والســـــماء ومابناهــــا
بقلم الدكتور:زغـلول النجـار
في مطلع سورة الشمس يقسم ربنا( تبارك وتعالي) وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل إذا يغشاها* والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها* ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها*
(الشمس:1 ـ
ثم يأتي جواب القسم صادعا, جازما بالقرار الإلهي الذي منطوقه:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
( الشمس:9:10)
وكثيرا ما يوجه القرآن الكريم الأنظار الي التفكر في عملية الخلق: خلق الكون بسماواته وأراضيه, خلق الحياة بمختلف أشكالها, وخلق الانسان, بكل ما في جسده ونفسه من أسرار ومعجزات, وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات, وهي وإن كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له( تعالي) بطلاقة القدرة, وكمال الصنعة, وشمول العلم والاحاطة فهي تؤكد صدق كل ما جاء في القرآن الكريم لأنه هو كتاب الله المقروء, في صفائه الرباني, وإشراقاته النورانية. وصدق إخباره في كل أمر, وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ بنفس لغة الوحي( اللغة العربية), وبنفس تفاصيل الوحي الذي أنزل بها سورة سورة, وآية آية وكلمة كلمة وحرفا حرفا, تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( سبحانه) علي ذاته العلية فقال( عز من قائل):
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
( الحجر:9)
وبقي هذا الوحي الخاتم ـ ولأنه الوحي الخاتم ـ محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وسوف يبقي إن شاء الله( تعالي) بصفائه الرباني, وتمامه وكماله إلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها...!!!
وسورة الشمس مليئة بالاشارات الكونية التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد, ولذا فسوف أركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السورة المباركة ألا وهو: والسماء وما بناها( الشمس: الآية الخامسة)
وقبل البدء في ذلك أود أن أكرر ما أكدته مرارا من قبل أن القسم في القرآن الكريم يأتي من قبيل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به في استقامة الوجود, وانتظام حركة الحياة, لأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ما في اللغة العربية:
الوحدات الرئيسية فى بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا
تأتي ما في اللغة العربية علي تسعة أوجه, أربعة منها أسماء, والخمسة الباقية حروف.
والأسماء تأتي بمعني الذي, أو للاستفهام, أو للتعجب أو تأتي للتعبير عن نكرة يلزمها النعت.
والحروف تأتي نافية بمعني( ليس), وتأتي جزائية( مسلطة) إذا أدخل عليها إذ( إذما) أو حيث( حيثما), وتأتي كذلك بصيغة إما و مهما, كما تأتي مع الفعل لتأويل المصدر( مصدرية) أي لتجعل ما بعدها بمنزلة المصدر, وتأتي كافة عن العمل اذا دخلت عليها إن وأخواتها ورب ونحو ذلك من مثل إنما, كأنما, ربما, قلما, طالما, كما تأتي غير كافة من مثل بما, وتأتي محذوفا منها الألف اذا ضم اليها حرف آخر من مثل لم, بم, عم, كما تأتي زائدة لتوكيد اللفظ اذا دخلت عليها حروف أخري من مثل إذما, فإما, إما.
السماء في اللغة العربية
السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو, تقول سما يسمو سموا فهو سام) بمعني علا يعلو علوا فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو.. أصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه, ولذلك قيل: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
ويقال فلان لا يسامي أي لا يباري, وقد علا من ساماه أي الذي باراه, وتساموا أي تباروا( في اكتساب المعالي عادة).
ولفظة السماء في العربية تذكر وتؤنث( وإن اعتبر تذكيرها شاذا), وجمعها سماوات, وأسمية, وسماو, وسمي, وإن كان أشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقرآن الكريم.
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, والسدم والمجرات, وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية, أو مستترة خفية.
وقد خلق الله( تعالي) السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الإنس والجن, فهي محفوظة بحفظه( تعالي) إلي أن يرث( سبحانه) هذا الكون بمن فيه وما فيه.
آراء المفسرين
في تفسير قوله( تعالي) والسماء وما بناها
قال المفسرون برأيين يكمل أحدهما الآخر, فقال ابن كثير( يرحمه الله): يحتمل أن تكون( ما) ها هنا مصدرية بمعني: والسماء وبنائها, وهو رأي قتادة( رضي الله عنه), ويحتمل أن تكون بمعني( من) يعني: والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد( رضي الله عنه), وكلاهما متلازم, والبناء هو الرفع... وقال صاحب الظلال( يرحمه الله):...( ما) هنا مصدرية, ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلي الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا, تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها, فأما حقيقة السماء فلا ندريها, وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه, أما كيف هو مبني, وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا... فذلك مالا ندريه....., إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله هي تمسك هذا البناء.....
وقال مخلوف( يرحمه الله) والسماء ومابناها) أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته وأضاف: وإيثار( ما) علي( من) لارادة الوصفية تفخيما وتعظيما, كأنه قيل والسماء والإله) القادر العظيم الذي بناها, وزاد بعد ذلك بقليل: وقيل إن( ما) في الآيات الثلاث(5 ـ7 من سورة الشمس) مصدرية, فيكون القسم ببناء السماء, وطحو الأرض, وتسوية النفوس في الخلقة.
وقال الصابوني( أمد الله في عمره):... أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء, وأحكم بناءها بلا عمد وأضاف: قال المفسرون( ما) اسم موصول بمعني( من), أي والسماء ومن بناها, والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده( فألهمها فجورها وتقواها), كأنه قال: والقادر العظيم الشأن الذي بناها, فدل بناؤها وإحكامها علي وجوده, وكمال قدرته....
وهذا هو عين الصواب لأن القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه, وتعدد أجرامه, وإحكام تماسكه وترابط مختلف أجزائه علي الرغم من الطبيعة الدخانية الغالبة عليه, وهذه الأمور وغيرها مما يشهد لله الخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقة القدرة, وإبداع الصنعة, وكمال العلم, وعظيم الحكمة, وبالتفرد بالألوهية, والربوبية, والوحدانية فوق جميع خلقه, ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الأعظم وببنائها المذهل البديع...!!!
ثم يستمر السياق القرآني بالقسم بالأرض وبالذي طحاها مع روعة هذا الطحو والدحو, وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فألهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمة البناء وتعقيده, وكرمها من فضله وجوده, ومنحها الارادة الحرة, وحرية الاختيار, ثم يأتي جواب القسم:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها.
بمعني أن كل من اجتهد في تزكية نفسه, وتطهيرها, وتنمية الاستعدادات الفطرية للخير فيها, ومقاومة نوازع الشر المتداعية بين جوانبها فقد فاز وأفلح, ومن أهمل كل ذلك, وجافي هداية ربه, واتبع شهوات نفسه, وأطفأ أنوار الفطرة الربانية فيها فقد خاب وخسر, وذلك لأن الله( تعالي) قد خلق الانسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات, ونفخ فيه من روحه ومالها من أنوار. وإشراقات, وغرس في الجبلة الانسانية حب الخيرات, وكراهية المنكرات ومنح الانسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وأنزل هدايته الربانية نورا للانسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له أن يفعل, فمن اتبع الهداية الربانية, ونمي تلك الإشراقات الفطرية النورانية في نفسه فقد فاز وأفلح, ومن أتبع نفسه هواها, وأغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر, وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها, وبروعة بنائها الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ ليؤكد هذا القرار الذي أنزله( سبحانه) من فوق سبع سماوات:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
فماذا تقول العلوم الكونية في عظمة شيء واحد من المقسوم به في هذه الآية الكريمة ألا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك أعرض لمفهوم السماء في القرآن الكريم.
السماء في القرآن الكريم
جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع( السماوات).
كذلك جاءت الاشارة إلي السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع( المائدة:18,17),( الحجر:85),( مريم:65),( طه:6),( الأنبياء:16),( الفرقان:59),( الشعراء:24),( الروم:,( السجدة:4),( الصافات:5),( ص:66,27,10),( الزخرف:85),( الدخان:38,7),( الأحقاف:3),( ق:38),( النبأ:37).
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم164 في سورة البقرة, والتي تشير الي أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب, وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض(75% بالكتلة).
وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلي نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله, ويشير القرآن الكريم إلي أن الله تعالي قد قسم السماء إلي سبع سماوات, كما قسم الأرض إلي سبع أرضين فقال( تعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما
(الطلاق:12)
وقال( سبحانه وتعالي):
ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
(نوح:16,15)
وقال( عز من قائل):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
( الملك:3)
ويتضح من هذه الآيات بصفة عامة, ومن آيتي سورة نوح(16,15) بصفة خاصة أن السماوات السبع متطابقة حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, وإلا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس ـ وهما من أجرام السماء الدنيا ـ واقعين في كل السماوات السبع.
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي:[( الإسراء:44),( المؤمنون:86),( فصلت:12),( الطلاق:12),( الملك:3),( نوح:16,15),( النبأ:12)].
كذلك جاءت الاشارة القرآنية الي سبع طرائق في الآية(17) من سورة( المؤمنون), واعتبرها عدد من المفسرين إشارة الي السماوات السبع, وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك.
ويشير القرآن الكريم إلي أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
.... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:12)
وقوله( عز من قائل):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح...
(الملك:5)
وفي زمن تفجر المعارف العلمية, والتطور المذهل للوسائل التقنية الذي نعيشه لم يستطع الانسان إدراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا, ولم يتجاوز إدراكه لذلك الجزء10% مما فيه...!!!
السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية(24 بليون*9.5 مليون مليون كيلو متر), وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع الي نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالي), وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها, وذلك لأن سرعة تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعة الضوء المقدرة بنحو الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية, وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة علي وتيرة واحدة, تبدأ بتجمعات فلكية حول النجوم كمجموعتنا الشمسية التي تضم بالاضافة الي الشمس عددا من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محددة حول الشمس, وتنطوي أمثال هذه المجموعة الشمسية بملايين الملايين في مجموعات أكبر تعرف باسم المجرات, وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعة المحلية, وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية, وتنطوي تلك في تجمعات محلية للحشود المجرية, ثم في حشود مجرية عظمي, ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلي ما هو أكبر من ذلك الي نهاية لا يعلمها إلا الله( سبحانه وتعالي).
شمسنا: هي عبارة عن كتلة غازية ملتهبة, مشتعلة, مضيئة بذاتها علي هيئة نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر. ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائة ألف كيلو متر(6.960*510 كم), وتقدر كتلتها بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا(1.99*2710 طن), ويقدر متوسط كثافها بحوالي1.41 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تصل كثافة لبها إلي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص الكثافة في اتجاه إكليل الشمس لتصل الي جزء من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
ويزيد حجم الشمس علي مليون مرة قدر حجم الأرض, كما تزيد كتلتها علي كتلة الأرض بنحو333.400 ضعف.
وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو ستة آلاف(5800) درجة مطلقة, ودرجة حرارة لبها بنحو15 مليون درجة مطلقة, بينما تصل درجة حرارة هالتها( إكليلها) إلي مليوني درجة مطلقة. وتتكون الشمس أساسا من غاز الايدروجين(70%), والهيليوم(28%) ومن نسب ضئيلة من عدد من العناصر الأخري(2%). وتنتج الطاقة في الشمس( وفي أغلب النجوم) أساسا من تحول الايدروجين الي هيليوم بعملية الاندماج النووي, وتستمر العملية لانتاج آثار طفيفة من عناصر أعلي في وزنها الذري.
ونظرا للطبيعة الغازية الغالبة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة تفاضلية
(Differential Rotation),
وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من أيامنا, بينما الكرة الغازية المحيطة بهذا القلب الشمسي( ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في نحو24 يوما من أيامنا, وعلي ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو27 يوما وثلث يوم من أيام الأرض.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها) نحو نقطة محددة في كوكبة هرقل( كوكبة الجاثي) بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega)
بسرعة تقدر بنحو19.5 كيلو متر في الثانية, وتسمي هذه النقطة باسم مستقر الشمس. وتجري المجموعة الشمسية كذلك حول مركز مجرتنا( الدرب اللبني) بسرعة خطية تقدر بنحو250 كيلومترا في الثانية لتتم دورتها في نحو250 مليون سنة من سنينا.
مجموعتنا الشمسية:
تضم مجموعتنا الشمسية بالاضافة إلي الشمس كواكب تسعة هي( قربا من الشمس إلي الخارج): عطارد, الزهرة, الأرض, المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود, هذا بالاضافة الي عدد من التوابع( الأقمار) التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب, وآلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر, وآلاف الشهب والنيازك, وكميات من الدخان( الغاز الحار والغبار).
والكواكب الأربعة الداخلية( عطارد, والزهرة, والأرض, والمريخ) هي كواكب صخرية, والكواكب الخارجية( من المشتري إلي بلوتو) هي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد( من مثل بخار الماء ثاني أكسيد الكربون, الأمونيا, الايدروجين والهيليوم) حول لب صخري ضئيل.
وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد, وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو, وذلك في مدارات شبه دائرية( اهليلجية) بحيث تقع الشمس في إحدي بؤرتيه, وأبعد نقطة علي المدار يصل اليها الكوكب تسمي الاوج, وأقرب نقطة تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس, كذلك تزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن.
وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر(149.6 مليون كم) وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة.
وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها( عطارد) بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات(57.9 مليون كم), كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها( بلوتو) بنحو ستة بلايين من الكيلومترات5913.5 مليون كم), ويلي مدار بلوتو الي الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية( أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات), ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد, وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية, وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية...!!!
مجرتنا( مجرة الدرب اللبني)
(The Milky Way Galaxy):
تنطوي مجموعتنا الشمسية مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون( مليون مليون) نجم فيما يعرف باسم مجرة الدرب أو الطريق اللبني( درب اللبانة) علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة ضوئية, ويقدر سمكه بعشر ذلك( أي حوالي العشرة آلاف سنة ضوئية), وتقع مجموعتنا الشمسية علي بعد يقدر بنحو الثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزه, وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافه.
وتتجمع النجوم حول مركز المجرة فيما يشبه النواة, وتلتوي الأجزاء الخارجية من قرص المجرة مكونة أذرعا لولبية تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونية, وترتبط النجوم في مجرتنا( وفي كل مجرة) مع بعضها بعض بقوي الجاذبية, مشكلة نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية
(Stellar populations)
علي النحو التالي:
(1) جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة.
(2) جمهرة القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنة ضوئية من مستوي المجرة, وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة.
(3) جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع11.550 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم
(Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من15% من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديوية.
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة, والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية, وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يؤدي الي تسارع المادة الدخانية بين النجوم, ثم الي كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة وبالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية
(pro-or proro-stars)
التي تتطور الي ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الأفراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الآخر أصغر قليلا, والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة, والتي قد تضم عشرات البلايين إلي بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها, وفي شدة إضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الإهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءة, وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة( المقاريب), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها, في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوالي ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذرة/سم3 في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر.
المجموعة المحلية
(The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانة) في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات
(The Local Group of Galaxies)
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي
(One Million Parsec)
( أي يساوي3,261,500 سنة ضوئية=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل, وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة, وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها.
الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل, حشد مجرات برج العذراء
(The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية(6,523,000 سنة ضوئية), ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة( أي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري, وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة, ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير الي اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي الي مرحلة انتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلي عشرة آلاف مجرة, ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي
(Galactic Super clusters).
وقد أحصي الفلكيون منها الي اليوم أعدادا كبيرة علي بعد مليوني سنة ضوئية منا.
ويعتقد أن المجموعة المحلية التي تنتمي اليها مجرتنا( درب اللبانة), والحشود المجرية المحيطة بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا أكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الأعظم
(The Local Galactic Super cluster)
يضم قرابة المائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, ويبلغ سمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس نسبة سمك مجرتنا( درب اللبانة) الي طول قطرها, فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق!!!
وتبدو الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تكون أبعادها في حدود(150*100*15) سنة ضوئية, وأكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم
(The Great Wall)
يزيد طوله علي250 مليون سنة ضوئية.
وقد تم الكشف اخيرا عن حوالي المائة من الحشود المجرية العظمي التي تكون حشدا أعظم علي هيئة قرص يبلغ طول قطره2 بليون سنة ضوئية, وسمكه مائتي مليون سنةضوئية, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بأن في الجزء المدرك من الكون تجمعات أكبر من ذلك.
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها, وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل أفرانا كونية يخلق الله( تعالي) فيها مختلف صور المادة والطاقة اللازمة لبناء الجزء المدرك من الكون.
وبالاضافة الي النجوم وتوابعها المختلفة هناك السدم
(Nebulae)
علي تعدد أشكالها وأنواعها, وهناك المادة بين النجوم
(Inter-Stellar Matter),
وهناك المادة الداكنة
(Dark Matter),
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك, والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور المادة والطاقة المدسوسة في ظلمة الكون.
ويقدر الفلكيون كتلة الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائة ضعف كتلة المادة والطاقة والأجرام المرئية والمحسوسة فيه, بمعني أننا ــ في زمن تفجر المعرفة الذي نعيشه ــ لا ندرك إلا أقل من عشرة في المائة فقط من الجزء الذي وصل اليه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق:
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
وقوله الحق:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا*
( الاسراء:85)
ومن هنا تتضح أهمية القسم بالسماء وما بناها في الآية الخامسة من سورة الشمس, هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشأن السماء وتقديسا لخالقها, وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها, ودقة بنائها, وانضباط حركتها, واحكام كل أمر من أمورها, والاعجاز في خلقها, وهي قضايا لم يدركها الانسان بشيء من النفصيل إلا منذ عشرات قليلة من السنين, وورود القسم بها في كتاب الله, مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. وذلك مما يزيد المؤمنين تثبيتا علي إيمانهم, ويدعو غيرهم من المشركين والكفار إلي الايمان بالله الخالق, وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ففي ذلك النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة, ولا نجاة ولا نجاح في غير ذلك, وان كانت السماء شاسعة الاتساع, دقيقة البناء, ومنضبطة الحركة فهي شاهدة علي عظمة الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالي...!!!
من هنا كان قسم الله( تعالي) بالسماء ــ وهو الغني عن القسم ــ وكان التأكيد القرآني علي عظم شأنها في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين*..
(الانبياء:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*
(الفرقان:61)
(3) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار*
( ص:27)
(4) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.... لآيات لقوم يعقلون*
( البقرة:164)
(5) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب*
( آل عمران:190)
(6) وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق....*
( الأنعام:73)
(7) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق...*
(الحجر:85)!
( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي....*
( الروم:
(9) ومن آياته خلق السمارات والأرض...*
(الروم:22)( الشوري:29)
(10) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
(11) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين* ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون*
( الدخان:38 و39)
(12) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين*( الجاثية:3)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
بقلم الدكتور:زغـلول النجـار
في مطلع سورة الشمس يقسم ربنا( تبارك وتعالي) وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل إذا يغشاها* والسماء وما بناها* والأرض وما طحاها* ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها*
(الشمس:1 ـ
ثم يأتي جواب القسم صادعا, جازما بالقرار الإلهي الذي منطوقه:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
( الشمس:9:10)
وكثيرا ما يوجه القرآن الكريم الأنظار الي التفكر في عملية الخلق: خلق الكون بسماواته وأراضيه, خلق الحياة بمختلف أشكالها, وخلق الانسان, بكل ما في جسده ونفسه من أسرار ومعجزات, وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات, وهي وإن كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له( تعالي) بطلاقة القدرة, وكمال الصنعة, وشمول العلم والاحاطة فهي تؤكد صدق كل ما جاء في القرآن الكريم لأنه هو كتاب الله المقروء, في صفائه الرباني, وإشراقاته النورانية. وصدق إخباره في كل أمر, وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ بنفس لغة الوحي( اللغة العربية), وبنفس تفاصيل الوحي الذي أنزل بها سورة سورة, وآية آية وكلمة كلمة وحرفا حرفا, تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( سبحانه) علي ذاته العلية فقال( عز من قائل):
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
( الحجر:9)
وبقي هذا الوحي الخاتم ـ ولأنه الوحي الخاتم ـ محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد, وسوف يبقي إن شاء الله( تعالي) بصفائه الرباني, وتمامه وكماله إلي أن يرث الله( تعالي) الأرض ومن عليها...!!!
وسورة الشمس مليئة بالاشارات الكونية التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد, ولذا فسوف أركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السورة المباركة ألا وهو: والسماء وما بناها( الشمس: الآية الخامسة)
وقبل البدء في ذلك أود أن أكرر ما أكدته مرارا من قبل أن القسم في القرآن الكريم يأتي من قبيل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به في استقامة الوجود, وانتظام حركة الحياة, لأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ما في اللغة العربية:
الوحدات الرئيسية فى بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا
تأتي ما في اللغة العربية علي تسعة أوجه, أربعة منها أسماء, والخمسة الباقية حروف.
والأسماء تأتي بمعني الذي, أو للاستفهام, أو للتعجب أو تأتي للتعبير عن نكرة يلزمها النعت.
والحروف تأتي نافية بمعني( ليس), وتأتي جزائية( مسلطة) إذا أدخل عليها إذ( إذما) أو حيث( حيثما), وتأتي كذلك بصيغة إما و مهما, كما تأتي مع الفعل لتأويل المصدر( مصدرية) أي لتجعل ما بعدها بمنزلة المصدر, وتأتي كافة عن العمل اذا دخلت عليها إن وأخواتها ورب ونحو ذلك من مثل إنما, كأنما, ربما, قلما, طالما, كما تأتي غير كافة من مثل بما, وتأتي محذوفا منها الألف اذا ضم اليها حرف آخر من مثل لم, بم, عم, كما تأتي زائدة لتوكيد اللفظ اذا دخلت عليها حروف أخري من مثل إذما, فإما, إما.
السماء في اللغة العربية
السماء لغة اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو, تقول سما يسمو سموا فهو سام) بمعني علا يعلو علوا فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو.. أصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه, ولذلك قيل: كل ما علاك فأظلك فهو سماء.
ويقال فلان لا يسامي أي لا يباري, وقد علا من ساماه أي الذي باراه, وتساموا أي تباروا( في اكتساب المعالي عادة).
ولفظة السماء في العربية تذكر وتؤنث( وإن اعتبر تذكيرها شاذا), وجمعها سماوات, وأسمية, وسماو, وسمي, وإن كان أشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقرآن الكريم.
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الأجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, والسدم والمجرات, وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية, أو مستترة خفية.
وقد خلق الله( تعالي) السماء ـ وهو خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الإنس والجن, فهي محفوظة بحفظه( تعالي) إلي أن يرث( سبحانه) هذا الكون بمن فيه وما فيه.
آراء المفسرين
في تفسير قوله( تعالي) والسماء وما بناها
قال المفسرون برأيين يكمل أحدهما الآخر, فقال ابن كثير( يرحمه الله): يحتمل أن تكون( ما) ها هنا مصدرية بمعني: والسماء وبنائها, وهو رأي قتادة( رضي الله عنه), ويحتمل أن تكون بمعني( من) يعني: والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد( رضي الله عنه), وكلاهما متلازم, والبناء هو الرفع... وقال صاحب الظلال( يرحمه الله):...( ما) هنا مصدرية, ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلي الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا, تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها, فأما حقيقة السماء فلا ندريها, وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه, أما كيف هو مبني, وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا... فذلك مالا ندريه....., إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله هي تمسك هذا البناء.....
وقال مخلوف( يرحمه الله) والسماء ومابناها) أي ومن أوجدها وأنشأها بقدرته وأضاف: وإيثار( ما) علي( من) لارادة الوصفية تفخيما وتعظيما, كأنه قيل والسماء والإله) القادر العظيم الذي بناها, وزاد بعد ذلك بقليل: وقيل إن( ما) في الآيات الثلاث(5 ـ7 من سورة الشمس) مصدرية, فيكون القسم ببناء السماء, وطحو الأرض, وتسوية النفوس في الخلقة.
وقال الصابوني( أمد الله في عمره):... أي وأقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء, وأحكم بناءها بلا عمد وأضاف: قال المفسرون( ما) اسم موصول بمعني( من), أي والسماء ومن بناها, والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده( فألهمها فجورها وتقواها), كأنه قال: والقادر العظيم الشأن الذي بناها, فدل بناؤها وإحكامها علي وجوده, وكمال قدرته....
وهذا هو عين الصواب لأن القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه, وتعدد أجرامه, وإحكام تماسكه وترابط مختلف أجزائه علي الرغم من الطبيعة الدخانية الغالبة عليه, وهذه الأمور وغيرها مما يشهد لله الخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقة القدرة, وإبداع الصنعة, وكمال العلم, وعظيم الحكمة, وبالتفرد بالألوهية, والربوبية, والوحدانية فوق جميع خلقه, ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الأعظم وببنائها المذهل البديع...!!!
ثم يستمر السياق القرآني بالقسم بالأرض وبالذي طحاها مع روعة هذا الطحو والدحو, وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فألهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمة البناء وتعقيده, وكرمها من فضله وجوده, ومنحها الارادة الحرة, وحرية الاختيار, ثم يأتي جواب القسم:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها.
بمعني أن كل من اجتهد في تزكية نفسه, وتطهيرها, وتنمية الاستعدادات الفطرية للخير فيها, ومقاومة نوازع الشر المتداعية بين جوانبها فقد فاز وأفلح, ومن أهمل كل ذلك, وجافي هداية ربه, واتبع شهوات نفسه, وأطفأ أنوار الفطرة الربانية فيها فقد خاب وخسر, وذلك لأن الله( تعالي) قد خلق الانسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات, ونفخ فيه من روحه ومالها من أنوار. وإشراقات, وغرس في الجبلة الانسانية حب الخيرات, وكراهية المنكرات ومنح الانسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وأنزل هدايته الربانية نورا للانسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له أن يفعل, فمن اتبع الهداية الربانية, ونمي تلك الإشراقات الفطرية النورانية في نفسه فقد فاز وأفلح, ومن أتبع نفسه هواها, وأغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر, وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها, وبروعة بنائها الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ ليؤكد هذا القرار الذي أنزله( سبحانه) من فوق سبع سماوات:
قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
فماذا تقول العلوم الكونية في عظمة شيء واحد من المقسوم به في هذه الآية الكريمة ألا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك أعرض لمفهوم السماء في القرآن الكريم.
السماء في القرآن الكريم
جاءت لفظة السماء في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة مواضع, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع( السماوات).
كذلك جاءت الاشارة إلي السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع( المائدة:18,17),( الحجر:85),( مريم:65),( طه:6),( الأنبياء:16),( الفرقان:59),( الشعراء:24),( الروم:,( السجدة:4),( الصافات:5),( ص:66,27,10),( الزخرف:85),( الدخان:38,7),( الأحقاف:3),( ق:38),( النبأ:37).
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والأرض في موضع واحد من الآية رقم164 في سورة البقرة, والتي تشير الي أن القرآن الكريم يفصل بين السماء والأرض بنطاق يضم السحاب, وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض(75% بالكتلة).
وعلي ذلك فإن السماء في القرآن الكريم تشمل كل ما يحيط بالأرض بدءا من نهاية نطاق المناخ إلي نهاية الكون التي لا يعلمها إلا الله, ويشير القرآن الكريم إلي أن الله تعالي قد قسم السماء إلي سبع سماوات, كما قسم الأرض إلي سبع أرضين فقال( تعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما
(الطلاق:12)
وقال( سبحانه وتعالي):
ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
(نوح:16,15)
وقال( عز من قائل):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
( الملك:3)
ويتضح من هذه الآيات بصفة عامة, ومن آيتي سورة نوح(16,15) بصفة خاصة أن السماوات السبع متطابقة حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, وإلا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس ـ وهما من أجرام السماء الدنيا ـ واقعين في كل السماوات السبع.
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع آيات قرآنية كريمة هي:[( الإسراء:44),( المؤمنون:86),( فصلت:12),( الطلاق:12),( الملك:3),( نوح:16,15),( النبأ:12)].
كذلك جاءت الاشارة القرآنية الي سبع طرائق في الآية(17) من سورة( المؤمنون), واعتبرها عدد من المفسرين إشارة الي السماوات السبع, وإن كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك.
ويشير القرآن الكريم إلي أن النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
.... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:12)
وقوله( عز من قائل):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح...
(الملك:5)
وفي زمن تفجر المعارف العلمية, والتطور المذهل للوسائل التقنية الذي نعيشه لم يستطع الانسان إدراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا, ولم يتجاوز إدراكه لذلك الجزء10% مما فيه...!!!
السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من أربعة وعشرين بليونا من السنين الضوئية(24 بليون*9.5 مليون مليون كيلو متر), وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع الي نهاية لا يعلمها إلا الله( تعالي), وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها, وذلك لأن سرعة تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعة الضوء المقدرة بنحو الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية, وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقة بالغة علي وتيرة واحدة, تبدأ بتجمعات فلكية حول النجوم كمجموعتنا الشمسية التي تضم بالاضافة الي الشمس عددا من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محددة حول الشمس, وتنطوي أمثال هذه المجموعة الشمسية بملايين الملايين في مجموعات أكبر تعرف باسم المجرات, وتكون عشرات من المجرات المتقاربة ما يعرف باسم المجموعة المحلية, وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحلية فيما يعرف باسم الحشود المجرية, وتنطوي تلك في تجمعات محلية للحشود المجرية, ثم في حشود مجرية عظمي, ثم في تجمعات محلية للحشود المجرية العظمي إلي ما هو أكبر من ذلك الي نهاية لا يعلمها إلا الله( سبحانه وتعالي).
شمسنا: هي عبارة عن كتلة غازية ملتهبة, مشتعلة, مضيئة بذاتها علي هيئة نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر. ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائة ألف كيلو متر(6.960*510 كم), وتقدر كتلتها بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا(1.99*2710 طن), ويقدر متوسط كثافها بحوالي1.41 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تصل كثافة لبها إلي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص الكثافة في اتجاه إكليل الشمس لتصل الي جزء من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
ويزيد حجم الشمس علي مليون مرة قدر حجم الأرض, كما تزيد كتلتها علي كتلة الأرض بنحو333.400 ضعف.
وتقدر درجة حرارة سطح الشمس بنحو ستة آلاف(5800) درجة مطلقة, ودرجة حرارة لبها بنحو15 مليون درجة مطلقة, بينما تصل درجة حرارة هالتها( إكليلها) إلي مليوني درجة مطلقة. وتتكون الشمس أساسا من غاز الايدروجين(70%), والهيليوم(28%) ومن نسب ضئيلة من عدد من العناصر الأخري(2%). وتنتج الطاقة في الشمس( وفي أغلب النجوم) أساسا من تحول الايدروجين الي هيليوم بعملية الاندماج النووي, وتستمر العملية لانتاج آثار طفيفة من عناصر أعلي في وزنها الذري.
ونظرا للطبيعة الغازية الغالبة للشمس فإن دورانها حول محورها يتم بطريقة تفاضلية
(Differential Rotation),
وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من أيامنا, بينما الكرة الغازية المحيطة بهذا القلب الشمسي( ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في نحو24 يوما من أيامنا, وعلي ذلك فإن متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو27 يوما وثلث يوم من أيام الأرض.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها) نحو نقطة محددة في كوكبة هرقل( كوكبة الجاثي) بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega)
بسرعة تقدر بنحو19.5 كيلو متر في الثانية, وتسمي هذه النقطة باسم مستقر الشمس. وتجري المجموعة الشمسية كذلك حول مركز مجرتنا( الدرب اللبني) بسرعة خطية تقدر بنحو250 كيلومترا في الثانية لتتم دورتها في نحو250 مليون سنة من سنينا.
مجموعتنا الشمسية:
تضم مجموعتنا الشمسية بالاضافة إلي الشمس كواكب تسعة هي( قربا من الشمس إلي الخارج): عطارد, الزهرة, الأرض, المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود, هذا بالاضافة الي عدد من التوابع( الأقمار) التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب, وآلاف الكويكبات المنتشرة بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بأنها بقايا لكوكب منفجر, وآلاف الشهب والنيازك, وكميات من الدخان( الغاز الحار والغبار).
والكواكب الأربعة الداخلية( عطارد, والزهرة, والأرض, والمريخ) هي كواكب صخرية, والكواكب الخارجية( من المشتري إلي بلوتو) هي كواكب غازية تتكون من عدد من الغازات المتجمدة علي هيئة جليد( من مثل بخار الماء ثاني أكسيد الكربون, الأمونيا, الايدروجين والهيليوم) حول لب صخري ضئيل.
وكواكب المجموعة الشمسية تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد, وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو, وذلك في مدارات شبه دائرية( اهليلجية) بحيث تقع الشمس في إحدي بؤرتيه, وأبعد نقطة علي المدار يصل اليها الكوكب تسمي الاوج, وأقرب نقطة تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس, كذلك تزداد سرعة الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساوية في وحدة الزمن.
وتقدر المسافة بين الأرض والشمس بنحو المائة والخمسين مليون كيلو متر(149.6 مليون كم) وقد اعتبرت هذه المسافة وحدة فلكية دولية واحدة.
وتقدر المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها( عطارد) بنحو الثمانية والخمسين مليونا من الكيلومترات(57.9 مليون كم), كما تقدر المسافة بين الشمس وأبعد الكواكب المعروفة عنها( بلوتو) بنحو ستة بلايين من الكيلومترات5913.5 مليون كم), ويلي مدار بلوتو الي الخارج سحابة ضخمة من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس بأربعين ألف وحدة فلكية( أي نحو ستة تريليونات من الكيلومترات), ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس أبعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد, وإذا كان امتداد المجموعة الشمسية يعبر عنه بأبعد مسافة نعرفها حول الشمس تتم فيها حركة مدارية حول هذا النجم فإن مدار بلوتو لا يمكن أن يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسية, وعليه فإننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسية...!!!
مجرتنا( مجرة الدرب اللبني)
(The Milky Way Galaxy):
تنطوي مجموعتنا الشمسية مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون( مليون مليون) نجم فيما يعرف باسم مجرة الدرب أو الطريق اللبني( درب اللبانة) علي هيئة قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائة ألف سنة ضوئية, ويقدر سمكه بعشر ذلك( أي حوالي العشرة آلاف سنة ضوئية), وتقع مجموعتنا الشمسية علي بعد يقدر بنحو الثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزه, وعشرين ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافه.
وتتجمع النجوم حول مركز المجرة فيما يشبه النواة, وتلتوي الأجزاء الخارجية من قرص المجرة مكونة أذرعا لولبية تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونية, وترتبط النجوم في مجرتنا( وفي كل مجرة) مع بعضها بعض بقوي الجاذبية, مشكلة نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجمية
(Stellar populations)
علي النحو التالي:
(1) جمهرة القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أحدث النجوم عمرا بصفة عامة.
(2) جمهرة القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنة ضوئية من مستوي المجرة, وتضم نجوما متوسطة في العمر بصفة عامة.
(3) جمهرة الهالة المجرية وتقع علي ارتفاع11.550 سنة ضوئية من مستوي المجرة وتضم أقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفة عامة.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانية ساخنة يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئة هباءات متناهية في الدقة من المواد الصلبة مكونة ما يعرف باسم المادة بين النجوم
(Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فإن الراصد لمجرتنا من الأرض لا يري بوضوح أكثر من15% من مجموع مكوناتها إلا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديوية.
ونواة مجرتنا تجر معها أذرعها اللولبية التي قد ترتفع فوق مستوي النواة, والسحب الدخانية في تلك الأذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائة كيلو متر في الثانية, وتتراكم هذه السرعات الخطية علي سرعة دوران محورية تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانية دون أن تنفصل أذرع المجرة عن نواتها بسبب التفاوت في سرعة الأجزاء المختلفة منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يؤدي الي تسارع المادة الدخانية بين النجوم, ثم الي كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجة كبيرة وبالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائية
(pro-or proro-stars)
التي تتطور الي ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الأفراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركة يمينية أساسية منتظمة حول مركز المجرة في اتجاه القطر الأصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف أجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة ــ علي الأقل ــ بعضها أكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الآخر أصغر قليلا, والمجرات عبارة عن تجمعات نجمية مذهلة في أعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجرة الواحدة, والتي قد تضم عشرات البلايين إلي بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في أشكالها كما تتباين في أحجامها, وفي شدة إضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الإهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءة, وما يبدو علي هيئة نقاط باهتة لا تكاد تدرك بأكبر المناظير المقربة( المقاريب), وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتلة الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتلة ما بها من نجوم وتوابعها, في حين أن كتلة الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافة الغازات في المجرة تقدر بحوالي ذرة واحدة لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذرة/سم3 في الغلاف الغازي للأرض عند سطح البحر.
المجموعة المحلية
(The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانة) في مجموعة من أكثر من عشرين مجرة في تجمع يعرف باسم المجموعة المحلية للمجرات
(The Local Group of Galaxies)
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي
(One Million Parsec)
( أي يساوي3,261,500 سنة ضوئية=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعة المحلية التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونية وأربع مجرات غير محددة الشكل, وأعداد من المجرات البيضانية العملاقة والقزمة, وقد تحتوي علي عدد أكبر من المجرات الواقعة في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رؤيتها.
الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات أكبر من المجموعة المحلية من مثل, حشد مجرات برج العذراء
(The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الأنواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي أي أكثر من ستة ملايين ونصف من السنين الضوئية(6,523,000 سنة ضوئية), ويبعد عنا عشرة أضعاف تلك المسافة( أي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجرية تصدر أشعة سينية بصفة عامة, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتلة التجمع المجري, وتتراوح درجة حرارته بين عشرة ملايين ومائة مليون درجة مطلقة, ويحوي هذا الدخان الإيدروجيني علي نسبا ضئيلة من هباءات صلبة مكونة من بعض العناصر الثقيلة بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير الي اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجرة وصلت فيها عملية الاندماج النووي الي مرحلة انتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجرية أعدادا من المجرات قد يصل إلي عشرة آلاف مجرة, ويحصي علماء الفلك آلافا من تلك الحشود المجرية, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود أكبر يسمونها باسم الحشود المجرية العظمي
(Galactic Super clusters).
وقد أحصي الفلكيون منها الي اليوم أعدادا كبيرة علي بعد مليوني سنة ضوئية منا.
ويعتقد أن المجموعة المحلية التي تنتمي اليها مجرتنا( درب اللبانة), والحشود المجرية المحيطة بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا أكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الأعظم
(The Local Galactic Super cluster)
يضم قرابة المائة من الحشود المجرية علي هيئة قرص واحد يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية, ويبلغ سمكه عشر ذلك( أي عشرة ملايين من السنين الضوئية) وهي نفس نسبة سمك مجرتنا( درب اللبانة) الي طول قطرها, فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق!!!
وتبدو الحشود المجرية والحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تكون أبعادها في حدود(150*100*15) سنة ضوئية, وأكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم
(The Great Wall)
يزيد طوله علي250 مليون سنة ضوئية.
وقد تم الكشف اخيرا عن حوالي المائة من الحشود المجرية العظمي التي تكون حشدا أعظم علي هيئة قرص يبلغ طول قطره2 بليون سنة ضوئية, وسمكه مائتي مليون سنةضوئية, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بأن في الجزء المدرك من الكون تجمعات أكبر من ذلك.
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها, وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل أفرانا كونية يخلق الله( تعالي) فيها مختلف صور المادة والطاقة اللازمة لبناء الجزء المدرك من الكون.
وبالاضافة الي النجوم وتوابعها المختلفة هناك السدم
(Nebulae)
علي تعدد أشكالها وأنواعها, وهناك المادة بين النجوم
(Inter-Stellar Matter),
وهناك المادة الداكنة
(Dark Matter),
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك, والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور المادة والطاقة المدسوسة في ظلمة الكون.
ويقدر الفلكيون كتلة الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائة ضعف كتلة المادة والطاقة والأجرام المرئية والمحسوسة فيه, بمعني أننا ــ في زمن تفجر المعرفة الذي نعيشه ــ لا ندرك إلا أقل من عشرة في المائة فقط من الجزء الذي وصل اليه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق:
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
وقوله الحق:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا*
( الاسراء:85)
ومن هنا تتضح أهمية القسم بالسماء وما بناها في الآية الخامسة من سورة الشمس, هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشأن السماء وتقديسا لخالقها, وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها, ودقة بنائها, وانضباط حركتها, واحكام كل أمر من أمورها, والاعجاز في خلقها, وهي قضايا لم يدركها الانسان بشيء من النفصيل إلا منذ عشرات قليلة من السنين, وورود القسم بها في كتاب الله, مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض. وذلك مما يزيد المؤمنين تثبيتا علي إيمانهم, ويدعو غيرهم من المشركين والكفار إلي الايمان بالله الخالق, وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ففي ذلك النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة, ولا نجاة ولا نجاح في غير ذلك, وان كانت السماء شاسعة الاتساع, دقيقة البناء, ومنضبطة الحركة فهي شاهدة علي عظمة الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالي...!!!
من هنا كان قسم الله( تعالي) بالسماء ــ وهو الغني عن القسم ــ وكان التأكيد القرآني علي عظم شأنها في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين*..
(الانبياء:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*
(الفرقان:61)
(3) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار*
( ص:27)
(4) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.... لآيات لقوم يعقلون*
( البقرة:164)
(5) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب*
( آل عمران:190)
(6) وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق....*
( الأنعام:73)
(7) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق...*
(الحجر:85)!
( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي....*
( الروم:
(9) ومن آياته خلق السمارات والأرض...*
(الروم:22)( الشوري:29)
(10) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
(11) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين* ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون*
( الدخان:38 و39)
(12) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين*( الجاثية:3)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.