بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الرحيم الغفار ، الكريم القهار ، مقلب القلوب و الأبصار ، عالم الجهر و الأسرار،
و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً رسول الله.
لقد انفرد الدين الإسلامي بإقرار مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يقصد به مشاركة جميع أفراد المجتمع حكاماً و محكومين في المحافظة على المصالح العامة و الخاصة و دفع المفاسد و الأضرار سواء أكانت مادية أو معنوية، بحيث يشعر كل فرد في هذا المجتمع بأن عليه واجبات تجاه الآخرين و خاصة الذين يعجزون عن تلبية حاجاتهم الخاصة. إن التكافل في الإسلام ليس مقصوراً على الجانب المادي وإنما يتجاوزه ليغطي الجانب المعنوي والأجمل في هذا المبدأ بأنه ليس معنياً بالمسلمين فقط لكنه يشمل كل الناس على اختلاف مللهم و اعتقاداتهم لقوله تعالى في كتابه العزيز: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وذلك لأن أساس التكافل هو كرامة الإنسان لقوله تعالى: ( و لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .
أصل التكافل في الإسلام:
يعد التكافل الاجتماعي إحدى الأسس التي أرساها الإسلام لبناء مجتمع يؤمن بالله وحده بعيد عن النظرة العنصرية لباقي أفراد المجتمعات الأخرى . كما اهتم الإسلام بوضع التشريعات و الأسس التي تنظم العلاقات
و تكفل التماسك بين أفراد المجتمع الإسلامي. و من الأسس التي تقوم عليها المعاملات بين الأفراد: الأخوة: و هو إحساس كل مسلم بأنه أخ للمسلم الآخر مادام ينتسب إلى الإسلام، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك).
التعاون على البر و التقوى: و هو شعور الفرد بأن عليه واجبات تجاه مجتمعه لابد تأديتها و أنه جزء في خدمة الكل يتعاون مع الآخرين على إقامة حدود الله بما فيه الخير لمجتمعه، لقول الله تعالى في كتابه العزيز: ( و تعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان) السلوك الخلقي: و هو التخلق بالأخلاق الفاضلة المستمدة من القرآن الكريم.
ومن النظم الإسلامية التي تكفل تماسك المجتمع فريضة الزكاة. تعتبر فريضة الزكاة فكرة عظيمة في تاريخ المجتمع الإنساني،حيث أعطت الفقير حقه في أموال الأغنياء لا منة و لا إحسان و لكن لأن الله فرض ذلك؛ تطهيراً لنفوسهم و تزكية لأموالهم. أما في المجتمعات الغير إسلامية بقي الفقراء يعيشون تحت رحمة و إحسان الأغنياء. و لم يهتم أحد في العالم بضرورة إجبار الأغنياء على دفع شيء من أموالهم للفقراء في خطوة لحل المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية التي يعيشها الفقراء إلا بعد حوالي ألف سنة من فرض الزكاة في الإسلام. ففي عام 1601م أصدرت بريطانيا " قانون الفقراء" و تم تعيين المستفيدين من الأموال وهم الرجال والنساء والأطفال الفقراء، العجزة، المسنون و المسجونين للأبد. لقد نجح نظام الزكاة في المجتمع الإسلامي في تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في محو ظاهرة الفقر. يعد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز(99_ 101هـ) مثالا يحتذى به في مجال الزكاة حيث يذكر أنه لم يجد محتاجاً يعطيه من أموال بيت مال المسلمين نتيجة لحسن الجمع و حسن التوزيع.
مظاهر التكافل الاجتماعي:
إن كل عمل يقوم به المسلم وفيه حفظ لكرامة الفرد والجماعة، وعون على وحدتهم يعتبر من صميم التكافل. ومن نماذج التكافل الاجتماعي:
1. كفالة كبار السن :
وجه الإسلام عناية خاصة بكبار السن فهم يستحقون الكثير من العناية والرعاية مقابل التضحيات التي قدموها من أجل إسعاد الجيل الذي رعوه. وقد ألزم الإسلام الأبناء البر بوالديهم و أولاهم مسؤولية رعايتهم عند الكبر، ولو كان دينهما مختلفاً عن الأبناء فإن ذلك لا يقسط حقهم ولا يلغي تلك المسؤولية لقوله تعالى في كتابه العزيز: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) . إذا لم يكن لكبار السن أبناء انتقلت المسؤولية إلى المجتمع عن طريق إنشاء دور للمسنين يشرف على رعايتهم أفراد متخصصين في هذا المجال. فالرعاية لكبار السن لا تقف عند الجانب المادي بل تغطي الجانب النفسي فهم بحاجة له لقول الله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) .
2. كفالة الصغار والأيتام :
أولى الإسلام اهتماما بأطفال وألزم الوالدين برعاية الأبناء وتربيتهم التربية الصالحة. فإذا توفي الوالدين انتقلت مسؤولية رعايتهم إلى الأقارب القادرين فإذا لم يتواجد أحد فإن المجتمع يضم اليتيم بصورة تلقائية من خلال المؤسسات الخيرية. و قد وضع الإسلام النظم التي تكفل حقوق اليتيم مثل حفظ أموال اليتيم و السعي وراء تنميتها وردها له عند بلوغه سن الرشد و القدرة على تحمل المسؤولية لقوله تعالى: ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) (وارزقوهم فيها و أكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)
3. كفالة الفقراء و المساكين :
يطالب الإسلام الفقراء بالعمل لتوفير حاجاتهم كما أنه يفرض على المجتمع المسؤولية الكاملة عن فقرائه الذين لا يجدون عملا أو لا توفي مواردهم حاجاتهم وذلك من خلال فريضة الزكاة التي قيمتها 2.5% من ثروة المجتمع تجمعها الدولة كل عام لتوزعها على الفقراء والمساكين و غيرهم من مصارف الزكاة التي حددهم القرآن الكريم بقوله: ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)
4. رعاية حق الجار:
أكد الإسلام على البر بالجار و كف الأذى عنه و حدد حقوقه المتمثلة في حديث رسولنا الكريم _ عليه الصلاة والسلام_ : ( إن مرض عدته وإن أصابه خير هنأته وإن أصابه مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) .
5. حقوق الضيف والغريب:
حض الدين الإسلامي على إكرام الضيف و إحسان ضيافته كما اعتبر إكرام الضيف خلقا كريما يوحي بصدق الإيمان وتأصله في النفس، حيث ورد على لسان نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)
المؤسسات الاجتماعية التي تخدم مبدأ التكافل في مجتمع الإمارات 1. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية :
تلعب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية دوراً رائداً في تطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وذلك من خلال:
تقديم التأمينات الاجتماعية للمواطنين المحتاجين.
مكافحة البطالة وتوفير العمل.
الإشراف على الهيئات والمؤسسات الأجنبية والدولية التي تقدم مساعدات مادية أو معنوية.
2. المجهودات الفردية:
مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية :
تتمتع مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية بمكانة مرموقة بين المنظمات الإنسانية العاملة اليوم. تم إنشاء هذه المؤسسة عام 1992 برأسمال قدره مليار دولار
( 3.68 مليار درهم ) ، يتمثل في وقف ينفق من ريعه على المشاريع الخيرية لصاحب السمو رئيس الدولة في الداخل والخارج. أما أهداف المؤسسة فتشمل :
إنشاء ودعم المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية ومجامع البحث العلمي الإسلامي بالتوعية والتعريف الصحيح بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
تقديم الدعم للمدارس ومعاهد التعليم العالي ومراكز البحث العلمي والمكتبات العامة ومؤسسات التدريب المهني وتقديم المنح الدراسية.
بناء المستشفيات والمستوصفات ودور التأهيل الصحي ودور الأيتام ورعاية الطفولة ومراكز المسنين والمعاقين
من مبادئ الإسلام الحنيف ، التكافل الإجتماعي ..
وهذا ما يفتقده الغرب في ظل المدنية والصراع المستميت من أهلها في الحصول على المكتسبات الدنيوية ...
دون التطلع لما عند الله جل وعلا في الآخرة ..
مما جعل مجتمعاتهم تتصف بالأنانية وتفضيل الذات .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ] حديث صحيح رواه البخاري ومسلم
__________________
[ والـعـصر-1- إن الإنسان لـفي ُخسـر -2- إلا الذين آمـنـوا وعـملوا الصالحات وتـواصوا بالـحـق وتـواصوا بالـصـبر-3-]
لا حـول ولا قـوة إلا بالله العـلي العـظـيـم
كوني دائما إيجابية وضع أصبعك في أذنيك لكي لا تسمع لذلك الشخص الذي يخبرك أنك لا تستطيع أن تنجزي أحلامك.
وضع في اعتقادك أنك تستطيع النجاح دائماوالتكافل الاجتماعي بمعنى التساند والاجتماع والالتقاء ويحدث هذا بين أفراد المجتمع وجماعاته بحيث تراعى مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ولا يطغى أحدها على الآخر. فالتكافل الاجتماعي كفالة متبادلة بين أفراد المجتمع للتعاون في المنشط والمكره على تحقيق منفعة أو دفع مضرة ولا يكون لفريق في هذا التكافل فضل على فريق آخر، إذ العبء فيه موزع على كافة الأفراد والفائدة فيه عائدة على الجميع و هذه الصور ة لا تتحقق إلا في المجتمع الإسلامي الذي يرتبط أفراده برباط العقيدة
فالتكافل بين أفراد المجتمع المسلم الغني يكفل الفقير، والقوي يكفل الضعيف، هو عملية مستمرة ومسئولية متبادلة بين الأفراد بحيث يشعر كل فرد من أفراد المجتمع بإحساس أخيه وشعوره ، وأن ما ينال أخاه من خير أو شر عائد عليه لا محالة والمسجد الذي يعمل على ترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي يساهم في علاج مشكلتي الفقر والبطالة، وذلك من خلال الدور الذي يقوم به إمام المسجد وخطيب المسجد وأسرة المسجد.ويمكن لإمام المسجد وخطيبه أن يقوم بدورٍ حيوي لتحقيق الترابط الأخوي، ودعم أجواء الأمن والسلامة، وصيانة المجتمع من دواعي الأنانية والتعسف، لإيجاد مجتمع فاضل متعاون، من خلال حثّه المصلين على القيام بتوطيد العلاقة بينهم، و تجسيد نظام التكافل الاجتماعي، وشعور كل مسلم بمسؤوليته نحو مجتمعه، فيعمل كل فرد على تعميق معاني الأخوة الإيمانية، بتبادل مشاعر المحبة والود، وتصفية النفوس من الشحناء، وتنقيتها من العداوة والبغضاء، وسعي كل عضو لدفع مظاهر السخرية والاحتقار، والعمل على فك الضائقات وتفريج الكربات، بالبذل والإنفاق، وتفقد المحتاجين من أبناء الحي والتبرع لهم، والعطف على المعوزين والمعدمين، والنظر في أحوال المرضى والمعاقين، والرحمة بهم، ومدّ يد العون لأولئك الذين عضتهم أنياب الفقر، وأصابتهم الفاقة، والعناية بمن يحتاجون إلى رعاية مادية ومعنوية. كما أن إمام المسجد يستطيع –بما يحظى به من ثقة- أن يستقطب الأثرياء وذوي اليسار من أبناء الحي، ليكونوا مصدر تمويلٍ لإخوانهم المحتاجين، للتخفيف من معاناتهم، ومساعدتهم بما أنعم الله عليهم من المال، وسدّ حاجات الفقراء، وبسط أيديهم للإنفاق على العجزة والأيامى، والمكلومين واليتامى، والعاجزين عن التكسب والعمل، والتخفيف من آلامهم، كلُّ ذلك من أجل إقامة جسور من الرحمة والرأفة مع أفراد المجتمع، الذين أدت بهم الظروف المعيشية إلى الوصول إلى هذه الحالة، وإشباعهم وإكفائهم وانتشالهم من مذلة السؤال ومهانته.
إن التكافل الاجتماعي حين يطبق بين أفراد المجتمع، تبرز آثاره التربوية النافعة، في معالجة النفوس، وإصلاح القلوب، وتهذيب السلوك والطباع، والإحساس بالشعور الأخوي بين الجميع، وترسيخ التآلف والتعايش الودي الآمن، والمعالجة العملية لحالات من الفقر والحرمان، والعجز والإعسار.
إنَّ العناية بالتكافل الاجتماعي، وتطبيقه عملياً، يحفظ المجتمع وينقذه من لجوء البعض إلى طريق الإجرام، والوقوع في مزالق الانحراف، ومحاضن الرذيلة، وسلوك السبل الملتوية للوصول إلى تحقيق الهدف، مما يؤدي إلى خلخلة أمن المجتمع، وتفككه واضطرابه، وارتفاع نسبة الجريمة، فالتكافل الاجتماعي لـه دور مهم وفعال في انضباط الأفراد، وتحقيق الأم ن الاجتماعي، وترسيخ الاستقرار والاطمئنان، وغرس القيم الإيمانية بين جميع فئات المجتمع، وهي القيم التي تحفظ على المجتمع أمنه وسلامه، وتبث فيه روح الإخاء، وتبعده عن الاستغلال والعدوان، وتنقي النفوس من الأحقاد والعداوات.
1- كفالة الأغنياء للأقارب الفقراء:
حيث حث الإسلام على كفالة الأغنياء للأقارب الفقراء لأنهم أعلم بأحوالهم حيث قال تعا لى : } لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ { (البقرة: 177) وقال تعالى : } وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { (الأنفال: 75)
2- كفالة اليتامى:
اهتم الإسلام باليتامى اهتماماً كبيراً حيث ذكرهم المولى عز وجل في كتابه العزيز في اثنتين وعشرين آية، لكن الله سبحانه وتعالى لم يحث صراحة على كفالة اليتيم ولا في آية واحدة ويشعر هذا إلى أن كفالة اليتيم هي من الأمور البديهية التي لا تحتاج إلى النص عليها رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على كفالة اليتيم واهتم بذلك ، فقد أخرج البخاري عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ و َالْوُسْطَى0000 وقد حصر الدكتور عبد العال أحمد عبد العال التكافل الاجتماعي في الخطوط العريضة التالية:
1 - أن يشعر كل فرد في المجتمع بأن عليه واجبات يجب أن يؤديها وأن له حقوقاً يلزم الدولة أن تكفلها له. فقد أخرج البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فى َكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رعيته) 2- فتح باب العمل للقادرين وسد حاجة غير القادرين عليه ويوجب الإسلام على بيت المال الإنفاق على المحتاجين لذلك ، والمسجد بإمكانه أن يقوم بدور في حل أزمة المحتاجين في هذا الجانب من خلال تنمية شعور التكافل الاجتماعي بين المسلمين، ومن خلال صندوق العائلات الفقيرة الذي من الممكن إنشاؤه في كل مسجد بحيث يقوم المصلون الذين يستطيعون أن يتبرعوا بدينار واحد كل أسبوع لإعالة العائلات الفقيرة والمحتاجة ، أو من خلال صناديق الزكاة التي تنتشر من خلال المساجد.
3 - توزيع الأموال العامة على وجه يحقق التوازن بين المسلمين .
4- اشتراك كل أفراد المجتمع القادرين على تحمل المسئوليات في تنمية الخير ودفع الشر.
5- أن يوقن الناس بأنهم متساوون في أصل الحقوق والواجبات وأن الجزاء على الأعمال على حسب طبيعتها ومقدارها وثمرتها . قال تعالى : } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { (المائدة: 2)
لعالم الاجتماع الراحل الدكتور أحمد المجدوب بريقا خاصا في هذا التوقيت مع أزمة الانهيار المالي العالمية، وانعكاساتها على الفقراء في العالم، حيث أدت الأزمة خلال أيامها الأولى إلى تقلص نسبي في تبرعات جهات خيرية كانت تعتمد على تلقي الإعانات من شركات ومساهمين متطوعين ومحبين للعمل الإغاثي. وتبدو الحاجة ماسة إلى إعادة غرس قيم التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
يشير الدكتور المجدوب ـ رحمه الله ـ إلى حرص الإسلام على نشر قيم التكافل بين أفراد المجتمع، وبدرجة ضبطت السلوك الاجتماعي لأفراده، فكانت قيم التكافل نظاماً لتربية روح الفرد، وضبط إيقاع الأسرة، ونظاماً ربانيا لاتزان العلاقات الاجتماعية، من خلال البر، والإحسان، والصدقة، حيث نفى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كمال الإيمان عن من يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم:«ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». وعد القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنّ الله يحبُّ المُحسنين} (البقرة/195).
وأكد المؤلف في سياق حديثه على حرص الرسول الكريم على تكريس قيم التكافل الاجتماعي في المجتمع النبوي، واهتمامه ببناء المجتمع المتكامل، وقد حشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك المجتمع بقوله:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". البخاري و" مسلم وبالتالي فالتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مقصورا على النفع المادي، وإن كان ذلك ركنا أساسيا فيه، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة.
ولا تقتصر قيم التكافل الاجتماعي في الإسلام على المسلمين، بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع، كما قال الله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم". [ الممتحنة: 8 ] فالتكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم؛ فقد قال الله تعالى:" يا أيها الناس" إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". [ الحجرات: 113 ]، فهو يتدرج ليشمل الإنسانية جمعاء؛ حيث يبدأ الإنسان المسلم" بدائرته الذاتية، ثم دائرته الأسرية، ثم محيطه الاجتماعي، ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة.
وأكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة، وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار. ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها، كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية" في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". [ البخاري و مسلم ]. وحيث إن المال قوام الحياة المادية، والمرأة داخلة في ولاية زوجها؛ فهو مسؤول عنها بالنفقة، قال الله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا "[ الطلاق: 6 ]. بل إن الإسلام قد أوجب النفقة للزوجة على" الزوج حتى لو كانت مطلقة، فإن النفقة والسكن واجبة عليه طول فترة العدة، وهي المدة التي تنتظرها المرأة المطلقة ولا تتزوج من غيره استبراء للرحم، كما أن الزوج يدفع لها ثمن إرضاعها لابنه منها حال طلاقها، قال الله تعالى: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ". [ "الطلاق: 6 ]. كما أكد الإسلام حق الأولاد الصغار في الرعاية والتربية، وجعل ذلك أهم واجبات الأبوين، فلم يكتف الإسلام بالدافع الفطري لقيام الأبوين بواجبها، بل عزز ذلك بقواعد محددة تضمن للأولاد النشوء في صورة مثلى تكفل لهم حقوقهم كاملة.
ويعرض الدكتور المجدوب ـ رحمه الله ـ نماذج لأنماط وأشكال التكافل الاجتماعي، فمن بين الزكاة والصدقات هناك الوقف على الذرية وعلى المحتاجين والمعوزين، حيث يمثل الوقف نظاماً اجتماعياً تكافلياً، مستندا لأصلين هما:
أولاً: أن المال لله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، كما قال تعالى: (وءاتوهم من مال الله الذي آتاكم) (النور33)، وقوله: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) (الحديد7).
ثانياً: الدافع الإيماني والرغبة فيما عند الله تعالى من الأجر والثواب الدائم. وقد دلت السنة على مشروعية الوقف، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر أحب أرضاً من أرض خيبر، فقال: " يا رسول الله، إني أحببت أرضاً بخيبر، لم أحبب مالا - قط - أنفس عندي منه، فما تأمرني؟" قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على أن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، في الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً، غير متمول مالا. (رواه البخاري في صحيحه).
ويشير المؤلف إلى أن للوقف دورا رئيسا في سد حاجات المجتمع الإسلامي، من خلال الإنفاق والتصدق والبذل في وجوه البر. وهذا سبيل إلى مرضاة الله ورسوله، وطريق إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ فالوقف نوع من القربات التي يستمر بها صدقة جارية إلى قيام الساعة، فعن أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". (رواه مسلم في صحيحه). ويحقق الوقف مبدأ تكافل المجتمع وإيجاد عنصر التوازن بين الأغنياء والفقراء، ويضمن الوقف بقاء المال وحمايته ودوام الانتفاع منه، ويوفر سبل التنمية عملياً وعلمياً بمفهوم تكاملي شامل. ومن مظاهر التكافل الاجتماعي التي يحققها الوقف، الوقف على المحتاجين والمعوزين، مثل وقف الرباطات والخانات بتأمين إقامة وبيت لمن لا مأوى له، لا سيما أبناء السبيل الذين انقطعت بهم السبل ولا مأوى لهم، ووقف القايات والمطاعم، ويهدف مثل هذا الوقف إلى تأمين المأكل والمشرب لأولئك المعوزين الذين لا يملكون من المال ما يدفع عنهم ضرر الجوع والعطش، و كذلك صرف مبالغ مالية ومساعدات عينية من الأوقاف للفقراء والمساكين، من خلال ريع المال الموقوف لتأمين دخل دوري وثابت لأولئك المعوزين أو العاجزين. كما تنوعت خدمات الوقف لدور التعليم والمتعلمين، حيث كفلت للمعلمين والمتعلمين شؤون التعليم والإقامة والطعام والعلاج، بل وتأمين أماكن إقامة يأوي إليها المسافرون لطلب العلم.
ومن أهم أشكال التكافل الاجتماعي في الإسلام " الزكاة" التي فرضها الله لتوفير احتياجات الفقراء، وتوفير الصحة النفسية للإنسان، وهي ترفع من معنوياته، وتحارب فيه أية بادرة من بوادر الانعزالية أو الشعور بالوحدة؛ إذ إنَّ الإنسان وهو يخرج بنفسه طواعية واختياراً بعض ماله يؤدي به الزكاة المفروضة عليه يشعر بأنه يسهم في بناء المجتمع، ويعمل على إسعاد أفراده؛ لأنه ضمن عوامل استقرار المجتمع وتراجع الجريمة. و سدّ الله تعالى بالزكاة جوانب عديدة في المجتمع الإسلامي؛ فقد سدت حاجة اليتيم الذي لا أهل له ولا مال له.. والفقير الذي لا يجد له ولا لزوجه ولا لأولاده ما يسدّ حاجتهم.. والمدين الذي أعضلته الديون ولا سداد عنه.. والمجاهدين والحجاج وطلبة العلم المنقطعون له ولا يجدون ما ينفقون. فالزكاة ـ هذه الأداة الربانية ـ حين طبقتها الأمة نجحت في محاربة الفقر، ونزعت من القلوب الحقد والحسد من الفقير للغني، وقللت كثيراً من الجرائم الخلقية والاجتماعية؛ وذلك بإزالة أسبابها من الفقر والحاجة، وعوَّدت المؤمنين البذل والسخاء، وهيأت سبل العمل لمن لا يجد المال. وفي القرآن الكريم إلحاح على قيم التضامن والتكافل بين المسلمين. وتكريس لهذه القيم بين الناس جميعاً. والآيات القرآنية في هذا المجال كثيرة جداً، والقرآن الريم يخاطب الناس جميعاً بهذا البعد العظيم المعبر عن روح المساواة بين البشر: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم (وهذا الآية الكريمة تؤكد قضيتين هامتين في الإطار الحضاري الإنساني:
الأولى: أن الله تعالى، قد خلق الناس شعوباً وقبائل لكي يتعارفوا، وليس لكي يتخاصموا، وهكذا فإن الحضارة الإسلامية في محكم الآيات القرآنية تدعو إلى الحوار الحضاري وليس إلى الصراع الحضاري، وتؤكد أن الإسلام يعترف بالشعوب الأخرى وعقائدها وحضاراتها.
والثانية: أن الله تعالى يؤكد أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم وليس أبيضهم أو أسودهم أو أغناهم أو أشرفهم نسباً:
وهاتان القضيتان تبرزان بوضوح الفهم الإنساني العميق لدى الحضارة الإسلامية لحقائق الوجود البشري.
وقد انطلقت استراتيجية التعامل الحضاري في التاريخ الإسلامي من هذا المفهوم، فلم يقم المسلمون بإجبار الآخرين على تغيير معتقدهم، ولا يذكر التاريخ أن فترة أو حاكماً أو مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي شهدت عمليات إرهاب ديني أو قمع مذهبي. ويؤكد هذا وجود عدد من الأديان والطوائف والمذاهب تمتعت بحرياتها خلال المراحل المختلفة لحكم الإسلام عبر أربعة عشر قرناً. وإذا أردنا تتبع الآيات القرآنية في هذا الميدان لرأيناها أكثر من أن تحصى، ومن شواهدها قوله تعالى: (لا إكراه في الدين ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن ومن جهة ثانية أكد القرآن الكريم على ضرورة وحدة الصف وتضامن المؤمنين في سائر مواقفهم تحقيقاً لوحدتهم وتتويجاً لمصالحهم المشروعة.
قال تعالى:
إنما المؤمنون إخوة ,,واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ,,وتعاونوا على البر والتقوى
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
ج - وفي الحديث الشريف دعوة إلى التكافل بين المؤمنين، ودعوة إلى معاملة الناس بالحسنى، وإلى رص الصفوف والتناصح والحرص على المصلحة العامة، ونبذ الخصومات، والإصلاح بين الناس، ومساعدتهم.
ومما ورد في الحديث الشريف تدليلا على هذه المعاني قوله (ص(
الدين النصيحة رواه مسلم.
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » متفق عليه . "لا ضرر ولاضرار"رواه ابن ماجة والدار قطنى
لا يحل لرجل أن يروع مسلماً» رواه الطبراني.
أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصِم» متفق عليه.
«من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» الطبراني.
«من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه.
«المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله» الترمذي.
«المسلمون شركاء في ثلاث: الماء و الكلأ والنار» أبو داود.
«إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً، فعليكم بالسواد الأعظم» ابن ماجة.
«إن المرء كثير بأخيه» ابن سعد.
«لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا و لا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» متفق عليه.
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.
«إن قوماً ركبوا في سفينة فاقتسموا، فصار لكل رجل منهم موضع، فنقب أحدهم موضعه بفأس، قالوا: ما تصنع؟ !… قال: هو مكاني أصنع به ما أشاء، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا» البخاري.
مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.
وهكذا نجد أن هذه الأحاديث الشريفة تكرس قيماً نبيلة يمكن إيجازها فيما يلي:
الدعوة إلى وحدة الصف وعدم التنابذ والتخاصم.
الدعوة إلى التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع حرصاً على المصلحة العامة.
الدعوة إلى التشاور وتغليب الرأي العام على المصالح الخاصة.
الدعوة إلى المودة والأمن والسلام والتسامح.
وهذه القيم سارت عليها خطوات الحضارة الإسلامية عبر تاريخها الطويل وأرستها سلوكاً عاماً ورسمياً وفردياً.
د – وإذا نحن استعرضنا جوانب عامة من سمات الحضارة الإسلامية لرأينا أنها امتازت – عبر تاريخها ومناطقها الكثيرة – بمزايا عدة جعلت منها مناراً إنسانياً رفيعاً. ولعل أبرز هذه المزايا:
١ـ التسامح وسعة الأفق واستيعاب كل الحضارات والتيارات الفكرية السابقة.
٢ - المرونة العقلانية التي تعاملت بها مع التيارات الداخلية فيها، من سنة وشيعة ومعتزلة وأشاعرة… وما يتضمنه ذلك من فرق ومدارس شتى. ومن جهة أخرى ما تعاملت به هذه الحضارة مع الحضارات الأخرى. ونلاحظ هذه المرونة والعقلانية في جملة الآيات والأحاديث التي تدعو إلى إعمال العقل واحترامه.
٣ - احترام الآخر وإفساح المجال لإبداء رأيه والتعامل معه على قدر كبير من الحرية الفكرية. وتشهد مجالس الخلفاء والأمراء والسلاطين على مدى ماكان يجري فيها من مناقشات بين أفكار ومذاهب وآراء وتيارات… في إطار غلب عليه احترام الآخر وعدم رفضه وعدم قمعه. والدليل على ذلك استمرار أكثر تلك التيارات والمذاهب حية حتى اليوم.
٤ - التكافل في صوره الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بما يتضمنه ذلك من نظام مالي قائم على الزكاة والضرائب المدروسة والتوجه نحو العدالة الاجتماعية التي تشمل طبقات المجتمع وفئاته المتباينة. (إن الله يحب المقسطين وذلك بغض النظر عن لون بشرة الناس وعرقهم ومذهبهم.
٥ - الحث على التشاور وعدم اتخاذ القرارات الفردية، وهذا تأكيد على دور التضامن في المجتمع. (وأمرهم شورى بينهم
(وشاورهم في الأمر
٦ - إن التضامن والتكافل يقتضي أن يتحلى المجتمع بالرفق والعلاقات الإنسانية. ولذا نجد القدوة والمثل في دعوة القرآن الكريم للرسول (ص) لأن يكون نموذجاً في سلوكه الرحيم اللين العطوف الذي يقوي أواصر التفاهم والتضامن: فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب، لانفضوا من حولك .0000
....الخاتمة....
إن بناء الأمم و الحضارات القوية يتطلب جهود وتضحيات عظيمة ولكن الإسلام قام برسم التشريعات التي تكفل الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع. وعن مظاهر التكافل الاجتماعي وآثاره ذكر الشيخ الغزالي : بأن المجتمع الذي يقوم على التعاون، و يتحقق بين أفراده التكافل، ويسود في أرجائه الشعور بالمحبة والإخاء والإثار فهو مجتمع حصين متماسك ، لا تؤثر فيه معاول الهدم ، ولا تزعزعه نكبات الأيام ، ويصبح آنذاك قادراً على تحقيق الهدف الأسمى : خلافة الله في الأرض وإعمارها على منهج التوحيد وشريعة الإسلام 0 إن التكافل لايقف عند تحقيق مصالح الجيل الحالي بل يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل وهو ما من شأنه أن يسهم في محاصرة الكثير من الأخطار التي تواجه مستقبل البشرية و التي نشأت من جراء لهاث جيل اليوم وراء مصالحه دون اعتبار لمستقبل البشرية مثل مشكلة البيئة والموارد الطبيعية.لذلك يجب على الجيل الحالي أن يحسن في تصرفاته فلا ينهب ولا يبدد الطاقات التي يمتلكها ليظل جيل المستقبل يحمل انطباعا ًجيداً عن الجيل الحاضر يحفظ مكانته و يستغفر له لقوله تعالى: ( و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
قائمة المصادر و المراجع:
1. د. فتحية النبراوي، تاريخ النظم والحضارة الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثامنة،1998.
2. الموسوعة العربية العالمية، الجزء السابع، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية،1999
3. كفالة الأيتام
4. كفالة الفقراء والمساكين
5. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
: 6. مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية:
7. الشيخ الغزالي
8. المصدر
موضوع التكافل الاجتماعي لكل المستويات الثانوية
9-التكافل الاجتماعي في الإسلام وأثره في منع الجريمة والوقاية منها(كتاب
10- الكتب الدراسية
المقدمة
الحمد لله الرحيم الغفار ، الكريم القهار ، مقلب القلوب و الأبصار ، عالم الجهر و الأسرار،
و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً رسول الله.
لقد انفرد الدين الإسلامي بإقرار مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يقصد به مشاركة جميع أفراد المجتمع حكاماً و محكومين في المحافظة على المصالح العامة و الخاصة و دفع المفاسد و الأضرار سواء أكانت مادية أو معنوية، بحيث يشعر كل فرد في هذا المجتمع بأن عليه واجبات تجاه الآخرين و خاصة الذين يعجزون عن تلبية حاجاتهم الخاصة. إن التكافل في الإسلام ليس مقصوراً على الجانب المادي وإنما يتجاوزه ليغطي الجانب المعنوي والأجمل في هذا المبدأ بأنه ليس معنياً بالمسلمين فقط لكنه يشمل كل الناس على اختلاف مللهم و اعتقاداتهم لقوله تعالى في كتابه العزيز: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وذلك لأن أساس التكافل هو كرامة الإنسان لقوله تعالى: ( و لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .
أصل التكافل في الإسلام:
يعد التكافل الاجتماعي إحدى الأسس التي أرساها الإسلام لبناء مجتمع يؤمن بالله وحده بعيد عن النظرة العنصرية لباقي أفراد المجتمعات الأخرى . كما اهتم الإسلام بوضع التشريعات و الأسس التي تنظم العلاقات
و تكفل التماسك بين أفراد المجتمع الإسلامي. و من الأسس التي تقوم عليها المعاملات بين الأفراد: الأخوة: و هو إحساس كل مسلم بأنه أخ للمسلم الآخر مادام ينتسب إلى الإسلام، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك).
التعاون على البر و التقوى: و هو شعور الفرد بأن عليه واجبات تجاه مجتمعه لابد تأديتها و أنه جزء في خدمة الكل يتعاون مع الآخرين على إقامة حدود الله بما فيه الخير لمجتمعه، لقول الله تعالى في كتابه العزيز: ( و تعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان) السلوك الخلقي: و هو التخلق بالأخلاق الفاضلة المستمدة من القرآن الكريم.
ومن النظم الإسلامية التي تكفل تماسك المجتمع فريضة الزكاة. تعتبر فريضة الزكاة فكرة عظيمة في تاريخ المجتمع الإنساني،حيث أعطت الفقير حقه في أموال الأغنياء لا منة و لا إحسان و لكن لأن الله فرض ذلك؛ تطهيراً لنفوسهم و تزكية لأموالهم. أما في المجتمعات الغير إسلامية بقي الفقراء يعيشون تحت رحمة و إحسان الأغنياء. و لم يهتم أحد في العالم بضرورة إجبار الأغنياء على دفع شيء من أموالهم للفقراء في خطوة لحل المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية التي يعيشها الفقراء إلا بعد حوالي ألف سنة من فرض الزكاة في الإسلام. ففي عام 1601م أصدرت بريطانيا " قانون الفقراء" و تم تعيين المستفيدين من الأموال وهم الرجال والنساء والأطفال الفقراء، العجزة، المسنون و المسجونين للأبد. لقد نجح نظام الزكاة في المجتمع الإسلامي في تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في محو ظاهرة الفقر. يعد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز(99_ 101هـ) مثالا يحتذى به في مجال الزكاة حيث يذكر أنه لم يجد محتاجاً يعطيه من أموال بيت مال المسلمين نتيجة لحسن الجمع و حسن التوزيع.
مظاهر التكافل الاجتماعي:
إن كل عمل يقوم به المسلم وفيه حفظ لكرامة الفرد والجماعة، وعون على وحدتهم يعتبر من صميم التكافل. ومن نماذج التكافل الاجتماعي:
1. كفالة كبار السن :
وجه الإسلام عناية خاصة بكبار السن فهم يستحقون الكثير من العناية والرعاية مقابل التضحيات التي قدموها من أجل إسعاد الجيل الذي رعوه. وقد ألزم الإسلام الأبناء البر بوالديهم و أولاهم مسؤولية رعايتهم عند الكبر، ولو كان دينهما مختلفاً عن الأبناء فإن ذلك لا يقسط حقهم ولا يلغي تلك المسؤولية لقوله تعالى في كتابه العزيز: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) . إذا لم يكن لكبار السن أبناء انتقلت المسؤولية إلى المجتمع عن طريق إنشاء دور للمسنين يشرف على رعايتهم أفراد متخصصين في هذا المجال. فالرعاية لكبار السن لا تقف عند الجانب المادي بل تغطي الجانب النفسي فهم بحاجة له لقول الله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) .
2. كفالة الصغار والأيتام :
أولى الإسلام اهتماما بأطفال وألزم الوالدين برعاية الأبناء وتربيتهم التربية الصالحة. فإذا توفي الوالدين انتقلت مسؤولية رعايتهم إلى الأقارب القادرين فإذا لم يتواجد أحد فإن المجتمع يضم اليتيم بصورة تلقائية من خلال المؤسسات الخيرية. و قد وضع الإسلام النظم التي تكفل حقوق اليتيم مثل حفظ أموال اليتيم و السعي وراء تنميتها وردها له عند بلوغه سن الرشد و القدرة على تحمل المسؤولية لقوله تعالى: ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) (وارزقوهم فيها و أكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)
3. كفالة الفقراء و المساكين :
يطالب الإسلام الفقراء بالعمل لتوفير حاجاتهم كما أنه يفرض على المجتمع المسؤولية الكاملة عن فقرائه الذين لا يجدون عملا أو لا توفي مواردهم حاجاتهم وذلك من خلال فريضة الزكاة التي قيمتها 2.5% من ثروة المجتمع تجمعها الدولة كل عام لتوزعها على الفقراء والمساكين و غيرهم من مصارف الزكاة التي حددهم القرآن الكريم بقوله: ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)
4. رعاية حق الجار:
أكد الإسلام على البر بالجار و كف الأذى عنه و حدد حقوقه المتمثلة في حديث رسولنا الكريم _ عليه الصلاة والسلام_ : ( إن مرض عدته وإن أصابه خير هنأته وإن أصابه مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) .
5. حقوق الضيف والغريب:
حض الدين الإسلامي على إكرام الضيف و إحسان ضيافته كما اعتبر إكرام الضيف خلقا كريما يوحي بصدق الإيمان وتأصله في النفس، حيث ورد على لسان نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)
المؤسسات الاجتماعية التي تخدم مبدأ التكافل في مجتمع الإمارات 1. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية :
تلعب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية دوراً رائداً في تطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وذلك من خلال:
تقديم التأمينات الاجتماعية للمواطنين المحتاجين.
مكافحة البطالة وتوفير العمل.
الإشراف على الهيئات والمؤسسات الأجنبية والدولية التي تقدم مساعدات مادية أو معنوية.
2. المجهودات الفردية:
مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية :
تتمتع مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية بمكانة مرموقة بين المنظمات الإنسانية العاملة اليوم. تم إنشاء هذه المؤسسة عام 1992 برأسمال قدره مليار دولار
( 3.68 مليار درهم ) ، يتمثل في وقف ينفق من ريعه على المشاريع الخيرية لصاحب السمو رئيس الدولة في الداخل والخارج. أما أهداف المؤسسة فتشمل :
إنشاء ودعم المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية ومجامع البحث العلمي الإسلامي بالتوعية والتعريف الصحيح بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
تقديم الدعم للمدارس ومعاهد التعليم العالي ومراكز البحث العلمي والمكتبات العامة ومؤسسات التدريب المهني وتقديم المنح الدراسية.
بناء المستشفيات والمستوصفات ودور التأهيل الصحي ودور الأيتام ورعاية الطفولة ومراكز المسنين والمعاقين
من مبادئ الإسلام الحنيف ، التكافل الإجتماعي ..
وهذا ما يفتقده الغرب في ظل المدنية والصراع المستميت من أهلها في الحصول على المكتسبات الدنيوية ...
دون التطلع لما عند الله جل وعلا في الآخرة ..
مما جعل مجتمعاتهم تتصف بالأنانية وتفضيل الذات .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ] حديث صحيح رواه البخاري ومسلم
__________________
[ والـعـصر-1- إن الإنسان لـفي ُخسـر -2- إلا الذين آمـنـوا وعـملوا الصالحات وتـواصوا بالـحـق وتـواصوا بالـصـبر-3-]
لا حـول ولا قـوة إلا بالله العـلي العـظـيـم
كوني دائما إيجابية وضع أصبعك في أذنيك لكي لا تسمع لذلك الشخص الذي يخبرك أنك لا تستطيع أن تنجزي أحلامك.
وضع في اعتقادك أنك تستطيع النجاح دائماوالتكافل الاجتماعي بمعنى التساند والاجتماع والالتقاء ويحدث هذا بين أفراد المجتمع وجماعاته بحيث تراعى مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ولا يطغى أحدها على الآخر. فالتكافل الاجتماعي كفالة متبادلة بين أفراد المجتمع للتعاون في المنشط والمكره على تحقيق منفعة أو دفع مضرة ولا يكون لفريق في هذا التكافل فضل على فريق آخر، إذ العبء فيه موزع على كافة الأفراد والفائدة فيه عائدة على الجميع و هذه الصور ة لا تتحقق إلا في المجتمع الإسلامي الذي يرتبط أفراده برباط العقيدة
فالتكافل بين أفراد المجتمع المسلم الغني يكفل الفقير، والقوي يكفل الضعيف، هو عملية مستمرة ومسئولية متبادلة بين الأفراد بحيث يشعر كل فرد من أفراد المجتمع بإحساس أخيه وشعوره ، وأن ما ينال أخاه من خير أو شر عائد عليه لا محالة والمسجد الذي يعمل على ترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي يساهم في علاج مشكلتي الفقر والبطالة، وذلك من خلال الدور الذي يقوم به إمام المسجد وخطيب المسجد وأسرة المسجد.ويمكن لإمام المسجد وخطيبه أن يقوم بدورٍ حيوي لتحقيق الترابط الأخوي، ودعم أجواء الأمن والسلامة، وصيانة المجتمع من دواعي الأنانية والتعسف، لإيجاد مجتمع فاضل متعاون، من خلال حثّه المصلين على القيام بتوطيد العلاقة بينهم، و تجسيد نظام التكافل الاجتماعي، وشعور كل مسلم بمسؤوليته نحو مجتمعه، فيعمل كل فرد على تعميق معاني الأخوة الإيمانية، بتبادل مشاعر المحبة والود، وتصفية النفوس من الشحناء، وتنقيتها من العداوة والبغضاء، وسعي كل عضو لدفع مظاهر السخرية والاحتقار، والعمل على فك الضائقات وتفريج الكربات، بالبذل والإنفاق، وتفقد المحتاجين من أبناء الحي والتبرع لهم، والعطف على المعوزين والمعدمين، والنظر في أحوال المرضى والمعاقين، والرحمة بهم، ومدّ يد العون لأولئك الذين عضتهم أنياب الفقر، وأصابتهم الفاقة، والعناية بمن يحتاجون إلى رعاية مادية ومعنوية. كما أن إمام المسجد يستطيع –بما يحظى به من ثقة- أن يستقطب الأثرياء وذوي اليسار من أبناء الحي، ليكونوا مصدر تمويلٍ لإخوانهم المحتاجين، للتخفيف من معاناتهم، ومساعدتهم بما أنعم الله عليهم من المال، وسدّ حاجات الفقراء، وبسط أيديهم للإنفاق على العجزة والأيامى، والمكلومين واليتامى، والعاجزين عن التكسب والعمل، والتخفيف من آلامهم، كلُّ ذلك من أجل إقامة جسور من الرحمة والرأفة مع أفراد المجتمع، الذين أدت بهم الظروف المعيشية إلى الوصول إلى هذه الحالة، وإشباعهم وإكفائهم وانتشالهم من مذلة السؤال ومهانته.
إن التكافل الاجتماعي حين يطبق بين أفراد المجتمع، تبرز آثاره التربوية النافعة، في معالجة النفوس، وإصلاح القلوب، وتهذيب السلوك والطباع، والإحساس بالشعور الأخوي بين الجميع، وترسيخ التآلف والتعايش الودي الآمن، والمعالجة العملية لحالات من الفقر والحرمان، والعجز والإعسار.
إنَّ العناية بالتكافل الاجتماعي، وتطبيقه عملياً، يحفظ المجتمع وينقذه من لجوء البعض إلى طريق الإجرام، والوقوع في مزالق الانحراف، ومحاضن الرذيلة، وسلوك السبل الملتوية للوصول إلى تحقيق الهدف، مما يؤدي إلى خلخلة أمن المجتمع، وتفككه واضطرابه، وارتفاع نسبة الجريمة، فالتكافل الاجتماعي لـه دور مهم وفعال في انضباط الأفراد، وتحقيق الأم ن الاجتماعي، وترسيخ الاستقرار والاطمئنان، وغرس القيم الإيمانية بين جميع فئات المجتمع، وهي القيم التي تحفظ على المجتمع أمنه وسلامه، وتبث فيه روح الإخاء، وتبعده عن الاستغلال والعدوان، وتنقي النفوس من الأحقاد والعداوات.
1- كفالة الأغنياء للأقارب الفقراء:
حيث حث الإسلام على كفالة الأغنياء للأقارب الفقراء لأنهم أعلم بأحوالهم حيث قال تعا لى : } لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ { (البقرة: 177) وقال تعالى : } وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { (الأنفال: 75)
2- كفالة اليتامى:
اهتم الإسلام باليتامى اهتماماً كبيراً حيث ذكرهم المولى عز وجل في كتابه العزيز في اثنتين وعشرين آية، لكن الله سبحانه وتعالى لم يحث صراحة على كفالة اليتيم ولا في آية واحدة ويشعر هذا إلى أن كفالة اليتيم هي من الأمور البديهية التي لا تحتاج إلى النص عليها رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على كفالة اليتيم واهتم بذلك ، فقد أخرج البخاري عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ و َالْوُسْطَى0000 وقد حصر الدكتور عبد العال أحمد عبد العال التكافل الاجتماعي في الخطوط العريضة التالية:
1 - أن يشعر كل فرد في المجتمع بأن عليه واجبات يجب أن يؤديها وأن له حقوقاً يلزم الدولة أن تكفلها له. فقد أخرج البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فى َكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رعيته) 2- فتح باب العمل للقادرين وسد حاجة غير القادرين عليه ويوجب الإسلام على بيت المال الإنفاق على المحتاجين لذلك ، والمسجد بإمكانه أن يقوم بدور في حل أزمة المحتاجين في هذا الجانب من خلال تنمية شعور التكافل الاجتماعي بين المسلمين، ومن خلال صندوق العائلات الفقيرة الذي من الممكن إنشاؤه في كل مسجد بحيث يقوم المصلون الذين يستطيعون أن يتبرعوا بدينار واحد كل أسبوع لإعالة العائلات الفقيرة والمحتاجة ، أو من خلال صناديق الزكاة التي تنتشر من خلال المساجد.
3 - توزيع الأموال العامة على وجه يحقق التوازن بين المسلمين .
4- اشتراك كل أفراد المجتمع القادرين على تحمل المسئوليات في تنمية الخير ودفع الشر.
5- أن يوقن الناس بأنهم متساوون في أصل الحقوق والواجبات وأن الجزاء على الأعمال على حسب طبيعتها ومقدارها وثمرتها . قال تعالى : } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { (المائدة: 2)
لعالم الاجتماع الراحل الدكتور أحمد المجدوب بريقا خاصا في هذا التوقيت مع أزمة الانهيار المالي العالمية، وانعكاساتها على الفقراء في العالم، حيث أدت الأزمة خلال أيامها الأولى إلى تقلص نسبي في تبرعات جهات خيرية كانت تعتمد على تلقي الإعانات من شركات ومساهمين متطوعين ومحبين للعمل الإغاثي. وتبدو الحاجة ماسة إلى إعادة غرس قيم التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
يشير الدكتور المجدوب ـ رحمه الله ـ إلى حرص الإسلام على نشر قيم التكافل بين أفراد المجتمع، وبدرجة ضبطت السلوك الاجتماعي لأفراده، فكانت قيم التكافل نظاماً لتربية روح الفرد، وضبط إيقاع الأسرة، ونظاماً ربانيا لاتزان العلاقات الاجتماعية، من خلال البر، والإحسان، والصدقة، حيث نفى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كمال الإيمان عن من يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم:«ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». وعد القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنّ الله يحبُّ المُحسنين} (البقرة/195).
وأكد المؤلف في سياق حديثه على حرص الرسول الكريم على تكريس قيم التكافل الاجتماعي في المجتمع النبوي، واهتمامه ببناء المجتمع المتكامل، وقد حشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك المجتمع بقوله:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". البخاري و" مسلم وبالتالي فالتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مقصورا على النفع المادي، وإن كان ذلك ركنا أساسيا فيه، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة.
ولا تقتصر قيم التكافل الاجتماعي في الإسلام على المسلمين، بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع، كما قال الله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم". [ الممتحنة: 8 ] فالتكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم؛ فقد قال الله تعالى:" يا أيها الناس" إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". [ الحجرات: 113 ]، فهو يتدرج ليشمل الإنسانية جمعاء؛ حيث يبدأ الإنسان المسلم" بدائرته الذاتية، ثم دائرته الأسرية، ثم محيطه الاجتماعي، ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة.
وأكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة، وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار. ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها، كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية" في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". [ البخاري و مسلم ]. وحيث إن المال قوام الحياة المادية، والمرأة داخلة في ولاية زوجها؛ فهو مسؤول عنها بالنفقة، قال الله تعالى:" لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا "[ الطلاق: 6 ]. بل إن الإسلام قد أوجب النفقة للزوجة على" الزوج حتى لو كانت مطلقة، فإن النفقة والسكن واجبة عليه طول فترة العدة، وهي المدة التي تنتظرها المرأة المطلقة ولا تتزوج من غيره استبراء للرحم، كما أن الزوج يدفع لها ثمن إرضاعها لابنه منها حال طلاقها، قال الله تعالى: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ". [ "الطلاق: 6 ]. كما أكد الإسلام حق الأولاد الصغار في الرعاية والتربية، وجعل ذلك أهم واجبات الأبوين، فلم يكتف الإسلام بالدافع الفطري لقيام الأبوين بواجبها، بل عزز ذلك بقواعد محددة تضمن للأولاد النشوء في صورة مثلى تكفل لهم حقوقهم كاملة.
ويعرض الدكتور المجدوب ـ رحمه الله ـ نماذج لأنماط وأشكال التكافل الاجتماعي، فمن بين الزكاة والصدقات هناك الوقف على الذرية وعلى المحتاجين والمعوزين، حيث يمثل الوقف نظاماً اجتماعياً تكافلياً، مستندا لأصلين هما:
أولاً: أن المال لله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، كما قال تعالى: (وءاتوهم من مال الله الذي آتاكم) (النور33)، وقوله: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) (الحديد7).
ثانياً: الدافع الإيماني والرغبة فيما عند الله تعالى من الأجر والثواب الدائم. وقد دلت السنة على مشروعية الوقف، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر أحب أرضاً من أرض خيبر، فقال: " يا رسول الله، إني أحببت أرضاً بخيبر، لم أحبب مالا - قط - أنفس عندي منه، فما تأمرني؟" قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على أن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، في الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً، غير متمول مالا. (رواه البخاري في صحيحه).
ويشير المؤلف إلى أن للوقف دورا رئيسا في سد حاجات المجتمع الإسلامي، من خلال الإنفاق والتصدق والبذل في وجوه البر. وهذا سبيل إلى مرضاة الله ورسوله، وطريق إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ فالوقف نوع من القربات التي يستمر بها صدقة جارية إلى قيام الساعة، فعن أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". (رواه مسلم في صحيحه). ويحقق الوقف مبدأ تكافل المجتمع وإيجاد عنصر التوازن بين الأغنياء والفقراء، ويضمن الوقف بقاء المال وحمايته ودوام الانتفاع منه، ويوفر سبل التنمية عملياً وعلمياً بمفهوم تكاملي شامل. ومن مظاهر التكافل الاجتماعي التي يحققها الوقف، الوقف على المحتاجين والمعوزين، مثل وقف الرباطات والخانات بتأمين إقامة وبيت لمن لا مأوى له، لا سيما أبناء السبيل الذين انقطعت بهم السبل ولا مأوى لهم، ووقف القايات والمطاعم، ويهدف مثل هذا الوقف إلى تأمين المأكل والمشرب لأولئك المعوزين الذين لا يملكون من المال ما يدفع عنهم ضرر الجوع والعطش، و كذلك صرف مبالغ مالية ومساعدات عينية من الأوقاف للفقراء والمساكين، من خلال ريع المال الموقوف لتأمين دخل دوري وثابت لأولئك المعوزين أو العاجزين. كما تنوعت خدمات الوقف لدور التعليم والمتعلمين، حيث كفلت للمعلمين والمتعلمين شؤون التعليم والإقامة والطعام والعلاج، بل وتأمين أماكن إقامة يأوي إليها المسافرون لطلب العلم.
ومن أهم أشكال التكافل الاجتماعي في الإسلام " الزكاة" التي فرضها الله لتوفير احتياجات الفقراء، وتوفير الصحة النفسية للإنسان، وهي ترفع من معنوياته، وتحارب فيه أية بادرة من بوادر الانعزالية أو الشعور بالوحدة؛ إذ إنَّ الإنسان وهو يخرج بنفسه طواعية واختياراً بعض ماله يؤدي به الزكاة المفروضة عليه يشعر بأنه يسهم في بناء المجتمع، ويعمل على إسعاد أفراده؛ لأنه ضمن عوامل استقرار المجتمع وتراجع الجريمة. و سدّ الله تعالى بالزكاة جوانب عديدة في المجتمع الإسلامي؛ فقد سدت حاجة اليتيم الذي لا أهل له ولا مال له.. والفقير الذي لا يجد له ولا لزوجه ولا لأولاده ما يسدّ حاجتهم.. والمدين الذي أعضلته الديون ولا سداد عنه.. والمجاهدين والحجاج وطلبة العلم المنقطعون له ولا يجدون ما ينفقون. فالزكاة ـ هذه الأداة الربانية ـ حين طبقتها الأمة نجحت في محاربة الفقر، ونزعت من القلوب الحقد والحسد من الفقير للغني، وقللت كثيراً من الجرائم الخلقية والاجتماعية؛ وذلك بإزالة أسبابها من الفقر والحاجة، وعوَّدت المؤمنين البذل والسخاء، وهيأت سبل العمل لمن لا يجد المال. وفي القرآن الكريم إلحاح على قيم التضامن والتكافل بين المسلمين. وتكريس لهذه القيم بين الناس جميعاً. والآيات القرآنية في هذا المجال كثيرة جداً، والقرآن الريم يخاطب الناس جميعاً بهذا البعد العظيم المعبر عن روح المساواة بين البشر: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم (وهذا الآية الكريمة تؤكد قضيتين هامتين في الإطار الحضاري الإنساني:
الأولى: أن الله تعالى، قد خلق الناس شعوباً وقبائل لكي يتعارفوا، وليس لكي يتخاصموا، وهكذا فإن الحضارة الإسلامية في محكم الآيات القرآنية تدعو إلى الحوار الحضاري وليس إلى الصراع الحضاري، وتؤكد أن الإسلام يعترف بالشعوب الأخرى وعقائدها وحضاراتها.
والثانية: أن الله تعالى يؤكد أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم وليس أبيضهم أو أسودهم أو أغناهم أو أشرفهم نسباً:
وهاتان القضيتان تبرزان بوضوح الفهم الإنساني العميق لدى الحضارة الإسلامية لحقائق الوجود البشري.
وقد انطلقت استراتيجية التعامل الحضاري في التاريخ الإسلامي من هذا المفهوم، فلم يقم المسلمون بإجبار الآخرين على تغيير معتقدهم، ولا يذكر التاريخ أن فترة أو حاكماً أو مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي شهدت عمليات إرهاب ديني أو قمع مذهبي. ويؤكد هذا وجود عدد من الأديان والطوائف والمذاهب تمتعت بحرياتها خلال المراحل المختلفة لحكم الإسلام عبر أربعة عشر قرناً. وإذا أردنا تتبع الآيات القرآنية في هذا الميدان لرأيناها أكثر من أن تحصى، ومن شواهدها قوله تعالى: (لا إكراه في الدين ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن ومن جهة ثانية أكد القرآن الكريم على ضرورة وحدة الصف وتضامن المؤمنين في سائر مواقفهم تحقيقاً لوحدتهم وتتويجاً لمصالحهم المشروعة.
قال تعالى:
إنما المؤمنون إخوة ,,واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ,,وتعاونوا على البر والتقوى
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
ج - وفي الحديث الشريف دعوة إلى التكافل بين المؤمنين، ودعوة إلى معاملة الناس بالحسنى، وإلى رص الصفوف والتناصح والحرص على المصلحة العامة، ونبذ الخصومات، والإصلاح بين الناس، ومساعدتهم.
ومما ورد في الحديث الشريف تدليلا على هذه المعاني قوله (ص(
الدين النصيحة رواه مسلم.
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » متفق عليه . "لا ضرر ولاضرار"رواه ابن ماجة والدار قطنى
لا يحل لرجل أن يروع مسلماً» رواه الطبراني.
أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصِم» متفق عليه.
«من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» الطبراني.
«من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه.
«المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله» الترمذي.
«المسلمون شركاء في ثلاث: الماء و الكلأ والنار» أبو داود.
«إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً، فعليكم بالسواد الأعظم» ابن ماجة.
«إن المرء كثير بأخيه» ابن سعد.
«لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا و لا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» متفق عليه.
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.
«إن قوماً ركبوا في سفينة فاقتسموا، فصار لكل رجل منهم موضع، فنقب أحدهم موضعه بفأس، قالوا: ما تصنع؟ !… قال: هو مكاني أصنع به ما أشاء، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا» البخاري.
مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.
وهكذا نجد أن هذه الأحاديث الشريفة تكرس قيماً نبيلة يمكن إيجازها فيما يلي:
الدعوة إلى وحدة الصف وعدم التنابذ والتخاصم.
الدعوة إلى التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع حرصاً على المصلحة العامة.
الدعوة إلى التشاور وتغليب الرأي العام على المصالح الخاصة.
الدعوة إلى المودة والأمن والسلام والتسامح.
وهذه القيم سارت عليها خطوات الحضارة الإسلامية عبر تاريخها الطويل وأرستها سلوكاً عاماً ورسمياً وفردياً.
د – وإذا نحن استعرضنا جوانب عامة من سمات الحضارة الإسلامية لرأينا أنها امتازت – عبر تاريخها ومناطقها الكثيرة – بمزايا عدة جعلت منها مناراً إنسانياً رفيعاً. ولعل أبرز هذه المزايا:
١ـ التسامح وسعة الأفق واستيعاب كل الحضارات والتيارات الفكرية السابقة.
٢ - المرونة العقلانية التي تعاملت بها مع التيارات الداخلية فيها، من سنة وشيعة ومعتزلة وأشاعرة… وما يتضمنه ذلك من فرق ومدارس شتى. ومن جهة أخرى ما تعاملت به هذه الحضارة مع الحضارات الأخرى. ونلاحظ هذه المرونة والعقلانية في جملة الآيات والأحاديث التي تدعو إلى إعمال العقل واحترامه.
٣ - احترام الآخر وإفساح المجال لإبداء رأيه والتعامل معه على قدر كبير من الحرية الفكرية. وتشهد مجالس الخلفاء والأمراء والسلاطين على مدى ماكان يجري فيها من مناقشات بين أفكار ومذاهب وآراء وتيارات… في إطار غلب عليه احترام الآخر وعدم رفضه وعدم قمعه. والدليل على ذلك استمرار أكثر تلك التيارات والمذاهب حية حتى اليوم.
٤ - التكافل في صوره الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بما يتضمنه ذلك من نظام مالي قائم على الزكاة والضرائب المدروسة والتوجه نحو العدالة الاجتماعية التي تشمل طبقات المجتمع وفئاته المتباينة. (إن الله يحب المقسطين وذلك بغض النظر عن لون بشرة الناس وعرقهم ومذهبهم.
٥ - الحث على التشاور وعدم اتخاذ القرارات الفردية، وهذا تأكيد على دور التضامن في المجتمع. (وأمرهم شورى بينهم
(وشاورهم في الأمر
٦ - إن التضامن والتكافل يقتضي أن يتحلى المجتمع بالرفق والعلاقات الإنسانية. ولذا نجد القدوة والمثل في دعوة القرآن الكريم للرسول (ص) لأن يكون نموذجاً في سلوكه الرحيم اللين العطوف الذي يقوي أواصر التفاهم والتضامن: فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب، لانفضوا من حولك .0000
....الخاتمة....
إن بناء الأمم و الحضارات القوية يتطلب جهود وتضحيات عظيمة ولكن الإسلام قام برسم التشريعات التي تكفل الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع. وعن مظاهر التكافل الاجتماعي وآثاره ذكر الشيخ الغزالي : بأن المجتمع الذي يقوم على التعاون، و يتحقق بين أفراده التكافل، ويسود في أرجائه الشعور بالمحبة والإخاء والإثار فهو مجتمع حصين متماسك ، لا تؤثر فيه معاول الهدم ، ولا تزعزعه نكبات الأيام ، ويصبح آنذاك قادراً على تحقيق الهدف الأسمى : خلافة الله في الأرض وإعمارها على منهج التوحيد وشريعة الإسلام 0 إن التكافل لايقف عند تحقيق مصالح الجيل الحالي بل يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل وهو ما من شأنه أن يسهم في محاصرة الكثير من الأخطار التي تواجه مستقبل البشرية و التي نشأت من جراء لهاث جيل اليوم وراء مصالحه دون اعتبار لمستقبل البشرية مثل مشكلة البيئة والموارد الطبيعية.لذلك يجب على الجيل الحالي أن يحسن في تصرفاته فلا ينهب ولا يبدد الطاقات التي يمتلكها ليظل جيل المستقبل يحمل انطباعا ًجيداً عن الجيل الحاضر يحفظ مكانته و يستغفر له لقوله تعالى: ( و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
قائمة المصادر و المراجع:
1. د. فتحية النبراوي، تاريخ النظم والحضارة الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الثامنة،1998.
2. الموسوعة العربية العالمية، الجزء السابع، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية،1999
3. كفالة الأيتام
4. كفالة الفقراء والمساكين
5. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
: 6. مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية:
7. الشيخ الغزالي
8. المصدر
موضوع التكافل الاجتماعي لكل المستويات الثانوية
9-التكافل الاجتماعي في الإسلام وأثره في منع الجريمة والوقاية منها(كتاب
10- الكتب الدراسية