مقدمة
أيها الأخوة والأخوات، لقد خصصنا حلقة اليوم عن المسجد الأقصى، ذلك المسجد المبارك أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، مكانته الشرعية، أهميته الإسلامية، المسجد الأقصى بين الأصول الشرعية الدينية وحقائق التاريخ من جهة ومزاعم اليهود في الهيكل المزعوم، يحتفل اليهود هذه الأيام بمضي خمسين عاماً على قيام كيانهم الشاذ على الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج، فما هي المراحل التاريخية لهذا الصراع حول هذا المسجد المبارك وإلى أين انتهى وما هي الأخطار المحيطة بالمسجد، هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في لقاء المنتدى لهذا اليوم إن شاء الله تعالى، ويسعدنا أن يشاركنا هذه الليلة صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عكرمة صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى ومفتي الديار الفلسطينية.
المقدم
نبدأ مع الشيخ يوسف القرضاوي في نبذة يحدثنا عن مكانة المسجد الأقصى وما هي الأمور التي تميز هذا المسجد في شريعتنا وديننا؟
القرضاوي
يحلو لنا الحديث عن المسجد الأقصى وعن القدس الشريف في هذه الأيام التي يحتفل فيها بنو صهيون بمرور خمسين عاماً على تحقيق حلمهم وإقامة ديارهم على أنقاض أرضنا المغتصبة، في حين نحتفل نحن بالألم والأسى والحزن على ما أصاب أرضنا وكياننا وقدسنا وفلسطيننا الحبيبة، في هذه الأيام المُرة والحزينة لابد أن نتحدث عن القدس ونتحدث عن المسجد الأقصى حيث يحاول اليهود أن يبتلعوا القدس ابتلاعاً وأن يهودوها تهويداً جهاراً نهاراً، وأن يهدموا المسجد الأقصى بما يعملون تحته من حفريات لا ندري إلى متى وصلت وإلى متى تصل، المسجد الأقصى عندنا والقدس الشريف هي إحدى المقدسات عند الأمة الإسلامية، القدس والمسجد الأقصى هو أولاً القبلة الأولى للمسلمين، نحن نعلم أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة من البعثة أي قبل الهجرة بثلاث سنوات على القول الصحيح، وظل المسلمون ثلاث سنوات يصلون وقِبلتـهم بيت المقدس ثم بعد المدينة كانت القدس هي أيضاً القبلة لمدة ستة عشر شهراً هذه المدة كلها كانت القدس هي قبلة الأمة الإسلامية وقبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أذن الله بتحويل القبلة ونزلت الآيات المعروفة في سورة البقرة (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) فهذه ذكرى وهناك معلم أثري يخلِّد هذه الذكرى في المدينة المنورة وهو المسجد الذي يسمى مسجد القبلتين، المسلمين كانوا يصلون فيه باتجاه المسجد الأقصى، وهم في أثناء الصلاة جاء الوحي الإلهي بتحويل القبلة إلى الكعبة (البيت الحرام) (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) المسجد الأقصى والقدس أيضاً هو مبتدأ الإسراء ومنتهى المعراج وهذا أمر سجله القرآن في سورة سميت بهذا الاسم سورة الإسراء، وتسمى أيضا سورة بني إسرائيل لما ذكر فيها من أخبار بني إسرائيل مباشرة بعد ذلك، فشاء الله أن يبتدأ الرسول من المسجد الحرام وينتهي إلى المسجد الأقصى ويعرج إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى من هذا المكان وكان من الممكن أن يعرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى السماء مباشرة ولكن هذا دلنا على أن المحطة القدسية مقصودة ليلتقي فيها بالأنبياء ويصلي بهم ويسجل ذكريات حبيبة وعزيزة عند المسلمين وسجل القرآن ذلك (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) والعجيب أن القرآن لم يصف المسجد بأنه المسجد الحرام مبتدأ الإسراء ولكنه حرص على أن يسجل هذا الوصف (المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وكأنه يريد أن يغرس هذا المعنى في نفوس المسلمين وأن يربط بين مبتدأ الإسراء منتهاه ليشعر المسلمين أن من فرَّط في المسجد الأقصى يوشك أن يفرط في المسجد الحرام، هذه قضية أخرى، كذلك المسجد الأقصى هو المسجد الثالث في الإسلام كما نعلم، نحن نعلم كما أشرت إلى الحديث المتفق عليه "لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى" والصلاة فيه بخمسمائة صلاة وجاء الفضل فيمن أسرج فيه سراجاً أو بعث إليه زيتاً ..الخ، أيضاً المسجد الأقصى والقدس وأرض فلسطين كلها هي أرض البركة وأرض النبوات، ظهرت فيها نبوات عدة ووصفها الله بالبركة في خمس آيات من كتابه منها قوله تعالى (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)، (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) ثم أقسم الله بها في قول عدد كبير من العلماء في قوله تعالى (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) لم يقصد التين والزيتون هذا الطعام، إنما المقصود أرض التين والزيتون وهي كما جاء عن ابن عباس وغيره هي أرض بيت المقدس، وأرض فلسطين فكأن الله تعالى أقسم بهذه المنابت الثلاثة التي نبتت فيها الرسالات والديانات ورسالة المسيح، (وطور سنين) حيث كانت رسالة موسى، (وهذا البلد الأمين) حيث كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أيضاً من مزايا هذه الأرض وهذا المسجد الأقصى أن الله جعلها أرض الرباط والجهاد، وجاء في ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد رواه في المسند ورواه الطبراني بإسناد رواته الثقات كما قال الهيثمي وهو حديث أبي أمامة الباهلي قال "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يغرهم من جابههم إلا ما أصابهم من أذى حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
قالوا: يا رسول الله وأين هم ـ هؤلاء الذين هم على الدين ظاهرون لعدوهم قاهرون وهم مرابطون ـ قال: "ببيت المقدس وأبناء بيت المقدس" فهذا يطمئننا والحمد لله أن هذه الأرض التي بارك الله فيها والتي ربطها بالمسجد الحرام وجعل فيها هذه المزايا وغيرها مما لا يتسع الوقت لحصرها ولعل هذه من أهم المزايا فهي أرض عزيزة على المسلمين ولا يمكن أن يفرط فيها المسلمون وهم مستعدون لبذل النفس والنفيس والغالي والرخيص في سبيل تحريرها وإبقاءها عربية إسلامية كما يحب الله تبارك وتعالى ويرضى.
المقدم
ننتقل الآن إلى مدينة القدس إلى فضيلة الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس ومفتي الديار الفلسطينية وإمام وخطيب المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ عكرمة .. نقلت إلينا الأخبار هذه الأيام أنه كانت هناك محاولة يوم الخميس لحرق باب من أبواب المسجد الأقصى فما هي حقيقة هذا الخبر، ثم لو تعطينا أيضاً لمحة عن الأخطار المحدقة بالمسجد على وجه الخصوص وأين وصل التآمر والتخطيط اليهودي لهدم المسجد؟
الشيخ عكرمة
لقد حصل حريق في إحدى البوابات الخارجية للمسجد الأقصى المبارك وهذه البوابة تعرف ببوابة "الغوانمة" وتقع في المنطقة الغربية الشمالية من سور المسجد الأقصى المبارك وكان ذلك مساء الأربعاء ليلة الخميس حوالي الساعة الثانية عشر أي في منتصف الليل، حيث سمع الحراس (حراس المسجد الأقصى) دوي صوت خلف هذه البوابة، وبعد لحظات لاحظوا النيران تلتهم جزءاً من هذه البوابة وتبين فيما بعد أن مواد سريعة الاشتعال قد دبت في هذه البوابة وتمكن الحراس مع جهاز الإطفاء التابع للمسجد الأقصى من إطفاء الحريق والسيطرة عليه، وهذا الحريق يمثل رسالة من سلطات الاحتلال الإسرائيلية بأنهم قادرون على إلحاق الأذى والضرر بالمسجد الأقصى المبارك، ويمثل هذا الحريق ناقوس خطر لجميع العرب والمسلمين بأن المسجد الأقصى في حقيقته هو في خطر.
المقدم
فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية النفق الذي تقوم إسرائيل بحفره تحت المسجد الأقصى إلى أين وصل؟
الشيخ عكرمة
الاعتداءات التي تمس حرمة المسجد الأقصى متنوعة ومتعددة، فبالنسبة إلى النفق فهناك أنفاق متعددة أساساً هي عبارة عن قنوات مياه موجودة أسفل الأقصى، وأسفل البلدة القديمة من القدس بشكل عام، كانت مقامة عبر التاريخ أيام العرب حينما كانوا يجمعون مياه الأمطار في الآبار، فالذي حصل أن النفق الذي حصلت حوله المشاكل والقضايا لا يزال قائماً بحراسة القوات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي ولا يستطيع أي مسلم أو عربي أو فلسطيني أن يدخله إلا بمراقبة وبإذن مسبق.
المقدم
إذن نستطيع أن نقول أن الأخطار منها خطر الهدم والحفر تحت أساسات المسجد والخطر الثاني الحرق وهذه المحاولة الأخيرة وهي بالطبع ليست الأولى.
الشيخ عكرمة
نعم هي ليست الأولى بالنسبة للحرق لأنه حصل أن تم حريق في عام 1969 حينما شمل الحريق منبر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه كما شمل بعض أجزاء من داخل المسجد فهذا العدوان مكرر ويأخذ صوراً متعددة ولابد من الإشارة إلى أن هناك أنفاق أخرى تحت الأقصى ولا يزال هناك حفر موجود تحت المسجد الأقصى وهذا ما نخشاه وهذا ما نحذر منه، لذا نقول أن المسجد الأقصى في خطر، هذا بالنسبة لمحاولات الاعتداء على الأقصى من حيث الحفر أو الحرق، ولكن هناك أمور أخطر من هذا أيضاً هو محاولات اليهود المتطرفين بإقامة الصلوات، إقامة الصلوات في ساحة الأقصى هذا الخطر الكبير وهناك محاولات متكررة ومتعددة إلا أن المصلين في المسجد الأقصى والمرابطين في بيت المقدس يتصدون بشكل مستمر لمثل هذه المحاولات ويحبطونها في مهدها لأن نجاح أي محاولة لا سمح الله يعتبرونه سابقة وفرض أمر واقع جديد ولا يمكن أن نسمح لليهود بأن يفرضوا أي أمر واقع في المسجد الأقصى المبارك مادام فينا نفس ومادام فينا روح ومادام فينا نبض في هذه الحياة.
المقدم
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي لاشك أن النظر إلى مراحل الصراع بين العرب والمسلمين واليهود مرت بمراحل كلها تقول أن الهزيمة والإخفاق في الجانب المسلم، هذا جعل صورة لليهود أنها قوة لا تُقهر، فكيف يمكن أن يُرَد على هذه المقولة والذي يحطم هذه المزاعم؟
القرضاوي
في الواقع أن اليهود ليسوا كما زعموا أنهم قوة لا تُقهر، وشوكة لا تُأسر، اليهود استفادوا من أمور كثيرة كانت في صالحنا، هم بدأوا مشروعهم هذا في غفلة من المسلمين ومن العالم العربي والعالم الإسلامي لم يحس الناس بهذا الخطر، في أول الأمر ما كان اليهود يركزون على فلسطين، هيرتز بنفسه قال كان هناك اقتراحات عدة، اقترح أن يأخذوا في إفريقيا موزمبيق أو الكونغو أو أوغندة، وأحياناً اقترحوا وطن قومي في الأرجنتين، واقترحوا في قبرص واقترحوا عدة أماكن، ولكن لم يتجاوب اليهود في العالم مع هيرتز فبدأ يغير خطته ووجد أن الشيء الذي يمكن أن يلهب العواطف ويجمع اليهود في العالم معه هو قضية فلسطين فبدأ يركز على فلسطين واقترح حكاية أرض الميعاد .. الخ، وسنعود إلى الدعاوى التي يدعيها اليهود، المهم في أول الأمر حاولوا أن يغشُّوا الدولة العثمانية في شخص سلطانها العظيم خليفة المسلمين في ذلك الوقت السلطان عبد الحميد، ولكن الرجل رفض بإباء وشمم، وعرضوا عليه ـ على طريقة اليهود ـ الملايين، 20 مليوناً من الليرات الذهبية بعضها لخزانة الدولة العثمانية وبعضها لخزانة السلطان الخاصة، الرجل رفض أن يسلم شبراً واحداً من فلسطين، لكنهم لم ييأسوا وعملوا على إسقاطه وخلعه، وبدأوا المعركة، المعركة بدأت بمستويات عدة، مستويات سياسية إعداد سياسي وإعداد عسكري وإعداد حلفاء وإعداد اجتماعي، وإقناع اليهود في أنحاء العالم بالهجرة، ونحن كما قلت كنا في غفلة إلى أن بدأ الصراع مع الفلسطينيين، أيام الانتداب البريطاني، والمسلمون وقفوا وكانوا يحاربوا قوتين، يحاربوا الانتداب للدولة التي كانت الدولة العظمى في العالم في ذلك الوقت والتي لا تغيب الشمس عن أملاكها والعصابات اليهودية المنظمة التي كانت تدعمها سلطات الانتداب وتعطيها الأسلحة وبعضهم دُرِّب في الجيش البريطاني أثناء الحرب وكان العرب يحرم عليهم أن يكون عندهم رصاصة واحدة، فمن ضُبِطت عنده رصاصة يُحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، ثم تطور الأمر بعد ذلك خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وانتهائها، وبدأ الصراع بقوة بين العرب وبين اليهود، ولم يكن عند العرب التنظيم الذي عند هؤلاء ولم يكن عندهم من الأسلحة، ومع هذا كانوا ينتصرون، ويحققون أشياء مهمة، ثم للأسف دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، وأوقفوا العمل التطوعي، لو أنهم أيدوا المتطوعين، فالمتطوعين كانوا ينتصرون على اليهود، وانتصروا فعلاً في معارك شتى وقال القائد البريطاني في ذلك الوقت: لو كان معي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم فلسطين. ودخلت الجيوش السبعة وكان أول الهزيمة أنهم وقعوا الهدنة الشهيرة بهدنة رودس مع اليهود، وهذه الهدنة أعطت اليهود فرصة لا نظير لها، لولا هذه الهدنة كان يمكن الانتصار على اليهود جاءتهم أسلحة من أنحاء العالم هائلة ومع هذا ليست إسرائيل هي القوة التي لا تقهر، كانوا يقولون ذلك حتى حدثت حرب العاشر من رمضان سنة 1393هـ، السادس من أكتوبر 1973م، ودخل الجيش المصري حينما جعل شعاره "الله أكبر" فقد كان شعاره في حرب 67 "بحر بر جو" ولكن لم ينتصر في بر ولا بحر ولا جو، ولكن حينما جعل شعاره "الله أكبر" ودخل الجنود الصائمون في رمضان دخلوا بهذه الروح، الروح المؤمنة استطاعوا أن يحققوا العبور، معركة العبور، وأن يقتحموا خط بارليف وأن يصلوا إلى القنطرة شرقاً وأن يرفعوا عليها العلم المصري حتى أن أحد الجنود أذن المغرب ولم يرض أن يفطر، قالوا له: افطر ولو حتى بتمرة قال: لا أفطر حتى أرفع العلم المصري على القنطرة، بهذه الروح نستطيع أن ننتصر إذا رفعنا شعار الإيمان، إذا قلنا: "يا خيل الله اركبي ويا ريح الجنة هُبي" نجمع الناس ونستطيع أن نجعل من الناس فرساناً، وصحابة جُدداً، يتخطون العقبات والمستحيلات، إسرائيل ليست هي القوة التي لا تُقهر، ممكن أن تُقهر وفي داخلها من أسباب التمزق ما يعرفه الدارسون، هناك اليهود العلمانيين، واليهود الدينيين، وهناك اليهود الغربيين، واليهود الشرقيين، وبين هؤلاء وهؤلاء كما قال الله تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).
مشاهد من العين (الإمارات)
سؤالي: تواجه القدس مخططات يهودية تستهدف القضاء على هويته الإسلامية، كيف نواجه هذه المخططات ونحمي القدس من التهويد من أجل أن تظل إسلامية إن شاء الله ويتحقق الحلم وتصبح القدس عاصمة لدولة فلسطين إن شاء الله وجزاكم الله خيراً.
الشيخ عكرمة
هذا السؤال دائماً يُطرح ومضمونه دائماً يُطرح في جميع محافل الاجتماعات، ماذا يمكن عمله من أجل منع تهويد مدينة القدس، نقول نحن في الداخل علينا واجب أن نقدم إمكاناتنا المتاحة وأن نحُول قدر الإمكان دون تنفيذ المخططات الصهيونية بشأن تهويد القدس وأن نُسمع صوتنا للعالم العربي والإسلامي وواجب العرب والمسلمين خارج فلسطين هو الإعداد لتحرير مدينة القدس من الاحتلال الإسرائيلي، هذا الهدف البعيد وهناك هدف قريب وهو دعم الثبات والصمود لأهل القدس في حياتهم المعيشية وفي تقديم الخدمات الحياتية في مجال التربية والتعليم والصحة والقضايا الاجتماعية ولابد من المحافظة على وجودنا بدعم المؤسسات القائمة في مدينة القدس لذا فالمسؤولية لا تقع فقط على المرابطين في هذه المدينة بل إن المسؤولية تقع أيضاً على جميع العرب والمسلمين خارج فلسطين.
مشاهد من أبو ظبي (الإمارات)
أفتى عدد من العلماء وللأسف بجواز الصلح مع اليهود فما مرجعية هذه الفتوى؟
القرضاوي
طبعاً هناك ما قالوا بهذا وأنا رددت على هؤلاء، كتبت أكثر من مقالة وأكثر من فتوى نشرتها الصحف هم استدلوا بقول الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) وأنا قلت إن اليهود لم يجنحوا إلى السلم أبداً، اليهود لازالوا محاربين، وما ذكره الشيخ عكرمة صبري حفظه الله يدل على أن اليهود ما جنحوا للسلم أبداً، الذين يريدون أن يهوِّدوا القدس ويريدون ابتلاعها ويقيمون المستوطنات من حولها في كل مكان، يزرعون المستعمرات هذه، كنا أيام زمان نسميها المستعمرات لا أدري لماذا جعلوها مستوطنات لأنها مستعمرات في حقيقة الأمر، والاستعمار اليهودي هو أشر أنواع الاستعمار، فهؤلاء ما جنحوا للسلم في الحقيقة هم يريدون هدم المسجد الأقصى، هم غاصبون ولم يكن لهم وجود في هذه الأرض، هؤلاء كلهم دخلاء، جاءوا من أوروبا الشرقية من جميع أنحاء العالم واغتصبوا أرضاً ليست لهم اغتصبوها بالحديد والنار والمجازر البشرية في مذابح دير ياسين وغيرها، من يعتبر هؤلاء قد جنحوا للسلم، لو شخص أتى وأخذ أرضك أو دارك واغتصبها وبعد أن احتلها قال لك يا أخي تعال نتصالح أنا أعطيك جزء تحت بير السلم أو مكان تعيش فيه أنت وعيالك، هذا يعتبر جانحاً للسلم، ما الذي يعطيه اليهود الآن ويقولون الأرض مقابل السلام، أرض من! أرضنا نحن، مقابل سلامهم، ومع هذا رضي القتيل ولم يرض القاتل، "رضينا بالغُلب والغُلب مش راضي فينا" كما يقولون، حتى اليهود يرفضون هذا السلام الذي يسمونه وهو سلام أعرج وسلام مريض وسقيم وهزيل نتنياهو يركل السلام بقدمه، كيف نقول أنهم جنحوا للسلم، ما جنح هؤلاء للسلم، ولا يمكن أن يجنحوا للسلم وهم غاصبون دخلاء يحتلون أرضاً ليست أرضهم، ويفرضون وجودهم بقوة السلاح وبمن يساندهم من القوى الغربية وخصوصاً قوة أمريكا، لولا العون الأمريكي والمال الأمريكي والسلاح الأمريكي والفيتو الأمريكي، ما بقيت إسرائيل إلى اليوم فأنا أرى أن الصلح مع إسرائيل بهذا المعنى وهو الاعتراف لهم بأن ما اغتصبوه أصبح حقاً لهم هذا لا يجوز، يمكن كما قال أخونا المجاهد الشيخ أحمد ياسين ممكن أن نقيم معهم هدنة أي من الممكن أن نوقف القتال مدة من الزمن لا مانع من هذا إنما الاعتراف وأن نعطيهم صكَّاً بأن هذه الأرض أصبحت حقاً لهم، هذا لا نُقرَّه، ومعنا قول الله تعالى (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتِرَكم أعمالكم).
الشيخ عكرمة (تعليق)
مع الإشارة إلى أن صدور بعض هذه الفتاوى كان خارج فلسطين ولم يكن في فلسطين لقد أحببت أن أوضح أن ذلك كان خارج فلسطين ولسنا في الصورة.
المقدم
نعود يا شيخ عكرمة إلى الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى ومزاعم ودعاوى اليهود في إقامة الهيكل المزعوم فما هي حقيقة هذا الهيكل وهل هناك سند ديني أو تاريخي لدى اليهود لإقامة الهيكل وما يقولون ويزعمون أن حائط البراق من بقايا الهيكل، ثم ما هي حقيقة خبر أمناء الهيكل والبقرة التي قالوا أنها ظهرت عندهم وما يعدونه الآن من الصخور لبناء الهيكل؟
الشيخ عكرمة
أولاً بالنسبة إلى حائط البراق أحب أن أؤكد أن حائط البراق هو جزء من سور المسجد الأقصى المبارك وهو وقف إسلامي وأن ملكيته تعود للمسلمين وحدهم وهذا مثبت عندنا في كتب الفقه وكتب السيرة النبوية أيضاً أما ما يزعمون بأنه هو المبكى فلا علاقة لحائط البراق باليهود ولا علاقة لليهود بحائط البراق وأن جميع المحافل الدولية قد أكدت بأن حائط البراق هو ملك للمسلمين، وما يقومون به من عبادة لطقوسهم فهو خارج السور في الموقع الذي يعرف بحارة المغاربة، أيضاً حارة المغاربة التي يتجمع فوقها اليهود الآن هي بالأصل وقف إسلامي أما فيما يزعم بالهيكل فالحقيقة أن المسجد الأقصى المبارك لا يوجد تحته أي أثر يدل على مزاعمهم، وأن اليهود أنفسهم غير متأكدين أين يقع الهيكل، إنهم يضعون احتمالات واحتمالات، ومنذ عام 67 وهم يحفرون حول الأقصى ويحفرون في البلدة القديمة ولم يجدوا أي أثر له، فهذه المدينة قد هدمت ما يزيد عن عشرين مرة نتيجة حروب ونتيجة عوامل طبيعية من زلازل وبراكين ولا يوجد ما يقال بأن لهم آثار، ثم إن الله عز وجل قد قرر بأن المسجد الأقصى هو المسجد الأقصى ولا يمكن أن يكون مكانه مكان عبادة لغير الديانة الإسلامية لأن الله عز وجل قد طلب منا نحن كبشر أن نحافظ على أماكن عبادة أصحاب الديانات الأخرى فليس من المعقول وقد تنـزه الله عن أن يطلب منا أن نعتدي على أماكن أصحاب الديانات الأخرى، فنحن نؤمن بعقيدة سماوية بأن المسجد الأقصى هو جزء من إيماننا وعقيدتنا وأن المسجد الأقصى لا يوجد أسفله أي أثر يدل على الهيكل وأن المسجد الأقصى هو ملك خاص بالمسلمين لا يشاركهم فيه أحد وأن المحاولات الآن في فرض أمر واقع في وضع يدهم على الأقصى هذا أمر مرفوض ولا يمكن أن نسلِّم به ولا يمكن أن نسمح لهم فيما يخططون من مخططات عدوانية جهنمية، فنحن نصد كل المحاولات وهناك خزعبلات يثيرونها بين الفينة والأخرى بالنسبة للبقرة الحمراء وأن البقرة التي قالوا أنها هي المراد ذات الأوصاف المطلوبة تبين أن هذه الأوصاف غير متكاملة فذبحوها وانتهوا منها والآن يبحثون عن بقرة حمراء أخرى، وهكذا دواليك من الخرافات ومن الخزعبلات التي لا نسلِّم بها، وعلى المسلمين أن يدركوا تماماً بأننا في بيت المقدس السدنة والحراس للأقصى ولكن هذا لا يعفي المسلمين في خارج فلسطين من المسؤولية في حماية الأقصى وفي منع اليهود من تهويد المدينة.
القرضاوي
أولاً أحب أن أعلق على المزاعم الصهيونية في قضية الأقصى وهيكل سليمان وحقهم في فلسطين أن لهم دعاوى عريضة يزعمونها، هم يستندون إلى ما يسمونه الحق التاريخي والحق الديني، وهذا اخترعوه بعد أن فشلوا في الأوطان الأخرى أن يجتمع عليها اليهود زعموا أن لهم حقاً دينياً في فلسطين، وحقاً تاريخياً، وهذا كذب، ففي الحق التاريخي يقولون: أنه كان لنا دولة في هذا البلد وهو بلدنا، والدولة الإسرائيلية أو اليهودية هذه قامت مئات من السنين أربعمائة وكذا سنة ومنذ سنة 587 قبل الميلاد زالت هذه الدولة على يد البابليين حينما غزاهم بخت نصر بعد أن أفسدوا في الأرض الإفساد الكبير الأول، وأزال الله دولتهم وهدَّ ملكهم، ومن هذا الملك الذي هُدّ هيكل سليمان لأنه لم يوجد هيكل سليمان من يومها إلى الآن، وسلم اليهود بسرعة ولا توجد كما أشار الأخ الشيخ عكرمة أي آثار في هذه المنطقة فالبابليون خرَّبوا ديارهم وهدَّموا هيكلهم وحرَّقوا توراتهم وقتلوا رجالهم وأخذوا من بقي منفيين وأسرى إلى بابل، 70 سنة، ثم بعد ذلك جاء الرومان وضربوهم ضربة قاصمة شتَّتهم في أنحاء الأرض، كما قال الله تعالى (وقطَّعناهم في الأرض أمماً) فالبابليون أزالوا الدولة والرومان أزالوا الوجود اليهودي، وحينما دخل المسلمون لم يأخذوا القدس من اليهود ولم يجدوا فيها يهودياً واحداً، بل سفرليوس بطريرك إيلياء كما كانوا يسمونها بطريرك القدس في هذا الوقت، كان في العُهدة العُمَرية فيما كتبه مع سيدنا عمر ألا يساكنهم فيها يهود، فلا يوجد لهم حق بالعكس العرب من قديم كانوا سكان هذه المدينة وهم اليبوسيُّون وهم جماعة من العرب ثم الكنعانيون آلاف السنين 30 قرن قبل ذلك ثم بعد ذلك المسيحيون من 1400 سنة دخلوها وحينما مر بها اليهود فربنا كتب لهم دخولها فدخلوها ولكن لم يكتب لهم الاستمرار فيها، فاليهود دخلوها فلم يجدوها فارغة كان فيها أهلها، وحينما تركوها من أكثر من 25 قرن لم يتركوها فارغة أيضاً ففيها أهلها قبل أن يدخلوها وتركوا فيها أهلها بعد أن تركوها، ومن هم أهلها هم أهل فلسطين، هذا من ناحية الحق التاريخي المزعوم، أما من ناحية الحق الديني قالوا أن الله قال لإبراهيم أنه لك ولنسلك أعطي هذه الأرض، طيب إذا صدَّقنا هذا من هم نسل إبراهيم؟ أولاً هل النسل هنا يقصد به البنوَّة الروحية أم البنوة المادية؟ الله تعالى يقول في القرآن (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) وجاء حتى في الإنجيل قال لهم: أنتم لستم أولاد إبراهيم لو كنتم أولاد إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، المسألة ليست بالنسب "من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه"، ثم افرض بالنسب أليس إسماعيل ابن إبراهيم هم يقولون إسماعيل ابن الجارية وابن الجارية لا يحسب إنما إسحاق هو ابن الحرة ولكن أياً كانت أمه أليس أب كل منهم هو إبراهيم، ثم نحادهم بقضية أخرى، يعقوب الذي هو إسرائيل عليه السلام كان له زوجتان أنجب منهما ستة أولاد من أسباط بني إسرائيل، وله جاريتان أنجب منهما ستة أخرى، هل الأولاد الستة الآخرين محسوبين من بني إسرائيل أم لا، يقيناً محسوبين من بني إسرائيل فلا حجة لهم على الإطلاق فأنا أحب أن أقول الشيخ عكرمة يقول أنهم مرابطون هناك ويدافعون ما استطاعوا ولكن واجب الدفاع عن القدس ليس واجباً للفلسطينيين وحدهم كما أن كل يهودي في العالم يؤيد إسرائيل ويبذل لها من نفسه وماله، فكل مسلم في العالم يجب أن يؤيد الفلسطينيين، حينما أحرق المسجد الأقصى وأحرق منبر صلاح الدين سنة 1969م تنادى المسلمون، فنادى الملك فيصل رحمه الله زعماء العالم الإسلامي واجتمعوا في مؤتمرهم الإسلامي، وكان هذا هو السبب في إقامة منظمة المؤتمر الإسلامي، سببها حريق القدس الأول، الآن المسألة كما يقول الشيخ عكرمة أكثر من الحريق وأكثر من الحفريات، المسألة أن القدس تكاد تضيع تماماً إذا لم يتحرك أبناء الإسلام، فيجب على أبناء الأمة في مشرقها ومغربها أن يتحركوا لإنقاذ القدس، أنا قلت من قديم أن القدس ليست ملكاً للفلسطينيين، إنما هي ملك للأمة كلها وملك أجيال الأمة وليست ملك دين واحد، لا يملك دين أن يتقاعس ويستكين ويسلِّم بالقدس ولو فعل الفلسطينيون هذا لوجب أن نقاومهم لأنه كما نقول البيت الحرام والمسجد الحرام ليس ملك أهل السعودية بل ملك كل المسلمين كذلك المسجد الأقصى هو ملك أبناء الأمة الإسلامية في الشمال والجنوب والمشارق والمغارب فالواجب على الأمة أن تهب لنجدة المسجد الأقصى وإنقاذ المسجد الأقصى بكل ما يستطيعون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، وأقل شيء مقاطعة إسرائيل، عدم التطبيع مع إسرائيل ورفض العلاقة مع إسرائيل، ومقاطعة من يساند إسرائيل، مقاطعة إسرائيل ومقاطعة أمريكا، أمريكا لازالت إلى الأمس، أولبرايت تقول: نحن مسؤولون عن أمن إسرائيل مادامت الشمس تطلع. إلى متى!! يجب على الأمة الإسلامية أن تقدِّر موقفها وأن تقف وقفة رجل واحد، في سبيل الدفاع عن هذه القضية المقدسة.
مشاهد من السعودية
هل الأمة (وأقصد الشعوب) آثمة في سكوتها عن الوضع الحالي من احتلال القدس والمقدسات وما العمل؟ وسؤال آخر: أريد رأي المشايخ الكرام فيمن يحكم في السلطة الفلسطينية هناك؟
الشيخ عكرمة
نعم، لاشك أنها آثمة ولكن لماذا يُخَصَّص الشعوب فالمسؤولية مشتركة شعوباً وحكاماً، فالمسؤولية لا تقع على الشعوب وحدهم كما أنها لا تقع على الحكام وحدهم بل تقع على الجميع، والإثم ما دامت مدينة القدس محتلة فالإثم يلحق جميع المسلمين في أرجاء المعمورة لأن الأرض مغتصبة وعلى المسلمين أن يحرروها، فالإثم شامل لجميع المسلمين لعدم تمكنهم من تحريرها وبالنسبة لكيفية رفع الإثم، فنحن في بداية الحلقة قلنا أنه لابد من دعم مدينة القدس كل بحسب إمكاناته وحسب قدرته فالمواطن الذي يستطيع أن يقدم معونة ودعماً للجمعيات الخيرية وللمؤسسات التعليمية وللمستشفيات في فلسطين فهو قد قدم جزءاً من واجبه لكن كما قلت أن الهدف البعيد هو تحرير المدينة من الاحتلال الإسرائيلي، فلا يكفي دعم وجودنا في داخل القدس وداخل فلسطين بل لابد في النهاية من التحرير.
القرضاوي
أريد أن أضيف إلى ما قاله الشيخ عكرمة أن المسؤولية مشتركة ولكن المسؤولية الأولى والمسؤولية الكبرى تقع على القادة والحكام، هناك الشعوب للأسف مقهورة، كثير من الشباب يسألني أريد أن أذهب إلى القدس يتحرق ليذهب إلى القدس ليجاهد ولكن كيف يستطيع ذلك؟ مَن يمكِّنه من الذهاب إلى القدس، لا يجد فالمسؤولية مسؤولية الحكام والقادة أكثر من مسؤولية الشعوب، ولكن على الشعوب أن تهيئ نفسها لهذا اليوم يوم التحرير، وأن تبذل من مالها لتقوية الصمود الفلسطيني داخل الأرض المحتلة ندفع لإخواننا هناك لنقوِّي المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي في الداخل، سمعت منذ ليال في إحدى القنوات الفضائية أحد الضيوف يقول ليس هناك من سبيل، القتال والمقاومة لا يمكن أن تجدي وما حلَّ القتال أو الحرب مشكلة، ليس أمامنا إلا الحوار ونصبر على هذا الحوار مهما طال ولو أخذنا 1% أو ½%، وأنا أقول أن الحوار في هذه الأحوال لا يجدي كيف يتحاور الحمل والذئب، كيف يتحاور القلم والسيف، كيف يتحاور اللحم والسكين كيف تتحاور العذراء مع مغتصبيها، حوار غير متكافئ، كيف نحاور هؤلاء؟ نتنياهو يضرب بكلامنا عرض الحائط هناك لابد من المقاومة وأحياناً الحرب تحل المشكلة والله تعالى يقول (كُتِب عليكم القتال وهو كره لكم)، وحينما حاربت مصر سنة 93هـ أو 73م استطاعت أن تحقق شيئاً وأن تبطل أسطورة القوة التي لا تقهر أما مسألة أننا نصبر على ما يفعله هؤلاء مهما طال الأمد هذا أنا أسميه صبر الحمير وليس صبر الأحرار.
بالنسبة لسؤال الأخ الثاني عن الموقف الشرعي من السلطة الفلسطينية فأنا الذي أنادي به في الحقيقة، أنه يجب أن تنضم السلطة الفلسطينية إلى الشعب بعد أن وجدوا أنه لا أمل، حتى أن هذا السلام على ما به من عِلَّات رفضته إسرائيل، إلى متى نركض وراءهم أنُقبِّل أقدامهم أم نلعق أحذيتهم؟ يجب أن تبدأ الانتفاضة الإسلامية في فلسطين يقف فيها الشعب والسلطة الفلسطينية جنباً إلى جنب، ولا يجوز أبداً بحال من الأحوال أن يتعارضا أو يتناقضا أو يتقاتلا ويصوب الرصاص الفلسطيني إلى أخيه الفلسطيني، قد أعجبني قول أخينا المجاهد الشيخ أحمد ياسين أنه مهما عملت فينا السلطة فلن نقاتلها، بل سنكون كخير ابنَي آدم الذي قال لأخيه (لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).
المقدم
فضيلة الشيخ عكرمة نريد منك كلمة توجهها وتختم بها هذا اللقاء الطيب.
الشيخ عكرمة
نحن من بيت المقدس من رحاب المسجد المبارك، من أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين نحيي جميع المشاهدين، جميع المحبين للقدس وللأقصى، نحيي فيكم هذه الروح الإيمانية التي تتفاعل مع القدس، مع الأقصى نطمئنكم بأننا ـ أعني المرابطين ـ على العهد سائرون ونحن السدنة ونحن الحراس للمسجد الأقصى ونمد أيدينا إليكم أيها الأخوة دائماً وباستمرار لأننا أمة واحدة وشعب واحد ونأمل منكم أن تقفوا معنا دائماً في السراء والضراء وحين البأس (إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم) والسلام عليكم أيها الأخوة المشاهدون ورحمة الله وبركاته.
مشاهد من جدة (السعودية)
بالنسبة إذا ذهب شخص من المقاومة الفلسطينية إلى المخيمات الإسرائيلية ومعه رشاش أو قنبلة ويريد أن يفجرها في نفسه وفيهم فهو سيضرهم ولكنه يعلم بأنه سيموت أي أنه يذهب للموت بنفسه فهل هذا العمل يعتبر جهاد في سبيل الله أم يعتبر انتحار؟
القرضاوي
أقول للأخ السائل أنا كتبت في هذا مقالاً أيام العمليات الاستشهادية التي قام بها بعض أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس وأزعجت إسرائيل وأرَّقت مضاجعها وهيَّجوا العالم كله، وأقاموا مؤتمراً من أجل مقاومة الإرهاب مع أن الإرهابي الأكبر هو إسرائيل، إسرائيل هي الإرهابي الأكبر في العالم، واعتبروا هذه العمليات عملاً إرهابياً ولكنه كان ردَّاً على ما فعله اليهود من قتل المدنيين فردوا بهذه العمليات الاستشهادية الرائعة ولا أقول عمليات انتحارية، للأسف كما تقول بعض أدوات الإعلام عنها، هذا ليس انتحاراً هذا قمة الجهاد في سبيل الله، أن يضع الإنسان روحه على كفه ويجعل من نفسه قنبلة بشرية، يقنبِّل نفسه ويدخل في صفوف الأعداء، لقد كتبنا في هذا وأقمنا أدلة كثيرة على أن هذا ليس من الانتحار كما يزعم البعض، أين نفسية المنتحر من نفسية المجاهد، نفسية المنتحر هي نفسية إنسان يائس فيرمي نفسه ويقتل نفسه، إنما هذا إنسان مقاتل، وعمل هذا وهو مصمم على أن ينتصر لدينه ولأرضه ولبلده، فهو إنسان مجاهد بذل نفسه في سبيل الله وكما قال كثير من المفسرين هذا يدخل في قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد) وحينما كان المسلمون يحاربون الروم على أسوار القسطنطينية قام رجل كما حكى أبو أيوب الأنصاري ورمى نفسه على الأعداء، ألقى نفسه في المعمعة فقال بعض الصحابة أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، والله تعالى يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فقام أبو أيوب الأنصاري وقال: لا، ليس الأمر كما فهمتم، هذه نزلت فينا معشر الأنصار حينما قلنا أن الله أعز الإسلام وكَثُر ناصروه فلنعد إلى زرعنا وضرعنا ونخيلنا وثمرنا لنصلحه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) دعاهم إلى النفقة في سبيل الله وإلى الجهاد في سبيل الله، واعتبر أن انحيازهم إلى الأرض وترك الجهاد هو التهلكة، فهذا ليس من التهلكة وليس من الانتحار في شيء، بل هو من أعمال البطولة الإسلامية ومثل هذه الأعمال هي التي تقلق إسرائيل وتزعج إسرائيل، هؤلاء الذين لا يبالون أَوَقَعوا على الموت أم وقع الموت عليهم، هؤلاء قمة المجاهدين والحمد لله.
المقدم
ولكن فضيلة الشيخ البعض يقول أن مثل هذه الأعمال محدودة التأثير، ليست بذلك الأثر البالغ الذي من الممكن أن يلحق الضرر باليهود بحيث تغير مجرى الأحداث أو غير ذلك، فما هو ردك عل هذا؟
القرضاوي
ما المقصود من هذه العمليات؟ وما الهدف منها؟، الهدف منها إزعاج إسرائيل وإقلاق أمن إسرائيل وإخافة الناس لأن هذا سيجعل كثيرين من الذين سيأتوا إلى إسرائيل يقولون هذا بلد غير آمن، ويجعل بعض الناس ـ كما حدث مع بعض الناس ـ في الداخل يفكر بالهجرة، فلو كثرت هذه الأحداث تُقلق أمن إسرائيل، ما يهمني أن إسرائيل لا تنام مرتاحة البال، يخافون دائماً ويقلقون من مثل هذه الأعمال، وهي الممكنة الآن، لا نستطيع أن نقيم جيشاً يقف ضد جيش، ليس أمامنا إلا هذا النوع من حرب العصابات، بعض الناس يقولون أن هذه الأعمال تقتل بعض المدنيين، ولكن من المعروف أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري، رجاله ونساءه جنود في الجيش، حتى النساء يُطلَبن في الجيش، حتى المدنيين هم أعضاء في هذا الجيش، ثم أن هذه أعمال ضرورة قضاها الموقف للرد حينما يقتل اليهود المدنيين كما قتلوا الذين كانوا يصلون في المسجد الأقصى، وكما قتلوا الناس في النفق، وكما قتلوا الناس في لبنان في قانا، كان لابد من رد والشر بالشر يُحسَم والبادئ أظلم.
أيها الأخوة والأخوات، لقد خصصنا حلقة اليوم عن المسجد الأقصى، ذلك المسجد المبارك أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، مكانته الشرعية، أهميته الإسلامية، المسجد الأقصى بين الأصول الشرعية الدينية وحقائق التاريخ من جهة ومزاعم اليهود في الهيكل المزعوم، يحتفل اليهود هذه الأيام بمضي خمسين عاماً على قيام كيانهم الشاذ على الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج، فما هي المراحل التاريخية لهذا الصراع حول هذا المسجد المبارك وإلى أين انتهى وما هي الأخطار المحيطة بالمسجد، هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في لقاء المنتدى لهذا اليوم إن شاء الله تعالى، ويسعدنا أن يشاركنا هذه الليلة صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عكرمة صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى ومفتي الديار الفلسطينية.
المقدم
نبدأ مع الشيخ يوسف القرضاوي في نبذة يحدثنا عن مكانة المسجد الأقصى وما هي الأمور التي تميز هذا المسجد في شريعتنا وديننا؟
القرضاوي
يحلو لنا الحديث عن المسجد الأقصى وعن القدس الشريف في هذه الأيام التي يحتفل فيها بنو صهيون بمرور خمسين عاماً على تحقيق حلمهم وإقامة ديارهم على أنقاض أرضنا المغتصبة، في حين نحتفل نحن بالألم والأسى والحزن على ما أصاب أرضنا وكياننا وقدسنا وفلسطيننا الحبيبة، في هذه الأيام المُرة والحزينة لابد أن نتحدث عن القدس ونتحدث عن المسجد الأقصى حيث يحاول اليهود أن يبتلعوا القدس ابتلاعاً وأن يهودوها تهويداً جهاراً نهاراً، وأن يهدموا المسجد الأقصى بما يعملون تحته من حفريات لا ندري إلى متى وصلت وإلى متى تصل، المسجد الأقصى عندنا والقدس الشريف هي إحدى المقدسات عند الأمة الإسلامية، القدس والمسجد الأقصى هو أولاً القبلة الأولى للمسلمين، نحن نعلم أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة من البعثة أي قبل الهجرة بثلاث سنوات على القول الصحيح، وظل المسلمون ثلاث سنوات يصلون وقِبلتـهم بيت المقدس ثم بعد المدينة كانت القدس هي أيضاً القبلة لمدة ستة عشر شهراً هذه المدة كلها كانت القدس هي قبلة الأمة الإسلامية وقبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أذن الله بتحويل القبلة ونزلت الآيات المعروفة في سورة البقرة (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) فهذه ذكرى وهناك معلم أثري يخلِّد هذه الذكرى في المدينة المنورة وهو المسجد الذي يسمى مسجد القبلتين، المسلمين كانوا يصلون فيه باتجاه المسجد الأقصى، وهم في أثناء الصلاة جاء الوحي الإلهي بتحويل القبلة إلى الكعبة (البيت الحرام) (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) المسجد الأقصى والقدس أيضاً هو مبتدأ الإسراء ومنتهى المعراج وهذا أمر سجله القرآن في سورة سميت بهذا الاسم سورة الإسراء، وتسمى أيضا سورة بني إسرائيل لما ذكر فيها من أخبار بني إسرائيل مباشرة بعد ذلك، فشاء الله أن يبتدأ الرسول من المسجد الحرام وينتهي إلى المسجد الأقصى ويعرج إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى من هذا المكان وكان من الممكن أن يعرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى السماء مباشرة ولكن هذا دلنا على أن المحطة القدسية مقصودة ليلتقي فيها بالأنبياء ويصلي بهم ويسجل ذكريات حبيبة وعزيزة عند المسلمين وسجل القرآن ذلك (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) والعجيب أن القرآن لم يصف المسجد بأنه المسجد الحرام مبتدأ الإسراء ولكنه حرص على أن يسجل هذا الوصف (المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وكأنه يريد أن يغرس هذا المعنى في نفوس المسلمين وأن يربط بين مبتدأ الإسراء منتهاه ليشعر المسلمين أن من فرَّط في المسجد الأقصى يوشك أن يفرط في المسجد الحرام، هذه قضية أخرى، كذلك المسجد الأقصى هو المسجد الثالث في الإسلام كما نعلم، نحن نعلم كما أشرت إلى الحديث المتفق عليه "لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى" والصلاة فيه بخمسمائة صلاة وجاء الفضل فيمن أسرج فيه سراجاً أو بعث إليه زيتاً ..الخ، أيضاً المسجد الأقصى والقدس وأرض فلسطين كلها هي أرض البركة وأرض النبوات، ظهرت فيها نبوات عدة ووصفها الله بالبركة في خمس آيات من كتابه منها قوله تعالى (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)، (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) ثم أقسم الله بها في قول عدد كبير من العلماء في قوله تعالى (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) لم يقصد التين والزيتون هذا الطعام، إنما المقصود أرض التين والزيتون وهي كما جاء عن ابن عباس وغيره هي أرض بيت المقدس، وأرض فلسطين فكأن الله تعالى أقسم بهذه المنابت الثلاثة التي نبتت فيها الرسالات والديانات ورسالة المسيح، (وطور سنين) حيث كانت رسالة موسى، (وهذا البلد الأمين) حيث كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أيضاً من مزايا هذه الأرض وهذا المسجد الأقصى أن الله جعلها أرض الرباط والجهاد، وجاء في ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد رواه في المسند ورواه الطبراني بإسناد رواته الثقات كما قال الهيثمي وهو حديث أبي أمامة الباهلي قال "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يغرهم من جابههم إلا ما أصابهم من أذى حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
قالوا: يا رسول الله وأين هم ـ هؤلاء الذين هم على الدين ظاهرون لعدوهم قاهرون وهم مرابطون ـ قال: "ببيت المقدس وأبناء بيت المقدس" فهذا يطمئننا والحمد لله أن هذه الأرض التي بارك الله فيها والتي ربطها بالمسجد الحرام وجعل فيها هذه المزايا وغيرها مما لا يتسع الوقت لحصرها ولعل هذه من أهم المزايا فهي أرض عزيزة على المسلمين ولا يمكن أن يفرط فيها المسلمون وهم مستعدون لبذل النفس والنفيس والغالي والرخيص في سبيل تحريرها وإبقاءها عربية إسلامية كما يحب الله تبارك وتعالى ويرضى.
المقدم
ننتقل الآن إلى مدينة القدس إلى فضيلة الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس ومفتي الديار الفلسطينية وإمام وخطيب المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ عكرمة .. نقلت إلينا الأخبار هذه الأيام أنه كانت هناك محاولة يوم الخميس لحرق باب من أبواب المسجد الأقصى فما هي حقيقة هذا الخبر، ثم لو تعطينا أيضاً لمحة عن الأخطار المحدقة بالمسجد على وجه الخصوص وأين وصل التآمر والتخطيط اليهودي لهدم المسجد؟
الشيخ عكرمة
لقد حصل حريق في إحدى البوابات الخارجية للمسجد الأقصى المبارك وهذه البوابة تعرف ببوابة "الغوانمة" وتقع في المنطقة الغربية الشمالية من سور المسجد الأقصى المبارك وكان ذلك مساء الأربعاء ليلة الخميس حوالي الساعة الثانية عشر أي في منتصف الليل، حيث سمع الحراس (حراس المسجد الأقصى) دوي صوت خلف هذه البوابة، وبعد لحظات لاحظوا النيران تلتهم جزءاً من هذه البوابة وتبين فيما بعد أن مواد سريعة الاشتعال قد دبت في هذه البوابة وتمكن الحراس مع جهاز الإطفاء التابع للمسجد الأقصى من إطفاء الحريق والسيطرة عليه، وهذا الحريق يمثل رسالة من سلطات الاحتلال الإسرائيلية بأنهم قادرون على إلحاق الأذى والضرر بالمسجد الأقصى المبارك، ويمثل هذا الحريق ناقوس خطر لجميع العرب والمسلمين بأن المسجد الأقصى في حقيقته هو في خطر.
المقدم
فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية النفق الذي تقوم إسرائيل بحفره تحت المسجد الأقصى إلى أين وصل؟
الشيخ عكرمة
الاعتداءات التي تمس حرمة المسجد الأقصى متنوعة ومتعددة، فبالنسبة إلى النفق فهناك أنفاق متعددة أساساً هي عبارة عن قنوات مياه موجودة أسفل الأقصى، وأسفل البلدة القديمة من القدس بشكل عام، كانت مقامة عبر التاريخ أيام العرب حينما كانوا يجمعون مياه الأمطار في الآبار، فالذي حصل أن النفق الذي حصلت حوله المشاكل والقضايا لا يزال قائماً بحراسة القوات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي ولا يستطيع أي مسلم أو عربي أو فلسطيني أن يدخله إلا بمراقبة وبإذن مسبق.
المقدم
إذن نستطيع أن نقول أن الأخطار منها خطر الهدم والحفر تحت أساسات المسجد والخطر الثاني الحرق وهذه المحاولة الأخيرة وهي بالطبع ليست الأولى.
الشيخ عكرمة
نعم هي ليست الأولى بالنسبة للحرق لأنه حصل أن تم حريق في عام 1969 حينما شمل الحريق منبر صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه كما شمل بعض أجزاء من داخل المسجد فهذا العدوان مكرر ويأخذ صوراً متعددة ولابد من الإشارة إلى أن هناك أنفاق أخرى تحت الأقصى ولا يزال هناك حفر موجود تحت المسجد الأقصى وهذا ما نخشاه وهذا ما نحذر منه، لذا نقول أن المسجد الأقصى في خطر، هذا بالنسبة لمحاولات الاعتداء على الأقصى من حيث الحفر أو الحرق، ولكن هناك أمور أخطر من هذا أيضاً هو محاولات اليهود المتطرفين بإقامة الصلوات، إقامة الصلوات في ساحة الأقصى هذا الخطر الكبير وهناك محاولات متكررة ومتعددة إلا أن المصلين في المسجد الأقصى والمرابطين في بيت المقدس يتصدون بشكل مستمر لمثل هذه المحاولات ويحبطونها في مهدها لأن نجاح أي محاولة لا سمح الله يعتبرونه سابقة وفرض أمر واقع جديد ولا يمكن أن نسمح لليهود بأن يفرضوا أي أمر واقع في المسجد الأقصى المبارك مادام فينا نفس ومادام فينا روح ومادام فينا نبض في هذه الحياة.
المقدم
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي لاشك أن النظر إلى مراحل الصراع بين العرب والمسلمين واليهود مرت بمراحل كلها تقول أن الهزيمة والإخفاق في الجانب المسلم، هذا جعل صورة لليهود أنها قوة لا تُقهر، فكيف يمكن أن يُرَد على هذه المقولة والذي يحطم هذه المزاعم؟
القرضاوي
في الواقع أن اليهود ليسوا كما زعموا أنهم قوة لا تُقهر، وشوكة لا تُأسر، اليهود استفادوا من أمور كثيرة كانت في صالحنا، هم بدأوا مشروعهم هذا في غفلة من المسلمين ومن العالم العربي والعالم الإسلامي لم يحس الناس بهذا الخطر، في أول الأمر ما كان اليهود يركزون على فلسطين، هيرتز بنفسه قال كان هناك اقتراحات عدة، اقترح أن يأخذوا في إفريقيا موزمبيق أو الكونغو أو أوغندة، وأحياناً اقترحوا وطن قومي في الأرجنتين، واقترحوا في قبرص واقترحوا عدة أماكن، ولكن لم يتجاوب اليهود في العالم مع هيرتز فبدأ يغير خطته ووجد أن الشيء الذي يمكن أن يلهب العواطف ويجمع اليهود في العالم معه هو قضية فلسطين فبدأ يركز على فلسطين واقترح حكاية أرض الميعاد .. الخ، وسنعود إلى الدعاوى التي يدعيها اليهود، المهم في أول الأمر حاولوا أن يغشُّوا الدولة العثمانية في شخص سلطانها العظيم خليفة المسلمين في ذلك الوقت السلطان عبد الحميد، ولكن الرجل رفض بإباء وشمم، وعرضوا عليه ـ على طريقة اليهود ـ الملايين، 20 مليوناً من الليرات الذهبية بعضها لخزانة الدولة العثمانية وبعضها لخزانة السلطان الخاصة، الرجل رفض أن يسلم شبراً واحداً من فلسطين، لكنهم لم ييأسوا وعملوا على إسقاطه وخلعه، وبدأوا المعركة، المعركة بدأت بمستويات عدة، مستويات سياسية إعداد سياسي وإعداد عسكري وإعداد حلفاء وإعداد اجتماعي، وإقناع اليهود في أنحاء العالم بالهجرة، ونحن كما قلت كنا في غفلة إلى أن بدأ الصراع مع الفلسطينيين، أيام الانتداب البريطاني، والمسلمون وقفوا وكانوا يحاربوا قوتين، يحاربوا الانتداب للدولة التي كانت الدولة العظمى في العالم في ذلك الوقت والتي لا تغيب الشمس عن أملاكها والعصابات اليهودية المنظمة التي كانت تدعمها سلطات الانتداب وتعطيها الأسلحة وبعضهم دُرِّب في الجيش البريطاني أثناء الحرب وكان العرب يحرم عليهم أن يكون عندهم رصاصة واحدة، فمن ضُبِطت عنده رصاصة يُحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، ثم تطور الأمر بعد ذلك خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وانتهائها، وبدأ الصراع بقوة بين العرب وبين اليهود، ولم يكن عند العرب التنظيم الذي عند هؤلاء ولم يكن عندهم من الأسلحة، ومع هذا كانوا ينتصرون، ويحققون أشياء مهمة، ثم للأسف دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، وأوقفوا العمل التطوعي، لو أنهم أيدوا المتطوعين، فالمتطوعين كانوا ينتصرون على اليهود، وانتصروا فعلاً في معارك شتى وقال القائد البريطاني في ذلك الوقت: لو كان معي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم فلسطين. ودخلت الجيوش السبعة وكان أول الهزيمة أنهم وقعوا الهدنة الشهيرة بهدنة رودس مع اليهود، وهذه الهدنة أعطت اليهود فرصة لا نظير لها، لولا هذه الهدنة كان يمكن الانتصار على اليهود جاءتهم أسلحة من أنحاء العالم هائلة ومع هذا ليست إسرائيل هي القوة التي لا تقهر، كانوا يقولون ذلك حتى حدثت حرب العاشر من رمضان سنة 1393هـ، السادس من أكتوبر 1973م، ودخل الجيش المصري حينما جعل شعاره "الله أكبر" فقد كان شعاره في حرب 67 "بحر بر جو" ولكن لم ينتصر في بر ولا بحر ولا جو، ولكن حينما جعل شعاره "الله أكبر" ودخل الجنود الصائمون في رمضان دخلوا بهذه الروح، الروح المؤمنة استطاعوا أن يحققوا العبور، معركة العبور، وأن يقتحموا خط بارليف وأن يصلوا إلى القنطرة شرقاً وأن يرفعوا عليها العلم المصري حتى أن أحد الجنود أذن المغرب ولم يرض أن يفطر، قالوا له: افطر ولو حتى بتمرة قال: لا أفطر حتى أرفع العلم المصري على القنطرة، بهذه الروح نستطيع أن ننتصر إذا رفعنا شعار الإيمان، إذا قلنا: "يا خيل الله اركبي ويا ريح الجنة هُبي" نجمع الناس ونستطيع أن نجعل من الناس فرساناً، وصحابة جُدداً، يتخطون العقبات والمستحيلات، إسرائيل ليست هي القوة التي لا تُقهر، ممكن أن تُقهر وفي داخلها من أسباب التمزق ما يعرفه الدارسون، هناك اليهود العلمانيين، واليهود الدينيين، وهناك اليهود الغربيين، واليهود الشرقيين، وبين هؤلاء وهؤلاء كما قال الله تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).
مشاهد من العين (الإمارات)
سؤالي: تواجه القدس مخططات يهودية تستهدف القضاء على هويته الإسلامية، كيف نواجه هذه المخططات ونحمي القدس من التهويد من أجل أن تظل إسلامية إن شاء الله ويتحقق الحلم وتصبح القدس عاصمة لدولة فلسطين إن شاء الله وجزاكم الله خيراً.
الشيخ عكرمة
هذا السؤال دائماً يُطرح ومضمونه دائماً يُطرح في جميع محافل الاجتماعات، ماذا يمكن عمله من أجل منع تهويد مدينة القدس، نقول نحن في الداخل علينا واجب أن نقدم إمكاناتنا المتاحة وأن نحُول قدر الإمكان دون تنفيذ المخططات الصهيونية بشأن تهويد القدس وأن نُسمع صوتنا للعالم العربي والإسلامي وواجب العرب والمسلمين خارج فلسطين هو الإعداد لتحرير مدينة القدس من الاحتلال الإسرائيلي، هذا الهدف البعيد وهناك هدف قريب وهو دعم الثبات والصمود لأهل القدس في حياتهم المعيشية وفي تقديم الخدمات الحياتية في مجال التربية والتعليم والصحة والقضايا الاجتماعية ولابد من المحافظة على وجودنا بدعم المؤسسات القائمة في مدينة القدس لذا فالمسؤولية لا تقع فقط على المرابطين في هذه المدينة بل إن المسؤولية تقع أيضاً على جميع العرب والمسلمين خارج فلسطين.
مشاهد من أبو ظبي (الإمارات)
أفتى عدد من العلماء وللأسف بجواز الصلح مع اليهود فما مرجعية هذه الفتوى؟
القرضاوي
طبعاً هناك ما قالوا بهذا وأنا رددت على هؤلاء، كتبت أكثر من مقالة وأكثر من فتوى نشرتها الصحف هم استدلوا بقول الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) وأنا قلت إن اليهود لم يجنحوا إلى السلم أبداً، اليهود لازالوا محاربين، وما ذكره الشيخ عكرمة صبري حفظه الله يدل على أن اليهود ما جنحوا للسلم أبداً، الذين يريدون أن يهوِّدوا القدس ويريدون ابتلاعها ويقيمون المستوطنات من حولها في كل مكان، يزرعون المستعمرات هذه، كنا أيام زمان نسميها المستعمرات لا أدري لماذا جعلوها مستوطنات لأنها مستعمرات في حقيقة الأمر، والاستعمار اليهودي هو أشر أنواع الاستعمار، فهؤلاء ما جنحوا للسلم في الحقيقة هم يريدون هدم المسجد الأقصى، هم غاصبون ولم يكن لهم وجود في هذه الأرض، هؤلاء كلهم دخلاء، جاءوا من أوروبا الشرقية من جميع أنحاء العالم واغتصبوا أرضاً ليست لهم اغتصبوها بالحديد والنار والمجازر البشرية في مذابح دير ياسين وغيرها، من يعتبر هؤلاء قد جنحوا للسلم، لو شخص أتى وأخذ أرضك أو دارك واغتصبها وبعد أن احتلها قال لك يا أخي تعال نتصالح أنا أعطيك جزء تحت بير السلم أو مكان تعيش فيه أنت وعيالك، هذا يعتبر جانحاً للسلم، ما الذي يعطيه اليهود الآن ويقولون الأرض مقابل السلام، أرض من! أرضنا نحن، مقابل سلامهم، ومع هذا رضي القتيل ولم يرض القاتل، "رضينا بالغُلب والغُلب مش راضي فينا" كما يقولون، حتى اليهود يرفضون هذا السلام الذي يسمونه وهو سلام أعرج وسلام مريض وسقيم وهزيل نتنياهو يركل السلام بقدمه، كيف نقول أنهم جنحوا للسلم، ما جنح هؤلاء للسلم، ولا يمكن أن يجنحوا للسلم وهم غاصبون دخلاء يحتلون أرضاً ليست أرضهم، ويفرضون وجودهم بقوة السلاح وبمن يساندهم من القوى الغربية وخصوصاً قوة أمريكا، لولا العون الأمريكي والمال الأمريكي والسلاح الأمريكي والفيتو الأمريكي، ما بقيت إسرائيل إلى اليوم فأنا أرى أن الصلح مع إسرائيل بهذا المعنى وهو الاعتراف لهم بأن ما اغتصبوه أصبح حقاً لهم هذا لا يجوز، يمكن كما قال أخونا المجاهد الشيخ أحمد ياسين ممكن أن نقيم معهم هدنة أي من الممكن أن نوقف القتال مدة من الزمن لا مانع من هذا إنما الاعتراف وأن نعطيهم صكَّاً بأن هذه الأرض أصبحت حقاً لهم، هذا لا نُقرَّه، ومعنا قول الله تعالى (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتِرَكم أعمالكم).
الشيخ عكرمة (تعليق)
مع الإشارة إلى أن صدور بعض هذه الفتاوى كان خارج فلسطين ولم يكن في فلسطين لقد أحببت أن أوضح أن ذلك كان خارج فلسطين ولسنا في الصورة.
المقدم
نعود يا شيخ عكرمة إلى الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى ومزاعم ودعاوى اليهود في إقامة الهيكل المزعوم فما هي حقيقة هذا الهيكل وهل هناك سند ديني أو تاريخي لدى اليهود لإقامة الهيكل وما يقولون ويزعمون أن حائط البراق من بقايا الهيكل، ثم ما هي حقيقة خبر أمناء الهيكل والبقرة التي قالوا أنها ظهرت عندهم وما يعدونه الآن من الصخور لبناء الهيكل؟
الشيخ عكرمة
أولاً بالنسبة إلى حائط البراق أحب أن أؤكد أن حائط البراق هو جزء من سور المسجد الأقصى المبارك وهو وقف إسلامي وأن ملكيته تعود للمسلمين وحدهم وهذا مثبت عندنا في كتب الفقه وكتب السيرة النبوية أيضاً أما ما يزعمون بأنه هو المبكى فلا علاقة لحائط البراق باليهود ولا علاقة لليهود بحائط البراق وأن جميع المحافل الدولية قد أكدت بأن حائط البراق هو ملك للمسلمين، وما يقومون به من عبادة لطقوسهم فهو خارج السور في الموقع الذي يعرف بحارة المغاربة، أيضاً حارة المغاربة التي يتجمع فوقها اليهود الآن هي بالأصل وقف إسلامي أما فيما يزعم بالهيكل فالحقيقة أن المسجد الأقصى المبارك لا يوجد تحته أي أثر يدل على مزاعمهم، وأن اليهود أنفسهم غير متأكدين أين يقع الهيكل، إنهم يضعون احتمالات واحتمالات، ومنذ عام 67 وهم يحفرون حول الأقصى ويحفرون في البلدة القديمة ولم يجدوا أي أثر له، فهذه المدينة قد هدمت ما يزيد عن عشرين مرة نتيجة حروب ونتيجة عوامل طبيعية من زلازل وبراكين ولا يوجد ما يقال بأن لهم آثار، ثم إن الله عز وجل قد قرر بأن المسجد الأقصى هو المسجد الأقصى ولا يمكن أن يكون مكانه مكان عبادة لغير الديانة الإسلامية لأن الله عز وجل قد طلب منا نحن كبشر أن نحافظ على أماكن عبادة أصحاب الديانات الأخرى فليس من المعقول وقد تنـزه الله عن أن يطلب منا أن نعتدي على أماكن أصحاب الديانات الأخرى، فنحن نؤمن بعقيدة سماوية بأن المسجد الأقصى هو جزء من إيماننا وعقيدتنا وأن المسجد الأقصى لا يوجد أسفله أي أثر يدل على الهيكل وأن المسجد الأقصى هو ملك خاص بالمسلمين لا يشاركهم فيه أحد وأن المحاولات الآن في فرض أمر واقع في وضع يدهم على الأقصى هذا أمر مرفوض ولا يمكن أن نسلِّم به ولا يمكن أن نسمح لهم فيما يخططون من مخططات عدوانية جهنمية، فنحن نصد كل المحاولات وهناك خزعبلات يثيرونها بين الفينة والأخرى بالنسبة للبقرة الحمراء وأن البقرة التي قالوا أنها هي المراد ذات الأوصاف المطلوبة تبين أن هذه الأوصاف غير متكاملة فذبحوها وانتهوا منها والآن يبحثون عن بقرة حمراء أخرى، وهكذا دواليك من الخرافات ومن الخزعبلات التي لا نسلِّم بها، وعلى المسلمين أن يدركوا تماماً بأننا في بيت المقدس السدنة والحراس للأقصى ولكن هذا لا يعفي المسلمين في خارج فلسطين من المسؤولية في حماية الأقصى وفي منع اليهود من تهويد المدينة.
القرضاوي
أولاً أحب أن أعلق على المزاعم الصهيونية في قضية الأقصى وهيكل سليمان وحقهم في فلسطين أن لهم دعاوى عريضة يزعمونها، هم يستندون إلى ما يسمونه الحق التاريخي والحق الديني، وهذا اخترعوه بعد أن فشلوا في الأوطان الأخرى أن يجتمع عليها اليهود زعموا أن لهم حقاً دينياً في فلسطين، وحقاً تاريخياً، وهذا كذب، ففي الحق التاريخي يقولون: أنه كان لنا دولة في هذا البلد وهو بلدنا، والدولة الإسرائيلية أو اليهودية هذه قامت مئات من السنين أربعمائة وكذا سنة ومنذ سنة 587 قبل الميلاد زالت هذه الدولة على يد البابليين حينما غزاهم بخت نصر بعد أن أفسدوا في الأرض الإفساد الكبير الأول، وأزال الله دولتهم وهدَّ ملكهم، ومن هذا الملك الذي هُدّ هيكل سليمان لأنه لم يوجد هيكل سليمان من يومها إلى الآن، وسلم اليهود بسرعة ولا توجد كما أشار الأخ الشيخ عكرمة أي آثار في هذه المنطقة فالبابليون خرَّبوا ديارهم وهدَّموا هيكلهم وحرَّقوا توراتهم وقتلوا رجالهم وأخذوا من بقي منفيين وأسرى إلى بابل، 70 سنة، ثم بعد ذلك جاء الرومان وضربوهم ضربة قاصمة شتَّتهم في أنحاء الأرض، كما قال الله تعالى (وقطَّعناهم في الأرض أمماً) فالبابليون أزالوا الدولة والرومان أزالوا الوجود اليهودي، وحينما دخل المسلمون لم يأخذوا القدس من اليهود ولم يجدوا فيها يهودياً واحداً، بل سفرليوس بطريرك إيلياء كما كانوا يسمونها بطريرك القدس في هذا الوقت، كان في العُهدة العُمَرية فيما كتبه مع سيدنا عمر ألا يساكنهم فيها يهود، فلا يوجد لهم حق بالعكس العرب من قديم كانوا سكان هذه المدينة وهم اليبوسيُّون وهم جماعة من العرب ثم الكنعانيون آلاف السنين 30 قرن قبل ذلك ثم بعد ذلك المسيحيون من 1400 سنة دخلوها وحينما مر بها اليهود فربنا كتب لهم دخولها فدخلوها ولكن لم يكتب لهم الاستمرار فيها، فاليهود دخلوها فلم يجدوها فارغة كان فيها أهلها، وحينما تركوها من أكثر من 25 قرن لم يتركوها فارغة أيضاً ففيها أهلها قبل أن يدخلوها وتركوا فيها أهلها بعد أن تركوها، ومن هم أهلها هم أهل فلسطين، هذا من ناحية الحق التاريخي المزعوم، أما من ناحية الحق الديني قالوا أن الله قال لإبراهيم أنه لك ولنسلك أعطي هذه الأرض، طيب إذا صدَّقنا هذا من هم نسل إبراهيم؟ أولاً هل النسل هنا يقصد به البنوَّة الروحية أم البنوة المادية؟ الله تعالى يقول في القرآن (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) وجاء حتى في الإنجيل قال لهم: أنتم لستم أولاد إبراهيم لو كنتم أولاد إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، المسألة ليست بالنسب "من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه"، ثم افرض بالنسب أليس إسماعيل ابن إبراهيم هم يقولون إسماعيل ابن الجارية وابن الجارية لا يحسب إنما إسحاق هو ابن الحرة ولكن أياً كانت أمه أليس أب كل منهم هو إبراهيم، ثم نحادهم بقضية أخرى، يعقوب الذي هو إسرائيل عليه السلام كان له زوجتان أنجب منهما ستة أولاد من أسباط بني إسرائيل، وله جاريتان أنجب منهما ستة أخرى، هل الأولاد الستة الآخرين محسوبين من بني إسرائيل أم لا، يقيناً محسوبين من بني إسرائيل فلا حجة لهم على الإطلاق فأنا أحب أن أقول الشيخ عكرمة يقول أنهم مرابطون هناك ويدافعون ما استطاعوا ولكن واجب الدفاع عن القدس ليس واجباً للفلسطينيين وحدهم كما أن كل يهودي في العالم يؤيد إسرائيل ويبذل لها من نفسه وماله، فكل مسلم في العالم يجب أن يؤيد الفلسطينيين، حينما أحرق المسجد الأقصى وأحرق منبر صلاح الدين سنة 1969م تنادى المسلمون، فنادى الملك فيصل رحمه الله زعماء العالم الإسلامي واجتمعوا في مؤتمرهم الإسلامي، وكان هذا هو السبب في إقامة منظمة المؤتمر الإسلامي، سببها حريق القدس الأول، الآن المسألة كما يقول الشيخ عكرمة أكثر من الحريق وأكثر من الحفريات، المسألة أن القدس تكاد تضيع تماماً إذا لم يتحرك أبناء الإسلام، فيجب على أبناء الأمة في مشرقها ومغربها أن يتحركوا لإنقاذ القدس، أنا قلت من قديم أن القدس ليست ملكاً للفلسطينيين، إنما هي ملك للأمة كلها وملك أجيال الأمة وليست ملك دين واحد، لا يملك دين أن يتقاعس ويستكين ويسلِّم بالقدس ولو فعل الفلسطينيون هذا لوجب أن نقاومهم لأنه كما نقول البيت الحرام والمسجد الحرام ليس ملك أهل السعودية بل ملك كل المسلمين كذلك المسجد الأقصى هو ملك أبناء الأمة الإسلامية في الشمال والجنوب والمشارق والمغارب فالواجب على الأمة أن تهب لنجدة المسجد الأقصى وإنقاذ المسجد الأقصى بكل ما يستطيعون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، وأقل شيء مقاطعة إسرائيل، عدم التطبيع مع إسرائيل ورفض العلاقة مع إسرائيل، ومقاطعة من يساند إسرائيل، مقاطعة إسرائيل ومقاطعة أمريكا، أمريكا لازالت إلى الأمس، أولبرايت تقول: نحن مسؤولون عن أمن إسرائيل مادامت الشمس تطلع. إلى متى!! يجب على الأمة الإسلامية أن تقدِّر موقفها وأن تقف وقفة رجل واحد، في سبيل الدفاع عن هذه القضية المقدسة.
مشاهد من السعودية
هل الأمة (وأقصد الشعوب) آثمة في سكوتها عن الوضع الحالي من احتلال القدس والمقدسات وما العمل؟ وسؤال آخر: أريد رأي المشايخ الكرام فيمن يحكم في السلطة الفلسطينية هناك؟
الشيخ عكرمة
نعم، لاشك أنها آثمة ولكن لماذا يُخَصَّص الشعوب فالمسؤولية مشتركة شعوباً وحكاماً، فالمسؤولية لا تقع على الشعوب وحدهم كما أنها لا تقع على الحكام وحدهم بل تقع على الجميع، والإثم ما دامت مدينة القدس محتلة فالإثم يلحق جميع المسلمين في أرجاء المعمورة لأن الأرض مغتصبة وعلى المسلمين أن يحرروها، فالإثم شامل لجميع المسلمين لعدم تمكنهم من تحريرها وبالنسبة لكيفية رفع الإثم، فنحن في بداية الحلقة قلنا أنه لابد من دعم مدينة القدس كل بحسب إمكاناته وحسب قدرته فالمواطن الذي يستطيع أن يقدم معونة ودعماً للجمعيات الخيرية وللمؤسسات التعليمية وللمستشفيات في فلسطين فهو قد قدم جزءاً من واجبه لكن كما قلت أن الهدف البعيد هو تحرير المدينة من الاحتلال الإسرائيلي، فلا يكفي دعم وجودنا في داخل القدس وداخل فلسطين بل لابد في النهاية من التحرير.
القرضاوي
أريد أن أضيف إلى ما قاله الشيخ عكرمة أن المسؤولية مشتركة ولكن المسؤولية الأولى والمسؤولية الكبرى تقع على القادة والحكام، هناك الشعوب للأسف مقهورة، كثير من الشباب يسألني أريد أن أذهب إلى القدس يتحرق ليذهب إلى القدس ليجاهد ولكن كيف يستطيع ذلك؟ مَن يمكِّنه من الذهاب إلى القدس، لا يجد فالمسؤولية مسؤولية الحكام والقادة أكثر من مسؤولية الشعوب، ولكن على الشعوب أن تهيئ نفسها لهذا اليوم يوم التحرير، وأن تبذل من مالها لتقوية الصمود الفلسطيني داخل الأرض المحتلة ندفع لإخواننا هناك لنقوِّي المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي في الداخل، سمعت منذ ليال في إحدى القنوات الفضائية أحد الضيوف يقول ليس هناك من سبيل، القتال والمقاومة لا يمكن أن تجدي وما حلَّ القتال أو الحرب مشكلة، ليس أمامنا إلا الحوار ونصبر على هذا الحوار مهما طال ولو أخذنا 1% أو ½%، وأنا أقول أن الحوار في هذه الأحوال لا يجدي كيف يتحاور الحمل والذئب، كيف يتحاور القلم والسيف، كيف يتحاور اللحم والسكين كيف تتحاور العذراء مع مغتصبيها، حوار غير متكافئ، كيف نحاور هؤلاء؟ نتنياهو يضرب بكلامنا عرض الحائط هناك لابد من المقاومة وأحياناً الحرب تحل المشكلة والله تعالى يقول (كُتِب عليكم القتال وهو كره لكم)، وحينما حاربت مصر سنة 93هـ أو 73م استطاعت أن تحقق شيئاً وأن تبطل أسطورة القوة التي لا تقهر أما مسألة أننا نصبر على ما يفعله هؤلاء مهما طال الأمد هذا أنا أسميه صبر الحمير وليس صبر الأحرار.
بالنسبة لسؤال الأخ الثاني عن الموقف الشرعي من السلطة الفلسطينية فأنا الذي أنادي به في الحقيقة، أنه يجب أن تنضم السلطة الفلسطينية إلى الشعب بعد أن وجدوا أنه لا أمل، حتى أن هذا السلام على ما به من عِلَّات رفضته إسرائيل، إلى متى نركض وراءهم أنُقبِّل أقدامهم أم نلعق أحذيتهم؟ يجب أن تبدأ الانتفاضة الإسلامية في فلسطين يقف فيها الشعب والسلطة الفلسطينية جنباً إلى جنب، ولا يجوز أبداً بحال من الأحوال أن يتعارضا أو يتناقضا أو يتقاتلا ويصوب الرصاص الفلسطيني إلى أخيه الفلسطيني، قد أعجبني قول أخينا المجاهد الشيخ أحمد ياسين أنه مهما عملت فينا السلطة فلن نقاتلها، بل سنكون كخير ابنَي آدم الذي قال لأخيه (لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).
المقدم
فضيلة الشيخ عكرمة نريد منك كلمة توجهها وتختم بها هذا اللقاء الطيب.
الشيخ عكرمة
نحن من بيت المقدس من رحاب المسجد المبارك، من أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين نحيي جميع المشاهدين، جميع المحبين للقدس وللأقصى، نحيي فيكم هذه الروح الإيمانية التي تتفاعل مع القدس، مع الأقصى نطمئنكم بأننا ـ أعني المرابطين ـ على العهد سائرون ونحن السدنة ونحن الحراس للمسجد الأقصى ونمد أيدينا إليكم أيها الأخوة دائماً وباستمرار لأننا أمة واحدة وشعب واحد ونأمل منكم أن تقفوا معنا دائماً في السراء والضراء وحين البأس (إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم) والسلام عليكم أيها الأخوة المشاهدون ورحمة الله وبركاته.
مشاهد من جدة (السعودية)
بالنسبة إذا ذهب شخص من المقاومة الفلسطينية إلى المخيمات الإسرائيلية ومعه رشاش أو قنبلة ويريد أن يفجرها في نفسه وفيهم فهو سيضرهم ولكنه يعلم بأنه سيموت أي أنه يذهب للموت بنفسه فهل هذا العمل يعتبر جهاد في سبيل الله أم يعتبر انتحار؟
القرضاوي
أقول للأخ السائل أنا كتبت في هذا مقالاً أيام العمليات الاستشهادية التي قام بها بعض أبناء حركة المقاومة الإسلامية حماس وأزعجت إسرائيل وأرَّقت مضاجعها وهيَّجوا العالم كله، وأقاموا مؤتمراً من أجل مقاومة الإرهاب مع أن الإرهابي الأكبر هو إسرائيل، إسرائيل هي الإرهابي الأكبر في العالم، واعتبروا هذه العمليات عملاً إرهابياً ولكنه كان ردَّاً على ما فعله اليهود من قتل المدنيين فردوا بهذه العمليات الاستشهادية الرائعة ولا أقول عمليات انتحارية، للأسف كما تقول بعض أدوات الإعلام عنها، هذا ليس انتحاراً هذا قمة الجهاد في سبيل الله، أن يضع الإنسان روحه على كفه ويجعل من نفسه قنبلة بشرية، يقنبِّل نفسه ويدخل في صفوف الأعداء، لقد كتبنا في هذا وأقمنا أدلة كثيرة على أن هذا ليس من الانتحار كما يزعم البعض، أين نفسية المنتحر من نفسية المجاهد، نفسية المنتحر هي نفسية إنسان يائس فيرمي نفسه ويقتل نفسه، إنما هذا إنسان مقاتل، وعمل هذا وهو مصمم على أن ينتصر لدينه ولأرضه ولبلده، فهو إنسان مجاهد بذل نفسه في سبيل الله وكما قال كثير من المفسرين هذا يدخل في قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد) وحينما كان المسلمون يحاربون الروم على أسوار القسطنطينية قام رجل كما حكى أبو أيوب الأنصاري ورمى نفسه على الأعداء، ألقى نفسه في المعمعة فقال بعض الصحابة أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، والله تعالى يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فقام أبو أيوب الأنصاري وقال: لا، ليس الأمر كما فهمتم، هذه نزلت فينا معشر الأنصار حينما قلنا أن الله أعز الإسلام وكَثُر ناصروه فلنعد إلى زرعنا وضرعنا ونخيلنا وثمرنا لنصلحه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) دعاهم إلى النفقة في سبيل الله وإلى الجهاد في سبيل الله، واعتبر أن انحيازهم إلى الأرض وترك الجهاد هو التهلكة، فهذا ليس من التهلكة وليس من الانتحار في شيء، بل هو من أعمال البطولة الإسلامية ومثل هذه الأعمال هي التي تقلق إسرائيل وتزعج إسرائيل، هؤلاء الذين لا يبالون أَوَقَعوا على الموت أم وقع الموت عليهم، هؤلاء قمة المجاهدين والحمد لله.
المقدم
ولكن فضيلة الشيخ البعض يقول أن مثل هذه الأعمال محدودة التأثير، ليست بذلك الأثر البالغ الذي من الممكن أن يلحق الضرر باليهود بحيث تغير مجرى الأحداث أو غير ذلك، فما هو ردك عل هذا؟
القرضاوي
ما المقصود من هذه العمليات؟ وما الهدف منها؟، الهدف منها إزعاج إسرائيل وإقلاق أمن إسرائيل وإخافة الناس لأن هذا سيجعل كثيرين من الذين سيأتوا إلى إسرائيل يقولون هذا بلد غير آمن، ويجعل بعض الناس ـ كما حدث مع بعض الناس ـ في الداخل يفكر بالهجرة، فلو كثرت هذه الأحداث تُقلق أمن إسرائيل، ما يهمني أن إسرائيل لا تنام مرتاحة البال، يخافون دائماً ويقلقون من مثل هذه الأعمال، وهي الممكنة الآن، لا نستطيع أن نقيم جيشاً يقف ضد جيش، ليس أمامنا إلا هذا النوع من حرب العصابات، بعض الناس يقولون أن هذه الأعمال تقتل بعض المدنيين، ولكن من المعروف أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري، رجاله ونساءه جنود في الجيش، حتى النساء يُطلَبن في الجيش، حتى المدنيين هم أعضاء في هذا الجيش، ثم أن هذه أعمال ضرورة قضاها الموقف للرد حينما يقتل اليهود المدنيين كما قتلوا الذين كانوا يصلون في المسجد الأقصى، وكما قتلوا الناس في النفق، وكما قتلوا الناس في لبنان في قانا، كان لابد من رد والشر بالشر يُحسَم والبادئ أظلم.