هذا الكتاب
يتحدث عن أضخم معول غرس في أعماق البشرية في العصر الحديث وهو (الشيوعية التي تتبنى الإلحاد). وعن الأصابع اليهودية اللئيمة التي صنعت هذه الفكرة الخبيثة، وعن الأحزاب الشيوعية العربية الناعقة. (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) والأسباب التي أدت إلى انتشارها وكيف أن الشيوعية بدأت تنهار نظريا وعمليا وأسباب انهيارها. كل ذلك ستجده واضحا بينا في هذا الكتاب راجين من الله تعالى التوفيق والسداد.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الإهداء
إلى الذين يريدون معرفة الحق، وفتح أبصارهم على النور وينشدون إنقاذ أنفسهم من أن يكونوا فرائس سهلة مستساغة بين أنياب الذئاب ومخالب الوحوش.أقدم هذا البحث المتواضع ضارعا إلى الله -عزوجل- أن يتقبل منا، وأن يجعله في ميزاننا يوم القيامة، وأن يكون خالصا لوجهه، وأن ينفعنا وينفع بنا.(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).
العبد الفقير إلى الله
عبد الله عزام
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
تمهيد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله، إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) ، (يونس: 81-82) .
إنه الناموس الإلهي الذي يجري على كل قانون يصادمه فيدفعه ويبطله.
إنه القانون الرباني الذي يزهق كل باطل ويدمغ كل زيغ. إن مشيئة الله اقتضت أن تحبط كل ضلال، وتجتث كل خبيث.
إن الفطرة البشرية قد صبغت بحيث لا تتناسب إلا مع مبادىء من عند ربها، وإن البنية الانسانية قد فطرت بحيث لا تتناسق إلا مع قيم من عند بارئها.
ولذا فقد فشلت كل الأنظمة البشرية في تحقيق سعادة الإنسان، ولقد خابت كل المحاولات لإنقاذ الإنسان من شقائه عن غير طريق الله وبعيدا عن منهاجه، لقد هرب الأوروبي من ظلم الكنيسة وجحد إلهه، ظانا أنه يجد السعادة في الفردية المطلقة برأسماليتها وديمقراطيتها، فازداد شقاء ويأسا وقلقا فاتجه إلى الجماعية المطلقة باشتراكيتها فوقع بين براثن وحش أشد فتكا وأكثر تمزيقا .
لقد سقطت الحضارة الغربية بشقيها -الرأسمالي الغربي النفعي، والشيوعي الإلحادي الشرقي-.
لقد هرعت البشرية المنكودة الحائرة على حداء (جون لوك، وستيوارت ميل وفولتير وروسو) ظانين في صرخاتهم النجاة، فما سعدوا وما اطمأنوا.
ثم مشت البشرية وراء (ماركس ولينين وتروتسكي وستالين)، فزاد نكدها وخاب فألها وتمزقت نفسيتها.
سقطت الأنظمة كلها، فشلت المناهج جميعها، خابت التجارب بأكملها، لم يبق إلا نظام الله الذي يستطيع مخاطبة الإنسان بكينونته وكليته، بجسده وروحه، وأعصابه ومشاعره، وعقله وقلبه، وصدق الله العظيم : (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، (الملك:41 ) .
ومن أجل هذا فقد حظر رب العزة على المسلمين التلقي إلا منه -عزوجل- ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحذر من سؤال الكافرين وأهل الكتاب، وقصر تربية الجيل المبارك من الصحابة على النبع الصافي من الكتاب والسنة. فقد قال رب العزة : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). (آل عمران: 100-104).
فهذه الآيات ترسم طريق النجاة في الدنيا والآخرة، وهي خير عنوان يصلح لمن أراد أن يكتب عن الأفكار التي سادت الأرض ومزقتها وعانت منها البشرية ما عانت شقاء وضياعا ونكدا وتمزقا وتمرغا في الوحل وهبوطا في الحياة والقيم والإهتمامات.
هذه الآيات تبين للأمة المسلمة أنها جاءت بقدر من الله لدورها المحدد وهو قيادة البشرية والأخذ بزمامها نحو الأفق العالي والقمة السامقة.
والأمة الرائدة القائدة لا بد لها من هاد على الطريق وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بد لها من دليل وخارطة وهو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهما العصمة والنجاة، وهما النور إذا ادلهم الظلام والمعلم المبين إذا اضطربت الأمور وحارت الأفئدة.
والأمة القائدة ليس لها أن تتخلى عن دورها القيادي الإنقاذي، وما كان لها أن تنبذ كتاب الله وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم وراء ظهورها وترجع إلى ذيل القافلة تقم أقذار البشرية وتلم أوضارها وأوساخها، وتجمع منها منهجا لحياتها ودستورا لأخلاقها وموجها لعقولها ونظامها، تحكمه في دمائها وأموالها وأعراضها فتضيع وتضيع وتتيه وتتيه. (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، بل الله مولاكم وهو خير الناصرين). (آل عمران: 149-150).
وطاعة أهل الكتاب والكفار إلى جانب أنها تخل بمركز القيادة في الأرض فهي تنم عن الهزيمة الداخلية، وتشي عن الخواء الروحي والفراغ الهائل الرهيب الذي يعاني منه من يحمل ألقاب المسلمين وعناوينهم.
روى البخاري(1) . في صحيحه في كتاب الشهادات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه ص أحدث الأخبار بالله تقرأونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بد لوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم .
وفي هذا المعنى روى الإمام أحمد عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله. قال عبد الله بن ثابت: ألا ترى ما بوجه رسول الله؟ فقال عمر : رضينا بالله لله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظ كم من النبيين )(2) .
وسنشرع الآن في الكلام عن الماركسية (موضوعنا).
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الأول
الجو العام الذي نبتت فيه الماركسية
اعتاد الناس أن يطلقوا لفظ الشيوعية على مذهب ماركس في حالة التطبيق، لأنه يزعم أن مذهبه ينتهي الى إباحة كل شيء على الشيوع أو بالمشاع، ولكن أصحاب المذاهب جميعا يسمونه بالمادية التاريخية أو المادية الديالكتيكية( الثنائية الحواري)(3) (Dialectical Materilism) .
فكيف نشأت هذه الأفكار؟
لقد كان العقل الأوروبي يتقبل في القرن التاسع عشر كل ما فيه عداء للدين أو للتفكير الغيبي، لأنه خاض معركة مريرة شرسة لتحطيم قيد الكنيسة الجبار.
ولقد ورث العقل الأوروبي من الحضارة الأوروبية عداء الآلهة للانسان وأسطورة بروميثوس (إله الصناعة والعلم) الذي أعطى العلم للانسان، فغضب عليه كبير الآلهة زيوس أو جوبيتر، وطرده من حضرة الآلهة ، وربطه إلى قيد وثيق في أحد الجبال; تنهش الطيور كبده ولحمه نهارا ويعيده ليلا ليتلقى عذابه في اليوم التالي. هذه الأسطورة، أصبحت المحرك للعقل الأوروبي، والمحور الذي تدور حوله القصص والمسرحيات والتمثيليات الأوروبية; التي تقف بجانب الإنسان المظلوم في صراعه ضد الآلهة المتجبرة الغاشمة!!
وقد جاءت الكنيسة في العصور الوسطى لتركز هذا المعنى (صراع العلم مع الدين!) فأنشأت محاكم التفتيش للعلماء والمفكرين ، وكتبت كتابا ملؤه الأساطير وسمته (الجغرافيا النصرانية)، ورمت كل من خالفه بالكفر وعاقبته فقتلت ثلاثمائة ألف من البشر وحرقت منهم (32) ألفا أحياء ومن بينهم برونو(4) سنة (1598م) لأنه قال بدوران الأرض ، وعذبت كوبرنيكس وجاليلو لأنهما ناديا بنفس الفكرة.
يقول ماركس(5) في أطروحته التي كتبها سنة (1841م): (ان الفلسفة تتبنى شعار (بروميثوس)، أنا ضد كل الآلهة، فعمم هذا الشعار على كل أرباب الأرض والسماء الذين ينكرون على الوعي البشري أن يكون الإله الأعلى، فهي تأبى أن يكون له منافس).
هذه العقلية الأوروبية كانت تبحث عن بديل لإله الكنيسة الذي تركته وهربت منه لتسد الفراغ الكبير في حياتها، فماذا صنعت؟ لقد طرحت العقل إلها بديلا عن إله الكنيسة عن طريق المدرسة العقلية المثالية بشقيها :
أ. الشق الذي يؤمن بإله مع اضطراب في التصور ويقود هذا الجناح (هيجل)، فهيجل يعتقد بوجود اله لكنه يرى أن الإله هو العقل الكبير أو المطلق، وإن كان يقول: (إن الأديان المختلفة ليست إلا مراتب مختلفة لنمو الفكر البشري وجلود ثعابين قشرها الإنسان عن نفسه)(6).
ب. الشق الإلحادي الذي ينكر الإله بالمرة وزعيمه (فشتة) ، ثم طرحت العقلية الأوروبية الطبيعة إلها عن طريق مدرسة أوغست كومت (المدرسة الحسية الوضعية) أي : لا إيمانا لا بالمحسوس، وقد كان كومت يرى أن الفكر البشري لدى الفرد والنوع على السواء يمر بثلاث حالات(7) :
1- اللاهوتية التي ترد تفسير الأحداث إلى الله.
2- الميتافيزيقية التي تفسر الأحداث لقوى وراء الطبيعة دون ذكر الله.
3- المرحلة الوضعية التي تفسر الأحداث بقوانين طبيعي ة حسي ة ولا تؤمن إلا بالمحسوس.
ووافق الفكر الأوروبي على قول كومت مع إدراكه أن الطبيعة حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرا له ، يقول سيسل( الأمريكي: (إن الطبيعة لا تفسر شيئا من الكون وإنما هي بحاجة إلى تفسير). لقد نادى فيرباخ (تلميذ كومت) بحلول الإنسان محل الله، وطالب أن تصبح الإنسانية هي المعبود الأكبر، وقال فيرباخ: الله فكرتي الأولى، ثم العقل فكرتي الثانية ثم الإنسان بواقعيته فكرتي الثالثة والأخيرة (9) . وصاح نيتشه أثناء تخبطات صرعه بموت الإله ونشوء الإنسان السوبرمان -هكذا تكلم زرادشت-.
ولكنها كلها صرخات المذعورين الفار ين من الكنيسة، وصيحات الفزعين من شبحها الذي يطاردهم ويقض مضجعهم ويقلق راحتهم ويهدد وجودهم.
ولذا لم يكن الإلحاد في أوروبا طبيعيا إنما كان ردا على موقف الكنيسة وأخطائها وشناعة تصرفاتها إزاء الإنسان في أوروبا، وموقفها المؤسف الأليم تجاه العلماء والتجارب البشرية الإنسانية.
في هذا الجو نشأ ماركس الذي جاء متأثرا بهذه الآراء لينكر الإله، ويحشر البشرية في جحر الإقتصاد وليقول : إن تاريخ العالم هو تاريخ البحث عن الطعام ليدم ر بقية الكيان الإنساني المتماسك .
يرى الأستاذ محمد البهي(10) : إن صراع الدين والعقل والحس، مر في أوروبا بأربعة أدوار على الترتيب :
1- سيادة النص، أي: المذهب الكاثوليكي الذي يمثله بولس ثم قسطنطين الإمبراطور.
2- سيادة العقل (المدرسة العقلية المثالية) ومن قو ادها: هيجل ونيتشة.
3- سيادة الحس (المدرسة الحسية الوضعية) ورائدها كومت(11) .
4- المدرسة المادية الدياليكتيكية، وفيلسوفها ماركس وإنجلز.
لقد كان الجو الذي نشأت فيه الماركسية مشحونا بالعداوة للغيب، مطبوعا بطابع الكراهة للدين، كلما ذكر الله في هذا الجو قفز الى أذهانهم (وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة وعيون ترمي بالشرر وصدور ضيقة حرجة وعقول سخيفة بليدة لرجال الدين)(12) .ويقول الأستاذ محمد البهي: (ومن هذا يتضح أن صراع العقل مع الدين هو صراع الفكر الإنساني مع مسيحية الكنيسة، وان دوافع هذا الصراع هي الظروف التي أقامتها الكنيسة في الحياة الأوروبية)(13) .
ومن هنا ندرك أن الماركسية فرع لشجرة المادية التي غرست في أوروبا لخنق شجرة الكنيسة ثم اقتلاعها، أو أحد المسامير الكبيرة التي دقت في نعش الكنيسة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني
ماركس والماركسية
أ- المبحث الأول : لمحة عن ماركس :
ولد ماركس سنة (8181م) ومات سنة (3881م). كان أبوه في بداية حياته يهوديا اسمه (هرشل)، ثم تنصر وغير اسمه الى (هنريخ)، وقد أشار بعض المؤرخين أن تبديله لدينه كان حيلة اقتصادية ليستطيع كسب قوته في مجتمع نصراني، وقد أرجع بعضهم نظرة ماركس الى الدين (من أنه حيلة ووسيلة للعيش من خلال خداع الناس) إلى هذه الحادثة بالإضافة إلى الجو العام الأوروبي.
وماركس هو حفيد الحاخام (مردخاي ماركس) اليهودي، ولذا فان بعض علماء التاريخ يرى أن الماركسية هي تفسير يهودي للتاريخ، ورؤيا توراتية تلمودية للحياة والناس(14) .
لم يكن ماركس في بداية حياته ملحدا ، فقد قال: (ان خير الناس وأجدرهم بالتكريم من يعمل لخيرالناس والدين أساس الحياة الإنسانية، وهو نفسه يلقننا الخير والحكمة)(15) . نشأ ماركس فقيرا وعاش كل حياته فقيرا ، كانت زوجته (جيني) تصف فقره بأنهم لم يجدوا كفنا لإبنتهم عندما ماتت، وقد طردوا من المنزل لأنهم ليس معهم أجرته. كان ماركس يميل للدراسات النظرية والفلسفية ويكره العمل والوظيفة، وهذا سر فقره، ولذا فقد اضطر أن يعيش معظم حياته عالة على غيره لأنه بلاحرفة ولا مكتب ولا عمل منتظم. عاش أولا معتمدا على مال أبيه الفقير ولذا فقد كتب إليه أبوه مرة: (إنك أناني ت غل ب الأنانية على جميع صفاتك)، وعندما مات والده أرسل رسالة إلى أمه يطالب بنصيبه من الإرث دون كلمة تعزية واحدة، وأنفق نصيبه ثم عاد يعيش على مال أمه وإخوته، كتبت إليه أمه: (إنه لا ينتظر بداهة أن تعيش طفيليا إلى الأبد، إنك الآن في الرابعة والعشرين فاعتمد على نفسك). وقد اضطره نفوره من العمل إلى اكتساب المال بأية وسيلة ولو بالإحتيال، فقد تعاقد مع أحد الناشرين (لسكي) لإخراج كتاب عن الإقتصاد، وقبض مبلغا مقدما ولم يف، وكذلك فعل مع (الهردنكر) الإشتراكي إذ تعاقد معه على إخراج كتاب وأخذ مقدما مبلغا من المال ولم يخرجه. وقد باع كتابه (رأس المال) إلى دارين للنشر في وقت واحد، يكتب إليه تلميذه وصديقه الحميم (فردرك إنجلز): (إنك جامد العاطفة أناني ناقص المروءة والشعور).
وكان ماركس تلميذا (لموسى هيس) اليهودي صاحب كتاب (من روما إلى القدس)(16) ولقد تأثر به ماركس وقال(17) : (لقد اتخذت هذا العبقري (هيس) لي مثالا وقدوة، لما يتحلى به من دقة التفكير، واتفاق آرائه مع عقيدتي وما أؤمن به أنه رجل نضالي ومفكر وسلوك)(18) .
وفي سنة (1848م) أخرج ماركس البيان الشيوعي، وفي سنة (1867م) وضع كتابه رأس المال بصورته النهائية(19) . يقول الماركسي (أوتورهل) صاحب كتاب (كارل ماركس) ويصف ماركس بأنه كان على الدوام متقلبا مبتئسا حقودا ، لا يزال في تصرفه عرضة لتأثير سوء الهضم وهياج الصفراء، وكان موسوسا يغلو كجميع الموسوسين في متاعه الجسدي.
ومن المعروف أن ابنتي ماركس ماتتا منتحرتين.
ب-المبحث الثاني : النظريةالماركسية :
إن الأصول الفكرية للنظرية الماركسية مستمدة من المدارس الفكرية التي مر ذكرها في الجو العام الذي مهد للماركسية، وخاصة مدرستي هيجل (العقلية المثالية) وكومت (الحسية الوضعية). وقد أخذ ماركس عن هيجل فكرة القضية ونقيضها ليطبقها على المجتمعات البشرية وتغيراتها.
فالله -عزوجل- عند هيجل: (العقل المطلق: وهو القضية أو الدعوى) ومن العقل المطلق صدر العقل المحدود (الطبيعة: مقابل القضية أو مقابل الدعوى) والطبيعة المتفرقة بكائناتها تحاول أن تكسب الوحدة لتكون أقرب الى (العقل المجرد) وهذا (جامع القضية ومقابل القضية أو جامع الدعوى ومقابل الدعوى).
وهذا العقل المجرد وسط بين (اطلاق العقل المطلق وتقييد عقل الطبيعة) أي أن الفكرة انتقلت من المطلق الى المقيد، ثم من المقيد الى الوسط(20) . أخذ ماركس هذه النظرية ليطبقها في ميدان الاقتصاد والمجتمعات: قال ماركس العقل موجود، ولكن المادة موجودة قبل العقل، والعقل مرآة تنعكس عليه صور المادة، وهو يريد أن يقول: مادامت المادة قبل العقل فلا وجود لخالق -سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا - بل يقول: الإله والدين والخلق والسياسة والفكر انعكاسات للمادة على مرآة العقل ) .
ويرى ماركس أن العباقرة السياسيين والمفكرين تنتجهم الظروف الإقتصادية على خلاف (فشته) الذي يرى أن التاريخ والحضارة يصنعها عظماء الرجال والسياسيون والمفكرون. وعلى هذا فان ماركس يرى: أن أي تغير في المادة والإقتصاد بالذات، يتبعه تغير في عالم النفس; لأنه ينعكس على العقل خلقا وسلوكا ودينا وسياسة. فالشعور النفسي وعالم الإنسان الفكري والوجداني إنما هو نتيجة لتغير آلة الإنتاج، لأن المادة في المستوى الإجتماعي تعبر عن نفسها في الإقتصاد. والعنصر الفعال في الحياة الإقتصادية، هو أسلوب الإنتاج (آلة الانتاج)(21) .
وقد حاول ماركس أن يستخدم نفس مصطلحات هيجل في التفسير التاريخي الذي اعتبره حتميا قطعيا فيما سماه (صراع الطبقات) :
1- ففي مجتمع الملوك القديم : الملوك وحاشيتهم: قضية (دعوى)، العبيد والفقراء: مقابل القضية (مقابل الدعوى). ومن خلال الصراع بين القضية ومقابل القضية; نشأ مجتمع جديد هو (جامع القضية ومقابل القضية) وهو المجتمع الاقطاعي.
2- في المجتمع الإقطاعي : الملاكون:قضية (دعوى)، الفلاحون والعبيد: مقابل قضية (مقابل دعوى).ومن خلال الكفاح بين الفريقين (الملاكين والفلاحين) نشأ مجتمع جديد من بقية الطرفين هو: المجتمع الرأسمالى (القضية ومقابل القضية).
3- في المجتمع الرأسمالي : البرجوازيون (أصحاب المصانع): قضية (دعوى)، البروليتاريا (العمال): مقابل القضية (مقابل الدعوى).
ومن خلال الصراع ينتقل المال من البرجوازيين إلى العمال ثم إلى الدولة التي هي (جامع القضية ومقابل القضية)، وهذا هو المجتمع الشيوعي.
وهنا يتوقف قانون النقيض -كما يرى ماركس- لزوال الملكية التي هي محور الصراع وزوال الطبقات التي تتصارع عليها.
ويمكن تلخيص نظرية ماركس هذه : (كل مجتمع يحتوي نقيضه الذي يسقطه ويقوم مقامه، وهذا المجتمع الجديد يحوي في طياته نقيضه الذي سيسقطه ويحل محله، وهكذا دواليك إلى أن يقوم المجتمع الشيوعي الذي لا يحوي نقيضا ، ولذلك فهو دائم مستمر أبدي).
ويرى ماركس أن كل مجتمع جديد خير من سابقه وأفضل; لأنه متقدم بالنسبة لسابقه،، وذلك لأن آلة الإنتاج الجديدة أفضل من سابقتها، فمجتمعها أفضل كذلك، وهذا هو البريق الخادع الذي يخطف به الشيوعيون أعين العمي من أتباعهم، ولذا نرى الشيوعيين يكثرون من الإضطرابات والفتن والثورة حيثما حلوا حتى يسقط المجتمع وينشأ مكانه مجتمع جديد تقدمي. ويضرب ماركس مثالا على تغير الأخلاق بتغير آلة الانتاج فيقول : في المجتمع القديم (مجتمع الصيد) كان الرجل هو الذي يحصل على المال، والمرأة لا تستطيع الصيد، فمكانتها كانت محتقرة اجتماعيا ، ثم جاء المجتمع الإقطاعي الذي أصبحت المرأة تشارك ولو مشاركة بسيطة في الأعمال الزراعية فارتفعت مكانتها، ولكن معظم الأعمال في هذا المجتمع تعتمد على عضلات الرجل، فحرم المرأة من استمتاعها بحريتها الجنسية فنشأت حرمة الزنا وعدم جواز تعدد الأزواج للمرأة الواحدة . أما عندما صار المجتمع رأسماليا واصبحت المرأة مستقلة اقتصاديا لأنها تستطيع إدارة الآلة كالرجل تماما مارست المرأة حريتها الجنسية، وأصبح الجنس مباحا ولم يعد محرما.
وهناك قانون آخر يعتمد عليه ماركس للثورة العمالية وهو (قانون الفائض: ربح الرأسمالي) فماركس يرى أن الفائض هو نتيجة عرق العمال ودمهم.
القانون: (قيمة الفائض: ربح الرأسمالي عمل العامل أو انتاجه -أجرة العامل) ويوما بعد يوم سيزداد العمال شقاء وفقرا وحاجة ويزداد الرأسمالي تضخما وانتفاخا ، فهو كالعلقة تمتص دماء العمال وتنتفخ على حسابهم، وسيصل شقاء العمال يوما ما الى درجة من البؤس والشظف لا تطاق، وعندها ستدفعهم الحاجة لتحطيم الحفنة البرجوازية التي تملك المال والجاه، وعندئذ يقوم المجتمع العمالي (الشيوعي). وعند انتصار الثورة العمالية لا بد من استعمال دكتاتورية البروليتاريا لتطهير المجتمع من البرجوازيين، وبعدها سيستقر (الأمر) للبروليتاريا وتزول الدولة طبيعيا إذ تصبح زيادة لا حاجة لها، ويدار المجتمع بلجان عمالية بلا بوليس ولا جيش ، ولن تتوقف الثورة العمالية عند حد حتى تحطم الإمبريالية والبرجوازية في كل مكان في العالم وتسود حكومة البروليتاريا العالم كله.
ويرى ماركس أن هذه حتمية تاريخية وجبرية لا مفر منها (صراع الطبقات)، وهذا سيؤدي حتما إلى قيام دولة العمال في العالم ثم الوصول إلى الشيوعية حيث يملك الشعب كل شيء، وكل شيء في المجتمع يصبح شائعا مباحا كالجماعات البدائية الأولى.
ويرى ماركس أنه من أجل انتصار البروليتاريا لا بد من : تأجيج نار الحقد وإثارة روح الإنتقام في قلوب العمال ضد الرأسماليين في كل مكان على وجه الأرض، وعليه فان الرحمة والبر والشفقة لا تناسب الثوري، ولا تتفق مع الشيوعي عند ماركس وتلاميذه(22) ، يقول ماركس(23) : (إنه لا مفر من أن يكون المحرومون من الإمتياز مستائين، ومن أن يكونوا أغلبية، وبذلك يكون عدم الإستقرار والثورات وحرب الطبقات وما سواهما، وليس الباعث على كل هذه العملية في النظام مبدأ من مبادىء العدالة، وإنما المبدأ السلبي المحض... مبدأ العداء).
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثالث
الثورة البلشفية
أ- المبحث الأول: اختيار روسيا للثورة :
اختارت اليهودية العالمية لينين ليكون المنفذ للثورة البلشفية، ولينين يهودي اسمه (حيام غولدمان). ولد في (10) إبريل سنة (1870م) من أب يهودي ألماني اسمه (ايلكوسرول غولدمان). وأمه يهودية اسمها (صوفيا غولدمان). وقد عرف لينين فيما بعد باسم (فلاديمير ايليتش أوليانوف). وقد أعدم أخوه (الكسندر أوليانوف) في تهمة اغتيال امبراطور روسيا سنة (1881م) (اسكندر الثاني)، وقد كان لإعدام أخيه أعمق الأثر في نفسه، مما جعله يفكر بالإنتقام لأخيه من الشعب الروسي.
نفي لينين أكثر من مرة، وأخيرا استقر به المقام في سويسرا مع سبعة من اليهود يخططون للثورة في روسيا، ويخرجون مجلة اسمها (إسكرا) أي (الشرارة)، وكانت زوجته اليهودية المتعصبة (تروبسكايا) هي سكرتيرة التحرير، وكانت الأموال تغدق عليهم من (جاكوب شيف) المليونير اليهودي صاحب شركة (كوهين لوب) في نيويورك، وكانت هذه الشركة إحدى الشركات الكبرى للبارون اليهودي (هيريش) فولاها (جاكوب شيف). ولعل الناظر في النظرية الشيوعية يدرك أنها مصممة لتنفذ في بريطانيا، ولكن الأمر قد تغير بعد إعلان البيان الشيوعي سنة (1848م).
لقد تسلل اليهود إلى المناصب الكبرى في بريطانيا، وحدث حادث جلل بالنسبة لليهود، فقد اغتالوا الإمبراطور الأسكندر الثاني سنة (1881م) فاندفع الشعب الروسي يعمل في اليهود تقتيلا وتشريدا ، وأقاموا لهم مجازر كثيرة فصمم اليهود على الإنتقام من الشعب الروسي، هذه نقطة مهمة في تحويل أنظار اليهود نحو روسيا لتكون محطة للإنقلاب الثوري البلشفي، بالإضافة إلى نقاط أخرى منها :
1- إن اليهود كان لهم دولة قرب بحر الخزر بين القرن التاسع والعاشر الميلادي، إلا أن روسيا حطمتها، وضمت قسما كبيرا من اليهود داخل أرضها، ولذا فالعداء قديم بين اليهود والروس، ومن الملاحظ أن (تسعة أعشار) اليهود في العالم اليوم من يهود الخزر، ولذا فقد طمس اليهود كلمة الخزر من الخرائط الجغرافية، وأبدلوها ببحر قزوين، عدا أنهم قد مسحوا لفظ خزر من المعاجم الأوروبية، حتى لا يفطن العالم إلى منشأهم، ولأجل أن يثبت اليهود للناس أنهم بنو إسرائيل ، وقد طردوا من أرض الميعاد في فلسطين ويحق لهم أن يعودوا إليها (24) .
2- لقد حطم اليهود الكاثوليكية بالثورة الفرنسية اليهودية سنة (1789م) فأرادوا تحطيم الأرثوذكسية في روسيا.
3- كثرة اليهود في روسيا، إذ أن عددهم عند الثورة حوالي سبعة ملايين (000ر649ر6) وخاصة في مدينة بطرسبيرغ (لينين جراد) التي كانت فوهة بركان الثورة.
4- مساحة روسيا الواسعة وثروتها المعدنية والزراعية.
5- فقر الشعب الروسي، مما يمكن شراء ضميره بالمال.
6- ظلم القيصرية وتحيرها ، وتسلط الأرثوذكسية وانحرافها ووقوفها تبرر ظلم القياصرة .
وقد رصد اليهود الأغنياء الخمسة وهم: ( شبسو وليفي وشيف ورون ومونيمر) ألف مليون دولار للثورة ، وأعدوا مليون يهودي وقودا للثورة (25) ، وفي سنة (1897م) عقد هرتزل مؤتمر بال للمنظمات الصهيونية العالمية، وكان التأكيد على إقامة الثورة البلشفية في روسيا، أحد بنود مقررات صهيون التي انبثقت عن هذا المؤتمر. وفي سنة (1905م) أقام يهود بطرسبيرغ ثورة على القيصر، ومع أن الثورة فشلت، إلا أنها اضطرت القيصر أن يعطي قسطا من الحرية للناس، وأن يعفو عن كثير من المنفيين والسجناء السياسيين الذين عادوا إلى روسيا ليخططوا لثورة قادمة ناجحة، ورفعت هذه الثورة تروتسكي، الذي أصبح أحد أركان الثورة البلشفية سنة (1917م).
ولقد أفادت الحرب العالمية الأولى الثورة، فقد كانت قوات القيصر المنظمة في الجيش مليونا ونصف المليون من الجنود المحترفين المدربين المخلصين للإمبراطور، بدأت هذه القوات تهلك إبان الحرب، فقد بلغت خسائر الإمبراطورية في الشهور العشر الأولى للحرب ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف، بمعدل ثلاثمائة ألف مقاتل يموتون للشهر الواحد (26) مما اضطر الإمبراطورية أن تجند ثمانية عشر مليون جلهم من الفلاحين الذين لا يعتمد عليهم سياسيا ، وكانوا فريسة سهلة للمشاغبين، أمثال (تروتسكي، ولينين وكامنيف، ويهود بطرسبيرغ) ، وهؤلاء الفلاحون كانوا عماد الثورة البلشفية فيما بعد ووقودها، ثم لقوا مصيرهم في جحيم البلشفية.
دخل لينين ومعه (224) ثائرا من ثوار البولشفيك، منهم (170) يهوديا . وكان تروتسكي ينتظره داخل حدود روسيا مع آلاف اليهود الفارين من الجيش الروسي، واعتمادا على التنظيمات الطلابية التي نظموها من قبل، وأقاموا الثورة البلشفية في (7) تشرين الأول أكتوبر سنة (1917م) وسقطت روسيا فريسة للبلشفية.
ووجه اليهود البيان التالي إلى رؤساء مقاطعات الإتحاد اليهودي الدولي : (أيها اليهود، لقد قربت ساعة انتصارنا التام، ونحن الآن- عشية اليوم - قد تسلمنا قيادة العالم، لقد استولينا على الحكم في روسيا، لقد كان الروس سادتنا فأصبحوا عبيدنا)(27) .
ب- المبحث الثاني : الثورة البلشفية واليهود :
الثورة البلشفية يهودية التفكير والتخطيط والتمويل والتنفيذ، ففيلسوفها ومفكرها هو ماركس، حفيد الحاخام اليهودي (مردخاي ماركس). وكذلك لينين، الذي حول كلمات ماركس إلى واقع وثورة، وأمد الحركة الشيوعية بمؤلفاته هو يهودي كذلك. جاء في قرار بني بيرث (أبناء العهد اليهودية) سنة (1939م) ما يلي(28) : (لقد نشرنا روح الثورية التحررية الكاذبة بين شعوب الغير، لإقناعهم بالتخلي عن أديانهم بل بالشعور بالخجل من الإعلان عن تعاليم هذه الأديان، ونجحنا في إقناع كثيرين بالإعلان جهارا عن إلحادهم الكلي وعدم الإيمان بخالق البتة، وأغويناهم بالتفاخر بكونهم أحفاد القرود -نظرية داروين-، ثم قدمنا لهم عقائد يستحيل عليهم سبر أغوارها الحقيقية; كالشيوعية والفوضوية التي تخدم مصالحنا وأهدافنا) .
أما التمويل فهو يهودي كما مر ، وكان (حي بروكلن) الحي الشرقي من نيويورك مسرحا للتخطيط للثورة، يتولاه (تروتسكي) ولا زال هذا الحي هو مركز التخطيط اليهودي العالمي لتدمير البشرية.
وقد صدر في الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود (29) :
1- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه قانونيا .
2- الإعتراف بحق اليهود في أنشاء وطن قومي في فلسطين.
يتحدث عن أضخم معول غرس في أعماق البشرية في العصر الحديث وهو (الشيوعية التي تتبنى الإلحاد). وعن الأصابع اليهودية اللئيمة التي صنعت هذه الفكرة الخبيثة، وعن الأحزاب الشيوعية العربية الناعقة. (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) والأسباب التي أدت إلى انتشارها وكيف أن الشيوعية بدأت تنهار نظريا وعمليا وأسباب انهيارها. كل ذلك ستجده واضحا بينا في هذا الكتاب راجين من الله تعالى التوفيق والسداد.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الإهداء
إلى الذين يريدون معرفة الحق، وفتح أبصارهم على النور وينشدون إنقاذ أنفسهم من أن يكونوا فرائس سهلة مستساغة بين أنياب الذئاب ومخالب الوحوش.أقدم هذا البحث المتواضع ضارعا إلى الله -عزوجل- أن يتقبل منا، وأن يجعله في ميزاننا يوم القيامة، وأن يكون خالصا لوجهه، وأن ينفعنا وينفع بنا.(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).
العبد الفقير إلى الله
عبد الله عزام
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
تمهيد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله، إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) ، (يونس: 81-82) .
إنه الناموس الإلهي الذي يجري على كل قانون يصادمه فيدفعه ويبطله.
إنه القانون الرباني الذي يزهق كل باطل ويدمغ كل زيغ. إن مشيئة الله اقتضت أن تحبط كل ضلال، وتجتث كل خبيث.
إن الفطرة البشرية قد صبغت بحيث لا تتناسب إلا مع مبادىء من عند ربها، وإن البنية الانسانية قد فطرت بحيث لا تتناسق إلا مع قيم من عند بارئها.
ولذا فقد فشلت كل الأنظمة البشرية في تحقيق سعادة الإنسان، ولقد خابت كل المحاولات لإنقاذ الإنسان من شقائه عن غير طريق الله وبعيدا عن منهاجه، لقد هرب الأوروبي من ظلم الكنيسة وجحد إلهه، ظانا أنه يجد السعادة في الفردية المطلقة برأسماليتها وديمقراطيتها، فازداد شقاء ويأسا وقلقا فاتجه إلى الجماعية المطلقة باشتراكيتها فوقع بين براثن وحش أشد فتكا وأكثر تمزيقا .
لقد سقطت الحضارة الغربية بشقيها -الرأسمالي الغربي النفعي، والشيوعي الإلحادي الشرقي-.
لقد هرعت البشرية المنكودة الحائرة على حداء (جون لوك، وستيوارت ميل وفولتير وروسو) ظانين في صرخاتهم النجاة، فما سعدوا وما اطمأنوا.
ثم مشت البشرية وراء (ماركس ولينين وتروتسكي وستالين)، فزاد نكدها وخاب فألها وتمزقت نفسيتها.
سقطت الأنظمة كلها، فشلت المناهج جميعها، خابت التجارب بأكملها، لم يبق إلا نظام الله الذي يستطيع مخاطبة الإنسان بكينونته وكليته، بجسده وروحه، وأعصابه ومشاعره، وعقله وقلبه، وصدق الله العظيم : (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، (الملك:41 ) .
ومن أجل هذا فقد حظر رب العزة على المسلمين التلقي إلا منه -عزوجل- ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحذر من سؤال الكافرين وأهل الكتاب، وقصر تربية الجيل المبارك من الصحابة على النبع الصافي من الكتاب والسنة. فقد قال رب العزة : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). (آل عمران: 100-104).
فهذه الآيات ترسم طريق النجاة في الدنيا والآخرة، وهي خير عنوان يصلح لمن أراد أن يكتب عن الأفكار التي سادت الأرض ومزقتها وعانت منها البشرية ما عانت شقاء وضياعا ونكدا وتمزقا وتمرغا في الوحل وهبوطا في الحياة والقيم والإهتمامات.
هذه الآيات تبين للأمة المسلمة أنها جاءت بقدر من الله لدورها المحدد وهو قيادة البشرية والأخذ بزمامها نحو الأفق العالي والقمة السامقة.
والأمة الرائدة القائدة لا بد لها من هاد على الطريق وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بد لها من دليل وخارطة وهو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهما العصمة والنجاة، وهما النور إذا ادلهم الظلام والمعلم المبين إذا اضطربت الأمور وحارت الأفئدة.
والأمة القائدة ليس لها أن تتخلى عن دورها القيادي الإنقاذي، وما كان لها أن تنبذ كتاب الله وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم وراء ظهورها وترجع إلى ذيل القافلة تقم أقذار البشرية وتلم أوضارها وأوساخها، وتجمع منها منهجا لحياتها ودستورا لأخلاقها وموجها لعقولها ونظامها، تحكمه في دمائها وأموالها وأعراضها فتضيع وتضيع وتتيه وتتيه. (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، بل الله مولاكم وهو خير الناصرين). (آل عمران: 149-150).
وطاعة أهل الكتاب والكفار إلى جانب أنها تخل بمركز القيادة في الأرض فهي تنم عن الهزيمة الداخلية، وتشي عن الخواء الروحي والفراغ الهائل الرهيب الذي يعاني منه من يحمل ألقاب المسلمين وعناوينهم.
روى البخاري(1) . في صحيحه في كتاب الشهادات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه ص أحدث الأخبار بالله تقرأونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بد لوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم .
وفي هذا المعنى روى الإمام أحمد عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله. قال عبد الله بن ثابت: ألا ترى ما بوجه رسول الله؟ فقال عمر : رضينا بالله لله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظ كم من النبيين )(2) .
وسنشرع الآن في الكلام عن الماركسية (موضوعنا).
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الأول
الجو العام الذي نبتت فيه الماركسية
اعتاد الناس أن يطلقوا لفظ الشيوعية على مذهب ماركس في حالة التطبيق، لأنه يزعم أن مذهبه ينتهي الى إباحة كل شيء على الشيوع أو بالمشاع، ولكن أصحاب المذاهب جميعا يسمونه بالمادية التاريخية أو المادية الديالكتيكية( الثنائية الحواري)(3) (Dialectical Materilism) .
فكيف نشأت هذه الأفكار؟
لقد كان العقل الأوروبي يتقبل في القرن التاسع عشر كل ما فيه عداء للدين أو للتفكير الغيبي، لأنه خاض معركة مريرة شرسة لتحطيم قيد الكنيسة الجبار.
ولقد ورث العقل الأوروبي من الحضارة الأوروبية عداء الآلهة للانسان وأسطورة بروميثوس (إله الصناعة والعلم) الذي أعطى العلم للانسان، فغضب عليه كبير الآلهة زيوس أو جوبيتر، وطرده من حضرة الآلهة ، وربطه إلى قيد وثيق في أحد الجبال; تنهش الطيور كبده ولحمه نهارا ويعيده ليلا ليتلقى عذابه في اليوم التالي. هذه الأسطورة، أصبحت المحرك للعقل الأوروبي، والمحور الذي تدور حوله القصص والمسرحيات والتمثيليات الأوروبية; التي تقف بجانب الإنسان المظلوم في صراعه ضد الآلهة المتجبرة الغاشمة!!
وقد جاءت الكنيسة في العصور الوسطى لتركز هذا المعنى (صراع العلم مع الدين!) فأنشأت محاكم التفتيش للعلماء والمفكرين ، وكتبت كتابا ملؤه الأساطير وسمته (الجغرافيا النصرانية)، ورمت كل من خالفه بالكفر وعاقبته فقتلت ثلاثمائة ألف من البشر وحرقت منهم (32) ألفا أحياء ومن بينهم برونو(4) سنة (1598م) لأنه قال بدوران الأرض ، وعذبت كوبرنيكس وجاليلو لأنهما ناديا بنفس الفكرة.
يقول ماركس(5) في أطروحته التي كتبها سنة (1841م): (ان الفلسفة تتبنى شعار (بروميثوس)، أنا ضد كل الآلهة، فعمم هذا الشعار على كل أرباب الأرض والسماء الذين ينكرون على الوعي البشري أن يكون الإله الأعلى، فهي تأبى أن يكون له منافس).
هذه العقلية الأوروبية كانت تبحث عن بديل لإله الكنيسة الذي تركته وهربت منه لتسد الفراغ الكبير في حياتها، فماذا صنعت؟ لقد طرحت العقل إلها بديلا عن إله الكنيسة عن طريق المدرسة العقلية المثالية بشقيها :
أ. الشق الذي يؤمن بإله مع اضطراب في التصور ويقود هذا الجناح (هيجل)، فهيجل يعتقد بوجود اله لكنه يرى أن الإله هو العقل الكبير أو المطلق، وإن كان يقول: (إن الأديان المختلفة ليست إلا مراتب مختلفة لنمو الفكر البشري وجلود ثعابين قشرها الإنسان عن نفسه)(6).
ب. الشق الإلحادي الذي ينكر الإله بالمرة وزعيمه (فشتة) ، ثم طرحت العقلية الأوروبية الطبيعة إلها عن طريق مدرسة أوغست كومت (المدرسة الحسية الوضعية) أي : لا إيمانا لا بالمحسوس، وقد كان كومت يرى أن الفكر البشري لدى الفرد والنوع على السواء يمر بثلاث حالات(7) :
1- اللاهوتية التي ترد تفسير الأحداث إلى الله.
2- الميتافيزيقية التي تفسر الأحداث لقوى وراء الطبيعة دون ذكر الله.
3- المرحلة الوضعية التي تفسر الأحداث بقوانين طبيعي ة حسي ة ولا تؤمن إلا بالمحسوس.
ووافق الفكر الأوروبي على قول كومت مع إدراكه أن الطبيعة حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرا له ، يقول سيسل( الأمريكي: (إن الطبيعة لا تفسر شيئا من الكون وإنما هي بحاجة إلى تفسير). لقد نادى فيرباخ (تلميذ كومت) بحلول الإنسان محل الله، وطالب أن تصبح الإنسانية هي المعبود الأكبر، وقال فيرباخ: الله فكرتي الأولى، ثم العقل فكرتي الثانية ثم الإنسان بواقعيته فكرتي الثالثة والأخيرة (9) . وصاح نيتشه أثناء تخبطات صرعه بموت الإله ونشوء الإنسان السوبرمان -هكذا تكلم زرادشت-.
ولكنها كلها صرخات المذعورين الفار ين من الكنيسة، وصيحات الفزعين من شبحها الذي يطاردهم ويقض مضجعهم ويقلق راحتهم ويهدد وجودهم.
ولذا لم يكن الإلحاد في أوروبا طبيعيا إنما كان ردا على موقف الكنيسة وأخطائها وشناعة تصرفاتها إزاء الإنسان في أوروبا، وموقفها المؤسف الأليم تجاه العلماء والتجارب البشرية الإنسانية.
في هذا الجو نشأ ماركس الذي جاء متأثرا بهذه الآراء لينكر الإله، ويحشر البشرية في جحر الإقتصاد وليقول : إن تاريخ العالم هو تاريخ البحث عن الطعام ليدم ر بقية الكيان الإنساني المتماسك .
يرى الأستاذ محمد البهي(10) : إن صراع الدين والعقل والحس، مر في أوروبا بأربعة أدوار على الترتيب :
1- سيادة النص، أي: المذهب الكاثوليكي الذي يمثله بولس ثم قسطنطين الإمبراطور.
2- سيادة العقل (المدرسة العقلية المثالية) ومن قو ادها: هيجل ونيتشة.
3- سيادة الحس (المدرسة الحسية الوضعية) ورائدها كومت(11) .
4- المدرسة المادية الدياليكتيكية، وفيلسوفها ماركس وإنجلز.
لقد كان الجو الذي نشأت فيه الماركسية مشحونا بالعداوة للغيب، مطبوعا بطابع الكراهة للدين، كلما ذكر الله في هذا الجو قفز الى أذهانهم (وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة وعيون ترمي بالشرر وصدور ضيقة حرجة وعقول سخيفة بليدة لرجال الدين)(12) .ويقول الأستاذ محمد البهي: (ومن هذا يتضح أن صراع العقل مع الدين هو صراع الفكر الإنساني مع مسيحية الكنيسة، وان دوافع هذا الصراع هي الظروف التي أقامتها الكنيسة في الحياة الأوروبية)(13) .
ومن هنا ندرك أن الماركسية فرع لشجرة المادية التي غرست في أوروبا لخنق شجرة الكنيسة ثم اقتلاعها، أو أحد المسامير الكبيرة التي دقت في نعش الكنيسة.
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني
ماركس والماركسية
أ- المبحث الأول : لمحة عن ماركس :
ولد ماركس سنة (8181م) ومات سنة (3881م). كان أبوه في بداية حياته يهوديا اسمه (هرشل)، ثم تنصر وغير اسمه الى (هنريخ)، وقد أشار بعض المؤرخين أن تبديله لدينه كان حيلة اقتصادية ليستطيع كسب قوته في مجتمع نصراني، وقد أرجع بعضهم نظرة ماركس الى الدين (من أنه حيلة ووسيلة للعيش من خلال خداع الناس) إلى هذه الحادثة بالإضافة إلى الجو العام الأوروبي.
وماركس هو حفيد الحاخام (مردخاي ماركس) اليهودي، ولذا فان بعض علماء التاريخ يرى أن الماركسية هي تفسير يهودي للتاريخ، ورؤيا توراتية تلمودية للحياة والناس(14) .
لم يكن ماركس في بداية حياته ملحدا ، فقد قال: (ان خير الناس وأجدرهم بالتكريم من يعمل لخيرالناس والدين أساس الحياة الإنسانية، وهو نفسه يلقننا الخير والحكمة)(15) . نشأ ماركس فقيرا وعاش كل حياته فقيرا ، كانت زوجته (جيني) تصف فقره بأنهم لم يجدوا كفنا لإبنتهم عندما ماتت، وقد طردوا من المنزل لأنهم ليس معهم أجرته. كان ماركس يميل للدراسات النظرية والفلسفية ويكره العمل والوظيفة، وهذا سر فقره، ولذا فقد اضطر أن يعيش معظم حياته عالة على غيره لأنه بلاحرفة ولا مكتب ولا عمل منتظم. عاش أولا معتمدا على مال أبيه الفقير ولذا فقد كتب إليه أبوه مرة: (إنك أناني ت غل ب الأنانية على جميع صفاتك)، وعندما مات والده أرسل رسالة إلى أمه يطالب بنصيبه من الإرث دون كلمة تعزية واحدة، وأنفق نصيبه ثم عاد يعيش على مال أمه وإخوته، كتبت إليه أمه: (إنه لا ينتظر بداهة أن تعيش طفيليا إلى الأبد، إنك الآن في الرابعة والعشرين فاعتمد على نفسك). وقد اضطره نفوره من العمل إلى اكتساب المال بأية وسيلة ولو بالإحتيال، فقد تعاقد مع أحد الناشرين (لسكي) لإخراج كتاب عن الإقتصاد، وقبض مبلغا مقدما ولم يف، وكذلك فعل مع (الهردنكر) الإشتراكي إذ تعاقد معه على إخراج كتاب وأخذ مقدما مبلغا من المال ولم يخرجه. وقد باع كتابه (رأس المال) إلى دارين للنشر في وقت واحد، يكتب إليه تلميذه وصديقه الحميم (فردرك إنجلز): (إنك جامد العاطفة أناني ناقص المروءة والشعور).
وكان ماركس تلميذا (لموسى هيس) اليهودي صاحب كتاب (من روما إلى القدس)(16) ولقد تأثر به ماركس وقال(17) : (لقد اتخذت هذا العبقري (هيس) لي مثالا وقدوة، لما يتحلى به من دقة التفكير، واتفاق آرائه مع عقيدتي وما أؤمن به أنه رجل نضالي ومفكر وسلوك)(18) .
وفي سنة (1848م) أخرج ماركس البيان الشيوعي، وفي سنة (1867م) وضع كتابه رأس المال بصورته النهائية(19) . يقول الماركسي (أوتورهل) صاحب كتاب (كارل ماركس) ويصف ماركس بأنه كان على الدوام متقلبا مبتئسا حقودا ، لا يزال في تصرفه عرضة لتأثير سوء الهضم وهياج الصفراء، وكان موسوسا يغلو كجميع الموسوسين في متاعه الجسدي.
ومن المعروف أن ابنتي ماركس ماتتا منتحرتين.
ب-المبحث الثاني : النظريةالماركسية :
إن الأصول الفكرية للنظرية الماركسية مستمدة من المدارس الفكرية التي مر ذكرها في الجو العام الذي مهد للماركسية، وخاصة مدرستي هيجل (العقلية المثالية) وكومت (الحسية الوضعية). وقد أخذ ماركس عن هيجل فكرة القضية ونقيضها ليطبقها على المجتمعات البشرية وتغيراتها.
فالله -عزوجل- عند هيجل: (العقل المطلق: وهو القضية أو الدعوى) ومن العقل المطلق صدر العقل المحدود (الطبيعة: مقابل القضية أو مقابل الدعوى) والطبيعة المتفرقة بكائناتها تحاول أن تكسب الوحدة لتكون أقرب الى (العقل المجرد) وهذا (جامع القضية ومقابل القضية أو جامع الدعوى ومقابل الدعوى).
وهذا العقل المجرد وسط بين (اطلاق العقل المطلق وتقييد عقل الطبيعة) أي أن الفكرة انتقلت من المطلق الى المقيد، ثم من المقيد الى الوسط(20) . أخذ ماركس هذه النظرية ليطبقها في ميدان الاقتصاد والمجتمعات: قال ماركس العقل موجود، ولكن المادة موجودة قبل العقل، والعقل مرآة تنعكس عليه صور المادة، وهو يريد أن يقول: مادامت المادة قبل العقل فلا وجود لخالق -سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا - بل يقول: الإله والدين والخلق والسياسة والفكر انعكاسات للمادة على مرآة العقل ) .
ويرى ماركس أن العباقرة السياسيين والمفكرين تنتجهم الظروف الإقتصادية على خلاف (فشته) الذي يرى أن التاريخ والحضارة يصنعها عظماء الرجال والسياسيون والمفكرون. وعلى هذا فان ماركس يرى: أن أي تغير في المادة والإقتصاد بالذات، يتبعه تغير في عالم النفس; لأنه ينعكس على العقل خلقا وسلوكا ودينا وسياسة. فالشعور النفسي وعالم الإنسان الفكري والوجداني إنما هو نتيجة لتغير آلة الإنتاج، لأن المادة في المستوى الإجتماعي تعبر عن نفسها في الإقتصاد. والعنصر الفعال في الحياة الإقتصادية، هو أسلوب الإنتاج (آلة الانتاج)(21) .
وقد حاول ماركس أن يستخدم نفس مصطلحات هيجل في التفسير التاريخي الذي اعتبره حتميا قطعيا فيما سماه (صراع الطبقات) :
1- ففي مجتمع الملوك القديم : الملوك وحاشيتهم: قضية (دعوى)، العبيد والفقراء: مقابل القضية (مقابل الدعوى). ومن خلال الصراع بين القضية ومقابل القضية; نشأ مجتمع جديد هو (جامع القضية ومقابل القضية) وهو المجتمع الاقطاعي.
2- في المجتمع الإقطاعي : الملاكون:قضية (دعوى)، الفلاحون والعبيد: مقابل قضية (مقابل دعوى).ومن خلال الكفاح بين الفريقين (الملاكين والفلاحين) نشأ مجتمع جديد من بقية الطرفين هو: المجتمع الرأسمالى (القضية ومقابل القضية).
3- في المجتمع الرأسمالي : البرجوازيون (أصحاب المصانع): قضية (دعوى)، البروليتاريا (العمال): مقابل القضية (مقابل الدعوى).
ومن خلال الصراع ينتقل المال من البرجوازيين إلى العمال ثم إلى الدولة التي هي (جامع القضية ومقابل القضية)، وهذا هو المجتمع الشيوعي.
وهنا يتوقف قانون النقيض -كما يرى ماركس- لزوال الملكية التي هي محور الصراع وزوال الطبقات التي تتصارع عليها.
ويمكن تلخيص نظرية ماركس هذه : (كل مجتمع يحتوي نقيضه الذي يسقطه ويقوم مقامه، وهذا المجتمع الجديد يحوي في طياته نقيضه الذي سيسقطه ويحل محله، وهكذا دواليك إلى أن يقوم المجتمع الشيوعي الذي لا يحوي نقيضا ، ولذلك فهو دائم مستمر أبدي).
ويرى ماركس أن كل مجتمع جديد خير من سابقه وأفضل; لأنه متقدم بالنسبة لسابقه،، وذلك لأن آلة الإنتاج الجديدة أفضل من سابقتها، فمجتمعها أفضل كذلك، وهذا هو البريق الخادع الذي يخطف به الشيوعيون أعين العمي من أتباعهم، ولذا نرى الشيوعيين يكثرون من الإضطرابات والفتن والثورة حيثما حلوا حتى يسقط المجتمع وينشأ مكانه مجتمع جديد تقدمي. ويضرب ماركس مثالا على تغير الأخلاق بتغير آلة الانتاج فيقول : في المجتمع القديم (مجتمع الصيد) كان الرجل هو الذي يحصل على المال، والمرأة لا تستطيع الصيد، فمكانتها كانت محتقرة اجتماعيا ، ثم جاء المجتمع الإقطاعي الذي أصبحت المرأة تشارك ولو مشاركة بسيطة في الأعمال الزراعية فارتفعت مكانتها، ولكن معظم الأعمال في هذا المجتمع تعتمد على عضلات الرجل، فحرم المرأة من استمتاعها بحريتها الجنسية فنشأت حرمة الزنا وعدم جواز تعدد الأزواج للمرأة الواحدة . أما عندما صار المجتمع رأسماليا واصبحت المرأة مستقلة اقتصاديا لأنها تستطيع إدارة الآلة كالرجل تماما مارست المرأة حريتها الجنسية، وأصبح الجنس مباحا ولم يعد محرما.
وهناك قانون آخر يعتمد عليه ماركس للثورة العمالية وهو (قانون الفائض: ربح الرأسمالي) فماركس يرى أن الفائض هو نتيجة عرق العمال ودمهم.
القانون: (قيمة الفائض: ربح الرأسمالي عمل العامل أو انتاجه -أجرة العامل) ويوما بعد يوم سيزداد العمال شقاء وفقرا وحاجة ويزداد الرأسمالي تضخما وانتفاخا ، فهو كالعلقة تمتص دماء العمال وتنتفخ على حسابهم، وسيصل شقاء العمال يوما ما الى درجة من البؤس والشظف لا تطاق، وعندها ستدفعهم الحاجة لتحطيم الحفنة البرجوازية التي تملك المال والجاه، وعندئذ يقوم المجتمع العمالي (الشيوعي). وعند انتصار الثورة العمالية لا بد من استعمال دكتاتورية البروليتاريا لتطهير المجتمع من البرجوازيين، وبعدها سيستقر (الأمر) للبروليتاريا وتزول الدولة طبيعيا إذ تصبح زيادة لا حاجة لها، ويدار المجتمع بلجان عمالية بلا بوليس ولا جيش ، ولن تتوقف الثورة العمالية عند حد حتى تحطم الإمبريالية والبرجوازية في كل مكان في العالم وتسود حكومة البروليتاريا العالم كله.
ويرى ماركس أن هذه حتمية تاريخية وجبرية لا مفر منها (صراع الطبقات)، وهذا سيؤدي حتما إلى قيام دولة العمال في العالم ثم الوصول إلى الشيوعية حيث يملك الشعب كل شيء، وكل شيء في المجتمع يصبح شائعا مباحا كالجماعات البدائية الأولى.
ويرى ماركس أنه من أجل انتصار البروليتاريا لا بد من : تأجيج نار الحقد وإثارة روح الإنتقام في قلوب العمال ضد الرأسماليين في كل مكان على وجه الأرض، وعليه فان الرحمة والبر والشفقة لا تناسب الثوري، ولا تتفق مع الشيوعي عند ماركس وتلاميذه(22) ، يقول ماركس(23) : (إنه لا مفر من أن يكون المحرومون من الإمتياز مستائين، ومن أن يكونوا أغلبية، وبذلك يكون عدم الإستقرار والثورات وحرب الطبقات وما سواهما، وليس الباعث على كل هذه العملية في النظام مبدأ من مبادىء العدالة، وإنما المبدأ السلبي المحض... مبدأ العداء).
الفهرس
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الثالث
الثورة البلشفية
أ- المبحث الأول: اختيار روسيا للثورة :
اختارت اليهودية العالمية لينين ليكون المنفذ للثورة البلشفية، ولينين يهودي اسمه (حيام غولدمان). ولد في (10) إبريل سنة (1870م) من أب يهودي ألماني اسمه (ايلكوسرول غولدمان). وأمه يهودية اسمها (صوفيا غولدمان). وقد عرف لينين فيما بعد باسم (فلاديمير ايليتش أوليانوف). وقد أعدم أخوه (الكسندر أوليانوف) في تهمة اغتيال امبراطور روسيا سنة (1881م) (اسكندر الثاني)، وقد كان لإعدام أخيه أعمق الأثر في نفسه، مما جعله يفكر بالإنتقام لأخيه من الشعب الروسي.
نفي لينين أكثر من مرة، وأخيرا استقر به المقام في سويسرا مع سبعة من اليهود يخططون للثورة في روسيا، ويخرجون مجلة اسمها (إسكرا) أي (الشرارة)، وكانت زوجته اليهودية المتعصبة (تروبسكايا) هي سكرتيرة التحرير، وكانت الأموال تغدق عليهم من (جاكوب شيف) المليونير اليهودي صاحب شركة (كوهين لوب) في نيويورك، وكانت هذه الشركة إحدى الشركات الكبرى للبارون اليهودي (هيريش) فولاها (جاكوب شيف). ولعل الناظر في النظرية الشيوعية يدرك أنها مصممة لتنفذ في بريطانيا، ولكن الأمر قد تغير بعد إعلان البيان الشيوعي سنة (1848م).
لقد تسلل اليهود إلى المناصب الكبرى في بريطانيا، وحدث حادث جلل بالنسبة لليهود، فقد اغتالوا الإمبراطور الأسكندر الثاني سنة (1881م) فاندفع الشعب الروسي يعمل في اليهود تقتيلا وتشريدا ، وأقاموا لهم مجازر كثيرة فصمم اليهود على الإنتقام من الشعب الروسي، هذه نقطة مهمة في تحويل أنظار اليهود نحو روسيا لتكون محطة للإنقلاب الثوري البلشفي، بالإضافة إلى نقاط أخرى منها :
1- إن اليهود كان لهم دولة قرب بحر الخزر بين القرن التاسع والعاشر الميلادي، إلا أن روسيا حطمتها، وضمت قسما كبيرا من اليهود داخل أرضها، ولذا فالعداء قديم بين اليهود والروس، ومن الملاحظ أن (تسعة أعشار) اليهود في العالم اليوم من يهود الخزر، ولذا فقد طمس اليهود كلمة الخزر من الخرائط الجغرافية، وأبدلوها ببحر قزوين، عدا أنهم قد مسحوا لفظ خزر من المعاجم الأوروبية، حتى لا يفطن العالم إلى منشأهم، ولأجل أن يثبت اليهود للناس أنهم بنو إسرائيل ، وقد طردوا من أرض الميعاد في فلسطين ويحق لهم أن يعودوا إليها (24) .
2- لقد حطم اليهود الكاثوليكية بالثورة الفرنسية اليهودية سنة (1789م) فأرادوا تحطيم الأرثوذكسية في روسيا.
3- كثرة اليهود في روسيا، إذ أن عددهم عند الثورة حوالي سبعة ملايين (000ر649ر6) وخاصة في مدينة بطرسبيرغ (لينين جراد) التي كانت فوهة بركان الثورة.
4- مساحة روسيا الواسعة وثروتها المعدنية والزراعية.
5- فقر الشعب الروسي، مما يمكن شراء ضميره بالمال.
6- ظلم القيصرية وتحيرها ، وتسلط الأرثوذكسية وانحرافها ووقوفها تبرر ظلم القياصرة .
وقد رصد اليهود الأغنياء الخمسة وهم: ( شبسو وليفي وشيف ورون ومونيمر) ألف مليون دولار للثورة ، وأعدوا مليون يهودي وقودا للثورة (25) ، وفي سنة (1897م) عقد هرتزل مؤتمر بال للمنظمات الصهيونية العالمية، وكان التأكيد على إقامة الثورة البلشفية في روسيا، أحد بنود مقررات صهيون التي انبثقت عن هذا المؤتمر. وفي سنة (1905م) أقام يهود بطرسبيرغ ثورة على القيصر، ومع أن الثورة فشلت، إلا أنها اضطرت القيصر أن يعطي قسطا من الحرية للناس، وأن يعفو عن كثير من المنفيين والسجناء السياسيين الذين عادوا إلى روسيا ليخططوا لثورة قادمة ناجحة، ورفعت هذه الثورة تروتسكي، الذي أصبح أحد أركان الثورة البلشفية سنة (1917م).
ولقد أفادت الحرب العالمية الأولى الثورة، فقد كانت قوات القيصر المنظمة في الجيش مليونا ونصف المليون من الجنود المحترفين المدربين المخلصين للإمبراطور، بدأت هذه القوات تهلك إبان الحرب، فقد بلغت خسائر الإمبراطورية في الشهور العشر الأولى للحرب ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف، بمعدل ثلاثمائة ألف مقاتل يموتون للشهر الواحد (26) مما اضطر الإمبراطورية أن تجند ثمانية عشر مليون جلهم من الفلاحين الذين لا يعتمد عليهم سياسيا ، وكانوا فريسة سهلة للمشاغبين، أمثال (تروتسكي، ولينين وكامنيف، ويهود بطرسبيرغ) ، وهؤلاء الفلاحون كانوا عماد الثورة البلشفية فيما بعد ووقودها، ثم لقوا مصيرهم في جحيم البلشفية.
دخل لينين ومعه (224) ثائرا من ثوار البولشفيك، منهم (170) يهوديا . وكان تروتسكي ينتظره داخل حدود روسيا مع آلاف اليهود الفارين من الجيش الروسي، واعتمادا على التنظيمات الطلابية التي نظموها من قبل، وأقاموا الثورة البلشفية في (7) تشرين الأول أكتوبر سنة (1917م) وسقطت روسيا فريسة للبلشفية.
ووجه اليهود البيان التالي إلى رؤساء مقاطعات الإتحاد اليهودي الدولي : (أيها اليهود، لقد قربت ساعة انتصارنا التام، ونحن الآن- عشية اليوم - قد تسلمنا قيادة العالم، لقد استولينا على الحكم في روسيا، لقد كان الروس سادتنا فأصبحوا عبيدنا)(27) .
ب- المبحث الثاني : الثورة البلشفية واليهود :
الثورة البلشفية يهودية التفكير والتخطيط والتمويل والتنفيذ، ففيلسوفها ومفكرها هو ماركس، حفيد الحاخام اليهودي (مردخاي ماركس). وكذلك لينين، الذي حول كلمات ماركس إلى واقع وثورة، وأمد الحركة الشيوعية بمؤلفاته هو يهودي كذلك. جاء في قرار بني بيرث (أبناء العهد اليهودية) سنة (1939م) ما يلي(28) : (لقد نشرنا روح الثورية التحررية الكاذبة بين شعوب الغير، لإقناعهم بالتخلي عن أديانهم بل بالشعور بالخجل من الإعلان عن تعاليم هذه الأديان، ونجحنا في إقناع كثيرين بالإعلان جهارا عن إلحادهم الكلي وعدم الإيمان بخالق البتة، وأغويناهم بالتفاخر بكونهم أحفاد القرود -نظرية داروين-، ثم قدمنا لهم عقائد يستحيل عليهم سبر أغوارها الحقيقية; كالشيوعية والفوضوية التي تخدم مصالحنا وأهدافنا) .
أما التمويل فهو يهودي كما مر ، وكان (حي بروكلن) الحي الشرقي من نيويورك مسرحا للتخطيط للثورة، يتولاه (تروتسكي) ولا زال هذا الحي هو مركز التخطيط اليهودي العالمي لتدمير البشرية.
وقد صدر في الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود (29) :
1- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه قانونيا .
2- الإعتراف بحق اليهود في أنشاء وطن قومي في فلسطين.