارجه. جمع خلل, كجبال وجبل..( سنا برقه) أي شدة ضوء برق السحاب ولمعانه. يقال: سنا يسنو سنا, أي أضاء.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزي الله كاتبيه خير الجزاء) ما نصه: ألم تر أيها النبي أن الله يسوق بالريح سحابا, ثم يضم بعضه إلي بعض ويجعله متراكما, فتري المطر يخرج من خلال السحاب, والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التي تشبه الجبال في عظمتها بردا, كالحصي ينزل علي قوم فينفعهم أو يضرهم تبعا لقوانينه وإرادته ولا ينزل علي آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار.
ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته, وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان.
وجاء في الهامش الملاحظتان التاليتان:
1 ـ لا يعرف التشابه بين السحب والجبال إلا من يركب طائرة تعلو به فوق السحاب فيراها من فوق كأنها الجبال والآكام, وإذا لم تكن تلك الطائرات في عصر النبي( صلي الله عليه وسلم) فإنه يكون ذلك دليلا علي أن هذا الكلام من عند الله الذي يعلم ما علا, وما انخفض.
2 ـ تسبق هذه الآية الكريمة ركب العلم. فإنها تتناول مراحل تكون السحب الركامية وخصائصها. وما عرف علميا في العهد الأخير من أن السحب الممطرة تبدأ علي هيئة وحدات يتآلف عدد منها في مجموعات هي السحب الركامية: أي السحب التي تنمو في الاتجاه الرأسي, وترتفع قممها إلي علو15 أو20 كيلو مترا فتبدو كالجبال الشامخة.
كما أن هذه السحب هي ـ وحدها ـ التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء, وقد يتلاحق حدوث البرق في سلسلة تكاد تكون متصلة(40 تفريغا في الدقيقة الواحدة) فيذهب ببصر الراصد من شدة الضياء. وهذا هو عين ما يحدث للملاحين والطيارين الذين يخترقون عواصف الرعد في المناطق الحارة. وينجم عن فقد البصر هذا أضرار بليغة تشكل خطرا حقيقيا علي أعمال الطيران وسط العواصف الرعدية.
السحب الركامية في منظور العلوم المكتسبة
اولا: تكون السحب:
تتكون السحب نتيجة لتكثف بخار الماء في الهواء الرطب علي هيئة قطيرات دقيقة من الماء, ويتم مثل هذا التكثف بتبريد الهواء الدافئ الرطب إما بالتقائه مع جبهة باردة, أو بارتفاعه إلي أعلي بطفوه فوق الجبهة الباردة أو بارتطامه بالسلاسل الجبلية, وفي كل الأحوال يكون تصريف الرياح وإرسالها بمشيئة الله( تعالي) هو الوسيلة الفاعلة في حركة الهواء الرطب أفقيا ورأسيا.
وتساعد حركة الرياح حرارة الشمس التي تصل الأرض بكميات متفاوتة نظرا لميل محور دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس علي دائرة البروج بزاوية قدرها ست وستون درجة ونصف. والأرض تجري كذلك في مدارها حول الشمس وهي مائلة بهذا القدر, وعلي ذلك فإن أشعة الشمس تتعامد علي خط الاستواء, وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين, وميلا متوسطا بينهما, مما يؤدي إلي تباين كبير في توزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض, وعند هذا التباين تنتج حركة صاعدة للهواء الساخن, وحركة هابطة للهواء البارد, كذلك فإن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق يعين علي دفع الهواء المحيط بالمنطقة الاستوائية في اتجاه الغرب, وإلي تكون عدد من الخلايا بين خط الاستواء وكل من قطبي الأرض علي هيئة دورة عامة للرياح شديدة الانتظام حول الأرض, منها الدوائر الحارة, والمعتدلة والباردة والجبهات الهوائية الفاصلة بينها. وبالاضافة إلي ذلك فإن الظروف الجغرافية المحلية تزيد من تعقيد الصورة العامة لحركات الرياح التي تكون دافئة ورطبة فوق المحيطات المدارية, وحارة/ جافة فوق الصحاري, وباردة/ جافة فوق المناطق المكسوة بالجليد.
وتتدخل تضاريس سطح الأرض مثل السلاسل الجبلية, والتلال, والهضاب, والسهول والمنخفضات و الكتل المائية المختلفة في زيادة تعقيد الصورة, ففي الصيف تسخن اليابسة أكثر من الكتل المائية, وفي الشتاء تحتفظ الكتل المائية بالحرارة لمدة أطول فتكون أدفأ من اليابسة, فينشأ عن تلك الفروق في درجة الحرارة حركة للرياح تعرف باسم نسيم البر والبحر, كما تنشأ دورة للرياح بين الجبال والأودية والمنخفضات المحيطة بها.
وهذه الحركات الأفقية للكتل الهوائية من مناطق الضغط المرتفع إلي مناطق الضغط المنخفض تصاحبها حركات رأسية إلي أعلي, فإذا سخنت كتلة من الهواء إلي درجة تمايزها عن الكتل الهوائية المجاورة لها فإنها ترتفع إلي أعلي حيث يتناقص ضغطها, وتنخفض درجة حرارتها, ويبدأ ما فيها من رطوبة في التكثف إذا وصلت درجة الحرارة فيها إلي نقطة التشبع( نقطة تكون الندي), فتتحول الكتلة الهوائية الرطبة إلي سحابة من أنواع السحب المتعددة.
وبتصريف الرياح أفقيا ورأسيا ينقسم الغلاف الغازي المحيط بالأرض إلي أعداد من الكتل الهوائية المتجاورة والمتمايزة في صفاتها الطبيعية وتركيبها الكيميائي, وكل كتلة من هذه الكتل الهوائية تمثل بكمية هائلة من الهواء المتجانس فيما بينه خاصة في درجتي الحرارة والرطوبة النسبية, وتمتد كل كتلة منها لعدة كيلو مترات أفقيا ولمئات حتي آلاف الأمتار رأسيا, ويفصل بينها حدود واضحة تعرف باسم الجبهات الهوائية.
والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات, وتقدر كتلته بأكثر قليلا من ستة تريليونات من الأطنان(6.120*1510 طن), والغالبية العظمي من هذه الكتلة(99%) يقع دون ارتفاع50 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وعلي ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض.
ويتناقص ضغط الهواء بالارتفاع في الغلاف الغازي للأرض من حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع(1.0336 كيلو جرام/ سم2) عند مستوي سطح البحر إلي حوالي الجرام علي السنتيمتر المربع(1.0336 جرام/ سم2) عند ارتفاع48 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وإلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر.
والغلاف المائي للأرض تقدر كميته بحوالي1.36 مليار كيلو متر مكعب, ويغمر ماء الأرض أكثر قليلا من71% من مساحة سطحها, وأغلب هذا الماء(97.2%) مخزون في البحار والمحيطات, وأغلب الباقي( حوالي2.15% من مجموع ماء الأرض) موجود علي هيئة جليد فوق قطبي الأرض, وفي قمم الجبال العالية, والباقي(0.65%) موجود في البحيرات العذبة, وفي خزانات الماء تحت سطح الأرض, وفي المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها.
وتقوم حرارة الشمس بتبخير380.000 كيلو متر مكعب من ماء الأرض سنويا, أغلبها(320.000 كيلو متر مكعب) من أسطح البحار والمحيطات, والباقي(60.000 كيلو متر مكعب) يصعد من اليابسه بالبخر ومن تنفس الانسان والحيوان ونتج النبات, وهذا البخار تدفعه حركة الرياح جانبيا ورأسيا علي هيئة هواء رطب إلي مناطق أبرد أو أقل ضغطا فتبدأ فيه عمليات التكثف علي هيئة قطيرات متناهية الدقة من الماء فتتكون السحب, ثم تدفع تيارات الرياح بهباءات الغبار وغيرها من نوي التكثف إلي داخل السحب فتعين علي المزيد من تكثف بخار الماء ونمو قطيراته إلي الحجم الذي يسمح بنزولها مطرا أو بردا أو ثلجا, وتحرك الرياح تلك السحب المثقلة بالماء( المزن) إلي حيث يشاء الله( تعالي) لها أن تنزل فينزلها( سبحانه) بقدر معلوم.
وحينما يصل ماء المطر إلي المنطقة المقسوم لها أن ينزل عليها هذا القدر من الماء بتقدير من الله( تعالي) فإنه يجري علي سطح اليابسة يشرب منه كل حي بالقدر المقسوم, كما يقوم بدور مهم في تفتيت صخور الأرض وتكوين التربة, وشق الفجاج والسبل, ويخزن جزء معلوم منه في صخور الأرض المنفذة وينتهي المطاف بالباقي إلي البحار والمحيطات ليعاود الكرة من جديد.
والماء المختزن تحت سطح الأرض قد يشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تتفجر عنه الصخور فيخرج علي هيئة عدد من الينابيع الفوارة أو العيون, كما قد يحفر عليه عدد من الآبار.
وتسقط الأمطار علي البحاروالمحيطات بمعدل284.000 كيلو مترا مكعبا في السنة, وعلي اليابسة بمعدل96.000 كيلو مترا مكعبا, وذلك في دورة معجزة تعرف باسم دورة الماء حول الأرض وفي ذلك يقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه.
ثانيا: تكون السحب الركامية:
بتصريف الرياح ـ حسب علم الله ومشيئتة ينقل بخارالماء من مناطق البخر علي هيئة الكتل الهوائية الدافئة الرطبة إلي مناطق التكثيف الباردة مكونا السحب التي تلقح بنوي التكثف بفعل الرياح التي يصرفها الله( تعالي) أيضا بعلمه وحكمته وإرادته فتتحول هذه السحب إلي سحب قادرة علي إنزال الماء تعرف باسم السحب الممطرة( أو المزن) يسوقها الله( تعالي) إلي حيث يشاء.
وعلي ذلك فإن من العوامل الفاعلة في تكثف بخار الماء في داخل الكتل الهوائية الرطبة وتكون السحب هو تبردها بدرجة كافية حتي تصل إلي نقطة الندي فيبدأ البخار المتجمع في تلك الكتل الهوائية الرطبة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية, وتتبرد الكتل الهوائية الرطبة إما بالتقائها مع كتل هوائية باردة, وإما برفعها إلي مستويات أعلي من مستوي سطح البحر بعدة مئات بل آلاف من الأمتار, مما يتسبب في فقدانها الكثير من حرارتها بوجودها في وسط أقل حرارة, وبتمددها لوجدوها في وسط أقل ضغطا فتتبرد إشعاعيا, ومع التبرد ترتفع درجة الرطوبة النسبية فيها, ويبدأ ما تحمله كتلة الهواء الرطب من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات الماء فتتكون السحب, وتتحدد قاعدة السحابة الواحدة بناء علي كل من درجة الحرارة والرطوبة في كتلة الهواء الصاعدة وشدة الرياح التي تدفعها, بينما تتحدد قمة السحابة وحجمها علي هذه العوامل ذاتها بالاضافة إلي قوة حركة الدفع إلي أعلي وطبيعته.
ومن العناصر الفاعلة والمؤدية إلي مزيد من تكثف بخار الماء في داخل السحب المثقلة به هي نوي التكثف التي يسوقها الله( تعالي) مع الرياح المصرفة, وهي عبارة عن هباءات دقيقة من الغبار والهباب, والمركبات الكيميائية التي لها جاذبية خاصة لبخار الماء( مثل كبريتات النوشادر) وبعض الأملاح الناتجة عن تبخر ماء البحار والمحطيات, وغير ذلك مما يمكن أن يعلق بالهواء.
فعندما يرسل الله( تعالي) الرياح فتدفع بكتلة من الهواء الرطب الدافئ فوق كتلة من الهواء البارد فإنها تتبرد, ويبدأ ما بها من بخار الماء في التكثف علي هيئة قطيرات مائية فتتكون سحب منخفضة نسببا لها هيئة طباقية ولذا تعرف بالسحب الطباقية
(Stratiformor Layered Clouds)
وهي تتكون من طبقات أفقية تقريبا تمتد لمئات من الكيلو مترات المربعة, بسمك عدة مئات من الأمتار, وتدفعها رياح عمودية علي اتجاه جبهتها تزودها ببخار الماء, ولذلك فهي عادة ما تكون من أغزر أنواع السحب إمطارا وأوسعها انتشارا بإذن الله( تعالي).
وعلي العكس من ذلك فإنه عندما يرسل الله( تعالي) الرياح فتدفع بكتلة من الهواء البارد في أتجاه كتلة من الهواء الدافيء الرطب, فإن كتلة الهواء البارد تقطع كتلة الهواء الدافيء بمقدمتها( الجبهة الهوائية الباردة) وبتكرار عملية سوق السحب في اتجاه بعضها بعضا( الإزجاء), والتأليف بينها فإنها تداوم إلي نصفين ترفع احدهما إلي أعلي, وتحتوي النصف الآخر في الأرتفاع إلي أعلي علي هيئة متراكمة مكدسة متراكبة فوق بعضها بعضا, ومع مداومة الارتفاع يبدأ بخار الماء في كتلة الهواء المرتفعة في التكثف علي هيئة قطيرات مائية دقيقة مكونة تجمعات من السحب العالية المتراكبة تعرف باسم السحب الركامية(
Cumuliformor Heap Clouds)
وهي عبارة عن أكوام من السحب المكدسة فوق بعضها بعضا بما يشبه سلاسل الجبال المفصولة بعدد من الأخاديد والأودية العميقة التي قد يصل ارتفاعها إلي أكثر من15 كيلو مترا, مما يعكس الأرتفاع المتكرر والمتعدد للهواء المشبع ببخار الماء علي مدي طويل من الزمن, ومع الارتفاع إلي مستويات تتعدي مستوي الركود المناخي يحدث الانخفاض الشديد في درجة الحرارة مما يسمح بتكون بللورات من الثلج في قمة جبال السحب الركامية يليه إلي أسفل حبيبات البرد وقطرات من الماء الشديد البرودة, ثم قطرات الماء البارد, والسحب الركامية, هي النوع الوحيد من السحب المعروفة لنا والمصاحبة بظواهر الرعد والبرق و بنزول كل من البرد والثلج.
وعلي ذلك فإن تكون السحب الركامية يتطلب أن تسوق الرياح بإذن الله( تعالي) قطعا من السحاب المتناثر بطريقة مستمرة ولفترة محددة حتي تتلاقي وتتحد وتتآلف في مناطق تعرف باسم مناطق التجمع(
ConvergenceZones
وهو ما سماه القرآن الكريم بتعبير الإزجاء, وهذا الإزجاء أو السوق البطيء لقطع السحاب يزيد من تركيز بخار الماء في مثل هذا التجمع من السحب, وذلك لأن سرعة تحرك هذه السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المثيرة لها, خاصة إذا كان حجم السحابة كبيرا, وذلك بسبب تأثير قوة الإعاقة(DragForce) وهذا ما يسبب التحام وتآلف تلك السحب.
كذلك فإن سرعة الرياح تتباطأ بصفة عامة كلما اتجهنا إلي مناطق التجمع حتي تتلاحم السحب مع بعضها البعض بإرادة الله( تعالي), ولعل هذا هو المقصود من قول الحق( تبارك وتعالي): ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه.. وعندما تلتحم سحابتان أو أكثر(Cloud-merging) فإن تيار الهواء الصاعد داخل تجمعهما يزداد شدة, وعنفا, وسرعة مما يعين علي جلب المزيد من بخار الماء إلي قمة هذا التجمع التراكمي للسحب, ويزيد من معدلات التكثف فيه, وبازدياد سرعة تيار الهواء الصاعد فإنه يدفع بالتجمع المتراكم إلي مزيد من الارتفاع إلي أعلي, وتكون سرعة التيارات الهوائية الصاعدة أعلي ما تكون في وسط هذا التجمع للسحب الركامية, مما يؤدي إلي المزيد من ركم مكوناتها والدفع بها إلي أعلي بهيئة النافورة المتدفقة أو البركان الثائر الذي تتراكم طفوحه علي جانبيه.
وكلما زاد إزجاء السحب إلي بعضها البعض أي تجميعها, زاد ركمها أي تراكمها وتكدسها, وزاد سمك تجمعها وبالتالي زادت قدرة هذا السحاب المركوم علي إنزال المطر والبرد بإذن الله وزادت ظواهر الرعد والبرق فيه, وسمي بالمزن الركامية( أو السحاب الركامي الممطر), والأنواع الشاهقة الارتفاع من المزن الركامية تتكون من بلورات الثلج في قمتها, ومن خليط من حبات البرد وقطرات ماء شديد البرودة في وسطها, وقطرات ماء بارد فقط في قاعدتها.
وتتحرك السحب الركامية إلي حيث شاء الله تعالي لها أن تصل, وتظل عملية الركم مستمرة فيها مادامت تيارات الهواء الصاعدة قادرة علي رفع مزيد من بخار الماء, وعندما تثقل حمولة هذا السحاب المركوم ينزله ربنا( تبارك وتعالي) حيث يشاء بقدر معلوم علي هيئة مطر, أو برد, أو ثلج, أو علي هيئة خليط منها جميعا وذلك حسب مكونات التجمعات المزنية المركومة وتوزيع درجات الحرارة والرطوبة فيها وأسفل منها, ويتكون البرد بين درجات تتراوح بين ما دون الصفر المئوي وأربعين درجة تحت الصفر, وقد تنمو حبات البرد إلي حجم البرتقالة, وهي مدمرة للزراعة, وينزل المطر من قاعدة المزن الركامية علي هيئة زخات متفرقة في باديء الأمر, ثم لا تلبث أن تشمل معظم قاعدتها حيث تسود التيارات الهابطة في نهاية عمر المزن الركامية.
إن معرفة السحب الركامية لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة السماء بواسطة الطائرات, وهذا الفهم لطبيعة وتكون السحب الركامية لم تصل إليه العلوم المكتسبة إلا في أواخر القرن العشرين, ومن هنا يأتي وصف القرآن الكريم لها بهذه الدقة والإحاطة والشمول شهادة صدق علي أن القرآن العظيم هو كلام الله الخالق, وأن الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم, أنزله بعلمه, وأنزل فيه قوله الحق:
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فتري الودق يخرج من خلاله, وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.( النور:43)
وصلي الله وسلم وبارك علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقي هذا القرآن العظيم وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين.