والســماء ذات الحبك*
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية, الدالة علي طلاقة قدرته, وكمال علمه, وتمام حكمته, وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب, هو وعد صادق, وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق, واقع, لا فكاك منه, ولا هروب عنه...!!!
ثم يعاود ربنا( تبارك وتعالي) القسم مرة أخري, في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا, وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون, والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة, والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوي والضلال, فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله( تعالي) هو خالق السماوات والأرض, وخالق كل شيء, ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوي أنها تقربهم الي الله زلفي, وبزعم أنها تشفع لهم عند الله( تعالي), كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) أنه الصادق الأمين, وصاحب الخلق العظيم, ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء, فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافي مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه( شرفه الله تعالي وكرمه) بالسحر, والشعوذة, وبالشعر, والكهانة, بل بالجنون, وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم, ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب,
ثم الخلود في حياة أبدية قادمة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا...!!
وصرف الناس عن الحق إضلال لهم, وهدر لحياتهم, وإفشال لدورهم في هذه الحياة, ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله, ولذلك وصفها( تبارك وتعالي) بـ الإفك, وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق الي الباطل في الاعتقاد, وعن الصدق الي الكذب في المقال, وعن الجميل الي القبيح في الأفعال...!!!
ومن هنا, كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله, أي ضاع عقله منه, فأصبح فاقد العقل والمنطق.
ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني:
والسماء ذات الحبك* إنكم لفي قول مختلف* يؤفك عنه من أفك* قتل الخراصون*الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيان يوم الدين* يوم هم علي النار يفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون( الذاريات:7 ـ14).
ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف, مضطرب, وحيرة بالغة, وقلق دائم, وأوهام مفزعة, وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب, وجنة ونار...!!!
ومع التسليم الكامل بأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده, وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا الي أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون, واستقامة الحياة علي الأرض, أو فيهما معا يبقي السؤال: ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟
وللإجابة علي ذلك, نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك
الحبك في اللغة العربية
لفظة( الحبك) مستمدة من الفعل( حبك), بمعني شد وأحكم يقال حبك) الأمر( يحبكه)( حبكا), كما يقال أحبك) الأمر( يحبكه)( حبكا) و(إحباكا) أي شده وأحكمه.
ويقال حبك) النساج الثوب, أي أجاد نسجه, و(حبك) الحائك الثوب أي أجاد صنعه, وضبط أبعاده, فالأمر( المحبوك) المحكم الصنعة, وكذلك( الحبيك) و(الحبيكة) أي( المحبوك) و(المحبوكة), قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( أحبكته).
كذلك يقال في اللغة حبك) الأمر( يحبكه)( تحبيكا), أي وثقه وشدده ويقال تحبك) ثوبه أي التف به وشد( الحبكة), و(احتبك) الثوب أي( حبكه) حول جسده, و(احتبك) بالإزار أي احتزم به, و(الحبكة) هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط, و(المحبك) هو مكان شد الإزار من الجسم, و(الاحتباك) شد الإزار, و(الحبكة) والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة, والجمع( حباك) و(حبك) و(حبائك), فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي( حبكا) و(حبائك) ومفردها( حبيكة) أو ما يطلق عليه اليوم اسم علامات النيم, ودرع الحديد لها حبك.
و(الحبيكة) وجمعها( حبائك) و(حبك) هي الطريق من خصل الشعر ونحوه, فالشعرة الجعدة تكسرها( حبك), وفي حديث الدجال أن شعره( حبك), وعلي ذلك يقال: فلان رأسه( حبك) أي شعر رأسه متكسر من الجعودة.
وقد جاءت لفظة( الحبك) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط, وذلك في قول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات الحبك*
ومن الاستعراض اللغوي السابق, يتضح أن من معاني ذلك:
1 ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق.
2 ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم.
3 ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها.
4 ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها.
آراء المفسرين
في تفسير القسم القرآني: والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير( يرحمه الله) قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما): ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء, والحسن والاستواء, أي ذات الخلق الحسن المستوي, وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد, وعكرمة, وسعيد بن جبير, والسدي, وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين( يرحمهم الله جميعا).
كذلك أشار ابن كثير الي قول الضحاك( يرحمه الله): الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق, فذلك الحبك, والي قول أبي صالح( يرحمه الله) ان ذات الحبك أي ذات الشدة, والي قول خصيف( رحمة الله عليه) ان ذات الحبك, تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة, والي قول الحسن البصري( رضي الله عنه) أنها حبكت بالنجوم, والي قول عبدالله بن عمرو( رحمه الله): والسماء ذات الحبك, يعني السماء السابعة, ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع الي شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما), فإنها من حسنها مرتفعة, شفافة, صفيقة, شديدة البناء, متسعة الأرجاء, أنيقة البهاء, مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات, موشحة بالكواكب الزاهرات.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) أن الله( تعالي): أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب, وهي من بدائع الصنع, جمع( حبيكة), كطريقة وزنا ومعني, أو( حباك) كمثل ومثال, و(الحبيكة) و(الحباك): الطريقة في الرمل ونحوه, ويقال حبك) لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني, أو ذات الخلق السوي الجيد, من قولهم( حبك) الثوب( يحبكه)( حبكا), أجاد نسجه, وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( احتبكته), وجواب القسم: إنكم لفي قول مختلف*....
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب, كتنسيق الزرد( أي الدرع) المتشابك المتداخل الحلقات..., وقد تكون هذه إحدي هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد, مجعدة تجعد الماء والرمل اذا ضربته الريح, وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة.
وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في شرح قول الحق( سبحانه وتعالي):
والسماء ذات الحبك: أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن.
السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي
تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا, أن لتلك السماء من الصفات مايلي:
(أ) أنها شاسعة الاتساع, عظيمة البناء, متقنة الخلق والصنعة.
(ب) أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها.
(ج) أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها.
(د) أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها, علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها.
(أ) والسماء ذات الحبك, بمعني ذات الإحكام في الخلق
يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل, وتتفاوت هذه المجرات في الشكل, وفي الحجم, وفي الكتلة, وفي سرعة الدوران حول محورها, وسرعة الجري في تباعدها عنا, وفي مراحل تطور نجومها, وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها, فمنها المجرات البيضانية, والحلزونية, وغير المنتظمة والغريبة في الشكل, ومنها المجرات القزمة( التي لا يكاد قطرها يتعدي3200 سنة ضوئية), ومنها المجرات العملاقة( التي يصل طول قطرها الي750,000 سنة ضوئية), وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا, بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون( أي مليون مليون) مرة قدر كتلة شمسنا, وتبلغ كتلة مجرتنا( الطريق اللبني) حوالي230 بليون مرة قدر كتلة شمسنا.
وتتجمع المجرات في مجموعات محلية
(LocalGroups)
تضم العشرات من المجرات
(Galaxies),
وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية
GalacticClusters),
التي تضم مئات الي عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات, والتي تعرف العلماء علي آلاف منها, وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم( المجموعات المحلية العظمي)
(TheLocalSupergrups)
التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي
(GalacticSuperclusters)
والتي تحوي مائة تجمع مجري, وقد حصي علماء الفلك منها16 تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا, وترتقي التجمعات المجرية العظمي الي وحدات أعظم, تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي
(ClustersofGalacticSuperclusters)
الي نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالي).
أ ـ شدة تماسك اجزاء السماء من مرحلة الايونات الى مرحلة الذرات الى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات
ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام
والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إليه مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, وسمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها.
وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية, ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده.
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي150 مليونا*100 مليون*15 مليونا من السنين الضوئية, ووصل أطولها الي250 مليون سنة ضوئية, وتسمي باسم الحائط العظيم
(TheGreatWall)
وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة1989 م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون, وذلك علي النحو التالي:
(1) نطاق الانفجار العظيم( نطاق كرة النار الأولي):
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم.
(2) النطاق الغامض: ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل الي بليوني سنة ضوئية.
(3) النطاق بعد النطاق الغامض: ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين الي ثلاثة بلايين من السنين الضوئية.
(4) نطاق أشباه النجوم السحيقة: ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق.
(5) نطاق أشباه النجوم القديمة: ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة.
(6) نطاق المجرات: ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية.
وعلي ذلك, فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي23 بليون سنة ضوئية علي الأقل.
ومجرتنا( سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني) تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا, التي لا يعلم حدودها إلا الله( تعالي). وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية, ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية, ويضم ما بين مائة بليون الي تريليون( مليون مليون) نجم في مراحل مختلفة من العمر, منها نجوم النسق العادي كشمسنا, ومنها العماليق الحمر, والعماليق الكبار, ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة, ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا, ومنها النجوم النيوترونية, والنجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود) ومنها أشباه النجوم وغيرها.
وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية, فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به.
وتقدر كتلة مجرتنا( سكة التبانة) بحوالي4,6*3810 طن,[ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا( والمقدرة بحوالي333,000 مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن)].
وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي250 مليون سنة من سنيننا, وهذا هو يومها.
والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة, وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة.
ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم, وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله, ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة, والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير الي وجود نجم خانس كانس( ثقب أسود) في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا, ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري, كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل الي ستين ألف سنة ضوئية, ويتكون من نجوم وغازات وأتربة( دخان) تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة, وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية, وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية, وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية( شمس+ تسع كواكب علي الأقل+61 قمرا+ عدد من الكويكبات والمذنبات) حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية, لتتم دورتها في مائتي مليون سنة, ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها2600 من السنين الضوئية, ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد الي مائتي ألف سنة ضوئية طولا, وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا.
وهالة مجرتنا تنقسم الي نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض, ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة وغازات منخفضة الكثافة, ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد الي مسافات شاسعة.
وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة, دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة.
ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا, بالإضافة الي الموجود في مركزها, تم اكتشاف أحدها في سنة1971 م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس.
وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء الي دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام, فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة, وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف, ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة, فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص, وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي الي ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد, حتي تصل الي الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية, فيولد النجم.
ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا( حيث تمثل90% من حياة النجم), وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها, فإذا كانت كتلة النجم في حدود1,4 من كتلة الشمس, فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول الي نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين( أي الحامل لشحنة كهربائية) يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض, وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض, فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر, ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتي ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته الي دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد.
أما اذا تراوحت كتلة النجم بين1,4 من كتلة الشمس الي ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا الي عملاق أعظم
(Supergiant),
ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني
(TypeIISupernova)
عائدا جزئيا الي دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم
(SupernovaRemnants),
ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني
(NeutronStar)
وهو نجم قزم, منكدر, لا يتعدي قطره ستة عشر كيلومترا, سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة, تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها, لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي.
واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا( ثقبا أسود).
هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء, ودقة بنائه, وشساعة أبعاده, واتقان صنعته, وروعة خلقه, وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني( حبك) الصنعة, ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات( حبك).
(ب) السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد:
ج ـ شدة الترابط فى داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر
د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية
هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا( وهي لا تمثل أكثر من10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك), لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة, وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها, وإلا لزالت وانهارت, وسبحان القائل:
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا*)( فاطر:41).
ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن, والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها, كمايلي:
(1) القوة الشديدة أو القوة النووية
وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة( من مثل البروتونات والنيوترونات), وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي( التي تتم بداخل النجوم), وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون, ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة, فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون
(Gluon)
لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين.
(2) القوة الضعيفة: وتساوي10 ـ13 من شدة القوة النووية الشديدة, وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة, كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات
(Bosons)
وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة.
(3) القوة الكهرومغناطيسية: وتساوي137/1 من شدة القوة النووية الشديدة, وتؤدي الي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية.
(4) قوة الجاذبية: وهي أضعف القوي المعروفة علي المدي القصير(10 ـ39 من القوة النووية الشديدة), ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتي تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض( أي علي اتساع الكون) بعد ارادة الله الخالق( سبحانه وتعالي), حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها, والنجوم ومجموعاتها, والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها( المجرات, التجمعات المحلية, التجمعات المجرية, التجمعات المحلية العظمي, التجمعات المجرية العظمي الي نهاية لا يعلمها إلا الله), وأشباه النجوم, والسدم, وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء, ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق( سبحانه وتعالي) لانفرط عقد الكون.
ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد, اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون
(Graviton),
ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء.
وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...*
(الرعد:2)
وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون.
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة, حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا, كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبري, وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق, ثم تمايزت الي القوي الأربع المعروفة لنا اليوم, والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة, التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.
وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية, مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود10 ـ35 من المتر, تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر, وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية.
وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء, بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها, من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة, الي أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي الي كل الكون.
(ج) والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها.
يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا, بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1*10 ـ15 جرام/سم3) في أشباه النجوم, الي حوالي14 من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام( أي واحد من مائة من كثافة الشمس) الي1,41 جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا, الي طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرامات/سم3) في الأقزام البيض, الي بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرامات/سم3) في النجوم النيوترونية, الي أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود).
واذا انتقلنا من أجرام السماء الي المادة بين كل من النجوم والمجرات, والمادة في السدم وفي دخان السماء, وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية, يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري, اذا مرت به أمواج المياه المندفعة, أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة( الحبك).
وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية الي المجرات, الي التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا, وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة.
(د) والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات( الطرق) المحددة لكل جرم من أجرامها.
من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا, كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها, وتعدد مسارات تلك الأجرام, وتباين مستوياتها, دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة, حتي في لحظات احتضار النجوم وانكدارها, وطمسها, ثم انفجارها وتناثر أشلائها, وتبخر مادتها, وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد.
ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة, بالإضافة الي روعة البناء, وإحكام الترابط, وتباين الكثافات, وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك.
فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات, ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين, أنزله بعلمه الشامل, الكامل, المحيط, ليصف بلفظة( الحبك) هذا الكم من صفات السماء, التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ولايمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق( سبحانه وتعالي).
وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن, لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الانسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله...!!!
وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولتعلمن نبأه بعد حين*( ص:88)
ولقوله( عز من قائل):
لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون*( الأنعام:67)
ولقوله( سبحانه):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد*( فصلت:53)
وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد, ولا تنقضي عجائبه.
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
يستهل ربنا( تبارك وتعالي) سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية, الدالة علي طلاقة قدرته, وكمال علمه, وتمام حكمته, وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب, هو وعد صادق, وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق, واقع, لا فكاك منه, ولا هروب عنه...!!!
ثم يعاود ربنا( تبارك وتعالي) القسم مرة أخري, في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا, وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون, والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة, والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوي والضلال, فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله( تعالي) هو خالق السماوات والأرض, وخالق كل شيء, ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوي أنها تقربهم الي الله زلفي, وبزعم أنها تشفع لهم عند الله( تعالي), كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) أنه الصادق الأمين, وصاحب الخلق العظيم, ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء, فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافي مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه( شرفه الله تعالي وكرمه) بالسحر, والشعوذة, وبالشعر, والكهانة, بل بالجنون, وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم, ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب,
ثم الخلود في حياة أبدية قادمة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا...!!
وصرف الناس عن الحق إضلال لهم, وهدر لحياتهم, وإفشال لدورهم في هذه الحياة, ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله, ولذلك وصفها( تبارك وتعالي) بـ الإفك, وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق الي الباطل في الاعتقاد, وعن الصدق الي الكذب في المقال, وعن الجميل الي القبيح في الأفعال...!!!
ومن هنا, كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله, أي ضاع عقله منه, فأصبح فاقد العقل والمنطق.
ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني:
والسماء ذات الحبك* إنكم لفي قول مختلف* يؤفك عنه من أفك* قتل الخراصون*الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيان يوم الدين* يوم هم علي النار يفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون( الذاريات:7 ـ14).
ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف, مضطرب, وحيرة بالغة, وقلق دائم, وأوهام مفزعة, وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب, وجنة ونار...!!!
ومع التسليم الكامل بأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده, وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا الي أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون, واستقامة الحياة علي الأرض, أو فيهما معا يبقي السؤال: ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟
وللإجابة علي ذلك, نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك
الحبك في اللغة العربية
لفظة( الحبك) مستمدة من الفعل( حبك), بمعني شد وأحكم يقال حبك) الأمر( يحبكه)( حبكا), كما يقال أحبك) الأمر( يحبكه)( حبكا) و(إحباكا) أي شده وأحكمه.
ويقال حبك) النساج الثوب, أي أجاد نسجه, و(حبك) الحائك الثوب أي أجاد صنعه, وضبط أبعاده, فالأمر( المحبوك) المحكم الصنعة, وكذلك( الحبيك) و(الحبيكة) أي( المحبوك) و(المحبوكة), قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( أحبكته).
كذلك يقال في اللغة حبك) الأمر( يحبكه)( تحبيكا), أي وثقه وشدده ويقال تحبك) ثوبه أي التف به وشد( الحبكة), و(احتبك) الثوب أي( حبكه) حول جسده, و(احتبك) بالإزار أي احتزم به, و(الحبكة) هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط, و(المحبك) هو مكان شد الإزار من الجسم, و(الاحتباك) شد الإزار, و(الحبكة) والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة, والجمع( حباك) و(حبك) و(حبائك), فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي( حبكا) و(حبائك) ومفردها( حبيكة) أو ما يطلق عليه اليوم اسم علامات النيم, ودرع الحديد لها حبك.
و(الحبيكة) وجمعها( حبائك) و(حبك) هي الطريق من خصل الشعر ونحوه, فالشعرة الجعدة تكسرها( حبك), وفي حديث الدجال أن شعره( حبك), وعلي ذلك يقال: فلان رأسه( حبك) أي شعر رأسه متكسر من الجعودة.
وقد جاءت لفظة( الحبك) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط, وذلك في قول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات الحبك*
ومن الاستعراض اللغوي السابق, يتضح أن من معاني ذلك:
1 ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق.
2 ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم.
3 ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها.
4 ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها.
آراء المفسرين
في تفسير القسم القرآني: والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير( يرحمه الله) قول ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما): ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء, والحسن والاستواء, أي ذات الخلق الحسن المستوي, وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد, وعكرمة, وسعيد بن جبير, والسدي, وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين( يرحمهم الله جميعا).
كذلك أشار ابن كثير الي قول الضحاك( يرحمه الله): الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق, فذلك الحبك, والي قول أبي صالح( يرحمه الله) ان ذات الحبك أي ذات الشدة, والي قول خصيف( رحمة الله عليه) ان ذات الحبك, تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة, والي قول الحسن البصري( رضي الله عنه) أنها حبكت بالنجوم, والي قول عبدالله بن عمرو( رحمه الله): والسماء ذات الحبك, يعني السماء السابعة, ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع الي شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس( رضي الله تبارك وتعالي عنهما), فإنها من حسنها مرتفعة, شفافة, صفيقة, شديدة البناء, متسعة الأرجاء, أنيقة البهاء, مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات, موشحة بالكواكب الزاهرات.
وذكر مخلوف( يرحمه الله) أن الله( تعالي): أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب, وهي من بدائع الصنع, جمع( حبيكة), كطريقة وزنا ومعني, أو( حباك) كمثل ومثال, و(الحبيكة) و(الحباك): الطريقة في الرمل ونحوه, ويقال حبك) لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني, أو ذات الخلق السوي الجيد, من قولهم( حبك) الثوب( يحبكه)( حبكا), أجاد نسجه, وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد( احتبكته), وجواب القسم: إنكم لفي قول مختلف*....
وذكر صاحب الظلال( يرحمه الله): يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب, كتنسيق الزرد( أي الدرع) المتشابك المتداخل الحلقات..., وقد تكون هذه إحدي هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد, مجعدة تجعد الماء والرمل اذا ضربته الريح, وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة.
وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) في شرح قول الحق( سبحانه وتعالي):
والسماء ذات الحبك: أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن.
السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي
تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا, أن لتلك السماء من الصفات مايلي:
(أ) أنها شاسعة الاتساع, عظيمة البناء, متقنة الخلق والصنعة.
(ب) أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها.
(ج) أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها.
(د) أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها, علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها.
(أ) والسماء ذات الحبك, بمعني ذات الإحكام في الخلق
يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل, وتتفاوت هذه المجرات في الشكل, وفي الحجم, وفي الكتلة, وفي سرعة الدوران حول محورها, وسرعة الجري في تباعدها عنا, وفي مراحل تطور نجومها, وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها, فمنها المجرات البيضانية, والحلزونية, وغير المنتظمة والغريبة في الشكل, ومنها المجرات القزمة( التي لا يكاد قطرها يتعدي3200 سنة ضوئية), ومنها المجرات العملاقة( التي يصل طول قطرها الي750,000 سنة ضوئية), وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا, بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون( أي مليون مليون) مرة قدر كتلة شمسنا, وتبلغ كتلة مجرتنا( الطريق اللبني) حوالي230 بليون مرة قدر كتلة شمسنا.
وتتجمع المجرات في مجموعات محلية
(LocalGroups)
تضم العشرات من المجرات
(Galaxies),
وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية
GalacticClusters),
التي تضم مئات الي عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات, والتي تعرف العلماء علي آلاف منها, وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم( المجموعات المحلية العظمي)
(TheLocalSupergrups)
التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي
(GalacticSuperclusters)
والتي تحوي مائة تجمع مجري, وقد حصي علماء الفلك منها16 تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا, وترتقي التجمعات المجرية العظمي الي وحدات أعظم, تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي
(ClustersofGalacticSuperclusters)
الي نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالي).
أ ـ شدة تماسك اجزاء السماء من مرحلة الايونات الى مرحلة الذرات الى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات
ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام
والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إليه مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, وسمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها.
وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية, ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده.
وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي150 مليونا*100 مليون*15 مليونا من السنين الضوئية, ووصل أطولها الي250 مليون سنة ضوئية, وتسمي باسم الحائط العظيم
(TheGreatWall)
وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة1989 م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون, وذلك علي النحو التالي:
(1) نطاق الانفجار العظيم( نطاق كرة النار الأولي):
ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم.
(2) النطاق الغامض: ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل الي بليوني سنة ضوئية.
(3) النطاق بعد النطاق الغامض: ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين الي ثلاثة بلايين من السنين الضوئية.
(4) نطاق أشباه النجوم السحيقة: ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق.
(5) نطاق أشباه النجوم القديمة: ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا, ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة.
(6) نطاق المجرات: ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية.
وعلي ذلك, فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي23 بليون سنة ضوئية علي الأقل.
ومجرتنا( سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني) تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا, التي لا يعلم حدودها إلا الله( تعالي). وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية, ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية, ويضم ما بين مائة بليون الي تريليون( مليون مليون) نجم في مراحل مختلفة من العمر, منها نجوم النسق العادي كشمسنا, ومنها العماليق الحمر, والعماليق الكبار, ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة, ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا, ومنها النجوم النيوترونية, والنجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود) ومنها أشباه النجوم وغيرها.
وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية, فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به.
وتقدر كتلة مجرتنا( سكة التبانة) بحوالي4,6*3810 طن,[ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا( والمقدرة بحوالي333,000 مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن)].
وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي250 مليون سنة من سنيننا, وهذا هو يومها.
والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة, وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة.
ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم, وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله, ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة, والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير الي وجود نجم خانس كانس( ثقب أسود) في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا, ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري, كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل الي ستين ألف سنة ضوئية, ويتكون من نجوم وغازات وأتربة( دخان) تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة, وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية, وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية, وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية( شمس+ تسع كواكب علي الأقل+61 قمرا+ عدد من الكويكبات والمذنبات) حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية, لتتم دورتها في مائتي مليون سنة, ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها2600 من السنين الضوئية, ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد الي مائتي ألف سنة ضوئية طولا, وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا.
وهالة مجرتنا تنقسم الي نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض, ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة وغازات منخفضة الكثافة, ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد الي مسافات شاسعة.
وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة, دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة.
ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا, بالإضافة الي الموجود في مركزها, تم اكتشاف أحدها في سنة1971 م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس.
وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء الي دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام, فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة, وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف, ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة, فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص, وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي الي ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد, حتي تصل الي الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية, فيولد النجم.
ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا( حيث تمثل90% من حياة النجم), وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها, فإذا كانت كتلة النجم في حدود1,4 من كتلة الشمس, فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول الي نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين( أي الحامل لشحنة كهربائية) يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض, وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض, فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر, ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتي ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته الي دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد.
أما اذا تراوحت كتلة النجم بين1,4 من كتلة الشمس الي ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا الي عملاق أعظم
(Supergiant),
ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني
(TypeIISupernova)
عائدا جزئيا الي دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم
(SupernovaRemnants),
ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني
(NeutronStar)
وهو نجم قزم, منكدر, لا يتعدي قطره ستة عشر كيلومترا, سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة, تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها, لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي.
واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس, فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا( ثقبا أسود).
هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء, ودقة بنائه, وشساعة أبعاده, واتقان صنعته, وروعة خلقه, وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني( حبك) الصنعة, ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات( حبك).
(ب) السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد:
ج ـ شدة الترابط فى داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر
د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية
هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا( وهي لا تمثل أكثر من10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك), لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة, وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها, وإلا لزالت وانهارت, وسبحان القائل:
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا*)( فاطر:41).
ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن, والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها, كمايلي:
(1) القوة الشديدة أو القوة النووية
وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة( من مثل البروتونات والنيوترونات), وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي( التي تتم بداخل النجوم), وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون, ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة, فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات, وبين تلك النوي ومثيلاتها, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون
(Gluon)
لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين.
(2) القوة الضعيفة: وتساوي10 ـ13 من شدة القوة النووية الشديدة, وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة, كما يحدث في تحلل العناصر المشعة, وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات, وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات
(Bosons)
وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة.
(3) القوة الكهرومغناطيسية: وتساوي137/1 من شدة القوة النووية الشديدة, وتؤدي الي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية.
(4) قوة الجاذبية: وهي أضعف القوي المعروفة علي المدي القصير(10 ـ39 من القوة النووية الشديدة), ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتي تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض( أي علي اتساع الكون) بعد ارادة الله الخالق( سبحانه وتعالي), حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها, والنجوم ومجموعاتها, والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها( المجرات, التجمعات المحلية, التجمعات المجرية, التجمعات المحلية العظمي, التجمعات المجرية العظمي الي نهاية لا يعلمها إلا الله), وأشباه النجوم, والسدم, وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء, ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق( سبحانه وتعالي) لانفرط عقد الكون.
ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد, اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون
(Graviton),
ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء.
وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق:
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها...*
(الرعد:2)
وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون.
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية, يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة, حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا, كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبري, وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق, ثم تمايزت الي القوي الأربع المعروفة لنا اليوم, والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة, التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.
وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية, مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود10 ـ35 من المتر, تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر, وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية.
وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء, بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها, من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة, الي أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي الي كل الكون.
(ج) والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها.
يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا, بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب(1*10 ـ15 جرام/سم3) في أشباه النجوم, الي حوالي14 من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام( أي واحد من مائة من كثافة الشمس) الي1,41 جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا, الي طن واحد للسنتيمتر المكعب(610 جرامات/سم3) في الأقزام البيض, الي بليون طن للسنتيمتر المكعب(1510 جرامات/سم3) في النجوم النيوترونية, الي أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة( الثقوب السود).
واذا انتقلنا من أجرام السماء الي المادة بين كل من النجوم والمجرات, والمادة في السدم وفي دخان السماء, وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية, يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري, اذا مرت به أمواج المياه المندفعة, أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة( الحبك).
وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية الي المجرات, الي التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا, وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة.
(د) والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات( الطرق) المحددة لكل جرم من أجرامها.
من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا, كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها, وتعدد مسارات تلك الأجرام, وتباين مستوياتها, دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة, حتي في لحظات احتضار النجوم وانكدارها, وطمسها, ثم انفجارها وتناثر أشلائها, وتبخر مادتها, وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد.
ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة, بالإضافة الي روعة البناء, وإحكام الترابط, وتباين الكثافات, وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك.
فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات, ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين, أنزله بعلمه الشامل, الكامل, المحيط, ليصف بلفظة( الحبك) هذا الكم من صفات السماء, التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ولايمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق( سبحانه وتعالي).
وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن, لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الانسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله...!!!
وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق( تبارك وتعالي):
ولتعلمن نبأه بعد حين*( ص:88)
ولقوله( عز من قائل):
لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون*( الأنعام:67)
ولقوله( سبحانه):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد*( فصلت:53)
وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي( صلي الله عليه وسلم) في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد, ولا تنقضي عجائبه.