والســماء ذات البروج*
بقلم الدكتور:زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة البروج بقسم عظيم بثلاث من اياته أولاها قوله( عز من قائل): والسماء ذات البروج
وفي شرح دلالة هذا القسم القرآني تعددت رؤي المفسرين بين قائل بأن المقصود منه هو التنبيه إلي روعة خلق السماء, وإتقان صنعها, وحسن بهائها, وقائل بأن المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهرة, الي قائل بأن المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم, الي جامع بين هذه الرؤي جميعا.
ولما كان القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به- لأن الله تعالي غني عن القسم لعباده- فإن السؤا ل الذي يتبادر إلي الذهن مباشرة هو: ماهي تلك البروج التي في السماء والتي أقسم الله( تعالي) بها, وسمي سورة من سور القرآن الكريم باسمها وماهي أهميتها لاستقامة الحياة علي الأرض والتي أراد الله( تبارك وتعالي) تنبيهنا إليها؟
وقبل الاجابة عن هذين السؤالين لابد لنا من توضيح دلالة لفظ( البروج) في كل من اللغة العربية والقرآن الكريم.
(البروج) في اللغة العربية
بروج السماء كما ترى من نصف الأرض الجنوبى
يقال( برج) الشيء( يبرج)( بروجا) أي ظهر وارتفع ويقال برج) و(أبرج)( بروجا) و(تبريجا) أي بني( برجا), و(البرج) وجمعه( بروج) و(أبراج) و(أبرجة) هو الحصن أو القصر أو البناء المرتفع علي شكل مستدير, مستطيل أو مربع, ويكون منفردا أو قسما من بناية عظيمة فـ(برج) الحصن ركنه, و(البرج) أيضا هو واحد(بروج) السماء وهي تسمية تطلق علي اثنتي عشرة كوكبةتحيط بوسط الكرة السماوية كما نراها من الأرض علي هيئة حزام عند دائرة البروج وهي الدائرة التي تحيط بخط الاستواء الافتراضي للقبة السماوية.
وثوب( مبرج) أي صورت عليه( بروج) فاعتبر حسنه, وقيل( تبرجت) المرأة أي تشبهت بكل( مبرج) في اظهار المحاسن, وقيل: ظهرت من( برجها) أي قصرها, و(التبرج) هو سفور المرأة وإظهار زينتها ومحاسنها للرجال, و(البرج) أيضا هو سعة العين وحسنها تشبيها بـ( البرج) في الأمرين السابقين, ويقال( برجت) عينه كان بياضها محدقا بالسواد كله, فـ( البرج) هو السعة في كل أمر, يقال( برج)( برجا) أي اتسع أمره في الأكل والشرب ونحوهما, و(البرج) هو الجميل وجمعه( أبراج), يقال( برج) و(برجت) أي حسن وحسنت فهو( أبرج) وهي( برجاء), وجمعهما( برج) و(البارج) هو الملاح الماهر, و(البارجة) وجمعها( بوارج) سفينة قتالية كبيرة, ويقال: سفينة( بارجة) أي لاغطاء لها, و(تباريج) النبات هي أزاهيره, و(الابريج)الممخضة يمخض( أي يخفق) بها اللبن لاستخراج القشدة منه.
لفظة( البروج) في القرآن الكريم
بروج السماء كما ترى من نصف الأرض الشمالى
وردت لفظه( البروج) مرتبطة بالسماء ثلاث مرات في القرآن الكريم علي النحو التالي:
(1) ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*( الفرقان:61)
(3) والسماء ذات البروج*( البروج:1)
كما جاءت لفظة( البروج) بمعني الحصن مرة واحدة في قوله( تعالي):
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة*( النساء:78)
وجاء الفعل( تبرج) والإسم( تبرج) والصفة( متبرجات) في النهي عن السفور وابداء الزينة في قول الحق( تبارك وتعالي):
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي..*( الأحزاب:33)
وفي قوله( تعالي):.
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة..*( النور:60)
اراء المفسرين
احداثيات السماء
في تفسير الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات البروج*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) أن الله تعالي يقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام, وأشار إلي قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما) أن البروج هي النجوم, وإلي قول يحيي بن رافع( يرحمه الله) أن البروج هي قصور في السماء, وإلي قول المنهال بن عمرو( رحمه الله) أنها هي الخلق الحسن, والي قول ابن جرير( يرحمه الله) انها منازل الشمس والقمر, وهي اثنا عشر منزلا( برجا) تسير الشمس في كل واحد منها شهرا, ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا, فذلك ثمانية وعشرون منزلا, ويستتر ليلتين.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) والسماء) أقسم الله بها وبما بعدها( ذات البروج) ذات المنازل والطرق الاثني عشر التي تسير فيها الكواكب, شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها, كما ينزل الأكابر والاشارف بالقصور, جمع( برج) وهو القصر العالي.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): تبدأ السورة- قبل الاشارة الي حادث الاخدود- بهذا القسم: والسماء ذات البروج, وهي اما أن تكون أجرام النجوم الهائلة وكأنها بروج السماء الضخمة أي قصورها المبنية.. وإما ان تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الاجرام في أثناء دورانها, وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء, والاشارة اليها توحي بالضخامة وهي الظل المراد إلقاؤه في هذا الجو.. وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) في معني هذه الاية الكريمة أقسم بالسماء ذات المنازل التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وفي التعليق الهامشي أشاروا إلي أن البروج في هذه المجموعات من مواقع النجوم التي تظهر علي أشكال مختلفة في السماء مقسمة الي اثني عشر قسما تمر خلالها الأرض والكواكب في أثناء دورتها حول الشمس..
وذكر الصابوني( أمد الله في عمره):
أي وأقسم بالسماء البديعة ذات المنازل الرفيعة, التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وأشار الي أقوال عدد من المفسرين السابقين بأن هذه المنازل سميت( بروجا) لظهورها, وشبهت بالقصور لعلوها وارتفاعها لأنها منازل للكواكب السيارة.
تحديد مواقع نجوم السماء
بعض الهيئات التى ترى عليها بروج السماء
نظرا لتعاظم أبعاد مواقع النجوم عنا كان لابد من وضع نظام مساحي يمكن بواسطته تحديد تلك المواقع علي القبة السماوية باستخدام مجموعة إحداثيات مشابهة لتلك الإحداثيات الموظفة في المساحة الأرضية, وذلك بإسقاطها علي القبة السماوية, فكما أن هناك خط استواء للأرض تم اقتراح خط استواء للقبة السماوية, ينطبق علي خط الاستواء الأرضي ويقع فوقه بارتفاع هائل, وكما أن هناك قطبين للأرض( شمالي وجنوبي) تم اقتراح قطبين مماثلين للقبة السماوية يقعان علي امتداد محور دوران الأرض, وكما أن هناك خطوط طول وخطوط عرض للأرض تبدأ من خط طول أساسي ومن خط الأستواء( علي التوالي) تم اقتراح خطوط مماثلة للقبة السماوية, وبواسطة تلك الخطوط يمكن تحديد مواقع النجوم.
ولما كانت الأرض تدور حول محورها من الغرب الي الشرق دورة كاملة كل24 ساعة تقريبا( كل23 ساعة,56 دقيقة) فإن كلا من النجوم وإحداثيات القبة السماوية تبدو بالنسبة لراصد من الأرض وكأنها هي التي تدور من الشرق الي الغرب بنفس المعدل في نفس الفترة الزمنية.
وبينما النجوم ثابتة في مواقعها من السماء الدنيا ثباتا نسبيا لتعاظم أبعادها عنا, والشمس تجري علي مقربة نسبية منا( مائة وخمسين مليون كيلو متر) فإن مواقع الشمس تظهر للراصد الأرضي متحركة في صفحة السماء, ويسمي مدار الشمس السنوي الظاهري علي القبة السماوية( أي ممر مواقع الشمس في قبة السماء بالنسبة الي النجوم البعيدة عنا) باسم دائرة البروج
(The Zodiacor The Ecliptic)
وهي دائرة تميل بمقدار(2327) علي خط الاستواء السماوي, وتتقاطع الدائرتان في نقطتي الاعتدالين الربيعي والخريفي في نصف الكرة الشمالي( في حوالي21 من مارس,23 من سبتمبر علي التوالي) وفي هذين الاعتدالين يتساوي طول كل من الليل والنهار.
وفي حوالي12/21,6/21 من كل عام تصل الشمس الي أقرب نقطتين الي الشمال والي الجنوب( علي التوالي) وهما بدايتا كل من الصيف والشتاء( علي التوالي أيضا) وتسميان نقطتي الانقلاب الصيفي والشتوي وتحسب إحداثيات السماء باستخدام دوائر الساعة, وهي دوائر عظمي تمر بأقطاب القبة السماوية وتقطع خط استوائها عموديا, وحيث إن الأرض تتم دورتها حول محورها في أربع وعشرين ساعة تقريبا, فإن كل ساعة تساوي خمس عشرة درجة(360 درجة%24 ساعة=15 درجة), وتقسم الدرجة الي ستين دقيقة, وتقسم الدقيقة الي ستين ثانية, وتشرق نجوم السماء وتغرب بزوايا علي أفق السماء كما تشرق الشمس وتغرب بزوايا علي أفق الأرض.
(البروج) في علوم الفلك
البروج هي تجمعات للنجوم البعيدة عنا, تصورها الناس منذ القدم علي هيئة أشكال معينة كوسيلة من وسائل التعرف المبدئي عليها, والتمييز بينها, وأعطوا لهذه الأشكال أسماء محددة, تباينت من دولة لأخري, ومن حضارة الي حضارة, ولكنها أجمعت علي تقسيم الحزام المحيط بوسط الكرة السماوية الي اثني عشر برجا بعدد شهور السنة, من مثل برج الحمل الذي يبدأ في الظهور في حدود الحادي والعشرين من شهر مارس, ثم برج الثور في حدود الحادي والعشرين من شهر أبريل, وهكذا لكل شهر زمني برج من هذه الأبراج بالترتيب التالي: الحمل, الثور, الأسد, الجوزاء, السرطان, العذراء( السنبلة) الميزان, العقرب, القوس, الجدي, الدلو, الحوت.
وتسمي هذه باسم كوكبات حزام البروج
(Zodiacal Constellations)
وهي تشكل شريطا ممتدا علي جانبي خلفية مدار الأرض حول الشمس, بامتداد تسع درجات علي كل من جانبيه, ويقسم الي اثنتي عشرة منطقة أساسية يشغل كل منها حوالي30 درجة من درجات خطوط الطول السماوية بزيادة أو بنقص قليل في كل منطقة. وتمثل هذه البروج الخلفية النجمية التي تجري عبرها المجموعة الشمسية علي صفحة السماء خلال السنة الشمسية, وهذه البروج غير متساوية تماما في الطول, ولا في تاريخ بداياتها, فبرج الحمل مثلا لا يمثل نقطة بداية الاعتدال الربيعي التي تحدث حول الحادي والعشرين من مارس في كل عام.
ومن المعروف أن الدائرة المتوسطة لحزام البروج تميل علي خط الأستواء السماوي بمعدل ثلاث وعشرين درجة ونصف تقريبا(2327) وتعرف هذه الدائرة باسم دائرة البروج
(The Zodiacor the Ecliptic)
وتتقاطع مع دائرة خط الاستواء في نقطتين: الأولي هي نقطة الاعتدال الربيعي, والثانية هي نقطة الاعتدال الخريفي.
والإنسان يمكنه من فوق سطح الأرض أن يري بالعين المجردة حوالي ستة آلاف نجم في الأجواء الصافية, ومنذ القدم حاول الإنسان التعرف علي تلك النجوم, ووصفها وتسميتها أو ترقيمها, ومعرفة موعد ظهورها, وحاول رسم خرائط للسماء بواسطتها وقد سجل ذلك في أغلب الحضارات القديمة من مثل الحضارات المصرية, والكلدانية والفارسية, والهندية والصينية, والإغريقية والرومانية وغيرها.
وكان أول ما فعله هؤلاء هو تقسيم النجوم التي تري من فوق سطح الأرض في القبة السماوية بقسميها الشمالي والجنوبي في زمن واحد الي نطق يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج أو التجمعات النجميه
(Constellations),
وتركز ذلك في بادئ الأمر علي التجمعات النجمية حول خط الاستواء الوهمي للقبة السماوية, وهي أيسر ما يري بالعين المجردة من فوق سطح الأرض, وقد قسمت تلك التجمعات النجمية الي نطق محددة, يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج, وسمي كل منها باسم خاص, وتعددت حولها الأسماء, وحيكت الخرافات والأساطير خاصة في ظل الوثنيات القديمة والحديثة.
وحقيقة التجمعات النجمية( البروج), أنها مساحات محددة من السماء الدنيا, يحوي كل منها في كل فترة زمنية محددة أعدادا من النجوم التي تبدو لنا متقاربة مع بعضها البعض رغم المسافات الشاسعة التي تفصلها نظرا لبعدها الشاسع عنا ولوجودها في اتجاهات محددة, بالنسبة لنا, وهذه النجوم التي تبدو لنا من الأرض في نفس الاتجاه, قد تكون في مجموعات نجمية متفرقة تفرقا بعيدا وليست في مجموعة واحدة,.
وتبدو هذه التجمعات النجمية وكأنها تتحرك حركة ظاهرية بطيئة في صفحة السماء من الشرق الي الغرب تماثل الحركة الظاهرية للشمس في جريانها, وتقابل حركة دوران الأرض من الغرب الي الشرق, فتبدو لنا النجوم وكأنها تشرق من الشرق وتغرب في الغرب, سواء في ذلك النجوم البطيئة( الثوابت) أو النجوم السيارة السريعة, لأن كل التجمعات النجمية تري بتلك الهيئة في الحركة.
في سنة150 م نشر أحد أبناء صعيد مصر وأحد تلامذة مدرسة الإسكندرية واسمه بطليموس الفلوزي الاسكندري كتابه المسمي باسم المجسطي
(Almagest)
الذي وصف فيه حوالي48 كوكبة من كوكبات السماء.
وبين القرنين الثامن والسادس عشر قام علماء المسلمين بنقد وتصحيح العلوم الفلكية التي وجدوها في الحضارات السابقة عليهم, وأضافوا إليها اضافات جوهرية عديدة كان أهمها تحويل علم الفلك من الحيز النظري المليء بالخرافات والأساطير إلي الحيز العملي التطبيقي, وطهروه من أدران التنجيم والشعوذة, وجعلوه علما استقرائيا يعتمد علي الملاحظة الحسية والمقاييس العلمية والحسابات الرياضية والهندسية, فعرفوا منازل الشمس بالنسبة للبروج, وقسموها إلي أربعة منازل تمثل فصول السنة: الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء, وخصصوا لكل منزل ثلاثة بروج الحمل والثور والجوزاء) للربيع, والسرطان والأسد والعذراء( السنبلة) للصيف, و( الميزان والعقرب والقوس) للخريف, و(الجدي والدلو والحوت) للشتاء. والكثير من النجوم والبروج لاتزال تحمل أسماء عربية من مثل: سهيل, والجوزاء, والدب الأكبر, والدب الأصغر, والنسر الواقع, والنسر الطائر, والغول, وبيت الجوز وغيرها وكثير من التعبيرات الفلكية من مثل المجرة والسمت وغيرها هي تعبيرات عربية أصيلة.
وكثير من الأجهزة الفلكية من مثل البوصلة والمزولة, والاسطرلاب والمراصد كانت ابتكارات عربية خالصة.
في سنة1603 م قام اليكسندر مير
(Alexander Mair)
بنقش فلك المجموعات النجمية في مرسمه للسماء, وأضاف اثنتي عشرة كوكبة جديدة إلي ما كان قد ذكره بطليموس.
وفي سنة1664 م أضاف جاكوب بارتش
(Jacob Bartsch)
ثلاث كوكبات أخري, وأضاف نيكولاس لويز
(Nicolas Louis)
كوكبة جديدة في نفس الفترة تقريبا, ثم أضاف14 كوكبة أخري بعد ذلك بسنوات قليلة.
في سنة1690 م أضاف جوهان هيفيليوس
(Jehannes Hevelius)
تسعة كوكبات جنوبية جديدة, وأصبح عدد الكوكبات المعروفة الآن ثمانية وثمانين كوكبة, يختلف ظهورها في السماء باختلاف خطوط العرض الأرضية, وباختلاف الفصول المناخية( أي باختلاف موقع الأرض في مدارها حول الشمس علي مدار السنة), وعلي ذلك فإن هناك كوكبات للصيف, وكوكبات للربيع, وكوكبات للخريف, وكوكبات للشتاء مع بعض التداخلات الزمانية والمكانية.
وفي سنة1928 م وافق الاتحاد الفلكي الدولي علي تقسيم الكرة السماوية بنصفيها الشمالي والجنوبي إلي ثمان وثمانين مجموعة نجمية( كوكبة), بحيث يمكن نسبة أي نجم في السماء إلي أي من هذه الكوكبات التي قد تختلف أسماؤها من بلد إلي آخر. وكل كوكبة من هذه الكوكبات( أي كل برج من هذه البروج) تبدو لنا ثابتة لتعاظم بعدها عنا, كما تبدو لنا متقاربة حتي لتوحي لنا باتصالها فتعطي هيئة معينة, أو شكلا محددا, وقد أعطي كل منها اسما معينا يتفق مع الشكل أو الهيئة المستوحاة من تقارب نجومه, وفي المنظور الفلكي يعتبر البرج أو الكوكبة منطقة علي الكرة السماوية تظهر بها مواقع للنجوم الذي يعطي تقارب مواقعها إيحاء بالشكل أو الهيئة المستوحاة من هذا التقارب. وحسب موقعها بالنسبة لخط الاستواء الوهمي للقبة السماوية يمكن التمييز بين كوكبات نصف الكرة السماوية الشمالي( الكوكبات الشمالية), وكوكبات المنطقة الاستوائية السماوية( كوكبات دائرة البروج), وكوكبات نصف الكرة السماوية الجنوبي( الكوكبات الجنوبية). ولما كانت الشمس في حركتها السنوية الظاهرية علي البروج دائمة الانتقال إلي مناطق مختلفة من السماء فإن الكوكبات التي تري بعد غروب الشمس تتغير دوريا مع فصول السنة, وبذلك يمكننا أن نميز بين كوكبات صيفية( مثل السلياق والعقاب), وكوكبات شتوية( مثل الجبار والكلب الأكبر)
ولا يدل الانتظام الظاهري لأفراد الكوكبة عند رؤيتها من الأرض علي أنها تكون وحدة حقيقية في صفحة السماء الدنيا, فقد تكون هذه المواقع النجمية بعيدة جدا عن بعضها البعض, ولكنها تظهر لنا متقاربة لتعاظم أبعادها عنا, ولوقوعها في نفس الاتجاه بالنسبة للناظر إليها من فوق سطح الأرض, وتري تلك المواقع النجمية متساوية اللمعان تقريبا لتباين أبعادها عنا.
ومع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس يشاهد الراصد الليلي النجوم في حركتها الظاهرية ساعة بعد أخري من مواقع مختلفة علي سطح الأرض, أما في سبح الأرض عبر حركتها الانتقالية في مدارها حول الشمس فإن الراصد الليلي يشاهد مجموعات مختلفة من كوكبات النجوم في مواقع مختلفة من القبة السماوية حسب كل من موقع الراصد من الأرض وموقع الأرض في مدارها في كل شهر من شهور السنة.
أهمية بروج السماء
البروج( أو الكوكبات) هي تجمعات للنجوم, وقد فصل القرآن الكريم فوائد النجوم في كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر, وزينة للسماء الدنيا, ورجوما للشياطين, ومصدرا من مصادر الرزق في السماء وجندا مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا بما وهبها الله( تعالي) من قوي الترابط والتماسك والتجاذب, وذلك علي النحو التالي:
(1) البروج كوسيلة الاهتداء في ظلمات البر والبحر:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البروالبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون( الأنعام:97)
ومن معاني هذه الآية الكريمة أن الخالق( سبحانه وتعالي) قد رتب النجوم في مجموعات من الكوكبات( البروج) يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الأربع الأصلية كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبية أو نجم الجدي أو كوكبة الشمال أو مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين أن يسموه
(Polaris Pole Staror Polar Star)
وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعتبر ألمع نجم في كوكبة الدب الأصغر يبعد عنا مسافة650 سنة ضوئية ويقدر قطره بمائة مرة قدر قطر الشمس, وتقدر قوة اشعاعه بخمسة آلاف ضعف اشعاع الشمس, وقد أعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي( الذي لا يبعد عنه إلا بأقل من درجة واحدة), وتبلغ دورته حول محوره حوالي أربعة أيام(3,97 يوم) ولذلك فإنه يصنع دائرة صغيرة جدا حول القطب الشمالي لقبة السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها.
ونظرا لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق تبدو القبة السماوية وكأنها تدور من الشرق إلي الغرب في حركة ظاهرية بكافة نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي وضعه الخالق( سبحانه وتعالي) علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الأرض فيبدو لنا ساكنا, ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي, ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الأربع الأصلية علي الأرض وفي صفحة السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر, وفي تحديد القبلة, وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات.
ويحدد موقع النجم القطبي في قبة السماء بواسطة العربة الكبري( المغرفة) في كوكبة الدب الأكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربة الكبري( أي الدليلتين اللتين تسبقان في أثناء الحركة اليومية الظاهرية) حوالي خمس مرات قدر المسافة بينهما, ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر.
(2) البروج زينة السماء الدنيا:
فالبروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
وقوله( سبحانه)
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( عز من قائل):
فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12)
وقوله( تبارك اسمه):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير
( الملك:5)
والبروج والنجوم( المصابيح) والكواكب والأقمار هي من أهم الوسائل في إنارة ظلمة الليل, الأولي بأضوائها الذاتية, والكواكب والاقمار بانعكاس أضواء النجوم عليها نورا, ولولا ذلك لأصبح ليل الأرض حالك السواد, قابضا للأنفس, مخيفا مزعجا.
(3) البروج والنجوم والكواكب رجوما للشياطين:
يعتقد كثير من الناس أن رجوم الشياطين هي الشهب وحدها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين.
(الحجر:16 ـ18)
وقوله( عز من قائل):
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون إلي الملأ الأعلي ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب. إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب( الصافات:6 ـ10)
وقوله( تعالي) علي لسان الجن:
وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.( الجن:
ولكن الذي يعلم حقيقة تبادل المادة بين دخان السماء وكافة أجرامها أدرك جانبا من روعة البيان القرآني في الإشارة إلي البروج في أيات سورة الحجر(16 ـ18), وإلي الكواكب في آيات سورة الصافات(6 ـ10) وإلي الشهب في كل من السورتين الكريمتين, وفي سورة الجن(
والشهب عبارة عن أجسام صلبة تدخل الغلاف الغازي للأرض بسرعات كبيرة جدا تصل إلي40 كيلو مترا في الثانية فتحتك بجزيئات الغلاف الغازي احتكاكا شديدا يؤدي إلي اشتعالها واحتراقها إما احتراقا كاملا أو جزئيا بحيث يتبقي عن احتراقها فضلات صلبة تعرف باسم النيازك التي ترتطم بالارض بشدة بالغة.
ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم قوله): إن الملائكة تتحدث في العنان بالأمر يكون في الأرض, فتسمع الشياطين الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون مائة كذبة
فالشياطين في محاولاتهم استراق السمع في عملية من التجسس والتلصص علي أخبار السماء الدنيا يلقون بشئ من ذلك إلي أعوانهم من الدجالين والمنجمين و,الكهان والعرافين من أجل إضلال بني أدم وصرفهم عن التوكل علي رب العالمين قد حيل بينهم وبين استراق ذلك السمع بعد بعثة المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وبقيت الشهب وهي من مادة بروج ونجوم وكواكب السماء لهم بالمرصاد
(4) البروج والنجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وفي السماء رزقكم وماتوعدون.
(الذاريات:22)
وفسر بعض المفسرين هذه الأية الكريمة بأمر الرزق وتقدير الموعود, بأن الموعود به هو الجنة أو النار, والثواب أو العقاب, وفسرها البعض الاخر بأنه المطر, وفسر السماء بالسحاب, وهذا كله صحيح ولكن يأتي العلم التجريبي ليؤكد لنا أن كافة العناصر يخلقها ربنا( تبارك وتعالي) في قلب النجوم, وأن الله تعالي ينزل منها إلي الأرض بقدر معلوم, فالبروج والنجوم والكواكب والشهب والنيازك من أهم مصادر الرزق علي الأرض
(5) البروج بنجومها جند مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا:
إن البروج بنجومها وباقي أجرامها, والاجرام بمواقعها وكتلها جند مسخرة من قبل الله( تعالي) للإمساك بأطراف السماء الدنيا, علي الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصلها, فهي مرتبطة مع بعضها بالاتزان الدقيق بين قوي الجاذبية والقوي الطاردة المركزية, علي الرغم من تحركها بسرعات مذهلة في صفحة السماء, وفي حركات عديدة معقدة تشهد لله الخالق العظيم بطلاقة القدرة وبديع الصنعة.
من هنا تتضح بعض جوانب الأهمية الكبري للبروج والتي نبهنا ربنا( تبارك وتعالي) إليها بهذا القسم الجامع
والسماء ذات البروج
وقد يري القادمون في هذا القسم مالا نراه نحن اليوم حتي تظل هذه الاشارات الكونية في كتاب الله شاهدة له بالربانية الخالصة, وللرسول الخاتم الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم) بالنبوة والرسالة, وبأنه( صلي الله عليه وسلم) ماكان ينطق عن الهوي..!!
بقلم الدكتور:زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة البروج بقسم عظيم بثلاث من اياته أولاها قوله( عز من قائل): والسماء ذات البروج
وفي شرح دلالة هذا القسم القرآني تعددت رؤي المفسرين بين قائل بأن المقصود منه هو التنبيه إلي روعة خلق السماء, وإتقان صنعها, وحسن بهائها, وقائل بأن المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهرة, الي قائل بأن المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم, الي جامع بين هذه الرؤي جميعا.
ولما كان القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به- لأن الله تعالي غني عن القسم لعباده- فإن السؤا ل الذي يتبادر إلي الذهن مباشرة هو: ماهي تلك البروج التي في السماء والتي أقسم الله( تعالي) بها, وسمي سورة من سور القرآن الكريم باسمها وماهي أهميتها لاستقامة الحياة علي الأرض والتي أراد الله( تبارك وتعالي) تنبيهنا إليها؟
وقبل الاجابة عن هذين السؤالين لابد لنا من توضيح دلالة لفظ( البروج) في كل من اللغة العربية والقرآن الكريم.
(البروج) في اللغة العربية
بروج السماء كما ترى من نصف الأرض الجنوبى
يقال( برج) الشيء( يبرج)( بروجا) أي ظهر وارتفع ويقال برج) و(أبرج)( بروجا) و(تبريجا) أي بني( برجا), و(البرج) وجمعه( بروج) و(أبراج) و(أبرجة) هو الحصن أو القصر أو البناء المرتفع علي شكل مستدير, مستطيل أو مربع, ويكون منفردا أو قسما من بناية عظيمة فـ(برج) الحصن ركنه, و(البرج) أيضا هو واحد(بروج) السماء وهي تسمية تطلق علي اثنتي عشرة كوكبةتحيط بوسط الكرة السماوية كما نراها من الأرض علي هيئة حزام عند دائرة البروج وهي الدائرة التي تحيط بخط الاستواء الافتراضي للقبة السماوية.
وثوب( مبرج) أي صورت عليه( بروج) فاعتبر حسنه, وقيل( تبرجت) المرأة أي تشبهت بكل( مبرج) في اظهار المحاسن, وقيل: ظهرت من( برجها) أي قصرها, و(التبرج) هو سفور المرأة وإظهار زينتها ومحاسنها للرجال, و(البرج) أيضا هو سعة العين وحسنها تشبيها بـ( البرج) في الأمرين السابقين, ويقال( برجت) عينه كان بياضها محدقا بالسواد كله, فـ( البرج) هو السعة في كل أمر, يقال( برج)( برجا) أي اتسع أمره في الأكل والشرب ونحوهما, و(البرج) هو الجميل وجمعه( أبراج), يقال( برج) و(برجت) أي حسن وحسنت فهو( أبرج) وهي( برجاء), وجمعهما( برج) و(البارج) هو الملاح الماهر, و(البارجة) وجمعها( بوارج) سفينة قتالية كبيرة, ويقال: سفينة( بارجة) أي لاغطاء لها, و(تباريج) النبات هي أزاهيره, و(الابريج)الممخضة يمخض( أي يخفق) بها اللبن لاستخراج القشدة منه.
لفظة( البروج) في القرآن الكريم
بروج السماء كما ترى من نصف الأرض الشمالى
وردت لفظه( البروج) مرتبطة بالسماء ثلاث مرات في القرآن الكريم علي النحو التالي:
(1) ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*( الفرقان:61)
(3) والسماء ذات البروج*( البروج:1)
كما جاءت لفظة( البروج) بمعني الحصن مرة واحدة في قوله( تعالي):
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة*( النساء:78)
وجاء الفعل( تبرج) والإسم( تبرج) والصفة( متبرجات) في النهي عن السفور وابداء الزينة في قول الحق( تبارك وتعالي):
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي..*( الأحزاب:33)
وفي قوله( تعالي):.
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة..*( النور:60)
اراء المفسرين
احداثيات السماء
في تفسير الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات البروج*
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) أن الله تعالي يقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام, وأشار إلي قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما) أن البروج هي النجوم, وإلي قول يحيي بن رافع( يرحمه الله) أن البروج هي قصور في السماء, وإلي قول المنهال بن عمرو( رحمه الله) أنها هي الخلق الحسن, والي قول ابن جرير( يرحمه الله) انها منازل الشمس والقمر, وهي اثنا عشر منزلا( برجا) تسير الشمس في كل واحد منها شهرا, ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا, فذلك ثمانية وعشرون منزلا, ويستتر ليلتين.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) والسماء) أقسم الله بها وبما بعدها( ذات البروج) ذات المنازل والطرق الاثني عشر التي تسير فيها الكواكب, شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها, كما ينزل الأكابر والاشارف بالقصور, جمع( برج) وهو القصر العالي.
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): تبدأ السورة- قبل الاشارة الي حادث الاخدود- بهذا القسم: والسماء ذات البروج, وهي اما أن تكون أجرام النجوم الهائلة وكأنها بروج السماء الضخمة أي قصورها المبنية.. وإما ان تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الاجرام في أثناء دورانها, وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء, والاشارة اليها توحي بالضخامة وهي الظل المراد إلقاؤه في هذا الجو.. وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) في معني هذه الاية الكريمة أقسم بالسماء ذات المنازل التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وفي التعليق الهامشي أشاروا إلي أن البروج في هذه المجموعات من مواقع النجوم التي تظهر علي أشكال مختلفة في السماء مقسمة الي اثني عشر قسما تمر خلالها الأرض والكواكب في أثناء دورتها حول الشمس..
وذكر الصابوني( أمد الله في عمره):
أي وأقسم بالسماء البديعة ذات المنازل الرفيعة, التي تنزلها الكواكب أثناء سيرها, وأشار الي أقوال عدد من المفسرين السابقين بأن هذه المنازل سميت( بروجا) لظهورها, وشبهت بالقصور لعلوها وارتفاعها لأنها منازل للكواكب السيارة.
تحديد مواقع نجوم السماء
بعض الهيئات التى ترى عليها بروج السماء
نظرا لتعاظم أبعاد مواقع النجوم عنا كان لابد من وضع نظام مساحي يمكن بواسطته تحديد تلك المواقع علي القبة السماوية باستخدام مجموعة إحداثيات مشابهة لتلك الإحداثيات الموظفة في المساحة الأرضية, وذلك بإسقاطها علي القبة السماوية, فكما أن هناك خط استواء للأرض تم اقتراح خط استواء للقبة السماوية, ينطبق علي خط الاستواء الأرضي ويقع فوقه بارتفاع هائل, وكما أن هناك قطبين للأرض( شمالي وجنوبي) تم اقتراح قطبين مماثلين للقبة السماوية يقعان علي امتداد محور دوران الأرض, وكما أن هناك خطوط طول وخطوط عرض للأرض تبدأ من خط طول أساسي ومن خط الأستواء( علي التوالي) تم اقتراح خطوط مماثلة للقبة السماوية, وبواسطة تلك الخطوط يمكن تحديد مواقع النجوم.
ولما كانت الأرض تدور حول محورها من الغرب الي الشرق دورة كاملة كل24 ساعة تقريبا( كل23 ساعة,56 دقيقة) فإن كلا من النجوم وإحداثيات القبة السماوية تبدو بالنسبة لراصد من الأرض وكأنها هي التي تدور من الشرق الي الغرب بنفس المعدل في نفس الفترة الزمنية.
وبينما النجوم ثابتة في مواقعها من السماء الدنيا ثباتا نسبيا لتعاظم أبعادها عنا, والشمس تجري علي مقربة نسبية منا( مائة وخمسين مليون كيلو متر) فإن مواقع الشمس تظهر للراصد الأرضي متحركة في صفحة السماء, ويسمي مدار الشمس السنوي الظاهري علي القبة السماوية( أي ممر مواقع الشمس في قبة السماء بالنسبة الي النجوم البعيدة عنا) باسم دائرة البروج
(The Zodiacor The Ecliptic)
وهي دائرة تميل بمقدار(2327) علي خط الاستواء السماوي, وتتقاطع الدائرتان في نقطتي الاعتدالين الربيعي والخريفي في نصف الكرة الشمالي( في حوالي21 من مارس,23 من سبتمبر علي التوالي) وفي هذين الاعتدالين يتساوي طول كل من الليل والنهار.
وفي حوالي12/21,6/21 من كل عام تصل الشمس الي أقرب نقطتين الي الشمال والي الجنوب( علي التوالي) وهما بدايتا كل من الصيف والشتاء( علي التوالي أيضا) وتسميان نقطتي الانقلاب الصيفي والشتوي وتحسب إحداثيات السماء باستخدام دوائر الساعة, وهي دوائر عظمي تمر بأقطاب القبة السماوية وتقطع خط استوائها عموديا, وحيث إن الأرض تتم دورتها حول محورها في أربع وعشرين ساعة تقريبا, فإن كل ساعة تساوي خمس عشرة درجة(360 درجة%24 ساعة=15 درجة), وتقسم الدرجة الي ستين دقيقة, وتقسم الدقيقة الي ستين ثانية, وتشرق نجوم السماء وتغرب بزوايا علي أفق السماء كما تشرق الشمس وتغرب بزوايا علي أفق الأرض.
(البروج) في علوم الفلك
البروج هي تجمعات للنجوم البعيدة عنا, تصورها الناس منذ القدم علي هيئة أشكال معينة كوسيلة من وسائل التعرف المبدئي عليها, والتمييز بينها, وأعطوا لهذه الأشكال أسماء محددة, تباينت من دولة لأخري, ومن حضارة الي حضارة, ولكنها أجمعت علي تقسيم الحزام المحيط بوسط الكرة السماوية الي اثني عشر برجا بعدد شهور السنة, من مثل برج الحمل الذي يبدأ في الظهور في حدود الحادي والعشرين من شهر مارس, ثم برج الثور في حدود الحادي والعشرين من شهر أبريل, وهكذا لكل شهر زمني برج من هذه الأبراج بالترتيب التالي: الحمل, الثور, الأسد, الجوزاء, السرطان, العذراء( السنبلة) الميزان, العقرب, القوس, الجدي, الدلو, الحوت.
وتسمي هذه باسم كوكبات حزام البروج
(Zodiacal Constellations)
وهي تشكل شريطا ممتدا علي جانبي خلفية مدار الأرض حول الشمس, بامتداد تسع درجات علي كل من جانبيه, ويقسم الي اثنتي عشرة منطقة أساسية يشغل كل منها حوالي30 درجة من درجات خطوط الطول السماوية بزيادة أو بنقص قليل في كل منطقة. وتمثل هذه البروج الخلفية النجمية التي تجري عبرها المجموعة الشمسية علي صفحة السماء خلال السنة الشمسية, وهذه البروج غير متساوية تماما في الطول, ولا في تاريخ بداياتها, فبرج الحمل مثلا لا يمثل نقطة بداية الاعتدال الربيعي التي تحدث حول الحادي والعشرين من مارس في كل عام.
ومن المعروف أن الدائرة المتوسطة لحزام البروج تميل علي خط الأستواء السماوي بمعدل ثلاث وعشرين درجة ونصف تقريبا(2327) وتعرف هذه الدائرة باسم دائرة البروج
(The Zodiacor the Ecliptic)
وتتقاطع مع دائرة خط الاستواء في نقطتين: الأولي هي نقطة الاعتدال الربيعي, والثانية هي نقطة الاعتدال الخريفي.
والإنسان يمكنه من فوق سطح الأرض أن يري بالعين المجردة حوالي ستة آلاف نجم في الأجواء الصافية, ومنذ القدم حاول الإنسان التعرف علي تلك النجوم, ووصفها وتسميتها أو ترقيمها, ومعرفة موعد ظهورها, وحاول رسم خرائط للسماء بواسطتها وقد سجل ذلك في أغلب الحضارات القديمة من مثل الحضارات المصرية, والكلدانية والفارسية, والهندية والصينية, والإغريقية والرومانية وغيرها.
وكان أول ما فعله هؤلاء هو تقسيم النجوم التي تري من فوق سطح الأرض في القبة السماوية بقسميها الشمالي والجنوبي في زمن واحد الي نطق يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج أو التجمعات النجميه
(Constellations),
وتركز ذلك في بادئ الأمر علي التجمعات النجمية حول خط الاستواء الوهمي للقبة السماوية, وهي أيسر ما يري بالعين المجردة من فوق سطح الأرض, وقد قسمت تلك التجمعات النجمية الي نطق محددة, يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج, وسمي كل منها باسم خاص, وتعددت حولها الأسماء, وحيكت الخرافات والأساطير خاصة في ظل الوثنيات القديمة والحديثة.
وحقيقة التجمعات النجمية( البروج), أنها مساحات محددة من السماء الدنيا, يحوي كل منها في كل فترة زمنية محددة أعدادا من النجوم التي تبدو لنا متقاربة مع بعضها البعض رغم المسافات الشاسعة التي تفصلها نظرا لبعدها الشاسع عنا ولوجودها في اتجاهات محددة, بالنسبة لنا, وهذه النجوم التي تبدو لنا من الأرض في نفس الاتجاه, قد تكون في مجموعات نجمية متفرقة تفرقا بعيدا وليست في مجموعة واحدة,.
وتبدو هذه التجمعات النجمية وكأنها تتحرك حركة ظاهرية بطيئة في صفحة السماء من الشرق الي الغرب تماثل الحركة الظاهرية للشمس في جريانها, وتقابل حركة دوران الأرض من الغرب الي الشرق, فتبدو لنا النجوم وكأنها تشرق من الشرق وتغرب في الغرب, سواء في ذلك النجوم البطيئة( الثوابت) أو النجوم السيارة السريعة, لأن كل التجمعات النجمية تري بتلك الهيئة في الحركة.
في سنة150 م نشر أحد أبناء صعيد مصر وأحد تلامذة مدرسة الإسكندرية واسمه بطليموس الفلوزي الاسكندري كتابه المسمي باسم المجسطي
(Almagest)
الذي وصف فيه حوالي48 كوكبة من كوكبات السماء.
وبين القرنين الثامن والسادس عشر قام علماء المسلمين بنقد وتصحيح العلوم الفلكية التي وجدوها في الحضارات السابقة عليهم, وأضافوا إليها اضافات جوهرية عديدة كان أهمها تحويل علم الفلك من الحيز النظري المليء بالخرافات والأساطير إلي الحيز العملي التطبيقي, وطهروه من أدران التنجيم والشعوذة, وجعلوه علما استقرائيا يعتمد علي الملاحظة الحسية والمقاييس العلمية والحسابات الرياضية والهندسية, فعرفوا منازل الشمس بالنسبة للبروج, وقسموها إلي أربعة منازل تمثل فصول السنة: الربيع, والصيف, والخريف, والشتاء, وخصصوا لكل منزل ثلاثة بروج الحمل والثور والجوزاء) للربيع, والسرطان والأسد والعذراء( السنبلة) للصيف, و( الميزان والعقرب والقوس) للخريف, و(الجدي والدلو والحوت) للشتاء. والكثير من النجوم والبروج لاتزال تحمل أسماء عربية من مثل: سهيل, والجوزاء, والدب الأكبر, والدب الأصغر, والنسر الواقع, والنسر الطائر, والغول, وبيت الجوز وغيرها وكثير من التعبيرات الفلكية من مثل المجرة والسمت وغيرها هي تعبيرات عربية أصيلة.
وكثير من الأجهزة الفلكية من مثل البوصلة والمزولة, والاسطرلاب والمراصد كانت ابتكارات عربية خالصة.
في سنة1603 م قام اليكسندر مير
(Alexander Mair)
بنقش فلك المجموعات النجمية في مرسمه للسماء, وأضاف اثنتي عشرة كوكبة جديدة إلي ما كان قد ذكره بطليموس.
وفي سنة1664 م أضاف جاكوب بارتش
(Jacob Bartsch)
ثلاث كوكبات أخري, وأضاف نيكولاس لويز
(Nicolas Louis)
كوكبة جديدة في نفس الفترة تقريبا, ثم أضاف14 كوكبة أخري بعد ذلك بسنوات قليلة.
في سنة1690 م أضاف جوهان هيفيليوس
(Jehannes Hevelius)
تسعة كوكبات جنوبية جديدة, وأصبح عدد الكوكبات المعروفة الآن ثمانية وثمانين كوكبة, يختلف ظهورها في السماء باختلاف خطوط العرض الأرضية, وباختلاف الفصول المناخية( أي باختلاف موقع الأرض في مدارها حول الشمس علي مدار السنة), وعلي ذلك فإن هناك كوكبات للصيف, وكوكبات للربيع, وكوكبات للخريف, وكوكبات للشتاء مع بعض التداخلات الزمانية والمكانية.
وفي سنة1928 م وافق الاتحاد الفلكي الدولي علي تقسيم الكرة السماوية بنصفيها الشمالي والجنوبي إلي ثمان وثمانين مجموعة نجمية( كوكبة), بحيث يمكن نسبة أي نجم في السماء إلي أي من هذه الكوكبات التي قد تختلف أسماؤها من بلد إلي آخر. وكل كوكبة من هذه الكوكبات( أي كل برج من هذه البروج) تبدو لنا ثابتة لتعاظم بعدها عنا, كما تبدو لنا متقاربة حتي لتوحي لنا باتصالها فتعطي هيئة معينة, أو شكلا محددا, وقد أعطي كل منها اسما معينا يتفق مع الشكل أو الهيئة المستوحاة من تقارب نجومه, وفي المنظور الفلكي يعتبر البرج أو الكوكبة منطقة علي الكرة السماوية تظهر بها مواقع للنجوم الذي يعطي تقارب مواقعها إيحاء بالشكل أو الهيئة المستوحاة من هذا التقارب. وحسب موقعها بالنسبة لخط الاستواء الوهمي للقبة السماوية يمكن التمييز بين كوكبات نصف الكرة السماوية الشمالي( الكوكبات الشمالية), وكوكبات المنطقة الاستوائية السماوية( كوكبات دائرة البروج), وكوكبات نصف الكرة السماوية الجنوبي( الكوكبات الجنوبية). ولما كانت الشمس في حركتها السنوية الظاهرية علي البروج دائمة الانتقال إلي مناطق مختلفة من السماء فإن الكوكبات التي تري بعد غروب الشمس تتغير دوريا مع فصول السنة, وبذلك يمكننا أن نميز بين كوكبات صيفية( مثل السلياق والعقاب), وكوكبات شتوية( مثل الجبار والكلب الأكبر)
ولا يدل الانتظام الظاهري لأفراد الكوكبة عند رؤيتها من الأرض علي أنها تكون وحدة حقيقية في صفحة السماء الدنيا, فقد تكون هذه المواقع النجمية بعيدة جدا عن بعضها البعض, ولكنها تظهر لنا متقاربة لتعاظم أبعادها عنا, ولوقوعها في نفس الاتجاه بالنسبة للناظر إليها من فوق سطح الأرض, وتري تلك المواقع النجمية متساوية اللمعان تقريبا لتباين أبعادها عنا.
ومع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس يشاهد الراصد الليلي النجوم في حركتها الظاهرية ساعة بعد أخري من مواقع مختلفة علي سطح الأرض, أما في سبح الأرض عبر حركتها الانتقالية في مدارها حول الشمس فإن الراصد الليلي يشاهد مجموعات مختلفة من كوكبات النجوم في مواقع مختلفة من القبة السماوية حسب كل من موقع الراصد من الأرض وموقع الأرض في مدارها في كل شهر من شهور السنة.
أهمية بروج السماء
البروج( أو الكوكبات) هي تجمعات للنجوم, وقد فصل القرآن الكريم فوائد النجوم في كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر, وزينة للسماء الدنيا, ورجوما للشياطين, ومصدرا من مصادر الرزق في السماء وجندا مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا بما وهبها الله( تعالي) من قوي الترابط والتماسك والتجاذب, وذلك علي النحو التالي:
(1) البروج كوسيلة الاهتداء في ظلمات البر والبحر:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البروالبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون( الأنعام:97)
ومن معاني هذه الآية الكريمة أن الخالق( سبحانه وتعالي) قد رتب النجوم في مجموعات من الكوكبات( البروج) يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الأربع الأصلية كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبية أو نجم الجدي أو كوكبة الشمال أو مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين أن يسموه
(Polaris Pole Staror Polar Star)
وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعتبر ألمع نجم في كوكبة الدب الأصغر يبعد عنا مسافة650 سنة ضوئية ويقدر قطره بمائة مرة قدر قطر الشمس, وتقدر قوة اشعاعه بخمسة آلاف ضعف اشعاع الشمس, وقد أعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي( الذي لا يبعد عنه إلا بأقل من درجة واحدة), وتبلغ دورته حول محوره حوالي أربعة أيام(3,97 يوم) ولذلك فإنه يصنع دائرة صغيرة جدا حول القطب الشمالي لقبة السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها.
ونظرا لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق تبدو القبة السماوية وكأنها تدور من الشرق إلي الغرب في حركة ظاهرية بكافة نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي وضعه الخالق( سبحانه وتعالي) علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الأرض فيبدو لنا ساكنا, ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي, ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الأربع الأصلية علي الأرض وفي صفحة السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر, وفي تحديد القبلة, وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات.
ويحدد موقع النجم القطبي في قبة السماء بواسطة العربة الكبري( المغرفة) في كوكبة الدب الأكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربة الكبري( أي الدليلتين اللتين تسبقان في أثناء الحركة اليومية الظاهرية) حوالي خمس مرات قدر المسافة بينهما, ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر.
(2) البروج زينة السماء الدنيا:
فالبروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين( الحجر:16)
وقوله( سبحانه)
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( عز من قائل):
فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم( فصلت:12)
وقوله( تبارك اسمه):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير
( الملك:5)
والبروج والنجوم( المصابيح) والكواكب والأقمار هي من أهم الوسائل في إنارة ظلمة الليل, الأولي بأضوائها الذاتية, والكواكب والاقمار بانعكاس أضواء النجوم عليها نورا, ولولا ذلك لأصبح ليل الأرض حالك السواد, قابضا للأنفس, مخيفا مزعجا.
(3) البروج والنجوم والكواكب رجوما للشياطين:
يعتقد كثير من الناس أن رجوم الشياطين هي الشهب وحدها لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين. وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين.
(الحجر:16 ـ18)
وقوله( عز من قائل):
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون إلي الملأ الأعلي ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب. إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب( الصافات:6 ـ10)
وقوله( تعالي) علي لسان الجن:
وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.( الجن:
ولكن الذي يعلم حقيقة تبادل المادة بين دخان السماء وكافة أجرامها أدرك جانبا من روعة البيان القرآني في الإشارة إلي البروج في أيات سورة الحجر(16 ـ18), وإلي الكواكب في آيات سورة الصافات(6 ـ10) وإلي الشهب في كل من السورتين الكريمتين, وفي سورة الجن(
والشهب عبارة عن أجسام صلبة تدخل الغلاف الغازي للأرض بسرعات كبيرة جدا تصل إلي40 كيلو مترا في الثانية فتحتك بجزيئات الغلاف الغازي احتكاكا شديدا يؤدي إلي اشتعالها واحتراقها إما احتراقا كاملا أو جزئيا بحيث يتبقي عن احتراقها فضلات صلبة تعرف باسم النيازك التي ترتطم بالارض بشدة بالغة.
ويروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم قوله): إن الملائكة تتحدث في العنان بالأمر يكون في الأرض, فتسمع الشياطين الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون مائة كذبة
فالشياطين في محاولاتهم استراق السمع في عملية من التجسس والتلصص علي أخبار السماء الدنيا يلقون بشئ من ذلك إلي أعوانهم من الدجالين والمنجمين و,الكهان والعرافين من أجل إضلال بني أدم وصرفهم عن التوكل علي رب العالمين قد حيل بينهم وبين استراق ذلك السمع بعد بعثة المصطفي( صلي الله عليه وسلم), وبقيت الشهب وهي من مادة بروج ونجوم وكواكب السماء لهم بالمرصاد
(4) البروج والنجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء:
يقول ربنا( تبارك وتعالي) في محكم كتابه:
وفي السماء رزقكم وماتوعدون.
(الذاريات:22)
وفسر بعض المفسرين هذه الأية الكريمة بأمر الرزق وتقدير الموعود, بأن الموعود به هو الجنة أو النار, والثواب أو العقاب, وفسرها البعض الاخر بأنه المطر, وفسر السماء بالسحاب, وهذا كله صحيح ولكن يأتي العلم التجريبي ليؤكد لنا أن كافة العناصر يخلقها ربنا( تبارك وتعالي) في قلب النجوم, وأن الله تعالي ينزل منها إلي الأرض بقدر معلوم, فالبروج والنجوم والكواكب والشهب والنيازك من أهم مصادر الرزق علي الأرض
(5) البروج بنجومها جند مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا:
إن البروج بنجومها وباقي أجرامها, والاجرام بمواقعها وكتلها جند مسخرة من قبل الله( تعالي) للإمساك بأطراف السماء الدنيا, علي الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصلها, فهي مرتبطة مع بعضها بالاتزان الدقيق بين قوي الجاذبية والقوي الطاردة المركزية, علي الرغم من تحركها بسرعات مذهلة في صفحة السماء, وفي حركات عديدة معقدة تشهد لله الخالق العظيم بطلاقة القدرة وبديع الصنعة.
من هنا تتضح بعض جوانب الأهمية الكبري للبروج والتي نبهنا ربنا( تبارك وتعالي) إليها بهذا القسم الجامع
والسماء ذات البروج
وقد يري القادمون في هذا القسم مالا نراه نحن اليوم حتي تظل هذه الاشارات الكونية في كتاب الله شاهدة له بالربانية الخالصة, وللرسول الخاتم الذي تلقاه( صلي الله عليه وسلم) بالنبوة والرسالة, وبأنه( صلي الله عليه وسلم) ماكان ينطق عن الهوي..!!